أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - هند القهوجي - السجن مرة اخرى














المزيد.....

السجن مرة اخرى


هند القهوجي

الحوار المتمدن-العدد: 1528 - 2006 / 4 / 22 - 10:30
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


كدوي فتح باب زنزانتي : تعي فوراً
ووجها لوجه صرت أمام رئيس فرع التحقيق :
- شو يا هند, إلك عنا ست شهور ما خدنا منك لاحق ولا باطل. مفكرة إذا ما حكيتي شي راح نطلعك, والله لخلي السجن يأكل من لحمك شقف.. إنت وحده مناضله, ناضجة ومثقفه, بس ناقصك شغله واحده, ناقصك ثقافة البطرونات (البترونات ) والشراميط! راح ابعتك عاسجن القضائيات بقطنا مشان تكملي ثقافتك, شو رأيك ؟ والله لارميكي رمية الكلاب, وتختخ عظامك, وخليكي مزتوته ليطلعو رفقاتك الشباب بتدمر بتتطلعي معهم. روحي تثقفي بقطنا وناضلي بين البروليتاريا تبعكم, دعارة وحشيش وقتل و... و... والله لخلي الجن الأزرق ما يعرف وينك... انقلعي ...خذوها.
عدت لزنزانتي أضحك في عبي. أخيراً انتهيت من التحقيق والتعذيب، وخاصة أصوات التعذيب. لم أفكر بكلماته أبداً: قطنا!!.. مستحيل. بادره لم تحصل سابقاً. هناك بعض السياسيات الأخوانيات أما نحن لا. اعتبرت كلامه نوع من التهديد, كلام بكلام صار ذهني كالزمبرك, أكيد سيخلي سبيلي.. إفراج, ليش لأ, ما علي شي.
أخذت نفساً عميقاً, حاولت الاستلقاء, ما كاد جسدي يلامس الأرض حتى اقتحم السجان مملكتي:
- ضبّي غراضك ويلا قومي.
كلبشوني, وضعوا الطميشه على عيني, أدخلوني القفص و... ساقوني لقطنا.
كم تشوقت إلى عالم الأحياء فوق: الشمس, السماء, الشجر, وجوه الماره, الاطفال بلباسهم المدرسي. لم يستوقفني أي من هذه الأشياء في طريقي. تزاحمت الأسئلة، وسؤال وحيد أرعبني وسيطر عليّ: سألتقي أولئك النسوة ؟!! نسوة الكتب والكتاب؟ لا لا لا أصدق. عالم الكتب شيء والواقع شيء آخر. اقشعر بدني, خوف, ذعر, توتر, لا أصدق وجهاً لوجه مع عالم النسوة هذا ؟ وفي مكان واحد وزمن واحد, في دوامتي هذه!! جاءني صوته :
- وصلنا يلا انزلي .
ماذا ؟ وصلنا! بهذه السرعة, ثوان, مستحيل,عاد الصوت أقوى:
- شو ما سمعت, انزلي بقا.
و........ نزلت.
استقبلني الشرطي منفوخاً أمامهم يسبق كلامه جسده:
- خرجك, شو محسبي البلد سايبه.
ختم صك عبوديتي, وأسلمني لدهاليز سجن قطنا.
كم من أبواب الحديد والشبك!! لا أعرف كيف صرت في باحة السجن, تراجعت مذعورة والتصق ظهري ببابه. تراكضت النسوة, وكبلهاء وقفت دون حراك, ضممت كيس أغراضي وعصرته بيدي، كأنني أحمي نفسي من شيء ما. وأصواتهم تلتصق بي: سياسيه!!... شكلا سياسيه... شوفي ثيابها والله سياسيه.
معهم حق، كيف لا.. وصلت في شهر آب وكنت ألبس بنطال جوخ وفيلد شتوي, ولوني أصفر باهت, وشعر منفوش, وكيس صغير فيه ممتلكاتي: كأس وصحن ودخان ومنشفة.
تكومت النسوة فوقي، واختلطت الأيدي والوجوه والأصوات: تهمتي حشيش.. أنا سرقة.. وهي دعارة.. أما أنا قتل.. لا تخافي نحن ما منخوف.. هي كرسي اقعدي ارتاحي.. بدك قهوة ولاّ شاي؟.. بدك كاسة مي؟, قديش إلك بالسجن؟.. ماحدا معك..؟!!!
هطلت أسئلتهم كالرصاص وأنا المذعورة, أتقلقز على أقدامي, أخافهم، لا أريد لمسهم ولا كلامهم ولا حتى ضيافتهم. حاولت الابتعاد عنهم, أردت أن أصرخ : حلّوا عني.
عربش الكلام بحنجرتي واختنقت, فعصرت كيسي بكل ما تبقى لي من قوة وهرسته، تمسكت به كغريق يتعلق بقشه,) ونسوة الكتب حولي يروحون ويأتون. ضجيج، صخب، وكلامهم يرتطم على رأسي على جسدي، ولم يعدني لرشدي إلا صوت جهوري ووقح : كش برّه وبعيد, ناقصنا كافره, حطها بالغرفة التانيه.
فجأة حلً خوفي وتوتري بين هؤلاء النسوة نسوة الكتب, وقع الكيس من يدي, لألتفت باتجاه الصوت, وفهمت كل شيء. كان الصوت من غرف الأخوانيات السياسيات. مقفلة كانت غرفهم حيث لا اختلاط بالتنفس. نصف النهار للسياسيات، والنصف الأخر للقضائيات. لكنهم يرون كل شيء من شبك أبواب الحديد. أذعن الشرطي وذهب للغرفة الثانية, سبقه صوت آخر ربما أقوى وربما أوقح :
- لا.. حطها مع القضائيات, مكانا مو عنا.
ونساء الكتب مازالوا يحومون حولي, أسمع همس كلماتهم :
- يا حرام لحالها لو معا حدى, بكره بجننوها, يا حرام.

جسدي يترنح , أذناي تلتقط أنصاف الكلام, وعيني تراقب المشهد, والشرطي لا حول له ولا قوة أمام سلاطين المال والدين, ونسوة الكتب حولي, ونسوة السياسة في أوكارها تملي على الشرطي مهمته. وأنا .. أين أنا من هذا ؟ وأي عالم من القذارة هذا؟؟!!
عند المساء, وبعد أن فرضت فرضاً في إحدى غرف الأخوانيات, تكور جسدي المتعب الحزين في فراشي, وكيسي المقهور يلازمني كصديق يواسيني، يؤازرني, ويحميني.
وفي عتمة الليل, هرب النوم مني, فأخذت أعد الثواني, منتظرة بفارغ الصبر خيوط الفجر لأهرول عند نسوة الكتب, نعم نسوة الكتب التصق بهم, وأعتذر, أجل.. أعتذر منهم.
وربما ...
ربما... أبكي على صدر إحداهن .



#هند_القهوجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السجن


المزيد.....




- قناة -12-: الجنائية ما كانت لتصدر أوامر اعتقال ضد مسؤولين إس ...
- الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية بمستشفيا ...
- مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: أعداد الشهداء بين الأبرياء ...
- لازاريني: 160 من مقار الأونروا في غزة دمرت بشكل كامل
- السفارة الروسية لدى واشنطن: تقرير واشنطن حول حقوق الإنسان مح ...
- غرق وفقدان العشرات من المهاجرين قبالة سواحل تونس وجيبوتي
- مصر وأيرلندا: غزة تعاني المجاعة وغير قابلة للعيش
- رئيس لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان يندد بالإبادة الجماعي ...
- البرلمان البريطاني يقر قانونا مثيرا للجدل لترحيل طالبي اللجو ...
- -طعنها بآلة حادة-.. داخلية السعودية تعلن إعدام الرويلي بعد إ ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - هند القهوجي - السجن مرة اخرى