عبدالله المتقي محمد
الحوار المتمدن-العدد: 6107 - 2019 / 1 / 7 - 21:44
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
مهدي حلباس وشخوصه المسرحية
في " العين والمخرز "
عن مقاربات للنشر والصناعات الثقافية ، صدرت مؤخرا للشاعر والمسرحي المغربي مهدي حلباس ، ثلاث مسرحيات للعرض والقراءة اختار لها من العناوين " هم .. الأعور .. أخريات – العين والمخرز – ثم الصرار والنملة التي خصصها للشباب واليافعين "
وللتذكير والأمانة التاريخية ، مهدي حلباس اسم من أسماء المسرح الهاوي ، ورائد من رواد فرقة نادي الهواة والحياة المسرحية بمراكش ، أيام كان هذا المسرح اقتراحا جماليا ونضاليا ، بمعية مجموعة من الأسماء اللامعة الشابة حينها التي قدمت تصورات جديدة لطبيعة العمل المسرحي وآليات إنتاجه ، نذكر منها على سبيل المثال " مولاي عبدا لحق الصقلي ، منير عبدا لقادر ، سعيد أبو خالد ، إبراهيم الهنائي وغيرهم .
وهذا يعني أن الرجل ذاكرة مسرحية استثنائية ، ملتزمة وماطرة في صمت ، ودون جعجعة ولا ماكياج سياسي أو تحويل الفرجة إلى مطية لقضاء مآرب أخرى ، وبضمائر خائبة ، دون حياء ولا خجل .
واحتفاء بهذه الثلاثية ارتأينا الاقتراب من مسرحيته الموسومة ب " العين والمخرز" ، ولتكن بداية الإنصات عنوانها المعلق في سقفها ، باعتبار العنوان سر النص ونيته .
هكذا نجدنا أمام جملة عطفية ، وأمام " العين " عضوا للإبصار ، ثم " المخرز" أداة للثُّقوب الصَّغيرة ، هذه المفارقة التي تستفز القارئ في العتبة الأولى ، تحفزه للسؤال عن هذه العلاقة المعطوفة بين العين والمخرز رغم علاقتها التضادية ، أو بالأحرى بين الإبصار والإطفاء ؟ القاتل والمقتول ؟ الحياة والموت ؟
هو ذا حلباس ينقاد دوما للخرق المسرحي وللمألوف الفرجوي ، واسم يؤمن بالمسرح واجهة صراع ومواجهة فكرية وجمالية عبر النبش في المتناقضات والمفارقات ، لدى رتأى في هذه المسرحية النبش في كواليس المسرح المغربي واقتحام المسكوت عنه ، ورفع الستارة عن نهاية ملتبسة وغامضة لتجربة مسرحية مغربية رائدة ومؤسسة لتجربة مسرح المرحلة التي كان الراحل قد نشر بعضا من أسسها النظرية، على صفحات جريدة «الاتحاد الاشتراكي» ، انه الراحل حوري حسين مؤلفا ومخرجا وشاعرا .
وعليه ، ستكون أنفاس المسرحية رحلة مضنية فاضحة ومستفزة للراكد ، وتساوقا مع هذا البحث الحالك ، لن يكون مصير البطل المحوري سوى الاعتقال وفقء عينيه حتى لا يبصر أكثر ، ومن ثمة إغلاق ملف امتداد مسرح المرحلة ، الذي انتهى تراجيديا بوضع الراحل حوري حسين حدا لحياته منتحرا في شقة كان قد وفرها له صديقه الحسين بكري بمدينة المحمدية. موت " لم يكن سوى شكلا من أشكال المقاومة والاحتجاج.
هكذا تأتي هذه المسرحية للبحث في هذا الموت الانتحار المسرحي مباغت والأكثر تعقيدا وتركيبا ، وهذا ليس من قبيل الافتراء مادام زمن الانتحار المسرحي حدث في مرحلة تاريخية حساسة ملغومة بالمفارقات
وبناء على هذه المعطيات ، تكون مسرحية " العين والمخرز " منحازة للحفر والنبش في المسرح بالمسرح ، إذ تتمركز إشكالية المسرحية حول المسرح ، أي مسرحا يتحدث عن نفسه وموت أحد أبطاله في ظروف ملتبسة وغامضة ، واقترابا من " العين والمخرز " ، لننصت ولو قليلا لعالم مهدي حلباس من خلال هذا النص ، ونلمس بعضا من شخوصه الكادحة والباذخة .
" البطل " ، نادل ، ممثل كادح ومسكون بحوري حسين ، وامتداد له في نفس الآن ، نقرأ في ص 65 " فالحقيقة ما شي أنا لي حيحت عليها .. أيه كان إحساس غريب أ السعدية ، لان الحسين حوري لي ساكن في الأعماق هو لي حيح " ، وهو في واقع الأمر مسكون بتجربة مسرح المرحلة الذي خرج من جبة الزمن المغربي الأحدب ، المكتظ بالتناقضات والالتباسات التي مازالت سارية المفعول ، وما أشبه الليلة بالبارحة .
وهناك علامات وصفات أخرى مميزة لهذا " البطل " ، العناد " الجلاد: عنيد .. عينيه هذه المرة ،عينيه بالمخرز .. عينيه بالمسمار والإبرة " ص40 ، المقاومة :" عيناي .. عيناي .. أواه ... بالعين ... بالعين أقاوم .. العين تقاوم المخرز. العين قد تقهر المسمار الإبرة . عيني سالمين أومازال نشوف .. نشوف بعيد " ص 40
وتعميقا لهذا النزوع ، تتخلق لغة الاحتجاج والفضح ، نقرأ في ص 64 :" البطل : ايه .. ماذا فعلت ، لا أذكر بالضبط ، ولكن حتما شتمت ورفضت فقد مزقت الغلاف والأوراق ، وحيحت عليم مزيان ، وفضحتهم لأني شفتهم وسمعتهم " ، ونقرأ أيضا " البطل : غادي نفضحهم.. أعرف كل ألاعيبهم ، لقد سمعتهم يخططون ويتآمرون يتصرفون كعصابات المافيا ، يقطعون أوصال المدينة ، علق أسود جائع يمتص ويمتص ولا يرتوي " ص66 ، وتساوقا مع هذا الفعل القصدي والشاهد على زمن مغربي معقد ، يتم استدراج البطل للمساومة والتنازل ، والتي يرفضها البطل مادامت مرموزة وخارج المحاسبة والفضح ، المبعوث: نعم نطوي كل هذه الصفحة ، لنبدأ صفحة جديدة ناصعة البياض
البطل : صفحة جديدة ناصعة البياض لنلطخها مرة أخرى بالأنين والدماء ؟ قل لي من سيصالح من ؟ وبأية مقاييس وبأيو ضمانات ، ثم كيف يستقيم أن نطوي الصفحة قبل أن نقرأها أمام الناس وفي العلن .." ص44
2 – السعدية : هو اسم آخر لإحدى شخوص المسرحية ، التي تميط اللثام عن تسميتها بأضدادها، فهي لا علاقة لها بالسعادة والفرح " عاملة بحانة مدام أوكي ، العهارة ، الإدمان على السكر ، ، كما تميط اللثام عن زمن القمل والصئبان الذي استفحل هذه الأيام ، وبشراكة مع كائنات من فجل ، حمراء شعاراتها علنا ، بيد أنها بيضاء في عمق أعماقها .
3- المخرج : يمثل نوع المخرجين الذين خرجوا من غمار المهادنة والفرجة المسرحية الفلكلورية المجانية والفارغة من محتواها ، والحافية من مسؤوليتها التاريخية ، فكل تمسرح ملتزم للبطل ويمس الجرح تقابله عرقلة المخرج " المخرج يقاطعه فاشلة ، مشهد مشحون ومباشر ، اتسمي هذا الهذيان مسرحا ؟" ص
4- مدام أوكي : صورة مصغرة لدهاقنة الاستغلال أنها " إخطبوط له أذرع كثيرة ..مدام أوكي مولات الأوطيل ليست إلا ذراعا صغيرة " ص60
5- با العربي ومي رحمة يشخصان الكدح والفقر والخصاصة والبراءة والسخرية السوداء من تحت الحزام :" رحمة : " أسير الله اعطيك الصحة .. ياهذ المغني السي لحسك الكرعة .
العربي مصححا :" السلاوي .. الحسين السلاوي ارحمة نهاك الله ، ماتديش عليها أولدي راها مريضة مرض السكر قالب ليها المخ " ص 72
6- دهاقنة الاستغلال ، كل من مدير مصلحة الضرائب ورئيس مجلس المدينة ، والخيط الرابط بينهما هو النهب والفساد في الوطن " التسجيل ، التمليك ، عشرين في المائة ، مشروع ضخم ، التحفيظ ، الرخصة ، العقار السمين " مدير الضرائب :دوما تبالغ ، تبالغ كثيرا يا حضرة رئيس مجلس هذه المدينة السمينة ، فماذا تساوي تلك الرخصة اليتيمة أمام مشرع كهذا ضخم " ص68
7 – الجلاد : تشخص العلاقة بين القاهر والمقهور ، وتنطوي على على نوع من المشاعر المتناقضة والقائمة على نفي وإلغاء الآخر وتعنيفه وفنائه ، نقرأ في ص 40 :" الجلاد : عنيد .. عينيه هذه المرة ، عينيه بالمخرز .. عينيه بالمسمار والإبرة ، وكأنهم يفقؤون عينيه ، يظهر وهو على عينيه عصابة عليها دم .. صارخا "
وصفوة القول ، مسرحية " العين والمخرز " لمهدي حلباس الوفي لمبادئه اختياراته ودون أن تسيل لعابه الشاشة الكبيرة ولا الصغيرة ، ولا تكريم مخزني ، هو نموذج للمسرح الذي لا يخون ، والفرجة التي لا " تقلز " من تحت الجلباب .
إنه امتداد لمسرح لمسرح المرحلة والوفاء لرموزه الذين انحازوا إلى فقراء الوطن وكادحيه ، تعري وتفضح باقتحام الكواليس المسكوت عنها عن قصد وسبق إصرار ، وسلاما وليأكل المتمسحون والمبصبصون على أعتاب سادتهم البحر والمحيط ، وكل مسرحية ، و"با" مهدي حلباس أنقى من دمعة .
#عبدالله_المتقي_محمد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟