نبيل حاوي
الحوار المتمدن-العدد: 1573 - 2006 / 6 / 6 - 10:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
كنت حائراً، يا أبناء وطني الحبيب، من أين أبدأ هذه الرسالة المقتضبة في خضم المواعيد المتزامنة مع شهر الحصاد، وهو الذي استهل بمناسبتين مهمتين: ذكرى اغتيال الصديق العزيز الشهيد سمير قصير وذكرى اغتيال الصديق العزيز الرئيس الشهيد رشيد كرامي... تأتي بعدهما ذكرى هزيمة الخامس من حزيران والزلزال الذي أحدثته على الساحة العربية... وبعدها سلسلة مواعيد لبنانية تتراوح بين جلسة الحوار الوطني المتأرجح وبين تقرير القاضي برامرتز حول اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري... وقرارات وقوانين منتظرة بشأن قانون الانتخابات البرلمانية وسد الفراغات في مجلس القضاء الأعلى وفي المناصب الأمنية والادارية وغيرها...
غير أنني رأيت، بعد تأمل طويل، أن أستهل رسالتي بذكرى نكسة حزيران التي كانت قد قضّت مضاجعنا في تلك الأيام الرهيبة من العام ,1967 ولن أنسى تلك الصرخات المدوّية في شوارع مصر وفلسطين وسوريا وكل البلدان العربية، وتلك المشاركة العفوية اللبنانية في الرد على الهزيمة، والتدريبات والتحضيرات لدعم الجبهة السورية والعمل الفدائي الفلسطيني... ولقد كنا، في الحزب الشيوعي وحلفائه، سبّاقين في إطلاق تجربة في المناطق الحدودية في الجنوب الغالي، وفي إطلاق <قوات الأنصار> ذات النطاق الأوسع، لكن هذه الاخيرة عادت وتعثرت بفعل عدم جدية رفاق لنا على الساحة العربية...
ولقد بُحّ، آنذاك، صوت الرفيق والقائد الشهيد كمال جنبلاط والقيادي الجنوبي الأخ معروف سعد والتنظيمات والتيارات الوطنية والقومية والناصرية والقوى الخيّرة في جميع المناطق والطوائف اللبنانية، بُحّ صوتُها وهي تستصرخ الضمير العالمي لمساندة شعب فلسطين الأبي، ولوقف العدوان الصهيوني المتمادي. وعندما قامت حرب تشرين العربية وحررت قسماً من الأرض المحتلة، كان للقوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية أكثر من مبادرة لدعم مسيرة التحرير من جهة، والتحذير من المراوحة في منتصف الطريق من جهة اخرى وفي ظل المشروع الكيسنجري المستغل للثغرة الأمنية <الدفرسوار>!
وقد شارك مقاومون لبنانيون من جميع الطوائف، ومن كل القوى الوطنية الفاعلة، في التصدي لعدوان <عملية الليطاني> عام 1978 وبعدها في مواجهة الاجتياح الشامل للبنان وعاصمته عام .1982 وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي أطلقنا بيانها الاول من منزل الشهيد كمال جنبلاط وبمشاركة الرفيق محسن ابراهيم في 16 ايلول 1982 ما لبثت أن بدّلت المعطيات وفتحت الباب الأوسع لسلسلة عمليات جريئة شاركت فيها مختلف القوى الوطنية والاسلامية وأزاحت المحتل الغاصب عن العاصمة الصامدة وعن باقي المناطق.
ومهما يكن من أمر السجال المتعلق بدور هذه الجبهة المقاومة أو تلك، وبخاصة سلاح المقاومين من الاخوة في حزب الله، فإنني أذكر باعتزاز كيف كانت بوادر التوافق اللبناني ترتسم من خلال مشروع إنقاذي متكامل، سواء قبل <الطائف> أو بعده، لمنع عودة الفتنة الطائفية، وايضا لوضع المساعي العربية في إطارها الصحيح، بعيداً عن التحكم بمقدرات لبنان أو الوصاية عليه.
وأعود لمصارحة شعب لبنان بأنني كنت أول من يلحّ على القائد الصديق ياسر عرفات، بعد رحيله القسري من بيروت الى تونس، بأن يتوجه الى دمشق العروبة... دمشق التي كنت قد نصحته بالذهاب اليها مباشرة من بيروت فلم تتوفر الامكانية لذلك.
وكنت أول من يلحّ على الرئيس الراحل حافظ الأسد أن يتعامل مع الساحة اللبنانية (ولا سيما بعد الطائف) من منطلق الاحترام المتبادل واحترام السيادة اللبنانية، كي يكون البلدان معاً في السراء والضراء في مواجهة ما يحاك لهذه المنطقة من العالم.
ولقد حرصتُ في المراحل اللاحقة على الإسهام، مع سائر الشرفاء، على فتح أبواب التلاقي بين جناحي الوطن اللبناني الواحد... وما زلت أذكر كيف شكرني الصديق الاستاذ معن كرامي على زيارتي لقائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع فاتحاً باب المصالحة <مما سّهل على شقيقي (يقصد: الرئيس رشيد كرامي) إشراك الدكتور جعجع في التشكيلة الحكومية>.
وما زلت أذكر، بالنسبة الى عهد الرئيس اميل لحود، كيف انه شجعني بحرارة على الخوض في جولات متتالية على القادة والاحزاب والسياسيين تحضيراً لمؤتمر وطني للمصالحة الوطنية الشاملة... غير انه لا رئاسة الجمهورية ولا بعض القوى الفاعلة، شجعوني على إكمال المبادرة الى النهاية.
واليوم، فإنني أتابع بشغف (وبخوف وحذر) المراوحة التي تمر بها المسائل الرئيسية في الحوار الوطني اللبناني، والعراقيل التي تصطدم بها مسيرة الاستقلال والسيادة وتبادل السفراء مع سوريا.
وهذه المسألة تشكل الوجه المضيء الآخر للعمل الوطني اللبناني.. فاحترام الارادة اللبنانية واجب على الاشقاء قبل الاعداء.. وإذا كانت سوريا مدركة حقاً لوجود <مؤامرة كبرى> تستهدفها> فإنه كان عليها أن تتصرف بطريقة مغايرة في مواضيع بالغة الخطورة على سوريا ولبنان معاً، وأن تتجاوب بشكل كامل مع التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس الحريري وسائر الاغتيالات.. وعسى أن يطمئن قلبي أنا بالذات فأعرف، بالوقائع والادلة، من هم الذين سفحوا دمي وأنا في خضم ورشة العمل الوطني اللبناني والتحرر العربي ودعم المقاومة والشعب الفلسطيني البطل.
وأخيراً، يا أبناء وطني الحبيب، لا يسعني إلا أن أتوجه وفي ذكرى هزيمة حزيران، الى قادة شعب فلسطين بأن يتوقفوا عن المشاحنات الشارعية بين الفصائل في غزة والضفة، وأن يضعوا الخلافات (بين الرئاسة والحكومة) على طاولة حوار جدّي ومسؤول، وألا يأخذوا عنّا نحن اللبنانيين أمراضنا (وحواراتنا الشكلية العقيمة) وانما حسناتنا وإيجابيات تجربتنا الديموقراطية.
وأقول لإخواني الفلسطينيين إنني أشدّ على أيديكم وأطالب العالم كله بوقف الحصار المالي والتمويني الذي يكاد يخنق مناطقكم. ولكن، يجب أن تساعدوا أنفسكم وتضبطوا خلافاتكم حتى يتاح للعالم أن يساعدكم.
...ومع التحية والتقدير لجميع أحرار لبنان والامة العربية، ولقد أثلج صدري افتتاح حديقة الشهيد سمير قصير (اللبناني والفلسطيني والعربي الاوروبي) في جنبات <النهار> التي فقدت ايضا الشهيد جبران تويني.. كما أثلج صدري أن اللبنانيين، في وسط الخلافات والمشاحنات، لم يضيّعوا البوصلة ولم يتركوا أيدي الفتنة تضرب إنجازاتهم..
أما أنتم أيها الشيوعيون والديموقراطيون المعنيون (بالمعنى المباشر) بمسيرتي الحزبية والجبهوية، فلا تدعوا روح الفرقة والهزيمة تتسلل الى نفوسكم، ولا تسمحوا باغتيال الشهداء للمرة الاولى (وكما جاء في افتتاحية الصديق العزيز طلال سلمان في ذكرى الرئيس رشيد كرامي). ولتكن دمائي ودماء سائر الشهداء نقاطاً مضيئة في الليل اللبناني والعربي الذي لن يطول.
(صاغها: الدكتور نبيل حاوي)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟