عبد الرحمن النمر
الحوار المتمدن-العدد: 6308 - 2019 / 8 / 2 - 09:29
المحور:
الطب , والعلوم
يشير عدد من الدراسات الطبية الحديثة إلى أن سرطان الجلد ينتشر هذه الأيام بمعدل يفوق أي نوع آخر من أنواع السرطان! ولا يتبارى مع معدل انتشار سرطان الجلد إلا انتشار سرطان الرئتين عند النساء، والذي كان مقصورا إلى عهد قريب على الرجال البالغين! من جهة أخرى، تشير الدراسات نفسها إلى أن الكشف المبكر عن سرطان الجلد يمكن من استئصاله قبل انتشاره إلى أماكن أخرى من الجسم، مما يهيئ الفرصة لعلاج جذري.
إن من غير المعروف سبب الإصابة بسرطان الجلد، مثله في ذلك مثل معظم أنواع السرطانات! إلا أن هناك بعض العوامل التي يعتقد أنها قد تلعب دورًا في ذلك، تشمل التعرض المستمر لأشعة الشمس، وبالتحديد للأشعة فوق البنفسجية (وهي إحدى مكونات أشعة الشمس) والتعرض للإشعاع الصادر عن العناصر المشعة وللأبخرة الكيميائية.
هناك أنواع عدة من سرطان الجلد، أهمها وأخطرها النوع المعروف باسم «الورم القتامي الخبيث» «Malignant Melanoma» وكلمة القتامي، وهي الكلمة الغامضة في الاسم، مشتقة من اسم الصبغ الموجود في الجلد، والذي يعطي البشرة لونها عند كل إنسان، هذا الصبغ يسمى «القتامين» Melanin Pigment.
بقع الجلد المصطبغة ليست كلها خبيثة ولكن يجب استئصال علامات الوحم كنوع من الوقاية
من النادر أن ينشأ الورم القتامي الخبيث قبل سن البلوغ، وفي خمسين في المائة من الحالات ينشأ الورم في علامات «الوحم» التي توجد على جلد بعض الناس منذ الولادة، في مناطق متفرقة من الجسم.. بينما ينشأ في خمسين في المائة من الحالات في جلد سليم تماما!
عادة يبدأ ظهور الورم على هيئة بقعة داكنة على الجلد، في أي مكان على سطح الجسم، وتكون البقعة صغيرة الحجم غير منتظمة الشكل، إلا أنها تنمو بسرعة، فتكبر ويزداد حجمها، وترتفع عن سطح الجلد مكونة ورماً صغيرًا، وتسبب البقعة منذ ظهورها التهابا في الجلد المحيط بها ورغبة في حك (دعك) موضعها، وعادة يكون سطح البقعة (أو الورم عند تكونه) هشا ضعيفًا، بحيث يسيل الدم بسهولة بمجرد تمرير الأصابع على موضع الورم.
أما في الوقت الذي ينمو فيه الورم القتامي الخبيث على سطح الجلد، فإنه ينتشر إلى أجهزة وأعضاء أخرى في الجسم، وهي عملية انتشار معروفة عن معظم أنواع السرطانات التي تصيب الإنسان، تسمى «الانبثاث» «Metastasis» (أي انتشار خلايا السرطان من موضع العلة الأصلي إلى أماكن أخرى في الجسم، إما بواسطة تيار الدم أو بالانتشار مباشرة إلى التراكيب التشريحية المجاورة).
التشخيص المبكر
بالنسبة لضحايا السرطان، يقاس الشفاء من الداء العضال بما يسمى «معدل الحياة لخمس سنوات».
وتعليل ذلك أن معظم ضحايا السرطان يفارقون الحياة في غضون خمس سنوات من وقت تشخيص المرض، وسبب ذلك أن معظم أنواع السرطان تكون قد انتشرت في جسم الضحية وقت ظهور الأعراض التي تنبه إلى وجود سرطان في الجسم، (من هنا تأتي أهمية الكشف المبكر عن السرطان، سواء في الجلد أو في أي موضع آخر من الجسم).
في دراسات حديثة صادرة عن «سكوتلندا» (في بريطانيا) وعن كندا، هناك إشارة واضحة إلى أن معدل الحياة لخمس سنوات عند المصاب بالورم القتامي الخبيث يتجاوز تسعين في المائة (بالدقة 91.72 %) إذا جرى الكشف عن الورم في الجلد قبل أن يزيد سمكه (ثخانته) عن مليمتر واحد، وينخفض معدل الحياة لخمس سنوات بصورة حادة، ليصل إلى أربعين في المائة إذا وصل عمق الورم في الجلد إلى ثلاثة ونصف مليمتر!
هذه الزيادة في سمك (ثخانة أو عمق) الورم القتامي الخبيث بمقدار مليمترات قليلة (المليمتر جزء من عشرة من السنتيمتر، أو جزء من ألف من المتر) يمكن أن تحدث في أسابيع قليلة! ومع ذلك.. وعلى الرغم من أن الزيادة تبدو تافهة القياس، فإنها تؤدي إلى فارق ملحوظ في نسبة الشفاء! والسبب-كما أسلفنا- أن الورم القتامي الخبيث ينتشر إلى باقي الجسم في الوقت الذي ينمو فيه على سطح الجلد.
والمليمترات التي نتكلم عنها في هذا السياق لا تؤدي فحسب إلى تغير ملحوظ في نسبة الشفاء، بل إنها تؤدي أيضًا إلى تغير طريقة العلاج كذلك! فعند الكشف المبكر عن الورم القتامي الخبيث يمكن استئصال الجزء المصاب بالورم من الجلد- وهو جد صغير في هذه الحالة- ثم متابعة المريض بفحص شامل مرة واحدة كل عام للاطمئنان إلى عدم وجود بقايا للسرطان في الجسم، أما عند انتشار الورم فالقضية جد مختلفة.. إذ يلزم في هذه الحالة استئصال مساحة أكبر من الجلد، ثم علاج المريض بالعقاقير المضادة للسرطان لشهور عدة، وفي أحسن الأحوال لن يزيد معدل الحياة لخمس سنوات عن ثمانية وثلاثين في المائة حسب نتائج دراسة «سكوتلندا».
إن الهدف من استعراض الدراسات الحديثة عن سرطان الجلد في هذه السطور، هو التنبيه إلى خطورة البقع المصطبغة (التي يختلف لونها عن لون البشرة) على سطح الجلد، فظهور هذه البقع في أي مكان على الجلد، في أي وقت من العمر، يجب أن يكون دافعاً إلى مراجعة طبية متخصصة وعاجلة، والتأخر في المراجعة الطبية له ثمنه الفادح حسبما ظهر في الدراسات المشار إليها.
وأما علامات الوحم «Birthmarks» فلا يجب أن تثير الذعر، ولكن يجب ملاحظتها باستمرار لمتابعة أي تغير في اللون أو زيادة في الحجم، فهذه هي النذر الأولى لوجود تحور سرطاني في الخلايا، وحيثما أمكن، فمن الأفضل استئصال علامات الوحم كنوع من الوقاية، وهي في هذه الحالة وقاية مرغوبة وحميدة.
ومن قبيل بعث الطمأنينة بعد الذعر الذي يمكن أن يثيره الكلام السابق، فإننا نذكر أن بقع الجلد المصطبغة ليست كلها خبيثة، لكن يجب أن يفصل في ذلك طبيب متخصص في أمراض الجلد.
المصادر :
محمد علي محمد٬ السرطان مرض العصر ٬ المسيرة : بيروت ٬ 2010 ٬ ص ص 222.
صحة عامة ٬ السرطان ٬ موقع عالم جالكسي ٬ على الرابط : http://coquegalaxyalpha.com/ ٬ اطلاع بتاريخ : 11-05- 2019
محسن متولي ٬ مجلة الصحة العربية ٬ العدد 33 ٬ 2018 ٫ ص ص 43.
مجلة نايم الثقافية ٬ تعرف على المرض الجوفي ٬ على الرابط : https://www.njbartlett.name/ ٬ اطلع بتاريخ : 09-04-2019
مجلة عالم با اسرار ٬ الصحة الجسدية ٬ على الرابط: http://bezsekretov.com/ ٬ تصفح بتاريخ : 11-03-2019.
محمد متولي ٬ الصحة والسرطان ٬ دار القصبة : الجزائر ٬ 2017 ٬ ص ص 111.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟