أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - موسى سليمان - الخُضر في محطة قطار















المزيد.....

الخُضر في محطة قطار


موسى سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 1584 - 2006 / 6 / 17 - 11:36
المحور: الادب والفن
    


- شحّاد!
- خلّونا نبتعد..!
كنّا ثلاثة في ذلك المساء الألماني الذي لن يتذكره أحد بعد اليوم و قد مضى عليه أكثر من أربع عشرة سنة من (الكرّ و الفرّ و الإدبار).
كنّامانزال نتصوّرإننا ثلاثة و إن شكّوكنا التي صارت تلازم ثلاثتنا دون أن يبوح بها أحدنا للآخر ماهي إلا خوف ككل خوف لازمنا منذ الولادة ثم فارقنا ليخلي مكانه لخوف آخر.
كنّا ثلاثة
كمال الكردي القادم من الجهة"الفوقانية"لخط قطار الشرق
العربي بعيونه البربرية الزرقاء و الكثيرة من الجزائر
وأنا الهارب من كلّ شيء.

كمال تكفّل بمهمة مراقبة جابي التّذاكر، و العربي بحكم خبرته الطويلة في التنقّل دون تذكرة اِقترح أن نبحث مباشرة بعد الصعود عن الفارگونات الصغيرة المخصصة لأربعة أشخاص، و قال بأنّنا نستطيع التخفي بسهولة تحتها: خويا والله نقدر نفككوا ترينات الالمان برغي برغي و نبيعوها لهم مرّة أخرى..

كنّا ثلاثة و قد عقدنا العزم على السّفر من معسكر اللجوء المنسيّ في أقصى الغابة شمالي قرية مولاو الصغيرة في شرق ألمانيا إلى العاصمة بون.
العربي وبرغم عيونه الكثيرة يئس من المكان، ياخويا فين ما نمشوا فيه مراقبة.. و يقصد بذلك المراقبة في الأسواق و التي كانت تمنعه من سرقة البضائع، يتململ من الحال و يتذكر الأيام الخوالي كيف إنهم كانوا و بخفة الساحر (يستعيرون) زجاجات جك دنيلس، و مسجلات السي دي و أفضل ماركات الجنز، و الشقراوات ليسهروا حتى الصباح ثم يمضي كلّ الى مكانه تاركين كل شيء وراءهم مسجلات السي دي، الشقراوات، ذكرياتهم في البلاد و خططهم الصاخبة للمستقبل..
و عندما شككنا أنا و كمال في مهارته اقسم بأنه سيثبت لنا احترافه حالاً، و هكذا مضينا الى أندريّاس الحارس و خلال دقائق كان العربي و قد انفرجت اساريره عن ابتسامة رضا يلوّح بمحفظة نقود الحارس و بطاقته الشخصية في وجهه المرتبك من المفاجأة..

ثلاث سنوات ظل كمال الهارب من قريته الجبلية في الجهة"الفوقانية"لخط قطار الشرق يعمل في ورشة عمه لتصليح السيارات في مُنشن گلادباخ دون ترخيص بالإقامة الى إكتشفته الشرطة، ثلاث سنوات كانت أجمل سنوات عمره رغم انها كانت مصحوبة بالخوف الدائم من الشرطة و الغرباء و رغم انّ مساحة حريته كانت تمتد من بيت عمه إلى الورشة الواقعة في الجهة المقابلة في حوش البيت.
ثلاث سنوات من الاحلام والمكالمات التليفونية مع أهله يجريها مرة كل بداية شهر ليستعيد كل كلمة في ذاكرته الاف المرات و ليحضّر للمكالمة القادة الاف المرات الى ان إكتشفته الشرطة!

وأنا بذكرياتي القليلة الباقية عن ثلج كييف وعنبر شاحنة المازوت التي مازالت الى اليوم تثير فيّ الاحساس بالإختناق.

كنّا ثلاثة، كمال اِشترى التذكرة التي تلمسناها انا و العربي بحسد و حاولنا فكّ طلاسمها دون جدوى..
قررنا أن نسافر مساءً " في الليل المراقبة خفيفة" أكدّ كمال؟؟
ساعتان من الزمان إلى أن ينطلق القطار! " مش مهم خويا، هنا المكان نحس" حاول العربي أن يخفف عن نفسه و عنّا.

محطة القطار في دسّاو،لابأس أن نبقى هنا على رصيفك يرمقنا العابرون، لابأس فغداً سيكون كمال في بيت عمه من جديد، سيحضن عمه و يخفي دموعه"رجال الكرد لايبكون" و سينتظر بفارغ الصبر استراحة عمه، سيتعلل بإنه ليس جائعاً، و عندما يصبح وحيداً في المكان سيلمس كل الالات ويحضن الجدران بشوق، سيغني" رجال الكرد يغنون" سيتصل مع أمه، و سيقول لها كل الكلام الذي أعاده لناأنا و العربي في كل مساء..
لابأس ايتها المحطة و ليتمتم العابرون بما شاؤوا فغداً سيعود العربي بعيونه العديدة الى أصدقائه الصاخبين، ليتركوا في ليل بون البارد كرنفالات عشقهم و أسئلتهم التي يسألونها لبعضهم دون ان يجرؤ أحدهم على الإجابة، اسئلتهم التي تخلف سحابات خضراء من الصمت لأن السامعين يدركون جيداً أن السائل يعرف الجواب، لكنه ينتظر من الاخرين أن يشككوا في شكّه من(الغدوة)،و لكن الاخرين لن يجيبوا بغير الصمت لانهم أنفسهم كل يبحث عمن يقول له انه (قد) يكون في مخطئاً في شكوكه..
لابأس ايتها المحطة حتى لو مرّ العابرون دون أن يرمقونا، فأنا اعرف مذ قرأت الابن الضال انني وجدت نفسي التي أبحث عنها، أعرف انني لااتذكر شيئاً من الماضي لانه لم يأت بعد، أعرف هذا الماضي من الغجريات اللواتي قلن لي: ان في عيوني دروب كثيرة و غزلان مذبوحة..!
فليكن أيتها المحطة، فأنا لن أتحرك من مكاني حتى لو ينتبه الى وجودي المارون، حتى لو ان هذا الكهل القادم من هناك سيبدأحالاً في شتمي..

- شحّاد! الحلّوف يريد سيجارة! قالها العربي
- خلّونا نبتعد..! قالها كمال
و بقيت متسمراً في مكاني، و ليكن شحاداً فما نكون نحن؟؟

يقترب مني الرجل حاملاً عكازه و كيساً قماشياً في يده، يتكلم معي، لاأفهم شيئاً،ربما يشتمني،فليكن...

أوضح له بالإشارة انني لاأفهم لغته، و أسأله ان كان يتكلم الروسية؟

(يا پَنيمايو-أنا أفهم) يردّ عليّ و يشرح لي انه يفهمني، يفهم ماأقوله و يفهم أشياء أخرى، يكرر على مسامعي(يا پَنيمايو، يا پَنيمايو، يا پَنيمايو) يفتح سحاب محفظته الصغيرة، يخرج شيئاً ما و يمدّ بيده اليسرى ورقة بنية اللون إليّ،ادرك أن الشيء البني في يده اليمنى هي ورقة الخمسين مارك، أنا أعرف شكلها، و أفهم إنه يريدني أن آخذها، أشعر بعرق غزير يسيل من رأسي، أهزّ رأسي رافضاً، أشير له بحركة من يدي أن يعيد الورقة البنية الى مكانها، يبتسم و يواصل مدّ الورقة إليّ، أعرف ذلك، إني ضائع، هذا ماقالته الجنيات لأميّ، لكن كيف عرف هذا الرجل القادم نحوي في هذه المحطة البعيدة، أعرف ان الخوف من كل شيء ملازم لي منذ الولادة، لكن كيف قرأ هذا الكهل خوفي و هو لايعرف لغتي، فليكن، فأنا لن آخذ هذه الورقة البنية... ولكنّ القطار سينطلق بعد ساعة و أنا أحتاجها، لا لا أحتاجها، العربي قال إننا سنختبئ تحت المقاعد، و ماذا لو لم نستطع...!! الرجل قال بنفسه إنه يفهمنا، هل يعرف أيضاً اننا سنسافر الى بون، و هل يعرف عمّ كمال و أصدقاء العربي، وليكن.. الطريق الى بون طويلة، و أنا سأحتاج هذه الورقة البنية التي أشد عليها بيدي و العرق يسيل من رأسي....!
لماذا يفعل هذا الرجل ذلك هل هو..!! لا من الافضل ان لاأسأله، بل سأسأل و إلا فأنّ الجواب سيظل يؤرقني بقية العمر.. وأنا تكفيني أسئلتي...
- ليش تسوّي هيك.. أنا شيوعيّ.. وأنت؟؟
فليكن يامحطة القطارات في دسّاو، فليرمقني المارون، و ليلتفت العابرون اليّ، انا الذي يحضنني الان رجل كهل لايفهم لغتي، رجل باكٍ و صارخ: أنا شيوعي يا ابني،نعم انا شيوعي...
فليكن.. فأنا كنت أعرف ذلك دوماً من كلام أميّ:
فليرافقك الخضر أينما رحت يا ابني..



#موسى_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - موسى سليمان - الخُضر في محطة قطار