أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد زريبي - مدينة بلا سكر قراءة في رواية جرحى السماء للكاتبة ام الزين بن شيخه المسكيني















المزيد.....


مدينة بلا سكر قراءة في رواية جرحى السماء للكاتبة ام الزين بن شيخه المسكيني


سعاد زريبي

الحوار المتمدن-العدد: 6380 - 2019 / 10 / 15 - 21:38
المحور: الادب والفن
    


جرحى السماء هي رواية تجمع بين النثر والشعر الحر للكاتبة و الأكاديمية ام الزين بن شيخه وهي أستاذة الفلسفة ،الأكاديمية والباحثة في فلسفة الفن و الكاتبة الروائية ،عرفت الكاتبة باختياراتها الفلسفية الشرسة و تعاملها العميق مع النصوص الفلسفية الحديثة والمعاصرة ،اشتغلت على كانط ،نيتشه ،ادرنو ،دريدا ،جاك رنسيار ،نانسي،جيل دولوز...سكنت كتابتها داخل فضاءات ومنعطفات جيل كامل من فلاسفة الفن من كانط إلى جاك رنسيار تقاسمت مع النصوص إشكاليات العالم المعاصر عالم خرج عن طوره و أزماته و آماله...بحثت في جماليات المشترك بوصفه السياسة الوحيدة الضامنة للسلام داخل العالم "فالعالم رحب ويتسع للجميع". جسدت الكاتبة مواقفها الفلسفية في عدة مقالات وكتابات نذكر أساسها "الفن يخرج عن طوره " ،كانط راهنا ، تحرير المحسوس لماسات في الجماليات المعاصرة ،لن تجن وحيدا هذا اليوم ، اضحك أيها الدهر الشرقي ،هنا تباع الشعوب خلسة و الثورات العربية ..سيرة غير ذاتية .
إن رواية جرحى السماء تطرح إشكالا منذ البداية ،لماذا الرواية ؟ ما حاجة الفيلسوف اليوم للكتابة الأدبية ؟ يمكننا أن نرد على هذا السؤال بإمكانيات متعددة.ان الفلسفة اليوم بحاجة إلى أن تقول مقولاتها بطرق فنية وجمالية مختلفة .إن الفلسفة اليوم ليست بحاجة للمفهوم بقدر ضرورة أن تكون قادرة على النفوذ إلى واقع الحياة الإنسانية في عمقها. تبدو الحياة الإنسانية اليوم منهكة من كل أشكال القولبة والمفهمة والتركيبات .لم يعد بوسع الفيلسوف أن يكون كوجتو ،انه اليوم مطالب بأن يتنازل عن نرجسيته ويصبح محايث للحياة في كل تفاصيلها المحسوسة،لم يعد العالم فكرة بل أصبح معيش يومي،فوضى حسية ،تداخل في الألوان وتمازج فيها الإيقاع بين هذا وذاك وأحيانا فسيفساء من الأفكار و الرؤى، وأحيانا يتعدى ذلك ليصبح مجرد صرخات مفزعة لا علاقة لها بالعقلانية .لقد أصبح العالم سيمفونية حادة لا علاقة لها بسيمفونية موليار ولا بسيمفونية بتهوفن سوى كونها تجمع بين إيقاعات مختلفة من الرؤى ،من الحقائق ،من الصراعات،من الألوان، والأوهام و الأطياف، الصراعات وتطاحن مصالح :عالم انفرط عقده و انحلت روابطه .لا أحد بوسعه اليوم أن يضبط ما يحدث ولا ما سيحدث ،إننا نتقاسم اليوم الخوف على المستقبل . إن انفلات العالم وانحلال ضوابطه يدفع الفيلسوف والمثقف والفنان و "اي كان" على حد عبارة جاك رنسيار له الحق "ان يتكلم" قد يكون الكلام بأساليب عدة لكن الرهان واحد انه الدفاع عن إمكانية أن يصبح العالم مكان يعيش فيه الجميع لكل فيه الحق من جهة كونه إنسانا. على أي كان أن يبدع وان ينسج قصة جميلة مع العالم أو لوحة جميلة للعالم ،موسيقى للعالم تسكن الفضاء بهجة ،فيلما يعيد للصورة الضوء ويكشف عن الحقيقة..لقد صار الإبداع اليوم واجبا أخلاقيا إزاء العالم ، يمتزج فيه الحق بالواجب ،حق الإبداع و واجب الالتزام بالمسؤولية الاتيقية و الإنسانية إزاء أنفسنا وإزاء العالم .لقد فهمت الفلسفة منذ نيتشه هذه المسؤولية إزاء الأطفال القادمين من المستقبل . ان الفن هو شكل من الصداقة العميقة مع الحياة ،بكل ما تعنيه الصداقة من قيم نشيطة مثل الوفاء ،المحبة والسلام .في الفن لا نتخاصم أبدا، ان موضوع الفن هو الإنسان في العالم ورهانها ان يعيد للعالم البهجة. لقد عرف تاريخ الفلسفة منذ نيتشه علاقة رفقة جمالية بين الفن ،الفلسفة والعالم كتب مرلوبونتي وفن الرسم ،كتب هيدغير عن الشعر لهولدرلين جيل بشكل متنوع عن الرسم في فن الرسم لبيكون ،في الأدب في السينما ،أدورنو عن الموسيقى، دريدا و جون بول سارتر في الأدب،جاك رنسيار في كل الفنون: المسرح ،الرسم ،الفوتوغرافيا، السينما ،الأدب.
تتنزل الكتابة الروائية للكاتبة ام الزين بن شيخة في هذا السياق الفلسفي الكبير خاصة و أنها عاشرت نصوص هؤلاء الفلاسفة طويلا،أمنت الكاتبة بضرورة الكتابة الروائية شكلا أخرا من الدفاع الفلسفي عن العالم وعن البحث عن سبل "العيش المشترك" والذي اشتغلت عليه من كتابتها عن الجماليات الحديثة من خلال نقد ملكة الحكم لكانط. تعتبر الكاتبة أن الفن هو الفضاء القادر على المشترك .
تتراوح الرواية بين النثر والشعر الا أنهما يجتمعان في نقطة أساسية : الانزياح عن المفهوم الرسمي للنثر وعن المفهوم الرسمي للقصيدة .ليست القصيدة هي القصيدة و أصبحت تعكس إتلاف حر للكلمات تنتهي الحملة الشعرية على الحرف الذي تشاء وعلى إيقاعها الخاص لا حاجة لزخرف .لقد تحرر الكلمات أو هربت من سلطة النص لتنسج إيقاع مغايرا أما النص فسيطرت عليه الجمل القصيرة والنقاط المتتالية تفصل بينها ربما هناك الكثير من الكلام الصامت في الحملة ولم يقل ،ربما ما يحدث افضع واكبر من الجملة ،خرجت الكلمات عن طورها ، فرقعة النص و الجمل ،تحكي هنا وهناك تنقل وقائع ،تخلق استعارات علها تستطيع أن تجسد هول الأشخاص وهول الأحداث.لا النص هو النص ولا القصيدة هي القصيدة ,ان النص مفهوم ديني لاهوتي ،أما الكتابة فهي شأن بشري، النثر هو سياسة الإنسان المعاصر ،النثر سير على غير هدى نثر يشبه الزرع ، كل كلمة ستنبت في مكان ما ،أما النص فثابت والقصيدة ثابتة لا يمكن المساس بنظامها لأنها ستفقد ماهيتها بلمس النظام و كفر بنصها .إن الرواية قد مزجت بين النثر والشعر الحر ضد سلطة النص واستبداد القصيدة .إن الكتابة هي نشاط سياسي بامتياز بمعنى إنها قوة التحرر من سلطة الجملة من استبداد النص"ان الكتابة، يقول مهنغواي ،المهنة الأصعب بعد مصارعة التماسيح"."لقد فقدت الكلمة معناها القديم كمعرفة خاصة بالمتعلمين و صارت تعني فن الكتابة "على حد عبارة جاك رنسيار .ان الكتابة هي شكل من المقاومة لسلطة الخطاب الذي يستعمله السياسيون والواعظ الديني وقادة الجيش من اجل التأثير في الجموع .تصنع الفضاءات السياسية ،الدينية ،الثقافية والاجتماعية اليوم فضاءات مضغوطة من الكلمات حيث أصبحت المدينة تشكو تشبه ما قاله تاين "في وصفه لمدينة تختنق تحت ثقل الكلمات والأفكار المضغوطة ....الفكر يخرج كالبخار من جميع هذه الأدمغة المستعملة ...يصابون بالدوار ...شوارع كثيرة الكلام ..أفكار معلقة في الواجهات المكدسة" .كيف ننقض المدينة من ما حل بها من تشابك الأصوات والكلمات إلى الدرجة التي لا احد أصبح قادر على سماع الأخر؟ هل من أمل في أن تشفى المدينة من الحمى الكلمات "
لبد من خلق "مشهد حقيقي للمدينة " خارج "الصراخ" و"الضجيج ".وحدها الكتابة فن الحياة، إن"الكتابة مصممة كآلة لإنطاق الحياة" على حد عبارة جاك رنسيار.تعتبر الكتابة من أجل الشعوب العربية اليوم شكلا من المحاولة لانقاض ما تبقى من مدنه ،إن الكتابة نفسها شكل من الاختناق ومن المقاومة للقحط الأنطولوجي الذي أصاب مدننا العربية ، يقول يوسف إدريس "إن الأوكسيجين الموجود في العالم العربي لا يكفي كاتبا واحدا" تندرج رواية جرحى السماء إلى فضاء أدبي وسياسي و نقاش عمومي حول مستقبل المدينة و حقيقة واقع المدينة. ,تسكت الكاتبة في روايتها كل الأصوات المستبدة وتجعل الكلمات في أفواه من لم يسعهم الزمن بأن يكونوا بعد ،هم المقصيين ،من تركوا على أسوار المدينة هم ربما مواطنون أو رعاع أو قطيع أو شعب بأكمله أو أحلام أو وطن بأكمله على بكرة أبيه . تصبح الكتابة شكل من الوعد بعودة السكر "جئتكن بمن سيكتب لكن ملحمة الربات البحرية ويعيد إلينا نبتة السكر"
.إن الأدب هو ضرب من المقاومة لكل أشكال التطرف الديني و السياسي.وحده الفن قادر على أن يخلق الجملة المرحة داخل استبداد النص ،وحدها الفرديات الحرة قادرة على أن تكون جملا مقلقة في نظام السيطرة .ليس النظام مكنة نستطيع ان نتحكم فيها أو أن نتحكم في عمليتها ،على الفن بكل أشكاله أن يعايش ولا يتعايش النظام ،أي أن ينخره من الداخل .تسعى الكاتبة في هذه الرواية إلى أن تنفذ إلى النظم السائدة في البلاد من اجل أن تكشف قبحها و عجزها .لقد فقدت المدينة شبابها ،لقد شاخت وهرمت من عجزها ،لقد فقد قدرتها على الفرح . سكنت على ليلها و لم تهدئ من صراخ الأطفال ،بكاء الأمهات ،سخط الشهداء ،تدافع الجماهير على الحياة اليومية الكل في واده يهيم .شاسعة المكان وضيق في النفوس والأرواح.. تكشف الرواية عن سخط كبير ،استياء مما يحدث ،أحلم أم كابوس أصاب المدينة .تندرج الرواية ضمن اللحظات الأولى للثورة التونسية ،حيث لا احد بوسعه أن يجزم القول ،لا أحد بوسعه ان يجزم أنه يعرف الحقيقة، ما نتقاسمه هو الحيرة والذهول من هول ما يحدث. ولدت الرواية من عمق مجال فكري ،أنساني، وطني شائك ،إنها الثورة ،بوصفه حدثا،حدث بمعنى الصدمة كل صدمة تنتج ذبذبات مختلفة الإيقاع تغير تفاصيل المكان والزمان والأشخاص .كل الأحداث لها إيقاعات ،اهتزازات وشكوك كتبت الكاتبة روايتها على إيقاع هذا الاختلاف المبهم والحاد أحيانا و متوتر وشرس أحيانا أخرى بين مشاعر الخوف على المدينة والرغبة الملحة في الفرح . سعت الكاتبة أن تنسج روايتها على إيقاع خاص بها انه البحث عن "الأمل " ماذا يمكننا أن نأمل من مدينة "بلا سكر"؟ هل هو تنديد أو احتجاج على المدينة؟.لم تكن الكاتبة سعيدة بمدينتها التي فقدت قدرتها على تأمين الحلوى لأطفالها. لصورة المدينة بلا سكر دلالات عديدة لقد فقدت المدينة حلوها ,جمالها،أمنها ،فرحها،بهجتها لقد فقدت الأمل أما الأطفال فلهم دلالة محددة هم مستقبل المدينة .كيف يمكننا للمدينة أن تؤمن المستقبل للأطفال وهي عجزت عن أن تؤمن لهم أبسط احتياجاتهم ، مدينة السكر هي مدينة جميلة "مدينة فيها الحب وفيها العدل ...وفيها الناس يرقصون ...لكن الياسمين كف عن الحلم" .
يمكننا أن نجمع ملامح هذه المدينة التي ليس بوسعها أن تحقق لأبنائها السكر في هذه العبارات الغاضبة للكاتبة معلنة حزنها إزاء مأساة المدينة .إنها مدينة عربية شرقية في إيقاعها .تبدو ككل المدن بشوارعها وأزقتها والعمارات المتطاولة والشارع الكبير المحلات التجارية بلا زبائن ،المكتبة الوطنية بلا كتب لأنها احترقت "لقد أتى الحريق على كل المكتبة " والسوق و عربة الخضر تأبط صاحبها شر الدفاع عن الحق في العربة فأحترق ومقهى الأمل روادها من المهمشين والمعطلين عن الحياة شباب بلا أمل ،مساجد و القصور وساحاتها العامة مقاهيها ،حدائقها ، ببحرها وصحراءها ،سكانها المنهمكين في حياتهم اليومية في بؤس الحياة اليومية بين الخصاصة والتدافع من اجل قوتها اليومي .في هذه المدينة"حتى التهريج لم يعد ممكنا " , هي أيضا مدينة أبو القاسم الشابي و ابن خلدون و ابن رشيق القيرواني و العلامة ابن المنظور لكنها تشكو من قحط السرد ،لم تعد المدينة بوسعها أن تكتب قصتها الخاصة .لقد التهم الحريق كل مكتبات المدينة لقد "منعت الدولة الاشتغال بالقلم ومنعت بيع الحبر و الورق " .إنها مدينة أهل قرطاج وقد أصبحت "مسرحا لفن الفظاعة والقبح ،لا شئ فيها يدعو إلى الفرجة على مهزلة لا تضحك بقدر ما تبكي" لا المكان هو المكان ولا المدينة هي المدينة لقد فقدت المدينة سحرها الشرقي ،لا البحر هو البحر و لا حتى السماء هي السماء.ماذا أصاب المدينة ؟ مدينة احترقت بالكامل من فرط صدام الهويات وشوارعها معبدة بالأشواك. لقد مات الإنسان وولد الصوت ،ماتت الذات وولد الناخب بوصفه صوتا فحسب :أصوات للبيع ،أخرى للحجز وثالثة للقمع ورابعة للصمت والإلجام و هم يموتون مع كل شروق و يدبون كالنمل مع كل غروب" و"لأحلامهم زمن لم يأتي بعد" .لقد أنهكت المدينة عقولهم ،حواسهم وقدرتهم على الحلم .ماتت احلامهم على حافة شوارع المدينة." الوطن يرسب ويسقط" و السياسات الماكرة تحترق المدينة بتاريخها وزمانها و أمكنتها ،سكانها وأحلامهم .تنتظر الياسمين و الأقحوان ان يتحقق الحلم
تتداخل في الرواية الأزمنة بين الذاكرة والحاضر والمستقبل ،تحضر الذاكرة من خلال شخصيات مفهومية تتمثل في شخصية الخنساء "جاءت مرة ثانية لكنها لم تأت لتبكي صخرا "بل لتبكي مدينة بأكملها "انتفضت الخنساء من بين المقاعد .. م أحمق هذا العمر و هذا الرهط الذي أقحمني في هذا الركح؟"و فزع أبو حيان من سديم العمر وهذه"البسوس عادت بناقة أخرى و"عائشة باحثة عن نبي جديد" وابن القارح ،الحلاج شهرزاد فتقص على شهريار مأساة شعبه لكنه لا يأبه ويغضب منها أما هو فقد "عاد مخصيا وقد هجرته شهرزاد إلى ألف ليلة من الأعراس التي لا تنتهي أما عن الواقع فالأسماء عديدة و أحيانا يغيب الاسم و تحضر الصفات أحيانا بين الاسم وضده الدلالي ،هل اتفقت حتى أسمائنا ان تكون ضدنا؟: حلمي الذي لم يعرف من الحلم سوى الاسم "حلم بنفسه ومات بدلا عن غيره "أما محمدا فلم يعرف من محمد سوى الاسم لم يكن محمديا بالقدر الكافي "لم يكن محمديا الا على سبيل الصدفة ...كان شيوعيا وكان مدافعا على من لا رب لهم ولا سقف يحميهم " ونظيره "هيثم ترافلتا أسلامي ،محمد الذي ستمتد قصته "إلى قلوب كل الناس ...وفي جسمه أخر نبضات الروح"و الشباب الذين "اعتقلوا ولكن مازالوا يزاولون خلسة عادة حلم القلم "لأنه "منع حمل القلم مهما كان السبب للكتابة أو للرسم أو حتى لكحل العين أو قلم أحمر الشفاه" فقدوا القدرة على الكلام وحتى الضحك "ممنوع عليكم الضحك جهرا وبشكل عمومي".أما المستقبل هو من حق الياسمين والأقحوان وصدفات البحر زمن بلا هويات وبلا ذاكرة لم تعد ملزمة لأحد "زمان ستكون فيه كل المعتقدات مضحكة للأطفال"و " ستصير كل الكتب ألعابا للأطفال يصنعون منها الصواريخ و الزوارق الورقية"
ان المشكلة الأساسية في الرواية هي اللعب بين الأزمان بين زمن الذاكرة وزمن المارد الأسود وزمن الياسمين وهو ما نلمسه في فحوى الزمن الحاضر هل نحن نتوجه" نحو المستقبل أم بصدد السقوط في الماضي" ،" كيف نتدبر علاقتنا بالماضي ؟"،"لماذا نتمسك بالماضي تمسكا مرضيا؟ كل الأمم الاخرى سافرت الى المستقبل ..الا أنتم مهووسين بالذاكرة" .نادت أحداث 86 في فرنسا"كن واقعيا و أطلب المستحيل" لكن ثوراتنا العربية جعلت الذاكرة موضوعها الأساسي :دهر "كئيب".نام الأقحوان على حافة المستحيل" لمن يصلح المستقبل ؟للذين يمتلكون الحاضر بأموالهم خططهم و خرائطهم .من اي جهة تراه سيأتي ؟كآبتهم و مشاعرهم الحزينة تفصلهم عن وجه المستقبل أو عيونهم لم تحدق في الشمس جيدا .لم يكن النور الساطع هينا على عيون نامت ملئ جفونها في الليل طويل .
إن مدينة أهل قرطاج هي كل مدن العربية العراق، الشام ،القدس ، صنعاء...حجب عنها الأمل مدن بلا سكر ، شعوب حجبت عن أحلامها وأصبحت تتصدر العالم بشهدائها و عدد اللاجئين ونسب فقرها .لقد تحولت إلى مدن الرقم الحزين 44 مليون لاجئ ،80 مليون نازح ،30 مليون عاطل عن العمل  ، مليون و أربع مئة مليون قتيل وجريح ،900 مليار دولار دمار بنية تحتية ،14 مليون وخمس مئة مليون طفل لم يلتحق بالمدرسة ،70 مئة مليون تحت خط الفقر و طوابير الناخبين "لأول مرة يتقنون فن الاصطفاف و لأول مرة تباع الشعوب بهذا القدر من الكميات التي فاقت كل التوقعات " لإشباع حاجة الصناديق و إرضاء نهمهم.لقد أصبح المواطن في المدينة إلى عدد أو صوت او أصبع يكفي لا حاجة للديمقراطية للمواطن سوى للسبابة اليسرى . تراود المدينة "الجياع على أصواتهم" حيث شعب بكل ألوان الصيف شاحبا متسولا لتحقيق أحلام معلقة وقد أصبحت أشبه بخروقات مدنية ،تقول الكاتبة "لقد قبضت الديمقراطية على المدينة متلبسة بخروقات مدنية هي من شيم الكرامة و العدالة و العريضة الشعبية و النكبة الإنسانية ".هل ذهبت أصواتهم هدرا أم أنهم لم يغمسوا أصابعهم في الحبر جيدا؟ انه المسرح العبثي من الدماء المهدورة ظلما و قهرا .ان ديمقراطية تحصي بدقة أصوات ناخبيها ولا تعلم على حدود التقريب عدد جرحاها وعدد شهدائها يجب دفعها نحو الهاوية .أنهم جموع وكثافة لكن بلا عمق ،بلا قضايا كبرى مصابون بحمى الحياة اليومية بين أصوات الساسة او أصوات المآذن فحين يبقى أنين جرحى الثورة بعيدا عن ساحة المدينة في الأرياف البعيدة في الغابات والجبال الملغومة تفتك بكل من يسعى الى تحقيق قوته اليومي .حينما يتحول الوطن إلى جرح نستيقظ عليه كل صباح في أطرافنا المبتورة .لم يعد الوطن مكان ننتمي إليه بل صار ألما نحتاج لحبوب مهدئة لنسكن ألم الجرح ،لكن ألم الروح كيف يهدئ تقول الكاتبة "لا هم ماتوا ليكونوا شهداء ولا هم عاشوا كي يصيروا وزراء" .هل قدر الأدب العربي أن لا يلتقي بالفرح فمنذ أن نطق امرئ القيس بأول بيت "قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل ومن يومها ولعنة امرئ القيس تطاردنا" ،منزل الحبيب هنا هو المدينة وسكانها بأرواحهم المتعبة الكسولة "هذا بناقوس يدق وذاك بمئذنة يصيح" وأحلامها ،شمسها وحقولها وأطفالها وشهدائها و نساءها والمتسولون على أرصفة المدينة ، ،بحرها وسماءها ،حاناتها ومآذنها وغاباتها وجبالها وحدائقها وعطر الياسمين وجمال لون الأقحوان والموسيقى الشرقية وصوت فيروز و أم كلثوم في مقاهي المدينة حيث العاطلين لكل قصته الخاصة ولكن لا أحد هنا يقرأ.تعج الأسواق بكل ما لذ وطاب تقول شهرزاد " هذه سوقنا تمتلئ تفاحنا شاميا و سفرجلا عثمانيا و ياسمينا حلبيا و بنفسجا تونسيا ولحما ليبيا و حليبا يمنيا "ولكن لا أحد يشترى و يحمدوا الله "إنهم لم يأكلوا النخالة بعد" ،لا يجتمع العرب إلا في أسواق الخضر واللحم لقد نجح التجار في جمعنا لو اسما ونجح الساسة في بيعنا في السوق العالمية علنا بأسماء مختلف والجرح واحد "أطفال الحجارة ..شنق الطغاة العرب ..معرة النعمان".المدينة هي عمر من انتظارنا ودهر من "الأسئلة الناقصة" والجمل المبتورة و المشاكل الوهمية والحلول الوسطى ومن صدام الهويات هذا بلحية وعمامة وذاك بحق المنجل والمقصلة ينادي ... تقول الكاتبة "دهر من الأسئلة المثقلة بالديون ...و تزدحم على ذاكرتي المتعبة باستفحال الصحارى في أركان روحي الصغيرة ... صورة الكوارث والزلازل العميقة لعصر عربي دخل متاهة لا أحد يعرف عواقبها". لقد شاخت مدننا وكثرت تجاعيدها. من أين سيأتي المستقبل ؟ لن يأتي وقد فقدت المدن الحب والوفاء لنفسها و لأحلامها ،هل أصبح الحلم شاهقا؟ ام ماتت الروح فينا؟ " ونام الياسمين فينا على حافة المستحيل . لم تعد الأوطان مكانا نعيش فيه و ننتمي إليه روحا قبل جسدا بل أصبح كابوسا ليليا
ختاما يمكننا ان نلخص الرواية في جملة سعيدة "جربوا بعض المحبة "ربما ما ينقصنا هو الحب لم نتعلم من شعرنا العربي سوى بكاء الخنساء و تملق ابن القارح من أجل الغفران ،المدينة لا تهب الغفران لأحد هي هنا ساكنة من أجل أن ينموا الياسمين فينا لتعود هي للحياة , "يسروا على شعوبكم و انزلوا إلى جراحكم و أعماق أريافكم ستلقون أقاصيصكم في انتظاركم ". كل إنسان في هذه المدينة هو أكثر من وجه ،أكثر من رهط ،أكثر من قلب ،انه شعب و مواطنا كونيا. علينا فحسب أن نفهم هذا الحديث النبوي الشريف" سيكون في أمتي علماء فساق وقراء جهال" و على المرء يقول زرادشت "أن يكون حاملا لشيء من الفوضى كي يلد نجما راقصا " ،يجب "تحرير الورود " ،والدفاع عن "روائح الياسمين و "عطر العاشقين " وان نفتح "أبواب الروح " قبل أبواب البيوت والمحلات والمقاهي ومجلس الشعب ففي "العشق حب و غيم و سكر للقادمين "



#سعاد_زريبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع الافتراضي وأزمة التواصل


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد زريبي - مدينة بلا سكر قراءة في رواية جرحى السماء للكاتبة ام الزين بن شيخه المسكيني