عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6391 - 2019 / 10 / 26 - 15:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجع التاسيسات الأولى لمايرسم ملامح الطور الحالي الثالث من الانحدار، الى نهاية السبعينات وتحديدا الى عام 1980 مع اتفاق كامب ديفيد والحرب العراقية الإيرانية، حين اقدم حافظ الأسد على تكريس الخروج من دائرة، او من القاعدة النموذجية والكيانية للانحطاطية الثانية، والمتمثلة بتمحور المدى الساحلي الشامي تقليدياحول مصر، وهو ماكان محمد على وظاهرته قد اعطياه في القرن التاسع عشر،بعده الايهامي المع وف بالحديث، بالارتكاز لنموذج مصر ونمطها، نمط الدولة الأحادي، ومايمكن ان يكرسه من استيهامات متعلقة بإمكان قيام الدولة الحديثة، ولايحتاج أيا كان للكثير من الجهد كي يكتشف مدى رسوخ فكرة " القطر الركيزة" التي نحتها من يسمون ب "القوميين" الشوام، بالاخص من أبناء اعيان المدن والمسيحيين منهم بالذات، حيث استحالة الكيانية تاريخيا، بفعل اختفاء المحركات الوطنية الشاملة، وخضوع المنطقة لقانون دول المدن، ماحدا بأبناء تلك المناطق في مايسمى العصر الحديث، لممارسة حالة من القفز من "المناطقية" مباشرة الى الاطار الاوسع المتخيل، القومي، ويدفعهم لان يقتنصوا له تجسيدا واقعيا، وجدوه دائما ممثلا في البلد الكبير الضخم مساحة وسكانا، لا اليات وديناميات.
والمجال او المدى الشامي المصري كما نعرف، هو موئل مايعرف زورا ب" عصر النهضة " والأفكار الايهامية المتصلة بها، مقابل على الطرف المقابل "السلفي" ووهم احياء الثورة المحمدية خارج شروطها التاريخية، وهذان المصدران او مظهرا الانتكاس التاريخي وطدا على مستوى المنطقة استمرارية غلبة "طائفية" داخل الاسلام، بدت في حينه وارثة لما كان قد ساد أيام العثمانيين وقبلهم المماليك والايوبيين مع انتهاء زمن الفاطميين، بينما لم يطرا أي سبب او متغير من شانه هز تلك الثابته سوى حدث الثورة الخمينية بداية، ومع الحرب العراقية الإيرانية 1980/ 1988 يوم سجل اول خرق علني وهام للكيانية الشامية المصرية، بانحياز سوريا لجانب ايران ضد العراق، كمؤشر على عودة انتفاء وحدانية التوازنات والمؤثرات الغربية، واثرها على الخيارات والتجسيدات، الكيانية والفكرية، ابان استمرار توقف الاليات التاريخية الذاتية.
وبما اننابصدد نظرة لا تستجيب للمنهجيات السائدة والمتداولة، فاننا سنكون والحالة هذه تحت طائلة ضرورات اثبات مضاعفة، قد يحول دونها وبالأخص خلال مناسبة كالتي نحن بصددها مايبدو من تشعب وضخامة الظواهر المطموسة الحرية بالابراز وكشف النقاب، من ذلك على سبيل المثال المصادر الفعليه التي احضرت المؤثر الإيراني وعلاقتها بالاصطراع داخل الكيانية الازدواجية العراقية، بالاخص في الطور الثاني من تاريخ الدولة العراقية المركبة من خارج النصاب المجتمعي التي أقامها الغرب المستعمر، كوسيلة للاجهاز على القاعدة المجتمعية لثورة 1920، عن طريق الفبركة الكيانية قبل اكتمال التشكل الوطني، و تغيير علاقات ملكية الأرض في ارض السواد تحديدا، بالاستناد لقانون التسوية لعام 1932 ماتسبب في جعل الدولة المقامة تعيش بظل الاستحالة حتى عام 1958 ، حين تجددت ثورة مجتمع اللادولة وسحقت الكيان المفبرك في 14 تموز من ذلك العام واكلته في الشارع.
ولايجب ان يغفل هنا بالتحديد، اثر تعاظم الخطر المرافق لقيام شكل الدولة الثاني الريعي العائلي العقائدي عام 1968 على التشيع الانتظاري العراقي الحديث، وضخامة وطاته التي استدعت تحفيز ظهير كرر طبعة أخرى من طبعات حضور المدى الشرقي في الاليات الشرق متوسطية، فالخمينية بالاصل ظاهرة تنامت محركاتها داخل التشيع الانتظاري في النجف، ردا على وطاة نظام البعث الريعي العائلي، وماانطوى عليه من خطر داهم على التشيع العراقي، متداخلا مع الخاصيات الإمبراطورية السلطوية للكيانية الإيرانية، التي تضع الأفكار والدين بخدمة الحكم، كما الحال تاريخيا، قبل الإسلام، وكما أيام الصفويين الذين اتبعوا نهجا سلطويا يستخدم الدين مع استقدامهم الكركي العالم الشيعي من جبل عامل في لبنان، ليصبح بمنصب المشرف العام على الشؤون العقيدية، وقبول هذا الأخير المنصب، مااستوجب ردة فعل نجفية عنيفة، صدرت عن عالم نجفي هو القطيفي، اصدر وقتها كتيبا حول الامر محرما فيه خدمة رجال الدين الشيعة للحكام، وان كانوا شيعة.
وقد شهد الخميني وهو في النجف وقائع انتفاضة خان النص عام 1976 مع تبدل زخم الصراع مع السلطة الريعية العقائدية، من قبل مجتمع اللادولة العراقي، بانتهاء التمثيل اليساري المؤقت والطاريء، المتغلب مابين الثلاثينات والى ثورة 14 تموز 1958، ماقد اسهم بقوة في بلورة وتبريرمفهوم "ولايه الفقية"، وجعله ممكنا على الأقل خارج العراق وعلى حدوده، حيث التربة الملائمة بنيوبا لخيارمن هذا النوع، علما بان حصول الثورة الإيرانية، والحرب بين العراق وايران، قد انهيا فعالية سلاح الريع النفطي، ومن ثم انهيا عمليا دور النظام المستند له كوسيلة ماضية امنت استقلاله عن المجتمع، بعد ان اوقعته في الديون وحرمته من الفائض المالي، وادخلت الاضطراب داخل بنيته، وهكذا كانت العوامل والمعطيات الإقليمية تتداخل وتتشابك، مولدة لوحة غالبا ماتكون خارج الإحاطة، بالاخص من قبل من هم بموقع المراقبة والاهتمام، وبمقدمتهم الأوساط الغربية، عدا عن المتعاطين داخل المنطقة بشؤونها، بالتناغم مع الإيقاع الغربي المستعار، او الحدسي المعروف بالديني.
والمسالة الجوهرية الجديرة بالانتباه بعد ماتقدم هي تلك المتعلقة بمستوى التفارق بين المتاح العقلي، والظاهرة المجتمعية الشرق متوسطية، كما الظاهرة المجتمعية بوجه العموم، وعلى عكس ماهو شائع، او مايريد الكائن البشري المعاصر اشاعته، فان العقل ليس، ولم يعد الى الان، مؤهلا لاستيعاب كوامن الظاهرة المجتمعية، ووجود المجتمعات والعقل، يحكمهما قانون يقول بتدني القدرة العقلية إزاء الظاهرة المجتمعية، والدليل على ذلك تأخر مايعرف بعلم الاجتماع لالاف السنين بعد تشكل المجتمعت، الى ان بدأ يتبلور عند منتصف القرن التاسع عشر، مع نهضة الغرب الحديثة باعتباره اخر العلوم، الامر الذي مايزال برغم تصور الغرب له على انه وجد مقرونا بالكمال، في بداياته، ولم يبلغ المطلوب منه على صعيد كشف النقاب عن الاليات والغايات المضمرة الكامنة في الظاهرة المجتمعية، وبالذات تلك التي تمثل البدايات المجتمعية في المنطقة المعروفة بالشرق متوسطية والنهرية منها بالذات.
ويتجلى المبدا المشار اليه ذاتيا وفي العالم الشرق متوسطي وفي العراق على وجه التحديد، في غياب الوعي الصارخ بالمسالة الرئيسية الناظمة للحياة والواقع المجتمعي الكياني، حيث يتعذر الانتباه لقانون "استحالة الدولة"، باعتباره القانون الذي يهيمن على الخيارات، ومنه وعلى أساسه أقيمت دولة الريع العقيدي الريعي كاستدراك استثنائي،، بعد تجربه الدولة الأولى 1921/1958 التي عاشت في عزله تامة واضطراب واستحالة، وهو مايستمر اليوم باشكال مختلفة ضمن اشتراطات جديدة، تنسى هذه المرة محرك "النهضة" او "المشروع" حيث ساحل الشام ولبنان لايمكنهما اطلاق ادعاء كهذا لاتاريخيا ولا راهنا، علما بان بدايات تبلور هذا المحور الانحطاطي المتاخر، استندت الى ملامح هزيمة مشروع "النهضة الكاذبة" المستعاره ومحورها المصري منذ السادات وكامب ديفيد، وهزيمة المقاومة الفلسطينية في لبنان، ماجعل شعارا مثل "المقاومة" ومحورها المفترض، من قبيل التبرير الانحداري الفارغ من أي مضمون، وبالأخص من أي تلازم بين شعار كهذا، واي مشروع او استدلال على وجود مشروع له علاقة بمايتعدى الخلفية الجزئية الطائفية.
وتتداخل هنا أيضا الأسباب والدوافع الموجبة بقصد التغطية على واقع الاستناد الى مشروع يلغي الحضور الحي للمنطقة، مع انه لايقول ذلك علنا، ولايستطيع اعلان هزيمة المشروع النهضوي، ليتبنى كما هو الحاصل، مشروع طرف امبراطوري تقليدي تاريخي من خارج المنطقة، ويحاذيها، فالمقاومة المذكورة "العربية" اللبنانية السورية، ومن ثم وأخيرا / العراقية، ترحل قيادة ومركز المعركة مع إسرائيل، العنوان الأكبر لما يقصد بالمقاومة، الى ايران وثورتها، وولايه الفقيه، ومع الوقت، جهد من ينطقون باسم هذا المحور، وهم عادة كتاب متواضعون وبلا افق شامل، كي يكرسوا نوعا من الفهلوه الفكرية السطحية، صارت تتحدث مؤخرا عن امتداد عراقي سوري لبناني، ليس له أي أساس بذاته، وعرضة للزوال السريع لولا انه كمسار، قد توافق مع تراجع الحضور والفعالّة الامريكية الأحادية، بمقابل صعود المحور الراسمالي الاسيوي، وحضور روسيا المباشر على الأرض.
لاشك بان أسوأ مظهر يمكن التعرف عليه منسوبا لشعار مثل "المقاومة" هو ذلك المرتكز لدوافع وخلفيات فئوية طائفة، وللاستعارة الدنيا، أي غياب المشروع الذاتي، وايكال امره الى الغير، غير ان هذا المظهر لم يكن ليحصل بالإضافة لاليات صراعية عالمية وتبدلات مراكز القوى لولا الفراغ الحاصل على مستوى المنطقة، وهزيمة مااعتبر مشروعا نهضويا على مدى قرابة القرنين، مايضع الظاهرة المقصودة في خانة التردي المضاعف، المتعيش على حالة ترد قصوى اشمل تعم المنطقة وعمتها منذ السبعينات.
ـ يتبع ـ
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟