أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاجر برياز - ترقب















المزيد.....

ترقب


هاجر برياز

الحوار المتمدن-العدد: 1570 - 2006 / 6 / 3 - 07:28
المحور: الادب والفن
    


لم ينس سام وهو يغادر قاعة المحاضرات أن يشغل هاتفه الجوال ليتصل بنهاد، كان الخط مشغولا كما هو الحال غالبا، فتعذر عليه الاتصال. استقل سيارته المرسيدس البيضاء متوجها إلى بيته حيث يسكن وحيدا، لم يكن مبنى الجامعة يبعد كثيرا عن البيت، كانت تكفيه ربع ساعة ليقطع المسافة بينهما. توقف أمام أضواء المرور حين اشتعل الأحمر، انشغل بحركات خفيفة يرتب بها ربطة عنقه، دفع بسبابته نظارته الشمسية على أنفه حتى صارت تلامس أهداب عينيه، ثم نظر في المرآة أمامه.
رن هاتفه فاضطر للتوقف بعد أن كان قد استأنف سيره قبل أقل من دقيقة.
الو, نعم"
الو سام، أنا عماد، كيف حالك؟ "
نعم عماد، بخير، أهناك جديد؟ "
ننتظر حضورك في اجتماع ِللّجنة، حضورك ضروري، لا تنس، الساعة السابعة."
نعم، نلتقي هناك."
مرت خمس وعشرون دقيقة ولم يصل بيته بعد، كانت حركة الشوارع على غير عادتها، تضاعف عدد السيارات في الطرق الرئيسة حتى إن الطريق الساحلي لم يعد يفضي إلى بوابة الحي الذي يسكنه. تعرقلت حركة السير، وانتشرت أصوات أبواق السيارات في الأجواء فاضطر مرات عديدة للتوقف. كان هادئا كعادته، نظر إلى ساعة يده وهمهم لنفسه: حسن، فلأغير الاتجاه، سأستعمل الطريق الداخلي."
عرج على البلدة القديمة، ومنها إلى شارع يافا حيث الطريق تبدو هادئة. أوقف سيارته أمام مبنى العمارة التي يسكن طابقها الأول، وعلى بسطة السلم أعاد محاولته الاتصال بنهاد، لكنه لم يفلح.
كان توقيت عمله غالبا في الصباح فقط، لكنه اليوم تأخر إلى ما بعد الزوال بثلاث ساعات، انشغل مع بعض طلبته في ورشة عمل ختمها بكلمة قصيرة في قاعة المحاضرات لخص فيها عمل اليوم كله.
كان الأكل جاهزا ومحفوظا في الثلاجة، أخرج ما يحتاجه لوجبة غدائه، ولم ينس عصير البرتقال وحبة الدواء الذي اشتراه أمس حين أحس بأعراض الزكام.
خلف رأسه وقال: " آه، ياربي، تعبت اليوم" ألقى بجسده على السرير، وأطلق العنان لزفرة عميقة بعمق التعب الذي ناله طيلة اليوم، شبك أصابع يديه نظر إلى ساعته، " لا مجال للراحة، الموعد بعد ساعتين." ودفن رأسه تحت ملاءته، انكمش على نفسه حتى صارت ركبتاه قريبتين من صدره وهمس من بين شفتيه: " سأنام نصف ساعة."
كان يستطيع أن يستيقظ في أي وقت شاء، لذلك كان قليلا ما يستعمل المنبه، وكان يساعده في ذلك هدوؤه وابتعاده عن شرب الشاي والقهوة. لم يدخن قط حتى في السنوات الأولى للمراهقة، حين كان بعض أصحابه يحاولون اكتشاف نشوة يسمعون عنها في استنشاق دخان السجائر ونفثه من بين الشفتين وفتحتي الأنف.
قالت أخته نائلة يوما: "آه يا سام، لو أكون مثلك، حتى الفجر تقوم له دون منبه."
تبسم في وجهها قائلا: "هذا من فضل ربي."
الشيء الوحيد الذي كان يعكر صفو نومه هوأزيز الطائرات على بعد أمتار قليلة فوق أسطح البنايات، كان يضطر أحيانا للاستيقاظ ويستعد للخروج إذا دعت الضرورة، ويظل متأهبا إلى أن يتأكد بمعرفته واتصاله برفاق دربه أن المناورات قد انتهت. كم مرة تمنى حين يصل مسامعه هدير الدبابات على مشارف الحدود أن ينال شرفا يتمناه.
كانت خزانة كتبه تحوي قارورة تمتلأ إلى أقل من النصف بنوع من الزيوت لسلاحه "الكلاش"، كانت تظهردائما على رف في يمين الخزانة، أما سلاحه فكان مخبأ في مكان ما بغرفة المكتب. وفي رف ثان جانبي، كانت تبدو صورة كبيرة في إطار خشبي على جانبها بعض الكتابات، كانت الصورة لفتاة جميلة في أولى سنوات شبابها، ذات عينين متقدتين فيهما وهج ساحر. قبل سنتين لم تستطع أن تقاوم قوة الغاز المندفع من القنابل فأغمي عليها داخل حرم الجامعة حيث كانت في سنتها الأخيرة بكلية الطب. منعت سيارة الإسعاف من القيام بمهمتها، فتأخرت عملية إنقاذها، وبعد ساعات في مستشفى المدينة، لفظت أنفاسها الأخيرة.
حزن لفراقها سام، كانت خطيبته وحبيبته، وكانا يرسمان معا مستقبلا جميلا يجمعهما. جهزا كل شيء يحتاجانه، استقل عن سكن العائلة، واكترى لنفسه شقة في الطرف الشرقي للمدينة وجهزها على ذوقها هي. في كل يوم يستشهد شخص أو أكثر، وفي كل لحظة يعاني الكثيرون، لكن اليوم الذي انطفأت فيه شمعتها كان غير عادي بالنسبة له. لم تغمض عيناه الواسعتان ليلتها، وبللت أهدابَهما دمعات استطاعت أن تنفلت في لحظة عصر قلبه حزن كبير.
أزاح الملاءة من فوق جسده، استدار على ظهره وشبك يديه بين رأسه والوسادة وتفوه ملأ فيه. رتب سريره كعادته، استحم ولبس سروال "جينز" وقميصا أبيضا بأكمام طويلة، وتأبط ملفا تظهر من جنباته أوراق بيضاء تتفاوت أحجامها. وقبل أن يخرج شغل جهاز الحاسوب على مكتبه وفتح بريده على الشبكة العنكبوتية، تصفح الجديد فيه ثم أطفأ الجهاز وأخذ معطفه بإبهام يده واضعا إياه على كتفه من جهة ظهره ثم غادر البيت. كان الطريق كما تركه قبل ساعتين تقريبا، مازالت مظاهر الاحتفال تعمر الشوارع والأعلام تهتز في الأجواء الشتوية الباردة. وفي مفترق طرق قريب، اجتمع حشد من الشباب يطلق عيارات في السماء وشعارات غاضبة. كان سام يتابع ما يجري من داخل سيارته دون أن ينبس لنفسه بكلمة واحدة.
وصل قبل الموعد بنصف ساعة، أوقف سيارته أمام مقر الجمعية التي سيتم فيها اجتماع اللجنة، أسند رأسه على كفه ومرفقُُه إلى باب السيارة من الداخل، وظل ينتظ ظهور أحد أعضاء المكتب. كانوا تسعة، اثنان منهم محاميان، وثلاثة أساتذة جامعيون، والباقون موظفون في بلدية المدينة.
ركزت كلمة كل منهم على ضرورة إيجاد صيغة من أجل خلق حوار داخلي، وأن تُمتص كل الخلافات تجنبا لتوتر يهدد الوطن. تكلم جميعهم على خطورة الموقف، على ما استجد من تغير في من اختارتهم الأغلبية ,واقترح كل منهم رؤية يستطيع تفعيلًها تجاوز الأزمة.
انساب الوقت سريعا داخل القاعة، وألقى سام كلمة مطولة ناقش فيها مجهودات اللجنة منذ تأسيسها، ثمن بعضها وقلل من شأن أخرى في جرأة يعرف بها. كانت زاويتا فمه تشكلان قوسا إلى الأسفل في إشارة إلى عدم رضا. كان وهو يتكلم مرتجلا يأخذ أوراقه بين راحتي كفيه وكأن يرتبها، وأحيانا يوقفها مجتمعة ويحركها حركات
خفيفة متتالية فتحدث حافتها في التقائها مع وجه المائدة المستديرة التي تجمعهم صوتا خفيفا لا ينتبه إليه. عبر عن تشاؤمه من المستقبل القريب، قال إن المعطيات المتوفرة الآن على الساحة بالداخل وبالخارج لا تنبئ بالخير وأن الوضع صعب ومعقد.
حاول كثيرا مع رفاقه من داخل اللجنة التي اجتهدوا في تأسيسها قبل أشهر أن يجمع كل الأطراف وأن يخرجوا بصيغة أو تعهد يكون في مصلحة أمنهم وأمن البلاد. كان يؤمن أن صوته- وخاصة قبل هذه الظروف بقليل- شيء ثمين وأنه إن أعطاه جهة ما فإنه بذلك يجازف, هكذا قال يوما لنهاد.
ما اجتمعنا لأجله كان صعبا، على الأقل في هذا الظرف بالذات، فشلنا داخل اللجنة وخارجها. بكل أسف أقولها، ليس ضعفا منا، ولكن لأننا لسنا وحدنا. ثقتنا كبيرة، إيماننا أكبر، والذين يحاولون الآن ربما ينجحون"
حاول سام أن ينهي الاجتماع بهذه الكلمات التي لم يستطع أن يخفي بها قلقه الكبير. تكلم كثيرا في لقاءات عدة، وحاول مرارا أن يحقق مايرى أنه الحل، أراد من خلال جملته الأخيرة أن يوقف مسارا اشتغل فيه أشهرا عديدة، وكأنه يعلن بها انسحابه وعدم جدوى بقائه داخل إطار كان من أوائل المتحمسين لتأسيسه.
انتهى الاجتماع دون تسطير تقرير ذي أهمية. ركب عماد مع سام في السيارة، فقد تعود أن يوصله دائما في طريقه. بدا الاثنان وكأنما تعبا من الكلام، شغل سام شريطا في مسجلة السيارة، انساب الصوت جماعيا رخيما جهوريا
:
هذا زمان الشد فاشتدي

مابين قابلة وجلاد

وترقبي لحدي مابين معتد ومرتد

فإذا بدا فعليك ميلادي

والآن يبتدئ الصراخ، دمي يغطيني

والأرض تلبسني

ياقبر يازمني

إن كان حدك جارحا

فأنا فلسطيني.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحظة وداع


المزيد.....




- العراق ضيف الشرف.. ما أسباب تراجع المشاركة العربية في معرض ط ...
- العراق حاضر بقوة في مهرجان كان السينمائي
- رئيس الوزراء الإسباني يتهم -يوروفيجن- بـ-ازدواجية المعايير- ...
- بنزرت ترتدي عباءة التاريخ.. الفينيقيون يعودون من البحر
- نيكول كيدمان محبطة من ندرة المخرجات السينمائيات
- الأميرة للا حسناء تفتتح الدورة الـ28 لمهرجان فاس للموسيقى ال ...
- مهرجان كان: موجة الذكاء الاصطناعي في السينما -لا يمكن إيقافه ...
- عبد الرحمن أبو زهرة اعتُبر متوفيا.. هيئة المعاشات توقف راتب ...
- عمر حرقوص يكتب: فضل شاكر.. التقاء الخطَّين المتوازيين
- فريق بايدن استعان بخبرات سينمائية لإخفاء زلاته.. وسبيلبرغ شا ...


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاجر برياز - ترقب