أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طه خليل - عطفاً على بلاد المهانة والخوف















المزيد.....

عطفاً على بلاد المهانة والخوف


طه خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1565 - 2006 / 5 / 29 - 08:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(الى محمد أبي سمرا)
***
قبل سنتين، في مهرجان ديار بكر الثقافي، اهداني صديقي محمد أبي سمرا كتابه "بلاد المهانة والخوف". قرأت الكتاب في الفندق، وأسرني ما كتبه عن رحلته الى جنوب كردستان، منطلقاً من بيروت ماراً بدمشق والقامشلي ثم عبور نهر دجلة فالوصول الى كردستان. كان ذلك قبل سقوظ نظام البعث في العراق.احببت ذلك الكتاب كثيراً، وفكرت منذ البداية، في إمكان أن آخذه معي الى سوريا، فهناك ما يشير الى مشكلة كردية فيها، وتلك من المواضيع الممنوعة في بلدنا. بلدنا الذي ليس فيه مشكلات قومية ابدا فالكل "يعيش راضياً مرضياً" تحت شعارها اللامع: أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة.
سلمت الكتاب لصديق آخر على امل ان يوصله هو، وكنت قد سبقته في العودة. عاد صديقي ويبدو انه نسي الكتاب في مكان ما، او عند احد الاصدقاء هناك، لكن الكتاب ظل يزور مخيلتي بين الحين والآخر، وأحاول تذكر ما قرأته منه، وأكتفي بذلك.
الكتاب حميمي واستنكاري، وادانة واضحة لما يعانيه الناس من قهر وخوف، تحت رعب الليل الامني الذي يطبق على أنفاس البشر، ويحيل الحياة الى خطوط ومربعات يتقاطع فيها الكل، ينامون معا ومعا يستيقظون، لترديد الاغاني الحماسية والتعبوية.
وقبل فترة قرأت مقالة للشاعر السوري (المتألم دائما) نزيه ابو عفش في جريدة الحياة، يرد فيها على الكتّاب اللبنانيين، ويعنفهم، وينعتهم بالجبن والدجل والانتهازية والعمالة للغرب، قائلاً ما معناه: ان هؤلاء الكتاب (أي اللبنانيين) لم يجرؤ واحد منهم على انتقاد النظام الامني السوري في لبنان عندما كانوا هناك. وبمجرد ان غادروا كتب هؤلاء عن سوريا وعن نظامها. كان بودي لو قرأ شاعرنا الحزين والمتألم كتاب صديقنا محمد ابي سمرا، لعله كان يعدل عن رأيه، ويخجل قليلا من كونه، كسوري، لا يعرف حتى الآن ان هناك في بلده الصامد مشكلة كردية، او على الاقل مشكلة أكراد، يعيشون مجردين من كل حقوق المواطنة ويعيشون بلا أوراق في بلدهم، يعيشون بطريقة لم تعد ترضى بها حتى البهائم، (مع احترامي الشديد لأبناء شعبي). ترى لماذا لم يكتب يوما ابو عفش عن هؤلاء، على الاقل من منطلق وطني سوري؟ اما انه يخاف، وتلك نقيصة، واما انه لا يعترف هو الآخر بهم (وتلك عنصرية)، واما انه لم يسمع بهم أصلا (وهذا عار عليه).
تربينا في المدارس البعثية، ولا تزال كتبنا المدرسية مفعمة بالفكر البعثي، ومقولات الامة العربية والقومية العربية. في كتب الجغرافيا و"التربية القومية" علمونا ان هناك أجزاء مقتطعة من الوطن العربي ويجب علينا ان نعد انفسنا لاستعادتها وهي: فلسطين، عربستان ولواء اسكندرون الموصوف بـ"السليب"، أعداؤنا هم: اسرائيل، ايران، تركيا (انهم يحتلون اراضينا). وكانت اسرائيل حسب النظرية: خنجراً في خاصرة الامة العربية.
مع الايام صار ذلك الخنجر سكيناً، ومن ثم شفرة، ثم ابرة صغيرة، وهي اليوم تتلاشى لتتعافى خاصرة الامة العربية المطعونة. اما عربستان فتركت للحياة الآخرة "لعل الفرس المجوس" يعيدونها للعرب ان هم دخلوا جنان الله بقيادة الخميني، ولواء اسكندرون السليب صار وحسب النظرية الجديدة "جزءاً حيوياً من الامن التركي". فهناك خنجر آخر يتحرك ويريد ان يطعن ظهر الامة العربية هذه المرة، وهو الخنجر الكردي.الذي يرفعه البرزاني تارة والطالباني تارة واوجلان حيناً، هكذا يشيد البعث المجيد ايديولجيته وهكذا "يتألم" معارضوه.
في الامثال الكردية: "الطير الخسيس تغتصبه كل الطيور، وحين يعود الى عشه، يغتصب فراخه". (هناك طائر يسميه الاكراد: الطائر الخسيس Teyre benamus).
في الوطن العربي كان لبنان الدولة الوحيدة التي عاشت متوافقة، وأوجدت في مفاصلها شيئاً من احترام الرأي والممارسة الديمقراطية، وكانت هي الأخرى خنجراً في بطن الامة العربية ولكنه غير معلن في ادبياتها العتيدة. وفجأة ادرك جميع مناضلي الامة العربية ان الطريق الى فلسطين يمر من صيدا مروراً ببيروت، تماما كما كان الطريق لدى صدام يمر بالكويت، والخليج الفارسي.
تدمرت بيروت، بقيادة قوات الردع العربية (ردع من؟) وصارت القوات العربية الشقيقة تسرح وتمرح في بيروت (وابو عفش يكتب قصائدة الحزينة جداً) وصار الامن الشقيق يحرس لبنان من أهله، ويرسم الخرائط السياسية لهذه الجماعة او تلك.
مشهد 1:
يقف الرجل المعمم على الشرفة، حوله البودي غارد، يعدل عمامته (او يضعها لنعرفه) ويبدأ خطابه الناري، يدمر اميركا واسرائيل، في لحظة، وبجمل قليلة، ويصدق فعلاً انه اليوم وريث شريكه المغادر، وعليه حفظ العهد لأصدقائه الذين لم يقتنعوا بعد بانهم غادروا فعلاً. عليه الآن ان يطرد عملاء اسرائيل من لبنان كله، كل من يفكر الآن بان يريح ويستريح هو من عملاء الصهاينة و"اليهود" وكل من يستنكر مقتل الحريري او جبران تويني او... أو... هو عميل للغرب ويدعو الى الوصاية الدولية على لبنان. يجب ان تتعطل الحكومة، ويتكسر البرلمان ، وتتهاوى الوزارة، وتنهد السموات، على رؤوس اللبنانيين جميعاً، انهم عملاء اسرائيل.
مشهد 2:
صدر بلدنا لا يتسع لنا لنكتب في صحافته الموقرة، ونعبر عن رأينا بضمير حي عن همومه، أوجاعه، وأفراحه. يكتب بالنيابة عنا كتاب من لبنان "الشقيق": نبيه البرجي و ناصر قنديل، ونحن ابناء البلد نعتقد ان قنديل والبرجي يحبان "الشام" أكثر منا، ويغارون عليها أكثر منا، فنقضي الايام متململين على طاولات مقهى الروضة، نسأل "أبوحالوب" مختار العراقيين، والعالم بشؤونهم، الذي تحول بعد أكثر من خمس وعشرين سنة، الى جزء من مقهى الروضة، نسأله ان كان هناك من سأل عنا اليوم قبل حضورنا الى المقهى، نعشم الروح، بأن وزير أعلامنا قد يستيقظ ذات يوم ويستفقد كتابه واعلامييه وشعراءه وروائييه. يزم "ابو حالوب" شفتيه: ان لا أحد، ويخبرنا بأن صديقنا العراقي الذي هاجر منذ عشر سنوات الى كندا، قد عاد بالامس وسيحضر بعد قليل.
ونستمر في الجلوس والانتظار، وعلى الطاولة ترك أحدهم جريدة "الثورة" وعلى صفحتها الاخيرة، "شقيقنا" قنديل ينصحنا بالتلاحم وحب الوطن، الذي كان من الايمان، وليس من الخوف.
مشهد 3:
يعود العسكري من اجازة، هو يخدم في لبنان، حاملا لأهله بعض فناجين القهوة، ومسجلة من صنع تايوان، وكاسيت لسميرة توفيق. يجتمع اهل القرية حول العسكري، يسألونه عن حاله، فيتململ المسكين، وبعد ان يحدق جيدا في الذين حوله يجيب بمرارة: "اللبنانيون لا يحبوننا". ثم يشتم بطريقته القروية كل اللبنانيين. هو لا يفرق بين المعارضة والموالاة، وربما لم يسمع بالفريقين، انه على حق، اللبنانيون يكرهون جزمته التي لم تعد لها ضرورة الا لحراسة من يهرب أشياء أكبر من فناجين القهوة.
يتحدث العسكري عن صبايا بيروت "هن حلوات" ولكن في الجنوب لا، كلهن متحجبات متدينات "العسكري المجند لا يعرف انه يستهزئ من مناصريه وقناديل ليله".
العسكري ينهي الاجازة، ويعد الجيران بمزيد من فناجين القهوة وصحون السيراميك، العسكري لم يسمع بعد بالقرار 1559، وحتى لو انه سمع به، فان وزير خارجيته قال ان القرار هو انتصار لسوريا، فهو لم يذكرها بالاسم.
بعد ايام يعود العسكري ذاهلا ولم يلحق ان يشتري بعض الفناجين، كان خائفاً حين انسحبوا "لم نكن نصدق باننا سنصل البيت بسلام" العسكري لا يعرف لحد الان ما جرى.
مشهد 4:
اسرائيل انسحبت من جنوب لبنان، حملت قواتها وخيمها وقطعها الحربية وولت الادبار. التلفزيونات العربية منتشية بالنصر المؤزر، وحسن نصرالله يعلن هزيمة العدو الاسرائيلي الجبان، تحت ضربات المقاومة الباسلة .
هذا جيد، المشهد يليق بان يبث على مدار الساعة... في هذه الاثناء كان التململ اللبناني يرتفع من الوجود السوري. ترى ماذا لو كانت سوريا، في اليوم الثاني من الانسحاب الاسرائيلي قد قررت: "والآن بعد ان انهزم الجيش الصهيوني، وعاد الجنوب اللبناني حراً لأهله، قررنا سحب قواتنا العاملة في لبنان فوراً". لوكان هذا قد حدث، لكان الناس كلهم قالوا: شكراً لك يا سوريا، شكرا لجيشك، شكرا لكل ما فعلته، ولنسي الناس "الاخطاء" التي ارتكبت، و كانوا ودعوا السوريين بالورود والارز، وكانت سوريا تبدو وكأنها طردت اسرائيل وعادت..... لكن ذلك لم يحدث ، بل بدأت "الاخطاء" تكبر وتتراكم، وبدأت سلسلة الانفجارات ، فكان دم الحريري أكبر من ان يتحمله اللبنانيون ، فطردوا الاشقاء السوريين وانسحب السوريون ولم يشكرهم أحد، ولم يتمكن الجنود المساكين من شراء بعض الفناجين كآخر الهدايا من جنة لبنان. كان يمكن للانسحاب السوري من لبنان لو جاء في وقته المناسب ان يكون ذريعة للكثير من المشاريع المشتركة، مع لبنان، وكانت ستظل تذكر اللبنانيين بجميلها حتى آخر العمر، لكنها انسحبت، بعد ان هدمت كل "مآثرها" هناك.
مشهد 5:
الانسحاب لم يعد كافيا، يجب ان نعرف الحقيقة "من قتل الحريري؟" صار شعار المرحلة اللبنانية، واختلطت الاوراق، وتبدلت القوى والموازين، وتغيرت التحالفات. خرج سمير جعجع من السجن، ميشيل عون عاد، بدأ اللبنانيون يرسمون سياساتهم كما يحبون، ولكن هناك فرقاء من "الاشقاء" زعلانين على شقيقتهم سوريا، هؤلاء لن يستمروا في الحكومة، يهددون بالنزول الى الشوارع، مسلسل التفجيرات يستمر، تتوقف الحلقة لحد الآن عند جبران تويني، ترى من هو بعد جبران ؟ الكل خائف، وشبح التفخيخ يخيم على بيروت.... لجنة التحقيق تتهم سوريا والامن اللبناني، سوريا تقول لاعلاقة لها بالموضوع، وتعتبر كل ما يحدث مؤامرة مخطط لها منذ سنوات... طيب يا سوريا العزيزة: مادمت تعرفين ان هناك مؤامرة تحاك منذ سنوات، فلماذا لم تقطعي الطريق على المتآمرين، لماذا لم تنسحبي منذ سنوات، لماذا تمددين لأميل لحود، ألم يكن لديك مئة لحود آخر في لبنان؟؟!!!
مدخل أخير:
ماذا عسانا ان نقول لأصدقائنا اللبنانيين؟ هل نقف معهم في محنتهم ام نقف مع بلدنا "صفاً واحداً خلف قياداتنا الحكيمة"؟ ماذا عسانا ان نقول: هل نعتذر لهم ام نشمت بهم، ونقول كما يقول بعض من (المحللين السياسيين) في بلدنا: هذا نتيجة الانسحاب من بلدهم؟
أهذه هي بلادنا؟ أهذه هي بلاد الذل والمهانة؟ التي سنموت فيها كالكلاب؟
ليس لنا الا ان ننتظر، هكذا تعودنا، ليس من حقنا الا الرضى بمايكتبه لنا قنديل والبرجي، والاستمتاع بقهوة الروضة وأخبار "ابو حالوب" شاهد البؤس العربي الطويل.



#طه_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طه خليل - عطفاً على بلاد المهانة والخوف