|
سناء الانصار سنوات ازدحمت بالمجد
مزهر بن مدلول
الحوار المتمدن-العدد: 1524 - 2006 / 4 / 18 - 12:05
المحور:
الادب والفن
. باغتني ذلك الجهاز في صمته . وكنت منشغلا فيه ، احاول ايجاد الخلل ، رغم اني ، لا أعرف شيئا في هذا المجال . ولاادري اذا كان هو معطلٌ ، ام كانت هي الحرب . النهارُ.. شمسهُ مذهبة .. صبحهُ يبعثُ الندى .. وظلاله تضفي اخضراراً على بعض الاحجار ، فتبدو جميلة كالزبرجد . { ئه رموش } ، هو اسم ذلك المكان ،قرية صغيرة ، هجرها اهلها ، هرباً من قلق الحرب . ينابيعها صافية ، واشجارها طرية كثيفة . حين اتأملها ، اشعرُ وكأنّي اسكنُ في قصيدة ، انها تحملُ السحرَ ذاته . هناك .. انظرُ في الافاق ، وحدها التي تراني ، فلا شكّ عندي ، بانَّ علاقتي بالسماء والوانها ، علاقة مطلقة، هي كانت جزء من خيال شعري ، رغم حجب السحب احيانا . مجموعة صغيرة من الانصار، لم يكن قد شابهم الجبل ، ولا استحال في رؤوسهم الامل ، اجتمعنا هناك ، لنشكل مفرزة استطلاعية ، تتقدم مقرات الاعلام والمكتب العسكري للانصار في وادي { خوا كورك }. انقطاع الاتصال مع القيادة ، امر يبعث على القلق ويثير في نفوسنا الحيرة. لكن وجب مناقشة الموقف . القصف المدفعي لا يصمت ، إلاَّ حين يحلق الطيران العمودي فوق المنطقة . وهناك في الجانب الاخر ، اطلاق نار كثيف ، مصدره جهات كثيرة ، والصدى يردهُ الوادي ، مما يشعرك ، بأنّ اشتباكا قد حصل . بعد جدل استمر لساعات ، اختلطت فيه السياسة ، بالموقف العسكري ، قررنا ان نترك المكان في سفح الجبل الى قمته . الصعود الى الاعلى ، يستغرق نصفا وساعتين ، ويكون حادا ومرهقا . دفنّا بعض الاثقال تحت الارض ، وحملنا بعض امتعتنا على ظهورنا ، وعلى الحيوان مايسد الرمق ليومين او ثلاثة . اينما تعلو في كردستان الجبلية ، فانت مازلت في الوادي ، فذلك جلبابُ السماء ابداً ، وان هناك قمما لم تصلها بعد . وجدنا مكانا مناسبا ، وبدأنا كما يفعل الانصار عادة ، بالاستطلاع ، ثم ترتيب المكان ، وجمع الحطب ، وبعدها ، تُوزع على المجموعة بعض المهام العسكرية الاخرى . مازال جهاز الاتصال لايعمل ، ولم نعرف شيئا عن رفاقنا في مقرهم { بير بنان }. بتنا ليلتنا الاولى ، وكان يحدونا امل ، بان رسولا سيصل ، يحمل لنا اخبارا مطمئنة . والحقيقة النافعة ، اني اعرف ُ، تفاصيل تلك التضاريس جيدا ، فلم يراودني اي هاجس خوف بالضياع . لكن جلّ مانخشاه ، هو ان يكون الجيش قد قطع طريق العبور باتجاه الرفاق . وكنا ايضا مترددين في العبور، فليس عندنا امر بالانسحاب ، وربما يريدون منا ان نكون في المكان . لاندري ... ولكن عندما جاء الرفيق زمناكو ، بعد جولة استطلاعية ، و اخبرنا بانه راى الجيش يتقدم نحو المقرات ، دون توقف ، قررنا هذه المرة الالتحاق برفاقنا وفي الحال ، رغم اعتراض البعض منا . ان بقائنا في ذلك المكان ليوم اخر يعني محاصرتنا ، ووضعنا امام خيارين ، اما الموت اوالانسحاب الى الاراضي التركية . وعلى كل حال ، كل شئ كان مغامرة . ايّ ثقوب في راسي .. اين زورقنا والفرات .. والقنديل مضاء.. تتراقص حوله فراشاتنا المنزلية !؟ لِمَ انهالت على اجسادنا الحرب حتى خجلت من شهدائنا الافلاك فارسلت نجومها ، شموعا لقبورهم !؟ المسافة الى هناك ، تستغرق من زمننا اربعة الى خمسة ساعات ، ان لم تكن هناك عوائق ، والطريق شديدة الوعورة ، ملأى بالصخور الكبيرة ، لذلك لابد من الحذر من كمائن الجحوش . تحركنا على عجل . وقد حبستُّ خواطري في رف ٍ، صنعتهُ من خشب الذاكرة . الطريق المفعمة بالحياة ، كانت خالية ، والقصف لايهدأ ، اطلاق النار مازال متواصلا . اينَ خط الاستواء .. يمرُّ من هنا .. فالزمن ، نسيتهُ منذُ إعتليتُ صهوةَ الجبل . والعشبُ الاخضر .. يدججُ رأسي .. باوهام الليالي البليلة .. ومحابس مشذرة .. ومسافةٌ تمتدُّ بي الى الناصرية ، استريح في حضن فراتها الدافئ . طرائفُ ابو حسين وسخريته اللاذعة ، تتجلجل لها قهقهات النصير زمناكو الجميلة ، وتبددُ الصمتَ ، وهاجس القلق ، في ان ٍ معا ً. وصلنا بعد ساعة ونصف الساعة ، الى مكان ، انتشر في كهوفه وعلى صخوره المئات من بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردساني ، وحزب الشعب ، والاسلاميين ، وكانت هناك بعض العوائل ، التي فرَّت من جحيم النار . قال لي بعضهم ، ان الجيش يلتف حولنا ، وان علينا الاستعداد ان نخوض معركة ، فليس لنا من حيلة اخرى . فقلتُ .. ياطيور الحذاف خذيني الى اهلي والقصب .. لقد طال بي المقام .. واحلامي تهربُ .. من ليلٍ ، تشتدُّ عتمته ، كلما اخترقته قذيفة . لم اكنْ مقتنعا بما اخبروني ، ومازلتُ متاكداً بانَّ هناك بعضاً من منافذٍ ، لم يصلوا اليها بعد . وانَّ المعركة َ مافُتأت مبكرة . بعد استراحة قصيرة ، تركنا تلك الجموع ، وانحدرنا نحو الروبار ، اشتد الظلام في منتصف المنحدر ، واشتد القصف المدفعي ، كانت القذائف تسقط بكثافة قربنا ، وكأنَّ احداً يترصدنا ، وكنا ننحدر بسرعة ، يقع بعضنا متعثرا بالصخور بعد ان ضاعت معالم الطريق في العتمة القاتمة . قررنا ان نمضي ليلتنا على ضفة النهر . عزفُ خريره .. لحنٌ حزين .. امواجه ُ هادئة .. كأنها تختبئ خائفة ، من شظايا القذائف .. ومتعبة ، ارهقها طول المسافة مثلنا . نحذو حذو الموجة .. وانبلاج الصبح ، ليس نهاية الحرب ، وتحت العيون اسئلة كثيرة ، لا احد يجيب عنها . لا احد هنا، نحن وإنسياب النهر، ونيرانٌ ، تدلُّ على انّ القتلة قد استشروا كثيرا ، وعلى الشفاه سؤال واحد .. هل سلك الرفاق هذه الدروب قبلنا ؟ ، والى اين ؟ . لااحد يدري . بعد ساعات من المشي المتواصل ، ولاريب ، ان في راس كل واحد منا ، هاجس ما ، ينذر بخطر ما . لكن كلّ ما نسعى اليه في ذلك الوقت ، هو ان نعرف الى اى مكان اتجه الرفاق . على تلة غير قريبة ، هناك من يلوِّح لنا ، ترددنا اول الامر ، ثم اتسعت المسافات بيننا ، وكنا مستعدون للقتال ، كما بدى لنا بان الاشتباك لابد منه . اقتربنا ، نسمع صراخا ، لا نستطيع ان نميزه ، ثم تقدمنا اكثر، حتى سمعنا ان احدا ينادي باسمائنا ، فصاح الرفيق سعيد عرب ، ان ذلك صوت الرفيق ابو حمدان . كم كنا مسرورين ،عندما التقينا باربعة من رفاقنا ،وقد كانوا يبحثون عنا ، في تلك الدروب القاسية ، التي لاتؤدي الى فضاء . وبعد استراحة قصيره ، أكلنا فيها شيئا ، مما جلبهُ الرفاق معهم ، واصلنا تحركنا ، وامامنا عدة ساعات لكي نصل الى المكان الذي انسحبوا اليه. وهناك .. وقعت الحرب . تلكَ سأروي تفاصيلها ، في المرةِ القادمةِ .
#مزهر_بن_مدلول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيدي الحاكم .. إسأل المتهم
-
كل الحب الى الحزب الشيوعي العراقي
-
قُبَّرةٌ
-
تعالي معي ...!
-
لكنه سيأتي
-
اللوحة السومرية..... الى الشهيدة الشيوعية المنى ليزا - انسام
المزيد.....
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
المزيد.....
|