أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عصام نعمان - أميركا في مواجهة العالم















المزيد.....

أميركا في مواجهة العالم


عصام نعمان

الحوار المتمدن-العدد: 433 - 2003 / 3 / 23 - 05:29
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


  

يقول <<بوب وودورد>> في كتابه الاخير انه بعد يومين من احداث 11 ايلول/ سبتمبر 2001، توجه جورج دبليو بوش بسؤال مفاجئ ومباشر لأعضاء مجلسه الوزاري:
حسنا، ما العمل؟
بهدوء وحزم أجابه دونالد رامسفلد:
نضرب العراق.
سأله بوش:
لماذا العراق؟
أجابه رامسفلد بالهدوء ذاته:
لأن لدينا خطة جاهزة لذلك.
استهداف العراق لا يجد تفسيره، اذا، في امتلاكه أسلحة دمار شامل، ولا في استبداد نظامه، ولا حتى في تعاونه المزعوم مع منظمة <<القاعدة>> او غيرها من المنظمات التي سجلتها واشنطن في قائمة الارهاب.
استهداف العراق سببه انه <<الساحة النموذجية>> التي يمكن ان ينطلق منها بوش لمباشرة مشروعه الامبراطوري بالهيمنة على كوكبنا الارضي.
فمتى تمت، في تقديره، لآلته الحربية السيطرة الامبراطورية تتساقط احجار <<الدومينو>> الواحد منها تلو الآخر.
أحجار الدومينو، في عرف واشنطن، هي النفط، والاصولية، والمقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني، والارهاب، والممانعة الاوروبية والروسية والصينية للوحدانية القطبية الاميركية.
بضربة واحدة صاعقة ومكثفة تتحقق لأميركا، في ظنها، او تكاد كل هذه الاغراض، فلماذا لا تفعل؟
بل يجب ان تفعل، يجيب اعضاء عصبة <<المحافظين الجدد>>. من يكون هؤلاء؟
انهم كوكبة من المسؤولين اليمينيين المتطرفين الذين يعتقدون بأن لدى اميركا فائض قوة يمكّنها بسهولة من ان تقود العالم من حولها. هذا العالم الذي بات معها، وسط تفوقها العسكري والتكنولوجي الكاسح، في وضع بائس من اللاتكافؤ الساحق.
احد هؤلاء المحافظين المتطرفين، روبرت كاغان، صوّر للنخبة الاوروبية هذا الفارق الهائل في الجبروت بين اميركا واوروبا وما يترتب عليه من اختلاف في النظرة الى العالم المعاصر والى طرق استخدام القوة بقوله لمجلة <<اكسبرس>> الفرنسية: <<هناك مقولة لأحد علماء النفس مفادها ان <<الرجال قدموا من كوكب المريخ والنساء من الزهرة>>، وهكذا فإن الاميركيين قدموا من المريخ والاوروبيين من الزهرة: فكل واحد منهم يتحدث بلغة تختلف عن الآخر مما يعيقهم عن التفاهم بعضهم مع بعضهم الآخر>>.
كاغان وزملاؤه من عصبة المحافظين الجدد مترعون بفكرة فائض القوة والجبروت الذي تتمتع به اميركا، ويبنون في ضوء ذلك على الشيء مقتضاه. يقول كاغان مخاطبا الاوروبيين: <<يجب النظر الى الامور من زاوية القوة التي تتمتع بها الولايات المتحدة لفرض النظام العالمي والقبول بمعايير مزدوجة: التعامل مع بعضنا كدول متحضرة بطريقة منفتحة، والتعامل بالقوة مع بقية العالم تمشيا مع مقولة الديبلوماسي البريطاني روبرت كوبر: <<بين دولنا، يجب تطبيق القوانين. اما عندما ندخل الى الغاب فيجب تطبيق شريعته>>!
ما هو الغاب؟ انه العالم غير الاميركي وغير الاوروبي. بل لعله العالم غير الانكلوساكسوني. وهو، والحالة هذه، العالم الاسلامي.
اجل، اننا، في منطق تلك العصبة التي امسكت بمقاليد صناعة القرار في البيت الابيض والبانتغون، الغاب المعاصر الذي يجب ان تطبق عليه اميركا شريعته، شريعة الغاب. وما هي شريعة الغاب؟ انها القوة، بل القوة الكاسحة الماسحة الحاسمة التي باستخدامها يكون البقاء دائما للأقوى.
انها العقيدة الداروينية الفظة، يمارسها الاميركيون المعاصرون على الغير، وفي مقدمهم العرب والمسلمون، وكأنهم الهنود الحمر التاريخيون.
هل هذا ما ينتظرنا في العراق وفلسطين؟

في فلسطين حيث اليهود الصهاينة المتأمركون، يجري تطبيق العقيدة الداروينية بفعالية لافتة: طائرات ومروحيات ودبابات وجرافات اميركية الصنع متطورة تضرب البشر وتهدم الحجر وتتلف الشجر وتجرف الزرع والضرع والتراب وتهيله على الأحياء من السكان والنشطاء من جمعيات حقوق الانسان حتى لو كانت بين هؤلاء مواطنة اميركية بريئة اسمها راشيل كوري.
في العراق الذي يطوقه الاميركيون بأحدث وأفتك اسلحة البر والبحر والجو، ترسم التسريبات الاستخبارية الى وسائل الاعلام صورة مرعبة عما يمكن ان يحدث. فقادة العدوان يريدونها حربا خاطفة تحقق السحق والمحق في ساعات او ايام معدودات. لذا فإن ما يتوعدون به العراقيين من كثافة القصف والنيران ومشاهد الجحيم ينبئ سلفا بكارثة هيروشيمية جديدة. والقصد من وراء ذلك كله دفع العراقيين، بأفعال الترعيب والترهيب، الى الاقتناع بما اقتنعت به اليابان غداة هولوكست هيروشيما وناغازاكي: الاستسلام لأميركا جسدياً ونفسياً وعقلياً وسياسياً وحضارياً.
الى ذلك، لنتذكر ما حرص جورج بوش على تضمينه خطابه الانذار: الامر الصريح الحاسم الزاجر الى المفتشين والاعلاميين بمغادرة العراق. كاد يقول لهم: ستكونون مستهدفين شأن العراقيين اذا مكثتم. لماذا؟ لأنه لا يريد شهوداً على ما سيحدث. لأنه لا يريد ان تتكرر تجربة حرب فيتنام التي خاضتها اميركا بالأسلحة النارية والعدسات التلفزيونية، فماذا كانت النتيجة؟ نقل الاعلاميون في الميدان الى الاميركيين في كل مكان مشاهد الجحيم والوحشية والإبادة التي صنعتها اميركا المتحضرة في اصقاع فيتنام وأدغالها. بل نقل الاعلاميون، فوق ذلك، معاناة الشبان الاميركيين، وقود الحرب العبثية، ومشاهد اكياس النايلون الملأى بأفواج القتلى.
اذ ثارت ثائرة الاميركيين، خصوصا الآباء والأمهات، سارع الإعلام الى نقل ردود الفعل الغاضبة، فثار الشارع الاميركي بدوره بل المجتمع كله مطالبا حكومته المذعورة بإنهاء المجزرة المزدوجة.
هكذا خاضت اميركا المعركة في الخارج وصنعت لنفسها الهزيمة في الداخل.
لكي لا تتكرر التجربة المؤلمة، حرص بوش على توجيه انذار بالرحيل لكل اعلامي مقيم من كل لون ودين.
انها ليست حرباً غير مشروعة، وحشية، وكاسحة فحسب تلك التي يشنها بوش، بل هي ايضا حرب يريدها ان تكون خفية بلا عدسات اعلامية او شهود عيان كي تبقى بمنأى عن عيون الاميركيين وضمير الرأي العام العالمي.
ثم ان هناك قطباً داخل القطب الاميركي الرسمي هو القطب الشعبي، هو الشعب الاميركي الذي بكّر، على نحو غير مسبوق، في اعلان معارضته المدوية للحرب قبل ان تبدأ.
في الماضي كانت معارضة الاميركيين للحرب تبدأ بعد سنتين او ثلاث. في حرب بوش الحاضرة، بدأت المعارضة في لحظة المباشرة بالإعداد لها. انها حرب غير شعبية بامتياز، بل هي الحرب المكروهة اكثر ما يكون من مختلف فئات الشعب.
فوق ذلك، هي الحرب المكروهة بامتياز في مختلف انحاء العالم ايضا. ذلك ان أيا من الحروب العالمية سحابة السنين المئة الماضية لم تُقابَل بهذا القدر الهائل من المعارضة والتنديد والشجب في شتى الامصار والاصقاع بالمقارنة مع حرب بوش هذه.
من هنا تنبع حاجة الادارة الاميركية الى ان تكون حربها خاطفة وخفية، ذلك ان إطالتها او افتضاحها ستترك انعكاسات سلبية وربما تخلّف نتائج كارثية على الحكومة والاقتصاد الاميركيين.

ويثور سؤال: ما العمل؟
لعل ما يمكن عمله يقوم به الآن، بأشكال متفاوتة، القطب العالمي الجديد واسمه الرأي العام العالمي. لكن، أليس الرأي العام العالمي هو الشعوب نفسها؟ أليست الشعوب، على مستوى العالم كله، هي اللاعب الجديد، الشجاع، والفاعل؟ انها الظاهرة الاكثر جدّة وحدّة في مطالع القرن الحادي والعشرين. هي التي شكلت الكابح القوي للقطب الاول الذي يبتغي ان يكون الاوحد، فشجعت أقطاب الدرجة الثانية على ان يتصدوا له بحيوية لافتة قد تصبح متواصلة ومتعاظمة.
الشعوب تقاوم القطب الاول الاميركي بأشكال متفاوتة. هي تتحرك بدأب وترفع صوتها بالاحتجاج في ما يزيد عن 600 مدينة كبرى موزعة على قارات العالم الخمس، فتُبقي بذلك المعارضة للحرب حية في النفوس وتترجمها مواقف فاعلة لدى اهل السياسة والقرار.
الشعوب ترفد المقاومة المدنية والمسلحة للقطب الاول الاميركي ولزبانيته وأدواته من صهاينة عنصريين وفاشيين قدامى وجدد في كل مكان. وقد يستبد اليأس ببعض الفئات داخل الشعوب الرافضة فتراها تمد يد المساعدة، بالمال والرجال، لبعض منظمات العنف السياسي التي تسمّيها اميركا منظمات ارهابية لفرط ما تعاني من اعمالها وعملياتها. الشعوب تحس بوطأة العولمة وانعكاسها السلبي على ضروريات الحياة وكرامة العيش، فتراها تحكم عليها بأنها الأمركة بلا زيادة او نقصان، تطل من خلال الشركات العملاقة عابرة القوميات والقارات، فتستحق منها السخط والمقاومة بأشكال مختلفة. ولعل ابرز هذه الاشكال اثنان:
› تظاهرات حاشدة، يخالطها احيانا بعض العنف، تطوق اجتماعات رؤساء الدول الصناعية الثمانية الكبرى كلما انعقدت في عاصمة قريبة من جماهير المعترضين، او انزوت بعيدة في مجتمع جبلي لتبقى في منأى عنهم.
› مقاطعة شاملة للمنتوجات الاميركية (والإسرائيلية) كتعبير صارخ عن اسلوب عملي في المقاومة المدنية.
انه عالم جديد فعلا هذا الذي يبزغ مبكرا مع إطلالة حرب تريدها اميركا خاطفة وخفية.
لكنها حرب تبقى، بمعظم المعايير الأخلاقية، ملعونة بامتياز، بدلالة الحكم الذي اطلقه عليها الفاتيكان، غداة خطاب بوش، بقوله انه <<يتحمل مسؤولية جسيمة أمام الله وأمام ضميره وأمام التاريخ>>.

 
©2003 جريدة السفير

 



#عصام_نعمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرأت لك : الغزو الاميركي للعراق: كوارث وأرقام تتكلم......... ...


المزيد.....




- غيتار بطول 8 أقدام في موقف للمركبات الآلية يلاقي شهرة.. لماذ ...
- ساعة ذهبية ارتداها أغنى راكب على متن -تيتانيك-.. تُباع في مز ...
- اغتيال -بلوغر- عراقية وسط بغداد.. ووزارة الداخلية تفتح تحقيق ...
- ثوران بركان إيبيكو في جزر الكوريل
- -إل نينو- و-لا نينا- تغيران الطقس في أنحاء العالم
- مكسيكي يقول إنه فاز بشراء أقراط بـ28 دولارا بدل 28 ألف دولار ...
- سيناتور روسي يقيم جدوى نشر أسلحة نووية أمريكية في بولندا
- هذا هو رد بوتين على المساعدات لأوكرانيا من وجهة نظر غربية (ص ...
- الولايات المتحدة تطور طائرة -يوم القيامة- الجديدة
- الجيش الروسي يستعرض غنائمه من المعدات العسكرية الغربية


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عصام نعمان - أميركا في مواجهة العالم