أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فدوى حسين - قصة قصيرة بعنوان عناق














المزيد.....

قصة قصيرة بعنوان عناق


فدوى حسين

الحوار المتمدن-العدد: 6327 - 2019 / 8 / 21 - 05:30
المحور: الادب والفن
    


عناق


عيناه السوداوان تبحران في العدم، لا تريان غير السواد، حيث لا ألوان أخرى في مرمى نظره. يتجول بهما في أرجاء مركز الإيواء الذي وصل إليه مع بعض من أقاربه ممن تكفلوا به بعد انتشاله من تحت أنقاض بيته المهدم والمحترق بإحدى القذائف التي استهدفت بلدته التي رفع أهلها رأسهم ليروا الشمس فكان ما كان.
السواد يصبغ كل ذاكرته بلونه. ألسنة اللهب سوداء، الدخان الأبيض المتصاعد من احتراق البيت بأهله سوداء، الخوذات البيضاء التي انتشلته من تحت الركام سوداء، لا ألوان أخرى يتذكرها!!.
بين أهدابه المستسلمة للحيرة والضياع لاتزال ذرات الغبار توثّق ذاكرته المخضبة بالألم. آثار الجروح والحروق على جسده الغض ذي السنوات الخمسة ترويان قصة موت عاشها ونجا منها. قدماه الصغيرتان خطّت في رحلة الهروب واللجوء من مدينة لأخرى ومن دولة لأخرى عبر البراري والغابات، سِفر الآلام البشرية. الطرقات التي سلكها نور ومن معه كانت تتأوه من ثقل الأوجاع التي يحملونها بين أضلاعهم في دروب اللجوء. وصل نور إلى مركز الإيواء وحيداً دون أبويه وإخوته الذين قضوا تحت الركام.
يجلس وحيداً كل يوم ويسرح بعيداً بذاكرته، حيث والده الذي كان يطيره في الهواء ملاعباً، وضحكات أمه وأنفاسها الدافئة ومناغاة أخته الصغرى المترددة في مسمعه، كل لحظة تأبى الرحيل. لكن حثيث خطوات مرتبكة ومترددة تناهت إليه!. بدأت تقترب منه. يفوح منها دفء فارقه منذ زمن، وحضناً تواقاً لعناقه، ويدان تتوسلان تمسيد شعره تزداد اقتراباً ولهفةً وكأن ريحا تشتد على أشرعتها نحوه. كانت تلك خطوات ليلى التي فقدت طفلها الوحيد وهي تهرب به بعد مقتل زوجها، هائمةً به في عرض البحر مستنجدةً به، فلم يرحمها البحر آخذاً صغيرها قرباناً لنجاتها. لفت الأمواج الصغير لتسحبه للقاع ليعود ويطفو بعيدا عنها. اختطفته من أحضانها التي لا تزال تعوي كل ليلةٍ في ذات الموعد مع رائحة البحر التي تصفع ذاكرتها.
توقفت الخطوات المرتبكة خلف نور الذي شعر بدفء هائل يحوطه، فاستدار نحوها ليرى عينين تشعان بالحب والحنان. تستغيثان عناقه. ويدان ترتجفان وهي تتلمس ملامح وجهه تبحثان فيه عن الحياة، فارتمى في أحضانها ليسكت صرخاتها ويطفئ نار حنينه لحضن أمه. عانقته ليلى كمن يعانق عائداً من الموت، وتعلق بها نور منغرساً في صدرها كبذرة تنغرس في الأرض تحاول التوحد بها لتنمو من جديد. كلٌّ منهما وجد في الآخر ضالته فاغرورقت عيناهما بالدمع الذي سال ليروي عطشاً طال أمده. لتبدأ ألوان قوس قزح ترتسم بين أهداب نور، فيتلاشى السواد المتحجر فيهما، وأخذ الزهر ينبت في مجرى الدمع المنحدر من آلامهم.
توحدا كشجرة التف عليها لحاؤها المنقطع النابت في جهة أخرى من جديد لتدب فيها الحياة مرة أخرى وتتسابق الأغصان المخضرّة نحو الشمس.



#فدوى_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فدوى حسين - قصة قصيرة بعنوان عناق