سامي النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 6452 - 2019 / 12 / 31 - 19:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انطلاقا من باقات الحب والأمل، بإخلاص وانتماء قواعد الثورة الجماهيرية، أضع بين أيديكم هذه الملاحظات المسكوت عنها، والتي حسب اعتقادي شكلت محور فشل سياسي لفصائل الثورة وفي مقدمتها فتح، على حساب تفوق العوامل التعبوية / الشعبوية !!
تعلمون أن تفكيري غير تقليدي بالمرة، واكاد أستنكر سلوك عامة الناس من التطبيل والتقديس لقادة عرب أورثونا الهزائم بلا مبررات حقيقية، مثل المعركة التي خاضها صدام حسين ضد أمريكا وقوات الناتو والتي أضاعت العراق وقسمته ومزقته إرباً .. عبادة صدام عند الشعب الفلسطيني لها منطلق ومبدأ وحيد، وهو العقلية القتالية، فما إن يلوح زعيم بحرب إسرائيل حتى يلتف الشعب حوله ويمطرونه بأسمى آيات التقديس والتبجيل .. صدام خاض معركة بلا إمكانات توازن عسكري أو تكافؤ من أي نوع فكانت النتيجة محسومة سلفا . . مثله خاض زعيم الأمة عبد الناصر من قبل حرب حزيران 67 التي أورثتنا احتلال سيناء وغزة والضفة والقدس والجولان في ستة أيام .. أو على وجه الدقة - في ست ساعات !!!
ألا يشعر المواطن العربي بالخزي والعار نتيجة للهزائم والكوارث والمجازر فنجده يصفق للزعيم المهزوم بلا مبرر ومن دون وجود سبب يدفعه إلى ذلك ؟؟!
نفس الأمر حدث مع تجارب الثورة الفلسطينية .. حاربنا من الأردن وانتهت بمجازر أيلول، ورحلنا إلى لبنان وحاربنا من هناك وانتهت بخروج بيروت ومذابح صبرا وشاتيلا .. طوال 71 عاما من عمر النكبة استخدمت الفصائل مباديء العنف الثوري المسلح، وفي كل مرة كانت تحل بالشعب والمدنيين الكارثة تلو الكارثة والمجزرة تلو المجزرة، ذلك أننا نقاتل عكس نواميس المنطق والإمكانات الحقيقية والرغبات الدولية، فلم نكترث للهزيمة الحضارية والفجوة العلمية مع الاحتلال والغرب بشكل عام، والنتائج مروعة بآلاف الشهداء وآلاف الأيتام والأرامل والثكالى والمعاقين، إلى أن وصلنا في الضفة وغزة إلى مرحلة عدمية لا نمتلك فيها القدرة على الفعل ولا رد الفعل .. فلا نحن ضمن اتفاق حكم ذاتي ولا نحن تحت السيطرة العسكرية الاحتلالية المباشرة ولا نحن مناطق محررة، وبالرغم من كل هذا نتصرف كدولة رسمية تقهر ملايين الغلابا والفقراء، فأصبح المواطن / اللاجيء يدفع مئات الشواقل ثمنا لفاتورتي كهرباء ( الشركة / البديلة ) في غزة، ومئات الشواقل الأخرى ثمنا لخط النفاذ وفواتير الاتصالات والإنترنت، ثم فاتورة المياه والصرف الصحي، ولو أن حال التنمية والمستوى الاقتصادي والدخل مقبول، لما تحولت تلك الفواتير إلى سكين حادة تذبح الناس من الشريان إلى الشريان بلا أدنى إحساس أو شفقة أو خجل !
العقل العربي لا يخص تهور القادة والزعماء نحو افتعال صدامات وحروب دون مقومات، بل تمتد الأزمة لتشمل الطاقم الوزاري فلا يقدمون لمسيرة البناء الحضاري ما يوازي مرتباتهم الخرافية من دماء الناس ! ( فاقد الشيء لا يعطيه )
الفشل هو فشل عقلية تشمل الثقافة العامة للمجتمع، فمثلا قام الرئيس المرحوم ياسر عرفات في العام 1997 بالتوقيع دون تحفظ على وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تكفل حرية الفكر والمعتقد وحرية التعبير عن الرأي، لكن توقيع الرئيس لم يتحول إلى حوارات وندوات وورشات عمل لإقناع الرأي العام، الذي ما زال يرفض معظم القيم المشمولة بإعلان المباديء. بالمثل قام الرئيس عباس بالتوقيع على اتفاقية سيداو لمناهضة التمييز ضد المرأة الفلسطينية، فتصدت العشائر والقبائل وثقافة الذكور لاستنكار الاتفاقية. يوجد بون شاسع بين طموح الدولة وثقافة المجتمع التي ترفض التقدم والرقي والتحضر، لتصبح فلسطين كيانا شرعيا ملائما لنواميس وقوانين الكون من حولنا.
-----------------------------------
على هامش سيداو: راتب مدرس الابتدائي الحكومي 2000 شيكل بينما راتب معلمة رياض الأطفال 400 شيكل فقط !!! ظلم وتمييز وافتراء واضطهاد لأبعد الحدود.
-----------------------------------
إذن نحن أمام عقلية تمجد العنف وبطولات الفاتحين وما زالت تتغنى بعيلبون وخطف الطائرات وميونخ، فيما نفس العقلية ترفض بإصرار حقوق المرأة والطفل والحريات العامة ومباديء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
-----------------------------------
ثمة مرشح رئاسي هو عدنان مجلي عالم الكيمياء الطبية، وصاحب ابتكار العلاج الجيني للسكر من النوع الثاني والذي قدمه عالم عربي وفلسطيني كمنجز حضاري للبشرية جمعاء، إضافة إلى المئات من براءات الاختراع لأدوية وعقاقير حديثة أثبتت فعاليتها عالمياً. مجلي هو الإضافة العربية الوحيدة في عالم الطب من بعد أبو بكر الرازي وابن سينا وأبو القاسم الزهراوي، مع بالغ الاحترام لجراح القلب المصري الشهير مجدي يعقوب !
صحيح أن الرجل لا ينتمي للمدرسة النضالية التقليدية، فهو لم يقضي سنوات طويلة في السجن يستحق عليها رتبة عقيد، ولم يشكل فصيلاً سياسياً يثقل موزانة منظمة التحرير بآلاف الرواتب والنثريات، لكنه يمتلك سجلا من نوع مغاير تماماً، وهو سجل طالما افتقدناه كعرب وفلسطينيين، حيث عقيدة العلم والبحث العلمي ومراكز الأبحاث والمختبرات والصناعة والتجارة والاستثمار !
------------------------------------
إن شعبنا الآن في أمس الحاجة لثورة فكرية تؤسس لرجال دولة من نوع جديد، نحو إصلاحات واسعة في جهازي التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، وتغيير جذري ونوعي لثقافة المجتمع، من عقليات التغني بالعنف الذي لم يحرر شبراً، إلى عقليات تمجد العلم ومنجزاته الباهرة لحياة البشر، كما تسمو بالمجتمع نحو قدرات صناعية وزراعية وتكنولوجية نحارب بها الفقر بالتحول من الاستهلاك إلى الإنتاج والتصدير كما فعلت دول شرق آسيا، على أن يحدث كل هذا ضمن نهضة شعبية شاملة تمارس الديمقراطية وحرية الرأي وتداول السلطة سلميا عبر صناديق الاقتراع فعلا لا قولاً وممارسة لا شعاراً !!
ألقاكم على خير
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟