أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعاد لومي - تحررنا من دبش














المزيد.....

تحررنا من دبش


سعاد لومي

الحوار المتمدن-العدد: 1553 - 2006 / 5 / 17 - 03:54
المحور: كتابات ساخرة
    


فرح العراقيون أيما فرح بعد سقوط النظام الصدامي الفاشي، وتوقعوا خيرا كما هي نفوسهم التواقة لما هو فيضي وصالح وإنساني، دائما، كلهم تقريبا، ما عداي، طبعا. كنت متشائمة غالبا ولما أزل ويبدو إني سأبقى كذلك . ولم تكن الكتابة بالنسبة لي ذات أهمية بعد ان صرعتها القراءات المختلفة والحروب والمجاعات وفقدان الاحبة .. وحينما سألنني زميلاتي إن كنا قد تحررنا فعلا بعد تهاوي تمثال صدام ؟ لذت بصمت قاتل لأول مرة؛ و قبل ان اتقاعد عن كل شيء وفي المدرسة باعتباري اكبرهن سنا، واكثرهن ثقافة - باعترافهن- ولأني كنت (سياسية: كما هي المهذارة بأخبار البي بي سي! ) قلت بملء الفم أخيرا: تحررنا من دبش!!
ومنذ ان رحل والدي - العبد الآبق- من هور العمارة وسكن مدينة الثورة بصريفة واحدة ليعمل حمالا في الشورجة مع الحمالين الكرد آنذاك؛ كنت(سياسية) بنظرهن ومثقفة بنظر نفسي. فالسياسة بلا ثقافة مثل سندويج بائت او مثل ثوب قديم لا تنفع فيه الرقع المغايرة او من اللون نفسه. كان التحرر من اهم الافكار لدى عائلتي التي ما انفكت تعاني من عقدة اللون باستثنائي طبعا، حيث وجدت نفسي جميلة دائما وحتى عندما تزوجني ذلك الرجل الأبيض العمايرجي قاطعه جميع اهله وقالوا له: تزوجت (عبدة) فقال لهم تزوجت اجمل ما يكون من (حرة) لكن العبدة او الحرة فقدته في الحرب العراقية الإيرانية.. ولم تبق منه غير ذكريات.. وبعض صور التقطها مع رفاقه في الجبهة .
تحرر الزوج اخيرا من هذا العالم الغول الذي لا يشبع من طي الناس الأحبة بين أسنانه الكالحة. اما أبي فقد ظن بأنه تحرر أيضا من طغيان الشيوخ واشتغل حمالاعام 1958. يمكنني ان اكتشف ذلك ببساطة أثناء تحميتي له في السنين الاخيرة فما تزال آثار (النوالة) قائمة على ظهره. وكنت الوحيدة التي اكملت دراستي وأصبحت معلمة من بين تسعة اخوة وأخوات عملوا في مهن قذرة شتى: آخرهم كان كناسا في زيونة حاولت أغتياله عبوة ناسفة.
طار أبي الأسود العجوز من الفرح حقا فمن مثله؟ ابنته معلمة أخيرا، وأية معلمة: معلمة أنكريزي! .. ما اكبرها وما أعظمها من نهاية في مدينة بغداد؛ وشفّ الاسود من الفرح يوم رآني معلمة وسط تلميذاتي الريفيات فقد أصرّ على ان يأخذني بنفسه لتادية الخدمة النائية.. ثم أصرّ على رواية حكاية هروبه من العمارة إلى بغداد لطاقم المدرسة الجديد الذي تعينت فيه لأول مرة مع بهارات ناعمة طالما وجدها مناسبة في تلك الاويقات الرغيدة.
وقال لي في وداعي: ها إني قد تحررت من العبودية بك.. ما اكبر حظي وما أسعدني.. كان لم يذق طعم السعادة أبدا في حياته غير ذلك اليوم الذي قال فيه: شف (التفسه) سعاده بنت ( التفس) لومي ترطن انكريزي.. صحيح العراق تحرر..
لكن العراق لم يتحرر أبدا وما زال عبدا. و كنت أعرف جيدا أنه لم يتحرر أبدا، ولم أقل له ذلك، حتى عرف هو بنفسه تلك الحقيقة حينما قتل (الزعيم) في يوم بارد.. ولم يفصح هو عن تغييررأيه قط بعد ذلك سوى ترديده: كلّ العراقيين عبيدا ولن تكون لهم (جارة) أبدا ما دام (كريّم) أكله التراب.. أييي! .. اكله النهر.. أيييي.. لكننا سنتحرر يوما ما حتما. ولم يأت هذا اليوم أبدا. ولم يكن وجودي كمعلمة في حياة أبي إلا تعزية عن الحرية المفقودة.
ما زال الوالد حيا ولله الحمد. وما زال يتابع قضية حريته منذ هروبه عام 1958 إلى يومنا هذا.
سألني بعد ان اقعده المرض: ولج سعاده ماذا يحدث في العراق؟
- ماكو شيء بويا..
- يا ماكو بنت الجحش شنو هلتفجيرات وشنو هلمشاكل ولج مو انت تفهمين اكثر من الطناطلة أخوانك
- معليك المهم صحتك
- ياصحة ولج؟! الناس أشوفها بالتلفزيون تموت بالآلاف..
- دعايات بويا دعايات!
- يا دعايات بنت الخرء سنة وشيعة وطراكيع هي وين جانت؟
- جانت بجيب امريكا
- هم امريكا وهم استعمار ما نخلص
- لا ما نخلص
- ما نتحرر
- لا ما نتحرر
- مو صار النه قرون..
- إي..
- قرووون!
- إييي! نام بويا!
- ولج شلون انام واحنه العبيد شبينه؟ خل نسوي ألنه حزب مثل الناس احنه مو قليلين بالعراق، ونسميه: حزب العبيد الاحرار!
- هاي هم انته بويا؟!
- أي ليش لا مو مغراطيه يكولون؟
- وشسوي بهذا الحزب بويا؟
- احرر بيه العبيد من بان وبني!
- بس للعبيد؟
- بس للعبيد.. مومن حقي.
- هيج حزب حط بيه العراقيين كلهم من بان وبني! كل العراقيين عبيد بويا!!
- هم صحيح.. دايما اكول عنج ام عقل.. بس حظ ماكو..
نام أبي وهو يحلم بالتحرر من دبش.



#سعاد_لومي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعاد لومي - تحررنا من دبش