أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض بن يوسف - الموت صمتا - قصة قصيرة














المزيد.....

الموت صمتا - قصة قصيرة


رياض بن يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1579 - 2006 / 6 / 12 - 08:00
المحور: الادب والفن
    


الموتُ صمتًا

كانت أمامي بكامل زينتها..بعينيها الخضراوين الناعستين اللتين تزينهما أهداب وطفاء و يعلوهما حاجبان أزجان مقوسان كأن يدا صناعا رسمتهما بدقة هندسية، و في وسط وجهها الملائكي أنف إغريقي دقيق أسفله فم صغير ترصِّعُه كرزتان حمراوان و يحيط به خدان مدبوغان بالثلج و النار..
يحمل كلَّ ذلك السحرِ جيدٌ عاجيٌّ لبنيٌّ، و يتوِّجُه شعر كستنائيٌّ مُذهلُ البريق... و كانت ترتدي غلالةً ورديةً، رقيقةً، شفـّافةً، يضيق بها صدرُها العامرُ وردْفها المرحُ.
جالسَةً كانتْ، تضعُ ساقا على ساقٍ فتشفُّ جلستها تلك عن بعض فخذيها و عن كل ساقيها، و بين إصبعين من أصابعها الدقيقة تحمل سيجارة و تدخن بأناقة و بطءٍ.
كانت تحدجني بنظرات باسمة و كنتُ أحدقُ إليها بنظرات بلهاء.
فجأة وقفتْ، اقتربت مني، داعبتْ أرنبة أنفي بإصبعها، ثم مسَّدَتْ شعري بيدها الرَّخْصة و هي تـُدْني وجهها من وجهي شيئا فشيئا.. أحسسْتُ بالعطر النفاذ يغزو مسام جلدي و بالحمرة القانية تعلو خدّيَّ و جبهتي. فارت دماء الرجولة في عروقي الصدئة.. أردتُ أن أفعل شيئا، أن أحيط خصرها بشِمالي و أدُسَّ أصابع يميني في شعرها الذي بدا مضيافـًا، ثم أنتهبَ فمها لثمًا...لكنني لم أستطعْ.. كنت مشلولا تماما و ذاهلا إلى أبعد حدٍّ.
طبَعَتْ قبلةً كبيرةً على ذقني الأملس، ثم قالتْ تخاطبني بشيء
من نفاد الصبر:
- لقد تأخَّرَتْ كثيرا.. ترى ما الذي أخَّرَها ؟
أردتُ أن أسألها عن تلك التي أقلقها تأخرُها إلى ذلك الحد،
و لكن صوتي كان يحتبس دون لهاتي..كنتُ تحت سطوة البريق الأنثوي.
أخذتْ تذرع الغرفة جيئةً و ذهابا و تدخنُ ببعض العصبية..
و حين سمعَتْ قرعًا – مُشَفـَّرًا كما بدا- على الباب، هبَّتْ نحوهُ مُسْرعةً. فتحَتْه ُ، فدخلتْ فتاة زنجية حسناء، غليظة الشفتين، ترتدي ثيابا جلدية حمراء. كانت الزائرة طافحة الأنوثة، جميلة كزهرة متوحشة من زهور الجن.. و سرعان ما احتضَنَتْ صاحبتي و قبَّلتْها في فمها قبلةً شرهةً فـَرْقـَعَ صداها في أعماقي، و هي تكاد تغرز أظافرها- الحمراء أيضا- في جيد صاحبتي الأبيض..
ماذا تفعلان أمامي؟؟؟!!!!
ولماذا تتجاهلان وجودي إلى هذا الحد؟؟!!
حتى أن السوداء لم تكلف نفسها عناء إلقاء تحية عابرة عليّ..
و هذه الجرأة..هذه الوقاحة في اجتراح الشذوذ أمامي..
ما سر كل ذلك؟؟
ألستُ رجلا؟؟
أليستْ لي مهابة الرجال؟؟!!

أردتُ أن أصرخ..أن أنهرهُما.. أن أتقدّم نحوهما فأصفعَ إحداهما و أركل الأخرى.. لكنني لم أستطع، و بدلا من أن يطلق فمي صرخته ظلَّ محتـفظا بابتسامته البلهاء الديوثة..

تعانقتا فوق الأريكة أمام عينيَّ الذاهلتين، و غابتا تماما في بُحران اللذة الآثمة..
السالبُ يعتنق السالبَ..
فيتدفقُ الفيض في الفراغ..
ألا تُدْرك هاتان الحمقاوان الخاطئتان ما هما عليه من ضلال؟!

استجمعْتُ قواي كلها لأنقضَّ عليهما.. لم تطاوعني ساقايَ.. رباهُ! ما هذا العجزُ الأزليُّ ؟! سأقنعُ بالكلام إذن.. ملأتُ رئتيَّ من هواء الغرفة المُدنّس، تكوّرت الكلماتُ العاصفة في حنجرتي.. و أطلقتُ قذيفتي.. لا.. لم ينطلق شيء من جوفي الملتهب، بيدَ أنني فقدْتُ توازني فسقطتُ، أحسسْتُ أن الأرضية الملساء بعيدةٌ جدا عني...
هاأنذا أرتطمُ بها فيتهشّمُ رأسي الدّيوثُ...
و بينما أنا أحتضرُ سمعْتُ صاحبتي تصيحُ:
- آه.. تمثالي الصغير..
.. هدية عيد ميلادي الأخير!!






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بيت المدى يستذكر الشاعر القتيل محمود البريكان
- -سرقتُ منهم كل أسرارهم-.. كتاب يكشف خفايا 20 مخرجاً عالمياً ...
- الرئيس يستقبل رئيس مكتب الممثلية الكندية لدى فلسطين
- كتاب -عربية القرآن-: منهج جديد لتعليم اللغة العربية عبر النص ...
- حين تثور السينما.. السياسة العربية بعدسة 4 مخرجين
- إبراهيم نصر الله يفوز بجائزة نيستاد العالمية للأدب
- وفاة الممثل المغربي عبد القادر مطاع عن سن ناهزت 85 سنة
- الرئيس الإسرائيلي لنائب ترامب: يجب أن نقدم الأمل للمنطقة ولإ ...
- إسبانيا تصدر طابعًا بريديًا تكريمًا لأول مصارع ثيران عربي في ...
- حين تثور السينما.. السياسة العربية بعدسة 4 مخرجين


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض بن يوسف - الموت صمتا - قصة قصيرة