أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الخينر - فيلم« Le nouveau monde » السينما الأمريكية و مأساة الهنود الحمر نمودج















المزيد.....


فيلم« Le nouveau monde » السينما الأمريكية و مأساة الهنود الحمر نمودج


محمد الخينر

الحوار المتمدن-العدد: 1523 - 2006 / 4 / 17 - 10:16
المحور: الادب والفن
    


. salue cher amie ..je vous envoie cette article cinema..
avec tous mes respects..pr votre efforts au journal..
mohamed elkhaiter.critique cinema..
جديد السينما العالمية:
فيلم« Le nouveau monde » للمخرج الأمريكي Terrence Malick

قصة قدر شقي و أحزان فتاة وشعب تحولت بدورها إلى فضاءات
بدوال موسومة برهافة وشفافية منتجة للأسى الأبدي.
* إنتاج ضخم يسلط الأضواء حول السينما والتاريخ وحيثيات أول اصطدام بين حضارتين :حضارة الهنود الحمر والحضارة الأوروبية ،اصطدام أثر كثيرا على قدرة كينونة الإنسان العاشق على التكيف ، باعتبارها كينونة تعيش دوماعلى إيقاع قلق خاص.
* محمد الخيتر:

* أن السرد الفيلمي نهج مسلكا خاصا به، مزج فيه المخرج بين حصيلة الثرات السينمائي المتداول حول طرائق قص مغامرات وحياة الهنود الحمر، وبين إبداعات قدمت رؤى جريئة لما هو سائد.. من هنا نجد أن نهاية الفيلم قدمت رؤية مغايرة للمألوف، تفترض قارئ حدقا.
* فضل المخرج إنهاء القصة على إيقاع مؤسساتي خالص ،بعد أن أوهم المتلقي أن حب العشيقان سيظل إلى الأبد لأنهما ذاتان وروح واحدة، انتصر لمؤسسة الزواج في نهاية الفيلم عوض الارتماء في حضن حبيب ولهان. وهذا ما عمق في نفس المتلقي حزنا إضافيا حول قدر شقي عانت منه الفتاة… قدر و أحزان تحولت بدورها إلى فضاءات بدوال موسومة برهافة وشفافية منتجة للأسس الأبدي.
*لعل أربعة أشهر التي قضاها الضابط سميث ضمن عشيرة بوكاهونطاس رغم كونها لم تكلف في اشغال النص السينمائي إلا لحظات محدودة، إلا أنها كانت كافية لقلب مسار البناء القصصي، وكذلك التأثير في حياة البطل رأسا على عقب.
*إن رصد قيمة الزمن الفيلمي في « le nouveau monde » لم تصبح موقوفة على الحيز والمجال وإنما على القدرة في التأثير وتغيير مسار الحدث / الأحداث.
*أن المؤشرات الزمنية للفيلم توزعت إلى نوعين: مؤشرات زمنية موضوعية، وأخرى متخيلة.. فإذا كانت المؤشرات الأولى تتجه إلى تقسيم فهم منطقي لسيرورة المحكي فإن المؤشرات الزمنية المتخيلة تقصدت لفت انتباه المتلقي إلى كينونة الإنسان العاشق، باعتبارها كينونة تعيش دوماعلى إيقاع قلق خاص.
*قصة حب تنحو لتنزع عن نفسها ثياب المحلية لترنو في بعد كوني عالمي.
----------------------------------------------------

من الصعب الحديث عن فيلم « Le nouveau monde" للمخرج الأمريكي الكبير تيرانس مالك دون استحضار مسار الرجل السينمائي الحافل من جهة، ودون استحضار أيضا مقارنات ممكنة بين الفيلم المذكور "العالم الجديد" وتجارب سينمائية لمخرجين سينمائيين، تجارب قريبة /بعيدة على مستوى التناول والرؤية وطبيعة الكتابة السينمائية ،وكذا مستوى حضور بعض مكونات العمل السينمائي عامة..
يبدو لافتا إذن أن شريطنا السينمائي "العالم الجديد" للمخرج تيرانس مالك، الذي يعرض حاليا –خلال هذا الأسبوع - بقاعة الفن السابع بالرباط، فيلم يحمل مواصفات فنية مميزةجماليا وتيماتيا .
يلج تيرانس مالك صاحب الفيلم الشهير الضخم "الخط الأحمر" الذي جمع ضمنه كاستينغ من افضل ما هومتاح في الصناعةالسينمائية الأمريكية حاليا خاصة النجم شين بيين ،و وودي هاريلسن ،و جورج كلوني، وأدريان برودي، و ونيك نولت ،و جون ترافولط، وجيم كافييزال ،وفازبه على جائزة "الدب الذهبي "ضمن مهرجان برلين السينمائي الدولي ،و رشح بفضله لجائزة أحسن مخرج وجائزة أحسن سيناريو ضمن جوائز الأوسكار الأمريكي ..يلج تيرانس مالك مع فيلم "العالم الجديد " تجربة سينمائية بطابع خاص ،تحمل في كنهها قيمة مضافة أخرى..
يتضح هذا الحكم القيمي منذ بداية موسيقى وجينريك الفيلم، حيث تبرز مشاهد جسد أنثوي باذخ ،في عز نظارته وسطوته، مصحوبة بمشاهد من أراضي شاسعة خالية ومياه بحار وأنهار لا تنتهي حد البصر.. وبقدر ما تتحرك زوايا التركيز في التيتر (العنونة) بين محكي ملفوظ يسلط أضواء على عالم جديد مجهول منتظر ، على المتلقي اكتشافه بنفس الدهشة والمغامرة والدينامية التي قام بها القراصنة والمكتشفون الجغرافيون وباحثوا الذهب والمعادن النفيسة في بداية القرن السادس عشر بقدر ما يثير التتر في المشاهد إشارات أولية عن مقاربة سينمائية مغايرة لموضوع طالما تناوله الكتاب والأدباء والمخرجون السينمائيون القدماء والمحدثون..
في نفس السياق يظل تموضع الشخصية الرئيسية في الفيلم (وهي الفتاة الجميلة المسماة " بوكاهونطاس" ) يظل جزء مركزيا من جينريك البداية، مما يلمح معه أن معاني قصة فيلم "العالم الجديد" ستحوم حول تعميق متعال عاشق لمسار حياة هذه الشخصية..
تحكي قصة فيلم "العالم الجديد" للمخرج الأمريكي تيرانس مالك، كما يشير لذلك عنوانه، عن جزء هام من تاريخ مرحلة الاكتشافات الجغرافية خلال القرن السادس عشر والسابع عشرفي أوروبا والعالم الحديث، حيث تلجأ سفن بريطانية بقيادة القبطان نيوبور إلى الشمال الأمريكي. وفي جهته الشرقية تتجه ثلاث سفن إلى الشواطئ الأمريكية، وباسم "شركة فيرجينيا" يقيم المعمرون الجدد أنوية أولى لمستعمرات كبرى قادمة، بمهام رئيسية اقتصادية (البحث عن الذهب والنفائس) وأهداف أخرى لا تقل أهمية عنما سبق :أهداف دينية وأخرى ثقافية.
وفي وقت اعتقد المعمرون الجدد أن الأراضي الجديدة المكتشفة فضاءات شاسعة خالية من الإنسان، يتم التفاجؤ بجحافل من البشر منتمية لمجتمع الهنود الحمر وبأعداد مهمة تعيش بالقارة وفق نظام اجتماعي محكم وبطقوس وتقاليد خاصة عريقة في القدم..
تختار المجموعة المعمرية برئاسة القبطان نيوبور ونائبه ضابط الجيش جون سميش سياسة المهدانة والتعارف والصداقة في مرحلة أولى من أجل تعميق اكتشاف المنطقة وتحسين معرفة السكان. ورغم تضايق العشائر القبلية من حضور المعمرين الأنجليز، فقد أمهلوا هؤلاء مدة زمنية لمغادرة الشواطئ والأراضي المكتشفة، دون علم بما ينتظرهم من مصير مفزع أسود.
يبدأ أول تمفصل درامي بالفيلم هنا ضمن تطور مسار الحكي،حيث تقوم دورية عسكرية يرأسها الضابط سميث باستكشاف مناطق على ضفاف نهر عميق وكبير يدعى "جيمس" ، تتوه المجموعة عن العودة وتعرف الرحلة اصطدامات قوية مع عناصر هنود حمر مكلفين بمراقبة حدود بلادهم، لينتهي هذا المشهد الدامي باعتقال الضابط سميت.
يلجأ المخرج بعدها توطيد أسلوب سينمائي أساسه سرد لقصة داخل القصة، باستدراج شخصية سميث لربط علاقة عاطفية قوية مع ابنة رئيس عشيرة أوطوكنون "المدعو "البروهتان".
وفي اللحظة الحاسمة لتنفيذ قرار قتل العدو (الضابط سميث) تتدخل الفتاة الجميلة ابنة رئيس العشيرة "بوكاهونطاس"،علما أن هذا الأخير إسم يحمل في معناه المحلي الأصلي مايرتبط بدلالة "الفتاة النشيطة والحركية". تنقد إذن الفتاة " بوكاهونطاس حياة سميث، ليتحول هذا الأخير من عدو إلى حبيب بعد أول نظرة عمقتها صداقة حقيقية،ليمكن هذا الحب لاحقا سميث من التعرف على عشيرة "بوكاهونطاس" وكذا على أعرافها وطقوسها ،وليستطيع من خلال حيز زمني مدته اربعة أشهر من اكتشاف أفكار قبيلة الهنود الحمر ولغتهم ونظام حياتهم ورقصاتهم وأقنعتهم. وسيشارك سميث الهنود تجارب حياتية مهمة ولحظات أساسية حول المرح والحزن والخوف.
يثبت سميث جدارته وثقة القبيلة بعد أن يعرف أروع لحظات حياته مع الجميلة "بوكاهونطاس" ، وبعد أن تنشأ علاقة حب عميق وصادق بين هذه الأخيرة وسميث، حيث سيمنحه رئيس العشيرة الحرية، وليختار العودة إلى المعسكر.
يصعب الفراق بين الإثنين ،بعد أن تحولا الجدسان العشيقان إلى روح واحدة. وبمجرد العودة يتلمس سميث علامات التحول داخل المعسكر وقسوة عيش الجنود وظروف حياتهم بعد ذهاب القبطان نيوبور ليحمل مزيدا من المؤونة من لندن وليخبر الملك الإنجليزي بالوضع الجديد.
ظل الزمن الفيلمي ينحث لنفسه إطارا خاصا على طول أوقات لحظات المشاهدة، وعلى سبيل المثال فأربعة أشهر التي قضاها سميث ضمن عشيرة بوكاهونطاس رغم كونها لم تكلف في اشغال النص السينمائي إلا لحظات محدودة، إلا أنها كانت كافية لقلب مسار البناء القصصي، وكذلك التأثير في حياة البطل راسا على عقب. فرصد قيمة الزمن الفيلمي في « le monde » لم تصبح موقوفة على الحيز والمجال وإنما على القدرة في التأثير وتغيير مسار الحدث / الأحداث.
كذلك ساهم الزمن بالفيلم في تشكيل المواقف والصراعات والشخصيات، كما أن المؤشرات الزمنية للفيلم توزعت إلى نوعين: مؤشرات زمنية موضوعية، وأخرى متخيلة.. فإذا كانت المؤشرات الأولى تتجه إلى تقسيم فهم منطقي لسيرورة المحكي فإن المؤشرات الزمنية المتخيلة تقصدت لفت انتباه المتلقي إلى كينونة الإنسان العاشق، باعتبارها كينونة تعيش دوماعلى إيقاع قلق خاص. من هنا لم يتناسى المخرج تسلط الأضواء على تحليل النفس البشرية وهويتها المتنكرة وتفكيك بعض مرتكزاتها مع إبراز جمالية الجسد والروح.. لهذا تردت جمل دالة بالفيلم من قبيل "لماذ لا أكون أنا ما أنا راغبة فيه ؟ ".
في وقت يسيطر نائب القائد الجديد للوحدة العسكرية للغزاة على الفتاة بوكاهونطاس، بعد أن دبر لقبيلتها مقلب جلبها من العشيرة ووضعها بغرفة بالوحدة العسكرية كرهينة تحت ذريعة أنه لا يمكن أن تلمس الوحدة العسكرية كهدف للاعتداء مادامت بوكاهونطاس حاضرة بينهم، يرفض سميث اللعبة، غير أن هذا الرهان ينتهي به إلى المنحدر بعد تواطئ سافل من لدن نائبه..
يبدأ التمفصل الدرامي الثاني مباشرة بعد مشهد العودة، حيث تقع اصطدامات ومقالب مع رئيس الوحدة المؤقت، تعيد سميث لصفوف دنيا في مراتب الجندية ،بعد اتهامه برغبته في مصاهرة قبيلة المتوحشين .
تمتلك جل مشاهد الشريط بعدا جماليا لافتا، فبدء بمشاهد رسو بواخر الغزاة الجدد، عبورا بمشاهد يوميات عشيرة الأوطوكنون وطقوس الحياة والرقصات والأقنعة ،وانتهاء بمشاهد الطبيعة الخلابة، أرضا وسماء ، يابسة ومياه، تربة وأعشاب.
ويبدو أن للطبيعة والخلاء وقعا خاصا في حياة المخرج والسيناريست تيرانس مالك ،باعتبار منشئه في بلدة (واكو) بولاية تكساس، ولاحقا بأكلاهوما، حيث سيعيش -لاحقا في سنوات الكبر- بنزوع دائم لحنين ذكرى تلك الفضاءات الشاسعة ولحقول الحبوب والذرة وكذا حقول البترول الممتدة على مساحات بدون حدود .. من هنا راهن المخرج داخل الشريط على منح فضاءات الطبيعة جمالا برؤية وخلفية خاصة، سواء لقطات لحظات الأصيل أولحظات الشروق،أو غيرها ..
لم تنفع ضمن تطورات البناء الحكائي لفيلم "العالم الجديد" إشارات الود والصفح من لدن قبيلة بووهاطان، كما لم ينفع الحب الجارف والقوي من طرف الشابة بوكاهونطاس اتجاه الإنجليزي سميث ، في تأجيل شرارة الحرب المدمرة، حيث يعمد الغزاة الجدد، مباشرة بعد حضور المؤونة والدعم من السفن البريطانية الوافدة مع عودة رئيس الوحدة العسكرية من انجلترا، إلى قتل الأبرياء وإحراق جميع بيوت الهنود الحمر وتدمير الخيام وإتلاف المملتكات ودفع العائلات الهاربةلهجران مكان الاستقرار الأصلي.
تعيش الفتاة الجميلة، داخل الوحدة العسكرية، حياة جديدة تتمكن من خلالها التعرف على لغة الغزاة، ونظام حياتهم ونماذج عن طبيعة ثقافتهم.
تزداد بوكاهونطاس ارتباطا وحبا بسميث، وتعلن أنها وهبت له ذاتها جسدا وروحا، لكن سيرورة الأحداث تتجه إلى غير ما ترغب فيه مسيرة العشاق.
يعمد المخرج في بناء مساره الدرامي ليس فقط باعتماد مستوى تراكمي لكثافةالمحكي أو لكرونولوجية الزمن، بل باعتماد قوة وتعبيرية الحدث بدرجة أولى.. لهذا تظل الحاجة إلى الصدمة والمفاجئة وكسر أفق الانتظار وسيلة ضرورية لتطور المسارات الدرامية للشخصيات..
من هنا تأتي أهمية تكسير تجربة الحب الجارف الجامع بين سميث وبوكاهونطاس داخل سيرورة البناء الدرامي بالفيلم، وسيتم إنشاء معبر طبيعي لهذا الانكسار ممثل في عودة رئيس الوحدة نيوبور، وإلغائه لقرارات التأديب المقررة في غيابه تجاه سميث، وإخبارهذا الأخير بالتكليف الجديد ضمن مهام القصر البريطاني الجديدة ورؤية الملك لمرحلة الاكتشافات القادمة..
لم تكن الموسيقى الفيلمية بدورها ذات حضور عابر، بل ظلت حلقاتها متصلة مشكلة عمقا دراميا مستفزا لمشاعر المتلقي، مدعمة مسار العشق لدى الشخصيات، ومثيرة لغة عذبة لذيذة في الاستيهام والتماهي مع قدر الفتاة المحبة.
وإن ظلت الوحدات الموسيقية في كثير من المشاهد ذات طابع اركسترالي مسكونة بمسحة متنوعة تمزج بين حنين إلى مسائلة أو متاعبة مسار المغامرة لدى سميث، وبين انتصار الحياة والحب لدى الفتاة، فإن تلك الوحدات الموسيقية رسمت لنفسها لحظات إنصات جميلة بتنويعات موسيقية مقامة على هامش حضور مشاهد الحرب، أو مشاهد الرقص لدى عشيرة أوطوكنون للهنود الحمر، أو مشاهد عبور السفن ،أو مشهد لقاء ملك بريطانيا، أو غيرها…
ينفد سميث قرارات الملك القادمة من لندن مرغما. وتخبر العشيقة، تحايلا ورأفة بها حتى لاتظل معلقة بحب مدى الحياة ،بأن سميث مات غرقا خلال مهمة برحلة العودة، وليسكن بوكاهونطاس حزن عميق يدوم شهورا وأعوام.
لاحقا ،تكلف وصيفة انجليزية بمرافقة الشابة بوكاهونطاس .تمنح إسما جديدا هو ريبكا، وتتابع الوصيفة تعليمها وتدريسها وإدماجها في ثقافة مجتمع الغزاة..
بعد شهور، يتعرف عليها شاب إنجليزي وافد ،يهتم بريبكا ،يقدم لها مساعدات وخدمات، وينجح في لفت انتباهها إلى أن يتزوجها، لكن دون أن يجعل هذا الزواج صوت سميث يموت في دواخل بوكاهونطاس.
وحين تأتي ريبكا إلى القصر البريطاني زائرة، بعد دعوة من الملكة الإنجليزية، يقرر الزوج وضع حد لمأساة زووجته، ويحضر سميث مباشرة أمام العشيقة.. تجري جلسة حوار مكاشفة ،تقرر بوكاهونطاس،بعد تمل وتفكير عميق في الماضي والحاضر (الطفل المولود)والمستقبل، التخلي عن حبها الذي سكن روحها لمدة عقود، ولتفضل مؤسسة الزواج، التي منحها ابنا جميلا واستقرارا وهدوء وسكينة.. وحين تقرر مع زوجها العودة نهائيا إلى البلد العالم الجديد/أمريكا الشمالية للاستمرار في العيش ،هناك تتعرض للمرض وأخيرا للوفاة.
منذ البدء يعلن فيلم « le nouveau monde" للمخرج تيرانس مالك عن راو سينمائي غير محايد، يتابع أحداث المحكي باندماج وقوة تعبير.. غير أن هذا الراوي يتحول أحيانا من جنس الذكر إلى جنس الأنثى، حيث يقع التناوب أحيانا كمقدمة لمقاربة فيلمية تنشد حفرا خاصا في سيرورة التكون السينمائي، في أفق الانتصار لتركيبة فنية جديدة غير مبتدلة..
وبالرغم من سقوط الراوي أحيانا ضمن الحيز الزمني الأول للشريط في مقولات فكرية بعيدة عن ادعاءات حول تقديم أعمال بديلة ، من قبيل تـثبيته لرؤية نرجسية حول الأنا الغربي والامتياز الأوروبي والتمركز حول الذات من خلال استعمال ملفوظ يدل على نفس الحمولة الفكرية، خاصة مصطلح "الشعوب المتوحشة "(sauvage)، فقد تم التراجع عن هذا المنحى لاحقا، وهو الأمر الذي بدى جليا من خلال تطورات السرد وملفوظ الراوي بالفيلم.
من الجدير أن تتوقف أيضا مع المخرج متأملين جينريك البداية ومشاهد الانطلاق مرةأخرى،ونتوقف أكثر عند لقطات تحمل أبعاد جمالية خاصة. ولعلنا نقصد هنا خاصة مشهد تسليط المخرج الضوء على جسم الفتاة بوكاهونطاس عبر لقطة (contre plongé) ،حيث تأتي زاويةالتصوير شاملة أطر اف الجسد ،وبعضا من الشجر متدلي ورقه، وسيولة ماء منجرف متسلل ،وضياء أشعة متشتت لشمس دافئة ، محدثا تلقي خاص في النص السينمائي .. يجعل ذهنية المشاهد تحدس روحانية اللحظة ،وكذا تسهل تحصيل معاني ودلالات نص سينمائي آت بناء على استشراف ذكي حول الشكل السينمائي المعلن ، نص سينمائي يطمح تأسيس مرتكزات نظرية محكومة بخطاب غير منفصل عن السيرورة الدرامية اللاحقة..
تخللت مشاهد فيلم "العالم الجديد" مشاهد مهمة في سيرورة البناء الدرامي، ولعل أهم تلك المشاهد، ما جادت به قريحة السيناريست / المخرج من تساؤلات عميقة وجوهرية، على لسان الراوي، تهم كينونة الإنسان وهوية أي حب مفترض قادم من المجهول، لهذا نجد الراوي يتسائل: "هل يجوز للإنسان أن يعترض الحب إذا صادف طريقه؟" وينتصر الراوي إيجابيا في جملة ردوده. ويزيد الأمر تأكيدا حينما يصرح: "ما عدا هذا فليس حقيقة".
غير أن المتلقي وهو يعيب على السرد تمركزه المغالي حول قصة الفتاة بوكاهونطاس، فتاة العالم الجديد، إلا أن اللوم الأكبر على مستوى البناء السردي نوجهه إلى طريقة ربط المخرج بين إخبار الفتاة حول استمرار سميث في الحياة وبقية أحداث تطور البناء القصصي.. فعوض إقامة اجتهادات في جانب طرائق الإخبار يتم اللجوء إلى أبسط حل، حيث تقوم إحدى الشخصيات الثانوية لتنبيه / إخبار الفتاة بشكل مباشر وجاف بالنازلة.
وإذ نصر في القول ضمن هذا المقام أن السرد الفيلمي نهج مسلكا خاصا به، يمزج فيه بين الثرات السينمائي المتداول حول طرائق قص مغامرات وحياة الهنود الحمر، وبين إبداعات قدمت رؤى جريئة لما هو سائد.. من هنا نجد أن نهاية الفيلم قدمت رؤية مغايرة للمألوف، تفترض قارئ حدقا لرمزيات تشكيلها، مما خلق معه نوعا من الإبداع والفرادة .
وما يزكي هذه الفرضية هو أن أغلب الروايات السينمائية المتداولة في شأن الهنود الحمر تنتصر للحب ولنهاية سعيدة بقدر أو بآخر ، فتجمع العاشقين في الختام نموذج ذلك الفيلم الخالد "يرقص مع الذئاب" لمخرجه المتميز كيفان كوستنر ،غير أن هذا المنحى يبدو بعيدا الحضور والتناول في فيلم « Le nouveau monde"، لذا فضل اللمخرج إنهاء القصة على إيقاع مؤسساتي خالص ،بعد أن أوهم المتلقي أن حب العشيقان سيظل إلى الأبد لأنهما ذاتان وروح واحدة، حيث انتصر لمؤسسة الزواج في نهاية الفيلم عوض الارتماء في حضن حبيب ولهان، وهو خط لارجعة فيه داخل الشريط. وهذا ما عمق في نفس المتلقي حزنا إضافيا حول قدر شقي عانت منه الفتاة… قدر و أحزان تحولت بدورها إلى فضاءات بدوال موسومة برهافة وشفافية منتجة للأسى الأبدي.
مرة اخرى يعود بنا المخرج الأمريكي " تيرامس مالك "إلى فئة الأعمال السينمائية الكبرى. فبعد كل من فيلم «La balde sauvage" سنة 1973 ، وفيلم « les moissons du ciel" سنة 1979، وفيلم « la ligue rouge" سنة 1998، يمنح المخرج عشاق الفن السابع عملا سينمائيا مميزا، ولحضات فرجة جمالية راقية .
يعود بنا تيرانس مالك هنا إلى الماضي المتوسط لتقديم بعض حيثيات اللقاء التاريخي بين حضارتين، وبين منظومتين ثقافيتين متباينتين، هي الحضارة الأوروبية وحضارة شعوب الهنود الحمر. كما يتوقف عند لحظة اساسية من هذا التاريخ ،لحظة بناء اول مستعمرة بريطانية في امريكا الشمالية / العالم الجديد ، مسماة مستعمرة "جيمستاون" سنة 1607 .
استقى المخرج الأمريكي ترانس مالك قصة فيلمه من أسطورة واسعة التداول عن شخصيتي الفتاة بوكاهونطاس والضابط سميث، استطاع الفيلم إعادة قرائتها وتقديمها من خلال سيرورة محكي مزج فيه بين التاريخ والذات ،وتمكن من أن يتابع بدقة تجربة الحب بين عاشقين، فرقتهم ظروف النشأة والتكوين والحمولة الثقافية والمهنية، ووحدتهم موضوعة الحب ودروبه الضيقة والواسعة، قصة حب تنحو لتنزع عن نفسها ثياب المحلية لترنو في بعد كوني عالمي.



#محمد_الخينر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الخينر - فيلم« Le nouveau monde » السينما الأمريكية و مأساة الهنود الحمر نمودج