أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحكيم الكعبي - أنسنة الاختلاف الديني، ضرورة حضارية














المزيد.....

أنسنة الاختلاف الديني، ضرورة حضارية


عبد الحكيم الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 6103 - 2019 / 1 / 3 - 23:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العالمُ عبارة عن منتدى لحضارات متعاقبة أو متزامنة، والإنسانيةُ واحـدةٌ، أما اختلافُها وتمايزها إلى أمم وشعوب وأديان وثقافات متعددة، فهو سنّة كونية، وقانون من قوانين الوجود، وهذا التعدد والتنوع الاثني والثقافي والاجتماعي واللغوي والديني بين الأمم والشعوب والمجتمعات، يؤدي بطبيعة الحال إلى الاختلاف العقائدي والفكري، وفي نمط العيش، وفي النظرة إلى الحياة، ولكن بمستويات متفاوتة، إلا أنه في أغلب الأحوال كان جوهر الاختلاف دينيا، ... لماذا ؟
ـ أن مبرر ظهور الاختلاف الديني شيئان:
• الأول: أن النصوص المقدسة التي هي ثابتة لا تتغير، تحاول أن تحكم واقعاً متغيراً، متجددا، " فالوقائع المتجددة لا توفي بها النصوص" كما يؤكد ذلك معظم الفقهاء .
• المبرر الآخر: أن النصوص المقدسة تحملها لغة، وهذا بحد ذاته سبب لاختلاف الفهم والتلقي التأويل.
ـ إذن: الاختلاف هنا أمر متوقع حيثما وجد التعامل مع نص مقدس، بسبب طبيعة النص المقدس نفسه، ذلك لأن ـ هذا النص ـ يُكتب وُيروى ويتناقله الناس بلغة تتخذ سمة الإجمال والإشارة والرمز، لذلك تتعدد التأويلات، وتتباين درجات الاجتهاد والقياس للوقائع والأحداث المتجددة، في مقابل النص الثابت المجمل العام، وكل هذا يؤدى إلى اختلاف في الفهم، وفي الاستيعاب، والتأويل بين المجتهدين، ومن البديهي أن يظهر ويلتف حول كل مجتهد أتباع، فتتبلور نواة المدارس الفقهية (المذاهب).
أما عن شرعية هذا الاختلاف فهي مكفولة أيضا من مصدرها الأول، النص المقدس نفسه، في نصوص واضحة صريحة لا مجال فيها للتأويل أو الاجتهاد، نذكر بعضها كما وردت في القرآن الكريم، قال تعالى شأنه: ـ  لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً  المائدة 48 ـ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ  سورة الروم22 .

أما الحاكم في جدل العلاقات ـ أيا كان مآل الجدل ـ فقولُهُ تعالى:ـ ... قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً .الإسراء84. ونتيجة لتفاوت القدرات الإنسانية، كان التفاوت في الأرزاق وفي التراتبية الاجتماعية، قال تعالى: ... نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ سورة الزخرف 32 .
ـ أين تكمــــــن المشكلة إذن؟
ولماذا يقع كل هذا الخلاف، ومن ثم التكفير والصدام والعنف الدموي والحروب الطاحنة، بين المختلفين دينيا وعقائديا، بعد كل هذا الوضوح في النصوص المقدسة، فضلا عن وضوح السنن الكونية في تنوع الخلق وتعدد ألسنتهم وألوانهم وثقافاتهم وعقائدهم؟
لقد اهتم الكثير من المفكرين والباحثين في موضوع هذه الأديان والمذاهب والملل العديدة ووصفوها في (كتب الأهواء والملل والنحل)، إلا أنهم ما كان بإمكانهم أن يتحرروا من النظرية اللاهوتية القائلة (بالدين الحق) من جهة، وبالنحل والأهواء (الضالة) من جهة أخرى، ولم تزل تلك النظرة الدوغمائية تتحكم في الذهنية المعروفة بالطائفية، فكل طائفة تدعي أن دينها هو الحق، وبالتالي أنها الفرقة الناجية، والأخرى هالكة ضالة.
ـ شاعت هذه النظرية في اليهودية والمسيحية والإسلام، وقد أيدت وما تزال تؤيد وتعطي المشروعية لحروب متتابعة متجددة في كل زمان ومكان،( نشهد منها في أيامنا هذه، وبكل مرارة وأسف شديد ـ ومنذ سنوات خلت ـ فصولا مؤلمة، وحروبا مستعرة، في كل من العراق واليمن وسوريا وليبيا، فضلا عن حوادث قتل وإرهاب وتخريب في بقاع أخرى متعددة من العالم الإسلامي).
ومن الملاحظ أن الحداثة الفكرية وعقل الأنوار الذي دعا إلى التسامح وحارب العصبية الدينية والطائفية والدوغمائية، فشل في تعميم (الأنوار) الحديثة والتخلي عن ذهنية (التحريم) أو (التكفير) والحروب الدينية وإحلال (الأنسنة)، المتفتحة محلها، وهي ذهنية تدافع عن حقوق الإنسان، وتحرير العقل البشري، من الاضطهادات، والقمع والظلم!! والسر في ذلك أن العقل الحديث لم يتخذ بتعاليم الأنثروبولوجيا الحديثة (علم الإنسان)، وإنما اكتفى منذ القرن التاسع عشر بالغرب وحصر نفسه فيه؛ بينما بقي الفكر الإسلامي أبعد ما يكون عن الفكر الأنثروبولوجي، بالمعنى الواسع، مع أنه لدى المسلمين تراث غني بهذه المعاني الإنسانية، تراث موثق في كتب السيرة الأولى، يتغنى به فقط، ويردده الخطباء والمتحدثون في شؤون الدين دون أن يترجم إلى برامج عمل أو منهج في السلوك، حتى لدى المتحدثين أنفسهم.
من هذا المنطلق تأتي أهمية التأكيد على ضرورة دراسة العلم الأنثروبولوجي (الأنسنة) وتدريسه، ابتداء من رياض الأطفال مرورا إلى الدراسة الابتدائية، وعموم مراحل التعليم، فضلا عن تفعيله لدى مؤسسات التنمية المجتمعية الأخرى، فهو الذي يخرج العقل من التفكير داخل السياج الدوغمائي المغلق إلى التفكير على مستوى أوسع بكثير، أي على مستوى مصالح الإنسان، أي إنسان كان، وفي كل مكان.
أن العلم الأنثروبولوجي يعلمنا كيفية التعامل مع الثقافات الأخرى بروح متفتحة متفهمة، وضرورة تفضيل المعنى على القوة أو السلطة، ثم تفضيل السلم على العنف، والمعرفة المنيرة على الجهل المؤسساتي . وإذا ما تم الإجماع الكامل على هذا التوجه المعرفي فلا بد من الشروع بالمراجعة الشاملة التي تمتد إلى الكثير من ممارساتنا ومفاهيمنا وخطاباتنا الدينية والثقافية بل الفقهية أيضا، فالدعوة إلى الواقعية، وقبول الآخر، وتقديم خيارات الاعتدال والتسامح، إنما تشكل مطالب ضرورية لابد من اعتمادها في تعامل بعضنا مع بعض، وفي علاقتنا بالآخر المختلف .
******



#عبد_الحكيم_الكعبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- # مقاربات في جذور التخلف العربي الإسلامي المعاصر.(1)
- ## الوهم والحقيقة: في مشاعر الكراهية والعداء بين الأفراد وال ...
- عصر الكراهية والإكراهِ


المزيد.....




- شاهد.. أزمة حكومية تواجه نتنياهو بعد إنسحاب الأحزاب الدينية ...
- عودة -التكية الإسلامية-.. مشروع اجتماعي يثير الجدل في مصر
- “متع طفلك” تردد قناة طيور الجنة الجديد على الأقمار الصناعية ...
- طالب يهودي يقاضي جامعة برلين الحرة لتقصيرها في مواجهة معاداة ...
- ماما جابت بيبي..خطوات تثبيت قناة طيور الجنة بيبي على القمر ن ...
- -نشاط مالي غير مشروع-.. السلطات الأردنية: كشفنا شبكة تمويل س ...
- إبقاء ثلاثة من فقهاء مجلس صيانة الدستور بقرار من قائد الثورة ...
- ساكو يوجّه نداء استغاثة للسوداني: أنقذوا مقابرنا المسيحية ال ...
- اتهامات للمستوطنين الإسرائيليين باستهداف مواقع دينية مقدسة و ...
- قائد الأمن الداخلي في السويداء: دخلنا المدينة بالتنسيق مع ال ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحكيم الكعبي - أنسنة الاختلاف الديني، ضرورة حضارية