أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عبد اللطيف درويش - خواطر غير مرتبة في نقد جنسوية ذكورية منظمة















المزيد.....

خواطر غير مرتبة في نقد جنسوية ذكورية منظمة


عبد اللطيف درويش

الحوار المتمدن-العدد: 1570 - 2006 / 6 / 3 - 08:32
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


إن بعض المقالات التي يكتبها بعض فقهاء التزمت تعبر عن ميزوجينية هوجاء و تتفق مع جميع المواقف التي تَغْمِطُ المرأة، و تجعل منها كائنا لا يمكنه تحقيق ذاته و وجوده إلا إذا أخلص في تبعيته للرجل. و ما اصطلحوا على تسميته بسياسة الرجل لأهله هو إثبات لسطوة الرجل و أفضليته عن بنات حواء. و هذا التفضيل الذي تغنى به العرب المسلون خاصتهم و عامتهم من أكبر الأوهام التي أصيب بها هؤلاء و نسجوا حولها كتابات سيجت الحقل المعرفي بثنائيات لا تستقيم على حال. و كان من رواسبها المجهودات الفكرية التي ذهبت سدى في محاولة لتفسير هذه الزلة التي أدى العرب المسلمون ثمنها غاليا.ففي الوقت الذي يناقش فيه الآخرون القضايا الجوهرية المرتبطة بهذا العصر؛ نرى أبناء جلدتنا يكدون و يجدون في مناقشة ماسميناه بالوهم.و ملأوا ملايين الرفوف بكت تتحدث عن تفوق الرجل عن المرأة، و عن عورة المرأة، وعن إغوائها، وعن الكامن الشيطاني في لا شعورها، و عن حجبها.إن هذه الثقافة بسلكها هذا المسلك تكون قد فوتت على نفسها الخوض في المواضيع المهمة التي تبدو عاجزة على مسايرة أغيارها في مناقشتها.فما الذي يجمع عند مثقفي العرب بين العقل و الوجود، و بين حجاب المرأة و خضوعها لزوجها؟.فأي عقل نصدق هل العقل الذي يتحدث عن حرية الفكر و سلطته أم العقل الكابح للحرية و المبرر للسيطرة و الخضوع؟. و لقد ذهل أكثر من مفكر غير عربي-من المعروفين بحيادهم الفكري-من هذه الازدواجية التي أصيب بها المفكر العربي. و اعتبروها جزءا من ثنائية أكبر تتعلق بالمجتمع العربي الإسلامي و القيم الفكرية التي أفرزها منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا.فالعقل المعتزلي لم يسلم من هذه الازدواجية، و نفس الشأن بالنسبة للعقل الأشعري...
إن الأفدح في هذه الثنائية كونها لا تقتصر على ازدراء المرأة في البيت أو في علاقتها مع بعلها بل في كونها تعمم دونية المرأة في جميع الميادين الحياتية؛ فالشاعر الجيد فحل، و الكاتب الجيد فحل، و المرأة التي تتفوق على الرجل في ميدان من ميادين المعرفة ذكر ولد خطأ أنثى. ألم يقل النقاد عن الخنساء إنها فحل بأربع خصيات؟؟؟؟؟؟
إن هذه المرأة المزدراة ظاهريا عند العرب هي التي تحكم و تشكل لا شعورهم الجمعي ألم تغير خديجة التاريخ بزواجها بالرسول؛ فبضل مالها، و وجاهتها، و رجاحة عقلها استطاع الرسول أن ينجح في دعوته. و عائشة بنت أبي بكر شغلت المسلمين، و كان قدرها كبيرا حيث خصها القرآن بسورة من سوره، و لعبت دورا سياسيا فاق في وقتها أفحل الفحول.و نساء المجتمع العباسي اللواتي غيرن مآل هذه الدولة و حكمنها بقبضة حديدية، من وراء خلفاء أقواهم لم يكن ليشكل أكبر من ظل فزاعة- عند هؤلاء النساء- تهابها الطيور في أول مرة ثم- من بعد الدهشة- تقف عليها، و تعاود الكرة مرات متعددة.إنها حقيقة مجتمع موزع بين ظاهر ذكوري فحولي، و باطن أنثوي، بين جلي يتغنى فيه الرجال بقوتهم، و سيادتهم على النساء، و خفي ينبطح فيه هؤلاء، و يسعون إلى كسب ود أخس امرأة بكل ما يملكون من مال و معرفة.
إن أكبر الكتاب كرها للمرأة و أغزرهم كتابة ميزوجينية، هو نفسه أكثر الرجال بحثا عن عطف و رضا هذه المرأة. و لنا في سير هؤلاء نماذج تثبت تورطهم في هذه الازدواجية الباتولوجية.لقد نشرت امرأة عربية فضلت عدم ذكر اسمها- حتى لا تحرج خلها، الذي يتفانى في الكتابة عن عبقريتها، و ألمعيتها، و انتصارها لبنات جنسها- مقالة تبين كيف هاجمها هذا الخل، و وصفها بأشنع النعوت، و التي تلتقي في كونها ناقصة جمال، و عبقرية، و هي لهذا تدافع بضراوة عن النساء. و هي بعيدة كل البعد عن صورة المرأة كما يتصورها، وديعة، و حيية، و وديعة لا تفسد للرجل قولا، و وصل به الحد إلى وصفها بالمسترجلة. و استطاعت هذه الكاتبة بطريقتها الخاصة، و إغرائها، و فتنتها، ومعرفتها بهشاشة الفحولة العربية المتغنى بها، أن تستميل هذا الشخص فكتب فيها أشعارا و كلاما لمحت إليه يبين بصورة جلية إلى أي حد ينهزم الرجل العربي، في أول امتحان إغرائي، من أي سيدة تدخل معه في هذه اللعبة.ألم يقل عقلاء العرب إن المرأة تذهب رشد العاقل؟ و نسوا أن يقولوا:إنها تسفه تفاهة من اعتقل عقله، في قوالب مجمدة، تختزل العلاقة بين الرجل و المرأة في علاقة تبعية و سخرة. فالوقار و الرشد عند فحولنا يكمنان في مقاومة الإغراء الأنثوي، و كيده الشيطاني.فالمخلوق المستضعف الذي كتبوا عن سهوه، و ضعفه، ورفضوا شهادته إلا إذا كان مرفقة بشهادة من مخلوق يشبهه. و المخلوق الناقص عقلا، هو نفسه منبع آلام هؤلاء الفحول، و مصدر شقاوتهم. فكلهم في عزلتهم مع هذا المخلوق الضعيف، يسألون حظهم ألا ينهزموا في امتحان فحولتهم، و ألا تخار قواهم، و يتهمهم المخلوق الضعيف بالعنة و العجز...و هنا مربض الفرس؛ فالعربي يقبل ما لا يقبل، إلا أن تمس فحولته، أو أن يشك في رجولته.
إن العربي في مسيرته التاريخية الطويلة، حركته مسألة وحيدة، و هي المتعلقة بمسألة الشرف، و مسح العار. فكم من أم، أو أخت، أو بنت أحد الإخوة، أو الأخوات، أو بنت من بنات القبيلة، قتلت صونا للعرض الذكوري العربي. و لم نسمع قط عن مقتل ذكر عربي واحد، اقترف ما لم تقترفه أكبر عاهرة في تاريخ العهر العرب. و كم من أرض عربية استبيحت، و ترواث سرقت، و أموال نهبت، لم يحرك العربي لها ساكنا. و لم يهتم بهذا الأمر كأن هذه الجرائم أقل جرما من قبلة طائشة اقترفتها مراهقة- وقتلت صونا للعرض في هذا الزمن العربي الرديء-، أو من خلوة بريئة بين مراهق و مراهقة، لا يجمع بينهما إلا ما جمع بين قيس و ليلاه.فاللغة العربية حفلت بنعوت كثيرة لمن يسعدهم التفريق بين قلبين متحابين، فمنهم: العاذل، و الواشي، و الرقيب، ووو...
إننا في هذا العالم العربي لا تكفينا أريكة فرويد، و لا مارستانات هذا العالم، و لا عياداته النفسية لتقويض عوالم الأوهام، و الأصرح التي حصّنا بها وهما أكبر؛ و هو وهم الفحولة، التي خدشت حياء أوراق التاريخ العربي، و لوثت بياضاتها. فلم يخل كتاب كبر شأنه أو صغر، من حديث عن هذه الفحولة الطافحة، و هذه القوة الخارقة التي حبتها الطبيعة للفحل العربي، الذي عند الامتحان يعز و ينتصر، و يضاجع عددا لا حصر له من النساء في ليلة واحدة، و في أحايين كثيرة بوضوء واحد؟؟؟؟؟هذه الفحولة خذلته، و اختبأت من صفحات أخرى من تاريخه المسكوت عنه، أو غير المرغوب فيه غابت عن سنة 1492 و غابت عن سنة 1917 وغابت عن سنة 1948 و غابت عن سنة 1967 و غابت عن سنة 1970، و عن...الخ.
فحولة تحجب وجه المرأة، و تخاف إغراءها، و افتتان الآخرين بها. ترى لو كان العربي صادقا فيما يدعيه من فحولة هل كان سيقدم على وضع خرقة تحجب وجه من سطا عليها بفحولته؟.إن الحجاب هو أكبر دليل على آخر هزائم هذا العربي و أفدحها لأنها(= الهزيمة) مست المضمار الذي ادعى العربي أن لا أحدا يضاهيه فيه.
إن ما سقناه ليس هواية أو حصيلة لجلد الذات، أو مازوشية، تبحث عن اللذة المؤلمة في اختلاق التهم، و النقد المجانيين.إن ما نعتبره عين المشكل هو هذه الازدواجية التي تطبع سلوكنا، وتجعل منا أناسا نحمل أقنعة متعددة، فلا أحد منا يعرف حقيقة من يكلمه، و هل ما يفوه به هو ما يفكر فيه؟، أم العكس؟. فلعبة المضمر، و الضمني، أفسدت و قوضت طاقة التلقي و أهليتها.
إن العربي و هو يتحدث عن الضلع الأعوج، و عن النقصان العقلي للمرأة، يجعل من ضلعه ضلعا مستقيما، و من عقله عقلا راجحا. و يتحدث عن النساء العربيات اللواتي برعن في ميادينهن، بأنهن استثناء يثبت قاعدة مؤداها أن النقصان، و المكيدة، و الاعوجاج، و الخديعة، ميزات من مميزات المرأة.و ينسى أن التاريخ العربي لم يحفل بعباقرة رجال، يفوقون في عددهم عدد النساء العالمات، و أن أغلب العرب- ذكورا كانوا أم إناثا- عاشوا كما ماتوا نسيين منسيين.إن الاستثناء العبقري لا جنس له، و لا لون، و أن العربي عندما اختصه بجنس معين غيبه، و جعله غير ذي معنى.
هل التاريخ العربي ترك أسماء إناث من فصيلة الحجاج، و السفاح، و اندادهما من أخطاء التاريخ العربي الذي لم ينعم بممحاة كفيلة بمحو من أساء إليه، و جعله مظلما و مقززا لكل من يقترب منه.فالطفل و اليافع العربيين يقرآن تاريخ الأغيار و يجدون فيه عبرا، و عندما يقرآن تاريخهما فإنهما يغرقان في وحل من المكائد، و البطش، و إزهاق الأرواح التي آثرت أن تعيش خارج السرب.فهل يصدقان أن المرأة التي ولدتهما، و أرضعتهما، هي أكثر شيطنة من الشيطان، و أقل عقلا من عقلهما، وأنها قاصر،و تحتاج لذكر مثلهما لتحرر عقودها، و تسافر، و تقرر؟؟؟.و هل يقبلان أن توصف بالقسوة، و الخيانة، منْ تقضي الليالي الطوال قرب رأسيهما، و هما نائمان، و لا يهدأ لها بال حتى يعودان إلى البيت، في حين ينام والدهما الفحل، بعد عودته متعبا من ليلة حمراء راقصة، أو من بين أحضان خليلة من خليلاته الكثيرات.
إن من بين المفارقات الكبيرة التي تطبع ثقافتنا العربية هو هذه الازدواجية-التي أشرنا إليها في فقرة سابقة- التي تطبع سلوكات الإنسان العربي؛ فهو يتغنى بقوته، و عظمة تاريخه، و أفضليته عن الأقوام الأخرى. و هو نفسه يشتكي من الظلم، و يبكي لوعة الوجد، و جبروت الحبيب.و ورث العربي المعاصر تبعات زلات هذه الثقافة، و كبواتها المتعددة. فلا أحد من العرب المعاصرين عاش و لو ساعة، واحدة، من الأمجاد، و الانتصارات التي حبل بها التاريخ المحكي عن العرب.إن واقعنا يجعلنا نرتاب بل نفند ما وصلنا من أخبارعن صولة العرب، و قوتهم في القرون الخوالي.إن المرأة المذمومة في ثقافة هذا العربي، هي أكثر حضورا منه. ففي كل نكبة من النكبات التي لا حصر لها تخرج علها تشحذ همته، و ترثي قتلاه، و ما أكثر ما رثت....فنراها ترمي بالحجارة جيوش الأعداء، و تقف في وجه فيالق الغزاة، و تحمل صور أهلها المختطفين. و لا تعير للتهديد بالا، و لا للتخويف أهمية.هكذا ما تركنا لهذه المرأة من ذكريات نسائية إلا صور المرأة الناحبة، و البكاءة، و الراثية. و رتب مؤرخو هذا التاريخ العربي النساء في ما أرخوا حسب إتقانهن فن البكاء و الحزن و الخنوع.هكذا هي هذه المرأة يموت البعل المصون، و تلبس لباس حداد- أسود في الشرق، و أبيض في الغرب الإسلامي- كمدا عليه، و لو كان لها ظالما، و مزدريا، في حين نراه يخطب لنفسه، إذا توفيت قبله، من المعزيات. و لنا في تاريخ العرب آلاف النماذج، و السير التي تحكي عن نساء بني بهن، و كن من المعزيات، أو من قريبات المتوفاة. و لا أحد اتهم هذا الرجل بالجحود، وعدم احترام روح الهالكة. و لا يمكن أن نتصور امرأة لا ترتدي لباس الحداد، و لو كانت تمقت، و تكره الزوج الميت.هكذا هي ثقافتنا حكمت على المرأة أن تكون ذاتا من خلال الزي الذي يفرض عليها حسب نزوات الذكر:حجاب يغطي وجهها صونا لعرض هذا الذكر،و لباس حداد يوم يموت هذا المصون.
إن الكتابات الجادة التي اهتمت بتاريخ المرأة العربية، وصلت إلى خلاصة مفادها أن الأنثى هي ملكة اللاشعور العربي و موجهته و هذا ما ذهب إليه عبد الوهاب بوحديبة، و رجاء بن سلامة و نورية العلامي، وغيرهم من الدارسين الجادين غيرهما...
و لقد ظهرت عند العرب نساء سمين بالمُحرِّضات لعبن دورا مهما في إذكاء حماس الرجال- كما ألمحنا إلى هذا سالفا- و الزج بهم في المعارك التي يهربون منها. و كان علي بن أبي طالب قد التجأ إلى هؤلاء المحرضات في صفين لتأجيج حمية مقاتليه.و كلنا يتذكر تلك المرأة التي نظمت أرجوزة تشحذ فيها همة مواطنها الذكر، عندما خارت قواه، و ركبه الخوف من مواجهة العدو، فاستطاعت بذكائها أن تؤثر في لا شعوره المهووس بالخوف من الخيانة؛ فحذرته من مغبة مضاجعة الأعداء لها إذا لم يهب لصدهم، تقول:
" إن يغلبوكم يولجوا فينا الغُلُف"
و المعنى واضح و لا يحتاج إلى جهد لغوي، ليفهم منه أن كلمة "الغلف" تعني بها العضو الجنسي للذكر، و هكذا استطاع بنو جلدتها دحر الجيش الساساني. و من منا ينسى ما وقع لأحد أعيان السنة في العراق سنة 1917حيث نكت تحالفه مع القوات الغازية- ليس حبا في الدفاع عن استقلال بلاده أو تلبية لنداء ضميره- لأن جنديا إنجليزيا تحرش بفتاة من فتيات قبيلته، و استطاع هذا القائد أن يقتل هذا الجندي، و هو برتبة جنرال. و لم يقتله بسلاح ناري رغم توفره عليه؛ بل بالسيف، لأن التاريخ علمه أن السيف أكبر ماح للعار، و غاسل للشرف.إن حضور المرأة صمام أمان للذكر العربي و درعه الواقي في ملماته.
هذه هي المرأة لا كما ارتضاها الغزالي رقيقة، أو التي جعل منها الزبيدي في تاج عروسه حذاء؛ لأنه شبه الزوجة بالحذاء، فهي موطوءة كالنعل. و هي التي أخرسها فكر فقهاء الظلام، و جعل صوتها عورة، و نعلوا الأقوام التي تركت تدبير شؤونها لهذه المرأة "لن يفلح قوم و لوا أمرهم امرأة" عكس ما رأينا سالفا أن صوتها في شداتهم و عجزهم كان مرغوبا فيه، و لقد وقفنا على هذا عند المحرضات.
إن تعداد زلات الجنسوية الذكورية العربية لا يجدي في شيء، طالما أن عهد العرب بهذه الزلات لم ينقطع، و لما ينقطع. و لا يمكن لأي باحث أن يعد ظواهر ممارسة جارية لصعوبة حصرها، و مقاربتها. و الأليق هو تجنيب ناشئتنا من التمجيد المبالغ فيه لتفردنا، و قوتنا، و فحولتنا، و نقاوة عرقنا، و هلم جرا...، من الصفات التي أنعمت بها على مخيلة الإنسان العربي مركزيته الهوجاء، و ظنه أن العالم دونه خراب و بربرية؛ كما قرأنا هذا في كتاب مروج الذهب للمسعودي و في كتب أخرى نظيرة له لا تعترف للآخر إلا بما هو دون مقومات الأنا.إن العقل الذي آمن بمقولة " إنما العاجز من لا يستبد "، لا يمكنه أن ينتج أكثر من ذات مهووسة بأنوية مرضية، لا يوقفها عن البطش و ازدراء الضعيف إلا من هو أقوى منها.
إن الاستبداد بات من مقوماتنا، و في أحايين كثيرة اعتبر عند أهلنا مكرمة و فضيلة، أمام ما سموه بالفوضى. فالمستبد العادل –لنلاحظ هذا الطباق العجيب- خير من الفتنة العارمة. و لقد عدد علماء من بني جلدتنا جرائر هذا الاستبداد كالمصلح عبد الرحمن الكواكبي، و إن كنا نعتبر مقاربته سمجة. كما تناوله علماء من أقوام أخرى كماركس و إنجلز، اللذان تكلما عن الاستبداد الشرقي كمكون من مكونات هويتنا و ثقافتنا.
إن الخوف من الخصاء، و من فقدان مقومات الفحولة جعلا من الذكر العربي شخصا ملتاعا، يهاب كل أنة، أو علة عابرة، ظنا منه أنها ستهزمه إلى الأبد أمام المخلوقة التي نعتها بالضعيفة، و العزلاء، و القاصرة.و لعل مراجعة صغيرة للتعاريف التي خص بها العرب بعض الظواهر تبين أن العربي امتهن –على مستوى اللغة فقط- استصغار من هو في الواقع أقوى منه .و لعل التصغير في اللغة العربية خدم هذا العربي لهزم -و لو لغة- عدوه فكم سمعنا من مجايلينا تصغيرهم لأسماء أشخاص لا يكنون لهم الود و المحبة، و كان هؤلاء الذين صغرت أسماؤهم في الواقع في وضعية أٌقوى من وضعية المُصغِرِّين. و درج بعض الناس منا على تسمية شخص باسمه (أو نعته) المصغر طيلة حياته، لأنها وسيلتهم الوحيدة لإلحاق الضرر به. و كما نرى لا تتعدى هذه اللعبة هذا النوع من اللعب اللغوي.و في غالب الأحيان كان العرب يصغرون كلمة رجل(رويجل)، و يلصقونها بالرجل الذي يستمع لزوجته، أو الرجل الذي يعمل برأيها و يشاورها.و هذه أكبر إهانة يمكن أن يوجهها رجل لرجل.فلا يهمهم إن كان عقل المرأة المستشارة راجحا، و مشورتها وازنة. و لا يهمهم أن يكون الرجل المصغر اسمه سمجا، و دون مستوى علم زوجته.
إن التماهي المرضي في مقولات الفحولة، و الذكورة الطافحة النابذة للأنثى التي يعتور الفرد العربي، شكل أس أغلب ما خطته يد فقهائه، و علمائه في جميع الميادين.فلم يخل كتاب واحد-إلا بعض الاستثناءات- من هذا الوباء المسمى فحولة.و بات من المسلم به عند من ورثوا مضامين هذه الكتابات من عامة العرب أن الصواب؛ هو أن يعيد العربي إنتاج ما نهجه أسلافه، و أن يحافظ على هذا السلوك، لأنه جزء من موروث ثقافي، لا يمكن محوه أو التخلي عنه، فالهوية العربية بدونه ممسوخة، و مبتورة العماد.
و لعل أخطر تبعات هذا التماهي أن الكاتبات العربيات، اللواتي ناضلن من أجل رد الاعتبار للمرأة العربية، لم يسلمن من الوقوع في شرك –لا شعوريا-التصور العام الذي يقسم المجتمع إلى جنسين؛ جنس ذكوري غالب و مهيمن، و جنس أنثوي خاضع و تابع.فجاءت كتابات هؤلاء النساء معيدة بطريقة ممجوجة، ما درج على مناقشته، و فرضه الكتاب الذكور.فهؤلاء الكاتبات لم ينحتن تيمات جديدة، متحررة عما هو مطروح، و لم يخترن استراتيجية مغايرة تتغيا تقويض معالم الفكر الذكوري، و رواسبه حتى في الكتابات النسائية. و لا غرو في هذه الضراوة التي يقاوم بها الفكر الذكوري، و يفرض بها حضوره القوي في كتابات النساء العربيات.فما خط و صيغ في أربعة عشر قرنا، لا يمكن أن يزول، أو تخمد ناره، في عقدين أو ثلاثة.
إن الخطاب المتعلق بالجنس لا يمكن أن نعزله عن باقي الخطابات الثقافية العربية الأخرى، و من ثمة يستحيل تناوله في منأى عن هذا الكل. و بعيدا عن تصور يربطه بضرورة إحداث رجّة ثقافية تزعزع بنيته، و تطرح تصورا مغايرا حداثيا يقطع كل علاقة مع هذا "الإرث"، الذي لم ينسج العربي الحديث خيطا من خطوطه.إن قتل هذا التراث في صورته الأبوية، المحنطة في قدسية متورمة، و بعثه في صورة طفل"ابن"، طامح للتشكل، و تكوين ذاته بعيدا عن عقدة الكمال، هو البلسم الحقيقي لأمراض المجتمع العربي.



#عبد_اللطيف_درويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -اكتشاف هام- يمنح الأمل للنساء المصابات بـ-جين أنجلينا جولي- ...
- ما حقيقة مشاركة السعودية في مسابقة ملكة جمال الكون بالمكسيك ...
- إيه الحالات اللي بتحتاج استئصال للرحم؟
- بعد خلاف حول الحجاب .. فرنسا تقاضي تلميذة اتهمت مدير مدرستها ...
- -موقف محرج-.. تداول فيديو استقبال ميقاتي لرئيسة وزراء إيطالي ...
- طفل أوزمبيك.. كيف يزيد سيماغلوتيد خصوبة المرأة وهل يسبب تشوه ...
- النساء يشاركن لأول مرة بأشهر لعبة شعبية رمضانية بالعراق
- ميقاتي يتعرض لموقف محرج.. قبّل امرأة ظنا أنها رئيسة وزراء إي ...
- طفرة في طلبات الزواج المدني في أبوظبي... أكثر من عشرين ألف ط ...
- مصر.. اعترافات مثيرة للضابط المتهم باغتصاب برلمانية سابقة


المزيد.....

- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع
- النسوية.المفاهيم، التحديات، الحلول.. / طلال الحريري
- واقع عمل اللمراة الحالي في سوق العمل الفلسطيني الرسمي وغير ا ... / سلامه ابو زعيتر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عبد اللطيف درويش - خواطر غير مرتبة في نقد جنسوية ذكورية منظمة