أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل بن عثمان تليلي - فنّ الإقناع في السياسة















المزيد.....

فنّ الإقناع في السياسة


فيصل بن عثمان تليلي

الحوار المتمدن-العدد: 6541 - 2020 / 4 / 19 - 19:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تُتيح لنا الدّراسات النفسيّة الاجتماعيّة التي أجريت في حقل الاتّصال فهم الكيفيّة التي يسعى بها السياسيون إقناع الآخرين من خلال اللغة غير اللفظيّة التي يستعملونها وطريقة صياغة الفكرة والوسائط المستخدمة والصورة التي يُروّجونها عن أنفسهم. فكيف يستطيع السياسيّ إقناع الجماهير بأفكاره؟
مصداقية المتكلم:
منذ الخمسينيات من القرن الماضي، أكّد الباحثون أنّ السياسيّ الذي يتمّتع بمصداقية يكون أكثر إقناعًا عند الجماهير. للقيام بذلك، يتطلّب الأمر الظهور كخبير في القضية المطروحة، فطبيب الأسنان مثلا يقنعك بصفات فرشاة الأسنان أفضل من السبّاك، ووزير الاقتصاد يوثق به في التعامل مع الأزمة الاقتصاديّة أكثر من الناشط في البيئة والطبيعة. ومع ذلك، فإن تأثير المصداقية العالية للمتحدث قصير الأجل. فلئن يتّجه الكثير من المستمعين في البداية إلى تغيير رأيهم عندما يُعتبر المتحدث موثوقًا به، فإنّهم سيحتفظون في نهاية المطاف بمحتوى الرسالة فقط لتكوين رأيهم.
علاوة على ذلك، فإنّ المصداقية لن يكون لها نفس التأثير عند الفئات المختلفة من الجمهور: تأثير الإقناع لمتحدّث موثوق به يكون قويّا إذا كان الأفراد قليلي الاهتمام بالسياسة وغير متحمّسين كثيرا للتعامل مع الحجج السّابقة. خلاف ذلك، في حالة وجود متلقّين مهتمّين ومتابعين للشأن السياسيّ (الدافعيّة العالية)، فإنّ مصداقية المتحدث سيكون لها تأثير ضئيل على الحكم ذلك أنّ النظر إليه كخبير يتطلّب، لفترة من الوقت، خطابا ذا حجج قويّة.
إنّ السياسيّ الذي يظهر صادقا يكون أكثر إقناعًا. ويعتمد تأثير الإقناع على سمات المتلقّين: فقط أولئك الذين لديهم حاجة قليلة لمعرفة التفاصيل يتأثرون بسرعة، أمّا الآخرون فيقيّمون الحجج ويحكمون عليها بغض النظر عن درجة الصدق الذي يتصوّرونه.
أهميّة صورة الجسد:
إن الظهور في صورة الصادق أو الأمين لا يعتمد فقط على أدلّة موضوعية مثل عناصر الحياة المهنية، بل يلعب الجسد أيضًا دورًا مهمًّا. إذ يُنظر إلى الأفراد الذين لديهم وجه مستدير ومتماثل وعينان كبيرتان وأنف قصير وذقن صغير على أنهم أكثر صدقاً وجدارة بالثقة وأكثر لطفًا ودفئا. واعتمادًا على وجوههم وظروفهم، سيكون السياسيون إناثا وذكورَا أكثر أو أقلّ إقناعًا. كما سيكون السياسيّ أيضًا أكثر إقناعًا عندما تبدو عليه علامات النضج التي يتوقعها الجمهور من مهاراته وخبراته الظاهرة.
المتكلّم الجيدّ:
اشتبك "كينيدي ونيكسون" (Kennedy et Nixon) في آخر مناظرة تلفزيونية قبل الانتخابات يوم 21 أكتوبر 1960. قبل هذا التاريخ كانت نتائج استطلاعات الرّأي في الفوز بالانتخابات الرئاسيّة متساوية (49.9٪). بعد هذه المناظرة، فاز "كينيدي" بـالانتخابات متقدّمًا ب 118000 صوتا عن منافسه. يقول المحلّلون إنّ جاذبيّة "كنيدي" هيّ التي قلبت الموازين في نهاية المطاف. وقد أكّدت دراسة كندية سنة 1974(Elfran and Paterrson) هذا الاتجاه حيث بيّنت أنّ السياسيين الجاذبين يتحصّلون على أصوات أكثر من الآخرين في الانتخابات البرلمانية. وبالتالي فإنّ الجاذبية ستكون أحد الشروط الأساسيّة لإقناع النّاخبين. وتشير الدّراسة نفسها أنّه سيكون للرّجال فقط فرصة الاستفادة من هذه الميزة، فالنّساء الجميلات لا يحصلن على أصوات أكثر من الآخرين!
التّواصل غير اللّفظي:
تساعد تعبيرات الوجه على إقناع الجمهور الذي لا يهتمّ بمحتوى الرّسالة. وكذلك الصّوت العميق والتّعبير الواضح والاسترسال البطيء الذي يساهم في إدراك الجمهور لمصداقية المتحدّث.
كما أنّ للإيماءات المصاحبة للخطاب تأثير أيضًا. يتمّ التّمييز بين الإيماءات المجازية (على سبيل المثال، فتح الأذرع عند التحدث عن شيء كبير) والمحوّلات التي لا تتعلّق مباشرة بالمحتوى اللفظي (مثل اللعب بقلم)، وحركات التدقيق (على سبيل المثال طرق الطاولة بكفّ اليد لتساير إيقاع الكلام). من الأفضل تجنّب المحوّلات ذلك أنّ المتحدث السياسي يكون أكثر إقناعاً إذا لم يستخدم هذا الأسلوب أو حدّ من إيماءاته بشكل عامّ.
إجمالا يمكن القول إنّ لجميع السلوكيات غير اللفظية (الصوت والحركة واستخدام الفضاء) التي لها دلالة الإمتاع تأثيرًا في إقناع المتلقين خاصّة إذا ترافقت مع مصداقيّة المتحدّث. ويمثّل المظهر قناة اتصال متميزة تسمح بممارسة الهيمنة والتحكّم. ويجب أن ترافق النظرة الثابتة والمكثفة كلمة تهدف إلى أن تكون مقنعة.
بناء الرّسالة:
إنّ تأثير الأسبقية في الكلام (أي أنّ الأفكار المقدمّة أولاً أو أخيرا تثير إعجاب الجمهور)، وهو أمر يجب أخذه في الاعتبار عند محاولة الإقناع. وهذا ما يفسّر سبب تفضيل السياسيين التدخل إمّا أولاً أو أخيرًا أثناء المناقشة. ولكنّ تأثير الأسبقيّة يختلف بحسب الجمهور المتلقّي، فتأثير الأفكار والحجج الأولى يبرز بجلاء عندما يكون المتلقّون مهتمّين كثيرًا بالنقاش، والموضوع مألوفًا لديهم، والقضية المطروحة معقدة أو مثيرة للجدل. أمّا بالنّسبة إلى الأشخاص ذوي الاهتمام الضعيف، نلاحظ تأثراً أكثر بالحجّة الأخيرة وخاصّة عندما يكون الموضوع بسيطًا وواضحًا.
أمّا في خصوص كميّة الحجج المقدّمة ونوعيتها، فتشير الدّراسات إلى أنّ الأشخاص ذوي الاهتمام الضعيف هم الأكثر حساسية لعدد الحجج، سواء كانت قويّة أو ضعيفة. أمّا الأفراد المهتمّون فيتأثّرون بكميّة الحجج وبنوعيتها أيضا.
لتكون الرّسالة مقنعة، من الأفضل إضافة أدلّة (مثل آراء أشخاص آخرين يسيرون في نفس الاتجاه)، وتعزيزها بالحكايات والقصص الحقيقية والإحصاءات. ويستحسن تجنّب تقديم استنتاجات واضحة عندما يكون الجمهور المستهدف ذكيًا جدًا ومستواه التعليميّ عال.
اختيار الكلمات:
ومن المفيد في الخطاب السياسيّ تكثيف الكلمات من نوع "بالتأكيد"، "حقًا" واستخدام الاستعارات (على سبيل المثال لديّ حلم "مارتن لوثر كينغ" " Martin Luther King "). وهو ما يساعد على معالجة معمّقة للحجج وقوة إقناع، خاصّة إذا كانت الحجج ذات نوعية جيّدة. كما يجدر استخدام الكلمات بحذر لأنها تحمل رمزية، فقد تحيل على مواقف أيديولوجية معيّنة تتسبب في تأثير هالة وتقوّض الاتصال بأكمله عندما يُساء فهمها (على سبيل المثال: مصطلح "حثالة" الذي يستخدمه "نيكولا ساركوزي" " Nicolas Sarkozy").
لعبة العواطف:
السّؤال المتكرّر هوّ: هل يجب أن نُناشد العقل أم المشاعر؟
تشير الدّراسات إلى أنّه يستحسن اعتماد رسالة عقلانيّة إذا كان موقف المتلقّي عاطفيّا حيث يسهل تغييره وتعديله. وعلى العكس، إذا كان الشّخص قد بنى رأيًا اعتمادًا على عمليّة معرفيّة (على سبيل المثال نعم للطاقة النووية لأنّها "أنظف" من الطاقات الأخرى)، سيكون أسهل في التّعديل عند اختيار رسالة تثير العاطفة (مثل الإشارة إلى ضحايا هوريشيما " Fukushima "). في كلتا الحالتين، المسألة تتعلّق ب"مهاجمة" القاعدة السلوكية للمتلقي من أجل الحصول على أكثر فرص لتغيير المواقف والآراء.
تلتجئ بعض الخطابات السياسية إلى اللّعب على المسائل الحسّاسة أو "الحبل الحسّاس" (la corde sensible) لتنشيط الخوف وجعل الإقناع قويًا. وهو اتجاه رسمته أحزاب سياسية يمينية متطرفة في فرنسا مثلا. تكون نداءات الخوف فعالة بشكل خاص إذا وصفت تهديدًا من خلال التأكيد على شدّته وضعف الجمهور (مثل الهجرة). ولكن يجب أن تصرّ الرسالة أيضًا على فعالية التوصيات وسهولة تنفيذها (مثل إغلاق الحدود).
أمّا عندما يتعلق الأمر بالمرح، فإنه فعلا يزيد من الاهتمام بالتواصل. ولكن الإكثار منه (الجرعات العالية) يؤدّي إلى تعتيم الرسالة وإلى صعوبة فهمها وحفظها.
شكل التواصل ونوعه:
تشير الدّراسات إلى أنّ النّاس يفهمون الرّسائل المكتوبة ويحفظونها بشكل أفضل. وبالتالي فإنّ الكتابة ستكون أكثر ملاءمة لبثّ رسالة صعبة، أمّا عندما تكون الرّسالة سهلة يستحسن أن تبثّ شفويّا. أما بالنسبة إلى البث التلفزيوني المباشر، فقد أظهر تحليل حملة بوش-جور (Bush-Gore) عام 2002 أن الجمهور يفضّل النقاش الذي يمكنهم فيه طرح أسئلة على المرشحين. ذلك أنّ هذه الصيغة تلزم المنافسين السياسيين الدقّة والردّ المباشر، وتجنّب المواجهات غير الضرورية.
يؤكد تأثير الخصائص المختلفة لكل من المتحدث والرسالة أنّ الإقناع ليس في الغالب إلاّ مسألة جدليّة: فالاختيار بعيد عن أن يكون نتيجة انعكاس عقلاني بحت. تظهر البحوث أيضًا أنّ معرفة الحالة الذهنية للمتلقّي (الدافع، الاهتمام، المشاركة) تجعل محاولة الإقناع أكثر أو أقل فعالية، وأنه من الصعب تحديد "الحيل" التي تصلح دائما لإقناع جميع الجماهير. ومع ذلك، وفي خضم أزمة الأيديولوجيات، يتجنّب المواطنون النقاشات السياسية الجدلية (politico-polémiques)، ومواجهة القيم، وأنماط الحياة. في هذا السياق، فإن صفات المتحدث والتأثير العاطفي للحدث الإعلاميّ لها الأسبقية على المحتوى. وبالتالي يكتسب البعد النفسي للإقناع أهمية كبيرة، ولا يستطيع السياسيون التغافل عنه إذا أرادوا الفوز.
المصادر والمراجع:
Fabien Girandola (2003). Psychologie de la persuasion et de l’engagement. Presses Universitaires de Franche-Comté
Bernard Gaffié, «L’appréhension de messages politiques : quelques observations sur des effets d’indexation en fonction du contexte», Les Cahiers de Psychologie politique [En ligne], numéro 12, Janvier 2008. URL : http://lodel.irevues.inist.fr/cahierspsychologiepolitique/index.php?id=584
Patrice Georget, «L’orateur e(s)t le geste. Les effets de l’expressivité non verbale des leaders politiques», Les Cahiers de Psychologie politique [En ligne], numéro 12, Janvier 2008. URL : http://lodel.irevues.inist.fr/cahierspsychologiepolitique/index.php?id=612



#فيصل_بن_عثمان_تليلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشخصيّة والسلوك السياسيّ
- ماهي الأيديولوجيا؟


المزيد.....




- بيسكوف: نرفض أي مفاوضات مشروطة لحل أزمة أوكرانيا
- في حرب غزة .. كلا الطرفين خاسر - التايمز
- ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم -كروكوس- الإرهابي إلى 144
- عالم فلك: مذنب قد تكون به براكين جليدية يتجه نحو الأرض بعد 7 ...
- خبراء البرلمان الألماني: -الناتو- لن يتدخل لحماية قوات فرنسا ...
- وكالة ناسا تعد خريطة تظهر مسار الكسوف الشمسي الكلي في 8 أبري ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 795 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 17 ...
- الأمن الروسي يصطحب الإرهابي فريد شمس الدين إلى شقة سكنها قبل ...
- بروفيسورة هولندية تنظم -وقفة صيام من أجل غزة-
- الخارجية السورية: تزامن العدوان الإسرائيلي وهجوم الإرهابيين ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل بن عثمان تليلي - فنّ الإقناع في السياسة