أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - محيي الدين بن عربي من عنف الأسماء إلى نفس الرحمن -1















المزيد.....

محيي الدين بن عربي من عنف الأسماء إلى نفس الرحمن -1


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 6084 - 2018 / 12 / 15 - 03:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


محيي الدين بن عربي
من عنف الأسماء إلى نفس الرحمن
-1-
د. عبد الجبار الرفاعي
فرغتُ من مطالعةِ مخطوطةِ كتاب "لماذا نكفّر: ابن عربي من عنف الأسماء إلى نفس الرحمن" للصديق د. علي الديري، وكتابُه هذا كأعماله السابقة يشدّ القارئ إليه بقوة ويفرض عليه أن يمضي معه حتى الختام، وألا يغادره إلى غيره إلا بعد أن يفرغ منه.
درستُ كتابَ "فصوص الحكم" في الحوزة، وطالعتُ كلَّ ما وقع بيدي من كتاباتٍ تشرح أفكارَ الشيخ محيي الدين بن عربي وأحوالَه ومكاشفاتِه وإشراقاتِه الروحية، ولكلّ شارحٍ من الشرّاح أسلوبُه وطريقةُ فهمه لنصوص الشيخ الأكبر، فمنهم من تماهى معه حدّ محاكاته بكلّ شيء، ومنهم من حاول أن يقدّم تأويلاتِه لما كتب في أفق رؤيته لله والإنسان والعالم، ومنهم من تورّط في سكب مقولاته في قوالب غُلاة المتصوّفة، ومنهم من سكبها في قوالب غُلاة الشيعة، ومنهم من وقع أسيرَ الأبعاد الجمالية في عباراته، ومنهم من فُتن بالأبعاد الرمزية لإشاراته، لكني قلّما طالعتُ كتابًا حاول أن يلخّص لنا الرؤيةَ التوحيديةَ للشيخ الأكبر بلغةٍ مقتصِدةٍ واضحةٍ تقترب من السهل الممتنِع، وتنتظم في سياقها المفاهيمُ المحوريةُ وما يتفرّع عنها بشكل منطقي. ولا تقود القارئ إلى منعرجات تفكير محيي الدين أو المناطق المبهمة فيه، وتقلل من الإحالة على رمزياته وإشاراته، وتبرع في اكتشاف ما بدّده وشتّته ابنُ عربي عمدًا مما يؤشرُ لكلّيات عقيدته، كما ينبه هو لذلك. إذ تعمّدَ ابنُ عربي الإبهامَ والغموضَ أحيانًا، لذلك حرص في بعض كتبه أن يتحدّث عن "عقيدة الخلاصة" في مواضع متفرّقة من كتاب واحد، فنجده يصرّح بذلك في الفتوحات المكية قائلًا: "وأما التصريح بعقيدة الخلاصة فما أفردتها على التعيين لما فيها من الغموض، ولكن جئت بها مبدّدة في أبواب هذا الكتاب، مستوفاة مبينة، ولكنها كما ذكرنا متفرقة". وهذا الضربُ من الكتابة المقتصِدة تتطلب فطنةً كفطنة الديري، وهي لا توهَب إلا لمن لم يتوقف عند العقل فقط، بل توغل في عوالم الروح أيضًا، فصار قادرًا على تذوّقِ مكاشفاتِ الشيخ محيي الدين والسياحةِ في معاني بحره العميق.
كتابُ الديري هذا يضعك مباشرةً في قلب عوالم معنى الحياة الروحية للشيخ الأكبر، بلا مقدماتٍ واستطراداتٍ وفائضٍ لفظي ومقتبساتٍ يترهل بها الكتابُ، ويضيع فيها القارئ في متاهات الكلمات.
اللافتُ في ما كتبه الديري عن المتصوّفة وبخاصة محيي الدين أنه تلخيصٌ واضح للرؤية التوحيدية للشيخ الأكبر، لأنه حاول أن يختصر علينا مسافاتٍ طويلةً نستنزف فيها سنواتٍ ثمينةً من شبابنا في دراسةِ فصوصِ الشيخِ الأكبر ومطالعة أعمالِه، فأنا أحدُ الذين خسروا مثلَ هذه السنوات، عندما كنتُ تلميذًا مولعًا بدراسةِ فصوصِ الحكم وفهمِهِ على متخصّصين في حوزة قم. وحتى اليوم أمضى بعضُ معلمي فصوص الحكم أكثرَ من اثنتي عشرة سنة في تدريس هذا الكتاب لتلامذته ومازال لم يفرغ منه، وهو كتابٌ لا يتجاوز نصُّه الأصلي، مجرّدًا من التعليقات والشروح، المائةَ وخمسين صفحة. وعلى الرغم من أن الديري لم يكن يومًا ما تلميذًا في الحوزة، ولم أعرف عنه أنه تلمذ على مثل شيوخها المتخصصين بابن عربي، لكن في كلّ مرة يفاجئني بفهمِه الذكي لابن عربي، وخبرتِه المتميزة في آثارِ المتصوّفة وأحوالِهم.
من قبل فوجئتُ بأطروحته للدكتوراه التي أرسل لي مخطوطتَها وطلب مني قراءتَها، مثلما فاجأني بعمله هذا اليوم، وأظن أن مفاجأتي تحيل إلى ما ترسّب في وعيي الباطن من حكايات نُلقّنها في مجالس المذاكرة في الحوزة، توحي لنا بأن ما ندرسه لا يمكن أن يفهمه أحدٌ بلا تلمذة مماثلة لتلمذتنا، بل إني سمعتُ قبل ربع قرن من صديق، كان تلميذًا يدرس "فصوص الحكم" في الحوزة عند أحد المدرسين، حُكمًا سلبيًّا على شرح د. أبو العُلا عفيفي للفصوص، إذ قال في سياق حديثه عن هذا الشرح: "إن أبا العُلا عفيفي لم يفهم الكتاب". ومن الطريف أني قبل ذلك بسنوات كنتُ أعرف بالتفصيل سيرةَ أبي العُلا عفيفي الفكرية وتكوينَه الأكاديمي الرصين، فقد تعلّمَ على أحد أبرز الخبراء في العالم بمحيي الدين، وهو أستاذه المعروف رينولد نيكلسون "1868 - 1945م"، الذي كتبَ أطروحتَه للدكتوراه تحت إشرافه في جامعة كامبريدج بعنوان: "فلسفة ابن عربي الصوفية" وناقشها سنة 1930م. وذلك ما أهّلَ عفيفي لأن يكون أبًا لجيل لامع من الأكاديميين العرب المتخصصين بالتصوّف وبابن عربي خاصة. كما قرأتُ شرحَ الدكتور عفيفي فرأيتُ كيف تمكّن أن يقدّم تفسيرًا علميًّا واضحًا لفصوص الحكم، يجعله في متناول كلّ دارس لديه إلمامٌ بألفباء التصوّف الفلسفي.
لذلك تألمتُ من الحكم السلبي لتلميذ الفصوص صديقي على شرح عفيفي، وإن كان مثلُ هذا الحكم ليس غريبًا عليَّ في بيئةٍ عشتُ فيها أكثرَ من أربعين عامًا تلميذًا وأستاذًا، وأعرفُ نرجسيةَ الفهم التي تتوالد في لاوعينا، نحن الذين نغوص في الكتب القديمة، ونمضي العمرَ في فضاء متونها وهوامشها، حتى نصلَ إلى حالةٍ لا نكاد نرى فيها أسلوبًا للتعليم متفوّقًا على أسلوبنا، أو نظن بأن منهجًا للفهم متفوّقٌ على منهجنا، ولا نعتقد بوجود فهمٍ موازٍ لفهمنا لهذه المتون التي ندرسها، فضلًا عن أن يكون متجاوزًا له.
لم يترك لنا الخبراءُ بابن عربي مدخلًا ميسرًا لدراستِه والتعرّفِ على رؤيته لله والإنسان والعالم، وهذا الكتابُ، على صغر حجمه، يوفر على المهتمّ بابن عربي الكثيرَ من الزمن والجهد اللذين يتطلبهما التعرّفُ على خلاصة لرؤيته المحورية، من خلال غوصِ المؤلف في أعماله العميقة، وملاحقةِ تفسيراتها وما كُتب عنه وعنها. هذا الكتابُ يمكن أن يكون مدخلًا أوليًّا لدراسةِ الرؤية التوحيدية للشيخ محيي الدين واكتشاف معالمها في آثاره المتنوعة، إذ استطاع الدكتور الديري أن يدلّنا على خارطةِ هذه الرؤية لدى الشيخ الأكبر، والتي يمكن أن تكون مُلهمة لحياتنا الدينية اليوم، ذلك أن الحياة الدينية وما يتشكّل في سياقها من قيم روحية وأخلاقية تولد وتتكّون في رحم الكيفية التي تحضر فيها صورةُ الله في الضمير.
الديري يدرك المحنةَ التي يعيشها المسلمُ اليوم، وكيف صار العنفُ والقتلُ لغةً يتداولها كثيرٌ من أبناء الإسلام الذين سقطوا في شراك الرؤية السلفية للتوحيد، وسجنت سلوكَهم الفتاوى المشتقّة من تلك الرؤية، فضاع في ضجيج تلك الرؤية صوتُ السلام والحق والعدل والإحسان والرحمة في القرآن. وكأن الإسلامَ لا يعرف أن يتحدّث لغةً أخرى غير العنف والقتل والموت. حرص الكاتبُ أن يدلّنا على الكنز المنسيّ للغة أخرى للإسلام يجهلها أكثرُ الشباب المسلم. لغة يمكن أن تؤسّس لتديّن يعرف أن يتكلّم لغةَ السلام والحق والعدل والاحسان والتراحم، ويعرف أن يتذوّق تجلياتِ الجمال الإلهي في الوجود. وما أشدّ حاجتنا لهذه اللغة بعد أن تفشّى في لغتنا الدينية كثيرٌ من الكلمات المسمومة.

تقديم لكتاب: "لماذا نكفّر: ابن عربي من عنف الأسماء إلى نفس الرحمن". تأليف: د. علي الديري. الكتاب تحت الطبع. ننشر القسم الأول في هذا العدد، والقسم الثاني من التقديم في العدد القادم.



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسلفةُ لا عقيدةَ لها
- واقع الدرس الفلسفي في العراق
- السلمُ وليس الحربُ هو الهدفُ المحوري للقرآن
- إحياء علوم الدنيا يتكفل بإحياء علوم الدين
- الرحمةُ مفتاحُ فهمِ المنطق الداخلي للقرآن
- الرحمةُ ليست بديلًا عن العدالةِ
- سعةُ الرحمةِ الإلهية
- من آثار التديّن الشكلي
- المدياتُ التي ينجزُ فيها الدينُ وعودَه
- كتاب الدين والنزعة الإنسانية
- الدين والظمأ الأنطولوجي
- في حضرة مولانا: سياحة في عالم المعنى - 2
- تلاعبُ الهوية المغلقَة بالمعرفة
- رحيل داريوش شايغان
- فالح عبدالجبار
- الجامعة اللبنانية تمنح أعلى تقدير لأطروحة دكتوراه باحث عراقي ...
- ضياع تفكيرنا الديني في تلفيق ثنائيات متنافرة
- ليست الكتابة عملاً فردياً
- رحلة جلال آل أحمد الى الحج
- الاستبداد ينتج نمطه الخاص للتدين


المزيد.....




- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - محيي الدين بن عربي من عنف الأسماء إلى نفس الرحمن -1