أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - باتر محمد علي وردم - وداعا لثقافة الرافدين وأهلا بثقافة الماكدونالدز














المزيد.....

وداعا لثقافة الرافدين وأهلا بثقافة الماكدونالدز


باتر محمد علي وردم

الحوار المتمدن-العدد: 461 - 2003 / 4 / 18 - 23:18
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



 

كاتب أردني
 
ربما كان العراقيون سيئي الحظ في أنهم ومنذ بداية هذا القرن لم ينعموا بالحريات السياسية التي يستحقونها، وتعرضوا لقمع وحشي من الأنظمة التي حكمتهم، وزجت بهم في حروب ومعارك عبثية، ومارست في حقهم أسوأ أنواع التنكيل التي تتجاوز حد خيال البشر الأسوياء على الأقل.
ولكن منذ اليوم الأول الذي يلد فيه أي عراقي، تكون له ميزة لا يضاهيه فيها أحد من العرب ولا من العجم، فالعراقي هو سليل أولى الحضارات في العالم، والذي من أرضه نبتت بذرة الحضارة والتمدن في تاريخ البشرية. ولكن من المؤسف أن ثلة من العراقيين، وبتنظيم وتخطيط من جيوش الاحتلال والغزو الأميركي قد سلبت بلدها هذه الميزة، كي تحل ثقافة الهامبرجر والكوكا كولا مكان ثقافة بلاد الرافدين العظيمة.
ربما كان الشئ الوحيد الصحيح الذي قاله محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي السابق، هو وصفه للمحتلين الأميركيين بأنهم "مغول العصر " و"العلوج" – باستخدام تفسير العلوج على أنها التيوس-، فهؤلاء الآتين على متن الدبابات والصواريخ والمغرورين بهاجس القوة والغطرسة لا يملكون أي نوع من الثقافة المحترمة التي يمكن أن يميزوا أنفسهم بها، ولذلك فإن أول ما حدث في العراق تحت رضا وسعادة "رعاة البقر" كان النهب والسلب المنظم لكل المعالم الثقافية العراقية.
يعجز عقلي عن القبول بأن عراقيين عاديين يمكن أن يقوموا بهذه الأعمال القذرة، فالفقير قد يسرق ليأكل ويقتني الأجهزة الكهربائية ويستغل الوضع القائم من عدم الأمن لمصلحته الخاصة، والحاقد على النظام السابق وله كل المبررات في ذلك سيجتاح المؤسسات الأمنية والوزارية السابقة ويحرق كل ما له صلة بالنظام الأمني الرهيب الذي أذله، ولكن من الذي يمكن أن يدخل إلى المتاحف ودور السينما والمسارح والمكتبات الوطنية ليدمر تاريخ العراق القديم والحديث، ويترك هذا البلد العظيم مهد حضارة البشرية فارغا الآن من أي تراث حضاري.
رعاة البقر الذين انحدروا من مجرمين أوروبيين هربوا إلى الأرض البعيدة الغنية وقتلوا سكانها الأصليين، قوم لا يملكون اية حضارة إلا المشروبات الغازية السامة والمأكولات الرخيصة السيئة وعبادة الدولار والتنافس الشرس والعنف والجنس الرخيص. وهم يأتون غازين إلى بلاد أنتجت الحضارة البشرية، فلا بد من تدمير هذه الحضارة وإعادة إنتاجها تحت الهيمنة الأميركية وبالقيم الأميركية الفارغة.
مذبحة الثقافة العراقية لا يمكن تبريرها بالرغبة من العراقيين للقضاء على معالم نظام صدام. أحد اصدقائي العراقيين المقيم في لندن ويحمل شهادة الماجستير في العلوم قال لي تلفونيا بأنه لو كان في بغداد لكان قد شارك في نهب وتدمير المتاحف لأن صدام كان يحب جمع التحف العراقية وهو الذي أسس المتاحف. ولكن مثل هذا الموقف هو مرض نفسي وجنون حقيقي، فهذا التراث ليس ملكا لصدام أو غيره من الطغاة الذين يأتون يذهبون كما هي سنة الحياة، ولكنها ملك للشعب العراقي أولا ولكل الإنسانية ثانيا.
الذي سيدفع الثمن الأعظم في هذه المذبحة الثقافية هم العراقيين أنفسهم، لأنهم بعد أن يفيقوا من سكرة الفرح بزوال النظام سيكتشفون بأن نهاية النظام رافقته أيضا نهاية سلسلة التاريخ الحضاري العراقي وزوال تراث الثقافة العراقية. نعرف بأن الثقافة ليست مبان ولا تماثيل ولا وثائق مكتوبة فقط بل هي منتج إبداعي أثبت العراقيون دائما قدرتهم على تجديده، ولكن الخسارة التي حدثت فاجعة بكل المقاييس وستكون وصمة عار على جبين البشرية، ويتحمل مسؤوليتها في  المقام الأول الأفراد "العراقيون" الذين نهبوا هذه المواقع الثقافية ومن ثم الاحتلال الأميركي-البريطاني الذي أعطى الأولوية لحماية النفط وسمح بنهب تاريخ العراق الذي لا يعني له شيئا.
إعادة إبداع وإنتاج الثقافة العراقية لن يكون مسألة سهلة الآن، حيث أن وجود الاحتلال الأميركي يعني فرض المعايير "الثقافية" الأميركية السطحية، ولكن مثل هذا المناخ المعادي للهوية الوطنية العراقية قد يساهم في زيادة منسوب الإبداع لدى العراقيين في إنتاج ثقافة مقاومة لقيادة الشارع العراقي في حرب التحرر من الاحتلال وأن يعود المثقف العراقي ليقود مسيرة الثقافية العربية بعد أن عاش دهرا ما بين مطرقة الاستبداد الداخلي وسندان المنافي الخارجية.
المستشار الثقافي للرئيس بوش قدم استقالته بسبب إحجام الجيش الأميركي عن حماية التراث الثقافي العراقي، ولكن أحمد الجلبي ووفيق السامرائي ومشعان الجبوري ونزار الخزرجي لن يرفعوا حتى سماعة الهاتف ليعاتبوا "بوش العظيم" على ما اقترفت يداه من مجزرة ثقافية كبرى بحق العراق العظيم، فهذه الثقافة العراقية لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، وهم في ذلك اسوأ من صدام نفسه الذي اهتم بحماية التراث، وربما كان ذلك الفعل الوحيد الجيد الذي قام به في حياته التي كانت كابوسا على العراقيين.
 



#باتر_محمد_علي_وردم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لن تجدوا صدام إلا في أسوأ الكوابيس
- وماذا عن -الفرهود- الأميركي؟
- آسف أيها العراقيون...لم أفرح !!
- الولايات المتحدة كدولة احتلال
- رامسفيلد، علي حسن المجيد والكيماوي الثالث!


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - باتر محمد علي وردم - وداعا لثقافة الرافدين وأهلا بثقافة الماكدونالدز