أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماهر عبد الرحمن - كيف تعمل الرقابة؟














المزيد.....

كيف تعمل الرقابة؟


ماهر عبد الرحمن
باحث وكاتب مصري

(Maher Abdelrahman)


الحوار المتمدن-العدد: 6476 - 2020 / 1 / 29 - 23:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في رواية جورج أورويل 1984 يتخيل الكاتب أن هناك، في دولة ما، أربع وزارات تشكل الجهاز الحكومي، أحد هذه الوزارات هي وزارة "الحقيقة" وهي "تختص بشؤون الأخبار ووسائل اللهو والاحتفالات والتعليم والفنون الجميلة" وكانت وظيفة "ونستون" الشخصية الرئيسية لهذه الرواية، في وزارة الحقيقة، هي مراجعة كل المطبوعات وإعادة صياغتها بما يتوافق مع ما يراه الحزب الحاكم "فالتاريخ كله كان بمثابة لوح تم تنظيفه لإعادة النقش عليه بما تستلزمه مصلحة الحزب." هكذا تعمل السلطة على ضبط المجتمع ومراقبة سلوك الأفراد فيه، فهي تتحكم وتمارس سلطتها ورقابتها على الأفراد ليس فقط بالعنف والقمع المباشر ضد أي خروج عليها وعلى قيمها وأخلاقها السائدة ولكن، أيضا، من خلال إنتاج المعرفة وإعادة صياغتها دائما بما يتوافق مع مصلحتها واستمرار سلطتها. من هنا تبدو أهمية التعرف على الرقابة كآلية من آليات السلطة الحاكمة في أي مجتمع. وإذا كان جورج أوريل قد تخيل مجتمع ما شمولي إلى هذا الحد ويقوم بالرقابة على أفراده وعقاب من يخرج علي قوانينه، فإن الواقع يقدم لنا الآن مجتمعاً عالمياً أكثر تقدماً يستطيع عن طريق الأقمار الصناعية وشبكات الانترنت ووسائل القياس الأخرى أن يقوم بالرقابة على تحركات الدول والشعوب نفسها‏، بل ويسعى لتغيير قيمها واتجاهاتها بما يتوافق أيضا مع مصالحه‏ واستمرار وجوده وتلك حكاية أخرى على كل حال.‏
إن قصة الرقابة وكيفية عملها بفاعلية هي قصة مشوقة ضمن قصة أكبر لعمل السلطة الحديثة كتبها الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في أكثر من دراسة، وبالأساس في عمله المهم "المراقبة والعقاب". على وجه الإجمال ينتقد فوكو حصيلة عصر التنوير الأوروبي، الذي ترك لنا، بالإضافة إلى الأنوار، القيود، فتحولت السلطة فيه من الملكية الاستبدادية إلى أنظمة حديثة تقوم على تبدل واقتصاد آليات الرقابة والسيطرة. ويذهب إلى أن مؤسسات الدولة الحديثة هي التي تعمل على تكوين الفرد، أو بالأصح على إنتاجه؛ فعملية تكوين الفرد هي عملية حديثة تماماً كإحدى وظائف السلطة، وهي العملية التي يطلق عليها فوكو "الفردنة" بمعنى تميز الفرد كشخص بالنسبة للعناصر الأخرى في العالم، وأيضاً تميز الشخص بالنسبة للأشخاص الآخرين؛ ومن ثم خلق موضوعات للسلطة أسهل في الرقابة والتحكم والسيطرة، ومن ثم يمكن تحليل طبيعة قوة السلطة وآلياتها من خلال تواجدها وتبديها. فالفرد الحديث يتم إنتاجه من خلال الرقابة عليه و تطويعه و إصلاحه. إن الدولة الحديثة هي بالتعريف مشروع للاستعمار اليومي؛ فكل تعامل مع أجهزة ومؤسسات الدولة هو بمثابة إدماج وإعادة خلق وإنتاج للذات الفردية ضمن هذا الكيان الضخم، يحدث هذا في الأسرة، وفي المدارس، وفي السجون، وفي المستشفيات، وفي المصانع، وفي الخدمة العسكرية.. فالذات الحديثة تولد من إجراءات العقاب والرقابة والتطويع والإكراه. وتاريخ ادماج السكان القسري لهذا الكيان الحديث، تاريخ خلق و"فردنة" ما يسمى "مواطن" هو تاريخ طويل من العنف، الحقيقي والرمزي، ضد السكان لصالح قيام المشروع العقلاني الاستعماري المسمى "بالدولة الحديثة". وقد تجاوز ميشيل فوكو النقد الذي كتبه كارل ماركس عن السلطة أو الطبقة الحاكمة، فكانت أطروحة ماركس الأساسية عن استغلال العمال، بينما ذهب فوكو إلى أن الأجساد -قبل أن تكون "عمال"- كانت قد ادمجت من قبل ضمن إطار تنظيمي ورقابي وعقابي. وبالتالي فإن فوكو يقدم لنا السلطة لا باعتبارها طبقة حاكمة في مواجهة طبقات يتم استغلالها، لكن باعتبارها استراتيجية، كيف تتحقق وكيف تظهر وتتبدى في الأفعال. والفرد، على هذا النحو ووفقا لهذا التصور، لا يتم وضعه في مقابل السلطة، ولا في مقابل الحزب أو الأخ الكبير، ولا في مقابل الطبقة الحاكمة، بل باعتباره أحد آثار تلك السلطة، أو نتيجة من نتائجها. وتخلق هذه السلطة معايير السلوك والقيم والأخلاق من خلال ممارسة المراقبة وفرض الالتزامات وتطوير العادات للأفراد موضوع عملها وتبديها. تلك هي ببساطة شديدة قصة السلطة الحديثة وآليات عملها كما يحكيها ميشيل فوكو، وتقوم مرتكزاتها، كما عرضنا، على تقنيات: المراقبة والتوجيه والعقاب حين يتم الخروج عن النص المفروض من قبلها.



#ماهر_عبد_الرحمن (هاشتاغ)       Maher_Abdelrahman#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو متداول لحشود -عشائر سوريا- بطريقها إلى السويداء.. ما ح ...
- هل يُحوّل نظام الطائرات المسيّرة الأوكرانية الحرب إلى -لعبة- ...
- تقرير يكشف: إسرائيل تسعى للحصول على دعم أميركي لنقل فلسطينيي ...
- إحدى -أقسى عقوبات- أوروبا: خفض سقف سعر النفط الروسي
- ما دلالة تحريم شرب القهوة في أعراف العشائر السورية؟
- حماس تتهم إسرائيل بعرقلة جهود التوصل لوقف إطلاق النار في غزة ...
- هل تخدم تحركات العشائر مساعي الحكومة لفرض سيطرتها على السويد ...
- الضحك قد ينقذ حياتك.. لماذا نميل للمزاح في الأوقات الصعبة؟
- لندن توقف مخططا لنقل الأفغان إليها وتترك آلاف المتعاونين لمص ...
- عاجل | الرئاسة السورية: ننطلق في موقفنا من أحداث الجنوب السو ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماهر عبد الرحمن - كيف تعمل الرقابة؟