أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - غلاب الأبنودي - من الهيمنة الثقافية إلى ثقافة الهيمنة















المزيد.....

من الهيمنة الثقافية إلى ثقافة الهيمنة


غلاب الأبنودي
باحث وكاتب أكاديمي مصر

(Ghallab Alabnody)


الحوار المتمدن-العدد: 6400 - 2019 / 11 / 5 - 15:24
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


تتجسد الثقافة في الإسهام العقلي لمختلف فروع المعرفة الإنسانية، وهو ما تبني عليه الأمم حضارتها، وبما أن الحضارة هي التطبيق العملي لذلك التراث الثقافي، فهما إذن معيار تقدم الأمم وانحطاطها. كما أن العلاقة بين الثقافة والحضارة علاقة طردية شريطة التطبيق العملي، فكلما ازدادت الثقافة في أمة من الأمم ازدادت حضارتها، وكلما ضعفت الثقافة في أمة من الأمم ضعفت حضارتها، فالثقافة أشبه بالبناء التحتي التي تبني عليه الأمم حضارتها، فلا وجود لحضارة دون ثقافه تشكل وعيَّها وتنير عقول رجالها. ويخضع ذلك التشكيل لكثير من التحديات من قبل هيمنة الحضارات المتقدمة على الأمم المتأخرة في سياق زماني ومكاني معين.
فتمر الحضارات عبر تاريخها بمراحل تقدم وتأخر ازدهار وانهيار نتيجة لمتغيرات عديدة من أهمها: الدينية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية ... إلخ، وتخضع الحضارات لها تارة بشكل مباشر وتارة أخرى غير مباشر. وفي ظل الصراع الحضاري بين كل من: الحضارات المتقدمة بعضها مع الآخر من ناحية، وبين تلك الحضارات المتقدمة وبين الأمم النامية من ناحية أخرى تتجسد ثقافة الهيمنة. فكل حضارة من الحضارات المتقدمة تسعى لفرض ثقافتها على ثقافات الأمم المتقدمة الأخرى بشتى الوسائل الإبستمولوجية، والتكنولوجية، والسياسية، والاقتصادية ...إلخ خلال فرض لغتها أو فكرها أو دينها أو ...إلخ. وفي مقابل تلك الهيمنة الثقافية ينشأ رد فعل ثقافي من قبل الأمم التي لها من القوة ما يؤهلها هي الأخرى على محاولة فرض ثقافتها بمعنى أو بآخر، ونتيجة للفعل الثقافي الأول ورد الفعل الثقافي الثاني يتنامى سياق ثقافي مختلط من الثقافات المتصارعة ذي الاتجاهات المختلفة والمتنوعة والمتباينة، وفي ظل العولمة والقرية العالمية والتكنولوجيا ينتشر بشكل فائق السرعة ذلك الخليط الثقافي والذي يكاد يعبر عن رؤى متناقضة في جوهرها ومتناغمة في ظاهرها.
فعلى الرغم من الإيجابيات الكثيرة لذلك الخليط إلا إنه قد يؤثر سلبًا على الثقافات النامية، لأنها ستنهل منها ما لا يتفق وتكوينها الفكري والثقافي، وذلك بسبب ضعف وعيَّها بما يتفق ولا يتفق معها. فثقافة تلك المجتمعات النامية ليست بالقوة لتصمد أمام ثقافات الأمم الديناصورية. وقد يوجد تراث ثقافي كان بالغ الأهمية في فترة ما لأمة من الأمم قديمًا، إلا إنه ونتيجة لغياب الوعي الثقافي والقومي لأهميته قد تُصبغ ثقافته عن قصد بدعوى التحرر من الموروث وتبني أفكار غير شرعية له بدعوى الحداثة، أو عن دون قصد نتيجة للجهل بأهمية موروثه ومكانته الحضارية، فيتدنى ويصبح وجوده وعدمه سواء.
فمن أجل أن يصبح الصمود على الوجه الأمثل، يجب على تلك الحضارات أن تتسلح بأدوات التنمية الثقافية من ناحية وأن تقوم بإعادة إحياء تراثها الفكري بمفاهيم حداثية من ناحية أخرى؛ لتلحق بركب السياق الثقافي العالمي، وهذا من شأنه أن يَخلق نوعًا من الوقاية الذاتية ضد الأمراض التي قد تنشأ من الداخل من ناحية وضد الأمراض التي تهاجمها من الخارج من ناحية أخرى، وهذا ما يجعل الأمم النامية بمثابة ابنة غير شرعية لثقافات أمم تختلف في تكوينها الفكري والحضاري عن تكوينها الخاص. فبفعل هذه التنمية واستمراريتها تجعلها تقف بقوة ولتأخذ بنصيب كبير في حلبة الصراعات الثقافية المعاصرة. كما أن تدعيم تلك التنمية الثقافية بالتجديد الديني خطابًا وفكرًا في ظل قوة اقتصادية وسياسية يجعلها لديها قدرة أكبر في تحصين ثقافتها وقائيًا من أي مرض خبيث قد تسببه عوامل داخلية أو خارجية بل وتجعلها تشارك في حلبة الصراعات العالمية، حتى ولو لم تتمكن من فرض ثقافتها فيكفيها شرف المشاركة. كما أن حضور ثقافة الهيمنة في السياقات المعاصرة تطرح عديد من الإشكاليات المعاصرة، إذ تطرح إشكالية أخلاقية تتمثل في مدى اتفاق أخلاقيات تلك الهيمنة مع السياق الأخلاقي الذي يتغلغل في بنية المجتمع، كما تطرح إشكالية دينية تتمثل في مدى اتفاق الرؤى الدينية لتلك الهيمنة مع الموروث الديني للمجتمع، وغيرها الكثير من التحديات الحداثية الأخرى.
فعندما تُطرح مثل هذه الإشكاليات نجد ردود أفعال متباينة بين "مؤيد" لقبول تلك الهيمنة بل والسعي نحو التكييف معها وتبنيها والدعوة إليها والتحرر من الموروث الثقافي، وبين "معارض" لها من مُنطلق الحفاظ على الموروث بشتى أشكاله وأنواعه، وبين هذا وذاك نجد من يتبنى تلك الهيمنة ولكنه لا يقبلها بمثل تلك الصورة الصارخة بل يقبل أمورًا منها ويرفض الأخر. وتوجد ردود الأفعال هذه عند غالبية الطبقات الاجتماعية كل يعبر عنها بأسلوبه وطريقته ومنهجه .
فالتعقل والتروي والإلمام بالسياقات التاريخية والحضارية والثقافية والاقتصادية والسياسية هو ما يجعل لدى الإنسان الفرد والإنسان المؤسسي القدرة على استشراف المستقبل بشكل حضاري بل وادرك وجوديته وكينونته في مفترق الصراعات المختلفة التي يعيش في كنفها، ويمكن من خلال ذلك أن يخلق الإنسان لنفسه سياق ليَّحيى فيه بما يتفق وعقله ومنطقه من ناحية وموروثه من ناحية أخري. فكثير ما تجهض تلك المحاولة بمجرد التفكير فيها، وذلك لخضوع الإنسان لمسارين إحداهما خارجي والآخر داخلي، فبالنسبة للمسار الخارجي، فيتمثل في الخضوع للهيمنة الثقافية الخارجية التي يمكن لها أن تسييره وفقًا لرغباتها وأهدافها وسياساتها بل وتجعله بمثابة دومية صغيرة أو إنسان آلي يُسيَّر عن بعد، خاصة في ظل قوى الثورة المعلوماتية التي تعيشها الإنسانية في الوقت الراهن. ومحاولة قولَّبتهِ وفقًا لأيديولوجيات محددة من قبل القوى العظمى ذي الهيمنة الديناصورية، أما المسار الآخر وهو المسار الداخلي، والذي يتحقق خلال جعل حياة الإنسان تُعاش تحت ضغط بشكل مستمر ومتواصل، دون إتاحة الفرصة للتروي والتعقل ليقف في وجه كل هذه المتغيرات وليخلق لنفسه حياة إنسانية يأمل أن يعيش فيها وجوديته.
فإيمان الإنسان الداخلي باستقلاليته تجعل لديه القدرة على انتقاء ما يتفق معه ورفض ما يتعارض معه، وهو ما سيجعل العلاقة بينه وبين الهيمنة الثقافية علاقة حرية واختيار وليس علاقة هيمنة وإجبار، هذا فضلًا عن القدرة على ممارسة فعل التعقل حتى لأولئك الذين يمتلكون الحد الأدنى منه، أما من لا يعي استقلاليته فإنه يتجرد من ممارسته سواء بشكل إرادي أو لا إرادي. لذا، فممارسة فعل التعقل هو خير سلاح لمحاربة الهيمنة بكل صورها وأشكالها وأنواعها.



#غلاب_الأبنودي (هاشتاغ)       Ghallab_Alabnody#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مركزية الإنسان عند الفيلسوف اليوناني بروتاجوراس


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - غلاب الأبنودي - من الهيمنة الثقافية إلى ثقافة الهيمنة