|
رسائل إلى سميرة (1823)
إياد الغفري
الحوار المتمدن-العدد: 6076 - 2018 / 12 / 7 - 01:15
المحور:
المجتمع المدني
لا أدري يا سميرة لماذا أكتب اليوم لك، هل لأعزي نفسي بك... أم لتعزيتك على رحيلك الذي أحاطه الغموض.
ترددت كثيراً قبل الكتابة لك، ربما لأن الرسائل توالت وأنت لم يعد بإمكانك قراءة السطور... لكني أخال أنكِ في بعد آخر من الوجود سيسمح لك بقراءة ما بينها.
**** بعد أيام قليلة سيكون قد مضى على تغييبك سنوات خمس... سنوات لعينة مرت بها أحداث لن يمكنك أن تفهميها إلا وأنت في بعد آخر... بعد كوني يجعلك فوق الأحداث اليومية وترهات الواقع... رغم أني أتمنى أن تحدث المعجزة بعودتك ورفاقك... إلا أني أعتقد أنكم أصبحتم فوق تفاهات هذا الواقع. أنت لم تعرفيني في الماضي، لكنك بالتأكيد تعرفين اليوم أني لا أقصد جرحك أو جرح من أحببت يوماً، أكتب لك اليوم..... ربما لأنك بحاجة لمن يكتب لك كلمة صادقة بعد أن تاجر بك من تاجر، وأسس على تغييبك مظلومية ظن أنه بها يقترب من المصداقية... أترك الحكم لك لأنك أقدر اليوم على رؤية أرصدة حسابات من تاجروا بك، بغيابك ورفاقك، بموتنا وبموت الآلاف... تعلمين اليوم يا سمور أن دماء الشهداء والضحايا أغلى مما كنت تتصورين، بالنسبة للبعض هي قدسية الشهادة لكن الغالبية حولوا نقاط الدم الزكية لأصفار في أرقام حساباتهم البنكية..... حسابات يستحون أن يصرحوا بها... لا بأس يا عزيزتي... لا داع لأن يقدموا بيانات ذمة مالية.... يكفينا على الأقل أن هناك ما يدفعهم للحياء. ابن العم قال منذ فترة قريبة من باريس أن الثورة قد انتصرت حتى ولو أنها قد هزمت، ربما هو محق... لكنه يذكرني بالهزائم التي مجموعها نعتبره نصراً... رحل الكثير من رفاقك، معظمهم قضى بأمراض مستعصية... أما الذين لم يتمكنوا من الفرار.... فهؤلاء تقاسم النظام والميليشيات التي ركبت ثورتك مسؤولية دمائهم، أو اضطرتهم الظروف للصمت والبكاء اليومي. أتذكرين ذاك الذي حرض على اختطافك لانتماء طائفي لم تؤمني أنت به يوماً... هو يتنقل بين لندن والخليج، سمعت مؤخراً أنه سيقضي قريباً بمرض مستعص... أتذكرين حفيد عبد الوهاب الإنكليزي الذي كانت له أياد بيضاء في تخفييكِ؟ سمعت أنه يعمل في التجارة في اسطنبول، وقد دب خلاف كبير بينه وبين مفكر استثمر لديه ثلاثين من الفضة... كم أتمنى يا سميرة ألا تكون استثماراته تلك قد كانت السبب في تغييبك... لأنك بذاك ستمنحين المسيح صورة جديدة. **** تصوري يا سميرة أن يكون هناك انجيل للمسيح قد كتبه الإسخريوطي... ستكون تلك صفعة للآلهة وللشرف والكرامة... إهانة لعذرية البتول... سيكون إنجيله باختصار تعريص مثقفين ثوريين يحسبون في أنفسهم القدسية. **** ثورة الكرامة يا سيدتي تحولت وتغيرت... ربما لاحظت قبل تغييبك الشعارات والهتافات، يومها كان الأمر مقبولاً.... لكن النفس الديني مسح شكل الحراك المدني... صارت ثورتك ثورة للدفاع عن الصحابة ولم تعد لنيل الحريات... غدت الحرية الأهم التي نطالب بها، حرية الناشطين الذين شولتهم الثورة.... الورد والياسمين الذي حمله المتظاهرون في البداية، تحول لسلاح فردي... وطلاب الكرامة... صاروا يطالبون بصواريخ التاو. قررت أن أكتب لك أن جيش الإسلام لم يعد الفصيل اللعين الوحيد الذي شاطر النظام مسؤوليته عن الكوارث التي حلت بنا... لكني فشلت في إحصاء أسماء الفصائل. قررت أن أكتب لك أسماء مئات الناشطين الذين وضعوا مطالباتهم بحريتك ورفاقك كصورة لبروفايلهم على الفيس بوك... لكني فشلت عندما علمت أن أقربهم يبعد آلاف الأميال عن مسقط رأسك، أقربهم يتنقل بين بيروت وباريس.... هؤلاء اقتصر نضالهم اليوم على التقاط الصور لبعضهم يتزاورون، وعلى توقيع رواياتهم في احتفالات كئيبة. قررت أن أكتب لك عن انتصارات سوريا المتمردة على النظام، لكن النظام انتصر على الأرض انتصر... ونكابر.... ما أقذرنا... ما أقذرنا... ونكابر. أتذكرين من رافقوك في نضالك الأخير...؟ هؤلاء لا يذكرهم أحد، إلا بقية باقية من مرضى الأمراض المستعصية... وبعض تجار ومقاولي الثورة. ما زال تجار الموت يستحثون الهمم لمزيد من الجنون والخراب. أتذكرين الراهب الذي كان يقرع الناقوس؟ البعض يريدون أن يمسحوه مهدياً منتظراً... في الاثنا عشرية الثورية. الموت يحيط بنا من كل جانب يا سميرة، سنلتقي قريباً... وعندها لن أكون بحاجة لكتابة سطوري هذه لك... يومها سأخبرك الكثير وستخبرينني أكثر، وسنضحك من كراكوزات ومشخصين... ماريونيتات كانت تؤدي دورها ببراعة... براعة تتفاوت بين دمية وأخرى. هل هناك موت مجاني؟ ربما يمكنك أن تقولي الكثير عن هذا... لكن الحياة المجانية تساوي الموت المجاني، كم كنت أتمنى ألا تكون نهاياتنا مجانية كحياتنا.
إياد الغفري – ألمانيا
#إياد_الغفري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي
...
-
بمساعدة الذكاء الاصطناعي.. عائلات الأسرى الإسرائيليين ينشرون
...
-
الشبكة السورية لحقوق الإنسان تصدر تقريرا بحصيلة ضحايا المعار
...
-
- شردونا ضد إرادتنا-.. آلاف الأكراد النازحين من حلب يصلون إل
...
-
هآرتس: سكان غزة تجاوزوا الجحيم.. ووعيد ترامب لن يحرر الأسرى
...
-
بالفيديو: ’هيومن رايتس ووتش’ تفضح السعودية لانتهاكها حقوق ال
...
-
قافلة مساعدات غذائية تصل إلى مخيم زمزم في دارفور لمواجهة الم
...
-
شولتس يتوقع استمرار تراجع عدد المهاجرين إلى ألمانيا
-
مصر.. اعتقال شخص انتحل شخصية ضابط بالجيش للنصب على المواطنين
...
-
الأونروا توقف مساعداتها عبر كرم أبو سالم
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|