أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - علي حسين القيسي - ماسينيون في بغداد















المزيد.....

ماسينيون في بغداد


علي حسين القيسي

الحوار المتمدن-العدد: 1532 - 2006 / 4 / 26 - 07:34
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


وصف الدكتور عبد الرحمن بدوي في مذكراته المثيرة للجدل، ماسينيون، بالمستشرق العظيم، وقد كنت من اشد المعجبين (به) منذ ان حضرت له محاضرة عامة القاها في الجمعية الجغرافية عن- تخطيط مدينة الكوفة- وذلك في كانون الثاني يناير سنة 1935، اما ادوارد سعيد المفكر الناقد لظاهرة الاستشراق من دون هوادة فانه يستثني في كتابة المرموق (الاستشراق) لويس ماسينيون، من النقد القاسي (لانه فاق جميع اقرانه في انجاز المهمة الصعبة التي عجز المستشرقون كلهم عن انجازها الا وهي تحقيق فهم داخلي حقيقي وجدي للروح الاسلامية الشرقية ولدينها وثقافتها وعقليتها).

بذلك يكون المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون قد حاز على اعجاب كثير من المثقفين العرب لما قدمه من بحوث علمية وكشوفات تراثية نمت عن عبقرية فذة، قل مثيلها اذ بلغت مؤلفاته اكثر من مئتي كتاب ومقالة، و 100 تقرير وشهادة و 150 محاضرة باللغة العربية، وهي المحاضرات التي القاها على طلابه في الجامعة المصرية.

كما ذكر ذلك يواكيم مبارك في كتابه عن ماسينيون المطبوع باجزائه الثلاثة.. فضلا على الاف الرسائل المتبادلة في كل مكان من العالم وهي لم تطبع لاتزال محفوظة في خزائن الكتب بدار المخطوطات ببغداد، كان الباحث قاسم محمد عباس قد نبه صديقه الاديب علي بدر الذي يجيد اللغة الفرنسية الى رسائل سبق لماسينيون ان وجهها لصديقه الاب انستاس ماري الكرملي الاديب واللغوي العراقي، (فذهبنا في ظهيرة يوم قائظ هناك لفك لغزها ولم يكن بامكاني ان اكبت مفاجأتي امام اكثر من مئتين وثمانين رسالة تخص ماسينيون).

انها حقا لقية لاتقدر بثمن تلك التي عثر عليها علي بدر ليزيح عنها غبار قرن من الزمان، فيقوم بترجمتها وتحقيقها تحقيقاً راقيا ويجمع عمله في كتاب (ماسينيون في بغداد) صدر عن دار الجمل بألمانيا عام 2005.

(لم اكن قادرا على التماسك امام الحروف التي تستعيد تاريخا كاملا للثقافة والافكار تستعيد اللحظات التي سجل فيها ماسينيون وخط ورشح وعمم اكبر انسكلوبيديا للتصوف الاسلامي)، هي اذا شهوة البحث لفك طلاسم واسرار تاريخ حافل بالثقافة والاستكشافات المعرفية والعلمية تلك التي سيطرت على مثقف مرموق يدعى علي بدر سبق ان اغنى المكتبة العربية بالعديد من الاعمال الممتازة التي حصــــــــــد بها جوائز عديدة في تونـــــــس والامــــارات العربــــــــــية والعراق.

مما يمنح هذا الكتاب، الذي يقع بـ 294 صفحة من القطع المتوسط، اهمية كونه اول عمل رصين يزيح الغبار عن رسائل ما سينيون المهمة التي تشكل قيمة كبيرة لما حوته من معلومات علمية وتراثية عالية القيمة على الرغم من تقادم الزمن، تصدى لها الباحث الدقيق في الترجمة والتحقيق بما امتلكه من قدرة عجيبة على الصبر وهو (يرتجف امام الورق الذي شف لتقادمه والحبر الذي نصل وهو يسجل اهم مرحلة من مراحل الاستشراق لا في الغرب وحسب وانما في العالم برمته).

بعد مدخل الكتاب يقدم المحقق توطئه منهجية في التعليق والتحقيق تبين اسلوبه في التصدي لعمل مهم يحتاج الى معارف متنوعة، (اتبعت من الناحية العلمية الطريقة الفيلولوجية الكلاسيكية في تحقيق الرسائل الشخصية، وهي اضاءة كل ما التبس في النص والبحث عن المؤثرات المحيطية او الاجتماعية قدر الامكان وتخليت عن الطريقة العراقية او ما اصطلح عليه بالمدرسة العراقية في التحقيق التي درج عليها اكثر ابناء الجيل السابق من المحققين لانها جامدة ومتحجرة وغير حيوية كما انها سهلة وليست فعالة وترشد القارئ ليبحث ولا يؤدي المحقق فعلا اخر).

(كما حاولت ان اعطي الخلاصات الخاصة بالمشروح من مصادر متعددة بدلا من ارشاد القارئ الى مرجع او مصدر واشرت الى المصادر الرئيسة في نهاية الكتاب).

ان خطته في التحقيق تشير الى انه محقق متمرس ختم امالي اهل الصنعة وادركها جيدا، فهو لم يسرف في هوامشه ولم يقتر بها بل تجد الهامش مشبعا بالمعلومة في موضعه تماما، وتعجب من هذه القابلية التي ابداها المحقق على البحث والتنقيب عن اشياء عفى عليها الزمان وقبعت في خزائن النسيان فمثلا ورد ذكر رؤوف افندي الجادرجي في متن احدى الرسائل لنجده في الهامش من المثقفين العراقيين الاوائل، اصدر صحيفة الانقلاب في بغداد في عام 1908، عين رئيسا لبلدية بغداد في العهد العثماني، كان وزيرا للمالية في اول وزارة للحكم الوطني ثم اختارته شركة نفط العراق مستشارا قانونيا لها، لقد كان قانونيا وخبيرا بالاقتصاد والعلوم المالية يتحدث الانكليزية والالمانية والفرنسية والتركية والفارسية، توفي في العام 1958 ان مثل هذه المعلومات من الصعب توفرها بسهولة ولاسيما في الاعلام اما في البلدانيات فهو كذلك محقق مدقق حريص على دقة العمل اذ جاء ذكر (بريتانية) نجده يهمش بـ (مدينة تاريخية غربي فرنسا وهي شبه جزيرة يحيطها بحر المانش من جهة والبحر الاطلنطي من الجهة الاخرى)، وكذلك مثلها مدينة (عانة) اذ يهمش لها بـ (مدينة صغيرة غربي العراق في محافظة الرمادي لها ناحيتان القائم وراوه ورد ذكرها منذ العهد الاشوري عرفت قديما بعانات تقع على نهر الفرات تشتهر بنخلها ونواعيرها وتقع على الطريق الى سوريا)، انها هوامش غنية تثري المتن وتفك مغاليقه، لم يقتصر علي بدر على مراجعة الموسوعات والمعاجم وانما رجع احيانا الى معلومات لاتتوفر الا للمحقق فمثلا عندما يرد في نص الرسالة ديوان الحلاج يهمش بأقتدار: صدر ديوان الحلاج اول مرة في القاهرة في العام 1912 وقد جمعة لويس ماسينيون ثم اصدره كامل مصطفى الشيبي محققا في بغداد في العام 1972 ثم اعيد طبعة من قبل عبده وازن في بيروت في عام 1994 واعاد تحقيقه ونشره مع المجموعة الكاملة للحلاج الباحث العراقي قاسم محمد عباس وصدر عن دار رياض الريس في بيروت في العام 2002 ان المعلومات التي صنع منها علي بدر هوامشه البالغة 378 هامشا تمثل موسوعية تنم عن قدرة فائقة على البحث والتقصي والتنقيب وعلى اهميتها ورصانتها لم تكن الغاية الرئيسة من التحقيق وانما (ما دفعني لترجمة هذه الرسائل وتحقيقها وتقديمها للقارئ العربي شعوري العميق بأن هنالك عالما من القوى المرتدة التي تريد عزل الثقافات عن بعضها ينهض في الشرق بقوة، فهذه الرسائل تعلمنا ان الوصفات الثقافية والانثروبولوجية لتعليمنا تهكمية برمتها، ولم يكن امامنا نحن جيل المثقفين الشباب العرب والذين عشنا مجال الحروب المتكررة، ومجال الثقافات المحتدمة وصراعاتها، ومجال التاريخ ومجال الاحتلال غير ان تشتبك بحوار واضح وصريح مع الثقافات في العالم).

مشروع اكبر واوسع من تحقيق و (78) رســـــــــــالة مختــارة من مجموع رسائل ماسينيون لصديقه اللغوي البارع الاب انســــــــــتاس ماري الكرملي.

ان السرد بادواته المكتملة لدى علي بدر الذي استخدمه ببراعة فائقة وهو يترجم لماسينيون متناولا سيرته طولا وعرضا، جاء ليشكل تحفه فنية شيقة منذ مقدم ماسينيون الى بغداد عام 1903 كباحث اثاري ليقع بعدها بيد السلطات العثمانية التي اتهمته بالجاسوسية والماسونية والتآمر على السلطنة ثم هموا باعدامه لولا تدخل العلامة محمود شكري الالوسي والقاضي علي نعمان الالوسي اذ توسطا له وكفلاه وجاءا به الى منزلهما لمعالجته من اثار التعذيب وليهباه خاتما منقوشا عليه عبده محمد ماسينيون بقي محتفظا به طوال حياته التي بقي مدينا بها للالوسيين ولايفتر عن ذكر جميلهما، ومنذ ذلك الوقت حصل له التحول الروحي اذ كان مكبلا على ظهر مركب مر قرب طاق كسرى ليحصل له كل هذا التوجه العظيم الذي قلب حياته كلها ان هذا الفصل الجميل الذي تجاوز الثلاثين صفحة تفتن القارئ وتسحره بسلاسة الاسلوب وعمق السرد بلغة قصصية شائقة ولكن على رقيها ومتانتها المحكمة هفا المحقق في هذا الفصل هفوة لا اعرف كيف فاتته عندما عدد مؤلفات ماسينيون في سبع صفحات باللغة الانكليزية مع ان بعض هذه المؤلفات او المقالات كتب باللغة العربية وبعضها الاخر ترجم وطبع في معظم العواصم العربية، اما الفصل الاخر الذي تناول فيه سيرة العلامة الاب انستاس ماري الكرملي المولود في بغداد عام 1866 والذي سرد سيرته بأسلوب منظم ودقيق اذ درج فيه مؤلفات الكرملي وتوسع بمعلومات نادرة عنه وعنها والذي فيه هفوة اخرى اذ فاته ان يذكر تاريخ وفاة الكرملي ومكان قبره مع انه اورد تواريخ نفيه وسفره للدراسة وامور اخرى، وقد كانت وفاته ببغداد عام 1947 ودفن في كنسية الاباء اليسوعيين، اما من الرسائل البالغة (78) رسالة قسمت على السنوات من 1908 حتى 1919 والكتاب يعد جزءا اولا من رسائل ماسينيون الى الاب انستاس الكرملي الذي بقي يراسله حتى وفاته...يهدي علي بدر عمله هذا (الى روح والدي) ليطلعنا بهذا السفر الجميل على حياة ماسينيون ودقائقها من الاهتداء الصوفي الى الهداية الكولونيالية، وليؤرخ في الوقت نفسه لصفحات مهمة من حياة الثقافة العراقية في دور التأسيس ان هذه الرسائل ليست سياحية ثقافية افيضت على شعوب وامكنه جغرافية بل هي فضاء ثقافي، سياسي تمت بواسطتها بلورة مواقف، وترميز معارف واسـتجلاء فرع مهم من فروع الثقافة العربية ومماهاته مع موقف سـياسي اسـتبان في نهاية هذا الجزء.

اخيرا هذا كتاب جدير بالقراءة والبحث لجملة اسباب، على رأسها هو اتقان التحقيق بدقة متنـاهية.. واختيار الرســائل التي تشكل قيمة ثقافية وعلمية ممتازة والكتاب برمته يثــير الدهشة ويحرك فضيلة القراءة والمواصلة مع تاريخ ثقافي سياسي عمره قرن، هو مرحلة التأسـيس للثقافة العراقية.



#علي_حسين_القيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - علي حسين القيسي - ماسينيون في بغداد