أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى خضر - النقد والخطاب النقدي في الفكر العربي المعاصر 3















المزيد.....



النقد والخطاب النقدي في الفكر العربي المعاصر 3


مصطفى خضر

الحوار المتمدن-العدد: 1516 - 2006 / 4 / 10 - 09:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في كتابه (نقد الفكر الدينيّ) يقدّم د. صادق جلال العظم مجموعة أبحاثٍ تتصدّى على ما يرجو، بالنقد العلميّ والمناقشة العلمانية والمراجعة العصرية لبعض نواحي الفكر الديني(25) ويصدّرها بعبارة لياسين الحافظ حول وجوب نقد جميع جوانب المجتمع العربي الراهن وتقاليده نقداً علمياً علمانياً كواجبٍ أساسيّ من واجبات الطليعة الاشتراكية الثورية في الوطن العربي، ومنهجه هو التوجّه المباشر إلى الإنتاج الفكريّ الذي يشرح الأيديولوجية الغيبيّة، وينظّر لها، ويدافع عنها، بعد أن انحصر معظم النقد في هذا المجال، إثر هزيمة حزيران بتعميمات تندّد بالذهنيّة الغيبيّة الاتكاليّة التي أحيط تفكيرها بالقداسة، ووضع خارج النقد العلمي للظواهر، كما يقول.
لا يقصد د.العظم بالدّين ظاهرةً روحيّة ونقيّة وخالصة، ولا ظاهرة التسليم البسيط الساذج، وإنّما مجموعة معتقداتٍ وتشريعاتٍ وشعائر وطقوس تحيط بالإنسان. ولكنّه يعتبر الأيديولوجية الدينية بمستوييها الواعي والمعنويّ سلاحاً من أسلحة الرجعيّة وتعبيراً عن بنياتٍ طبقيّة خاضعة للتحوّل الاجتماعي.
وفي سياق إشارته إلى بحث وليم جيمس (حريّة الاعتقاد) يناقش مشكلّة عامّة فكريّة وثقافيّة هي النزاع بين العلم والدين، فيجد أن فترة تتجاوز القرنين ونصف القرن قد مرّت على أوروبا قبل أن يتمكن العلم من الانتصار على العقلية الدينية السائدة، ومعركة العلم في البلدان النامية، ومنها الوطن العربي، تماثل معركة العلم مع الدين في أوروبا....
ويرى أن النظرة الدينية تعتبر الحقائق، كلّها، كُشفت في نقطة معيّنة وحاسمةٍ من التاريخ، فتوجّه أنظار المؤمنين إلى الماضي، بينما الروح العلميّة تجعل من الاكتشاف نشاطاً حركيّاً يتخطّى دائماً منجزاته.... وقد تراجع الدين، كبديلٍ خياليٍ عن العلم في تفسير الأحداث، أمام الضعف المتزايد للثقافة العلميّة وضرورة التكيّف مع موجات العلمنة والتقدّم! وإذا كان الإله قد مات في أوروبا تحت تأثير المعرفة العلميّة، فإن احتضاره في المجتمعات المتخلّفة تمثيلٌ رمزيّ لحالة الثورة وفقدان الجذور التي تعانيها، فتصطنع نوعاً من التعايش بين الفكر العلمي وتطبيقاته مع التراث الدينيّ السحيق.
ويؤكد إخفاق الموقف التوفيقيّ بين العقل والإيمان، لأن المعتقدات الدينية نظام متماسك، إمّا أن يُقبَل كلّه، أو يتم التنازل عنه لمصلحة العلم. ولابدّ أن يتميّز موقف المثقف ثقافةً علمية من الدين من موقف المثقف ثقافة دينية من العلم.
ويتناول مواقف توفيقية يقيمها رجال الدين الإسلامي بين العلم بمناهجه والدين، بعضها تبريريّ وبعضها الآخر تعسّفيّ، وبعضها مجامل وبعضها الآخر منغلق، وبعضها تقليدي وبعضها الآخر منفتح...
وكان قد وجد في اقتراح وليم جيمس في بحثه (حرية الاعتقاد) حداً ملائماً، المبدأ العام فيه مفاده أنه لا يجوز أن نتقبّل أو أن نرفض رأياً من الآراء مالم تتوافر الأدلّة والشواهد الكافية على صدقه أو كذبه، أمّا في الحالات الشاذة فيحق للإنسان أن يعتقد بصدق قضيّة على الرغم من نقص الأدلّة، ومنها الاعتقاد الديني أو الإيمان بوجود الله...
ويصرّح د.العظم برغبته في تحرير الشعور الدينيّ، لا نَسْخَه، ليزدهر، ويعبّر عن نفسه، بطريقةٍ تناسب أوضاع حضارة القرن العشرين، فقد يتمثّل الشعور الديني بموقف الفنّان من الجمال، والعالم من البحث عن الحقيقة، والمناضل من الغايات التي يعمل لتحقيقها. ولكنّه يلاحظ موقف رجال الدين الإسلامي الذي يضفي الشرعيّة على النظام السياسي والاجتماعي الذي يرتبط به سواء أأعلنت الدولة سياسة ثوريّة تحريرية أم سياسةً رجعيةً متخلفة. والإسلام، برأيه، هو الأيديولوجية الرسميّة للقوى الرجعية المتخلفة في الوطن العربي، والمرتبطة بالاستعمار، كما هو حليف التنظيم الإقطاعي للعلاقات الاجتماعية....(26).
يغلب على هذا البحث الذي توقّفنا معه: (الثقافة العلمية وبؤس الفكر الديني) حماسٌ علميّ وعلمانيّ، يتجاهل أن الإسلام التاريخي هو أكثر من إسلامٍ، تجاور فيه إيمانٌ وإلحادٌ وكلامٌ وتصوّف وفلسفة وفقة وظاهر وباطن وفرق وملل وتعصّب وتسامح... ويعكس الآن مستويات شعبية ورسميّة وشبه رسميّة وجمعيّة وفرديّة. ولم يكن من حيث بنيته الفكرية رجعياً أو تقدمياً، عقلانياً أو غير عقلاني، اشتراكياً أو رأسمالياً... كما أن العقل العلمي الحديث والثقافة العلمية الحديثة لا يدعوان إلى إيمان أو إلحاد وقد يفترض شرطهما الاجتماعي مصالحةً بين العلم وإيمان مّا، على المستوى الشخصيّ... وقد تتطلّب روحُ كفاحٍ ما تحالفاً مشتركاً بينهما......
*
بعد أكثر من عقدين من صدور (نقد الفكر الديني) يدعو كتاب (يثرب الجديدة، الحركات الإسلامية الراهنة) إلى حوار علمانيّ ـ إسلامي يتخطّى الفهمين "العلمانوي" و"التكفيري" للعلمانيّة، باتجاه علمنةٍ جديدةٍ، يعتبرها المخرج من التناقض الراهن بين الدولة المستبدة’ والتيّارات الفقهية الجديدة، ويفترض أن علمانية جديدة لا يمكن أن تتمّ إلا من ذاتيّة الأمة ونفي الوصاية "العلمانويّة"، أو "الإسلامانويّة"، النخبويّة، ما دامت الحداثة قضيّة من قضايا الهويّة......الخ. ويتساءل محمد جمال باروت عن إمكانية فهم علماني للإسلام يخدم إنتاج ما تصحّ تسميته بنظريّة علمانية إسلامية وعن نوعيّة العلاقة في هذه الحالة بين الإسلام والمجتمع المدنيّ، وينظر إلى الصراع في إطار المجتمع المدني الديمقراطيّ كمهمّة ملحّة وراهنة يُنْتَظر تحقيقها.
ويميّز في الإسلام السياسي ثلاثة مستوياتً: الشعبيّ والرسميّ والسياسيّ: كما يميز خطابين أحدهما (إخواني) معتدل والآخر (جهاديّ) مفترض. ويرى من منظور سوسيولوجي أن ظاهرة الإخوان المسلمين من أبرز الظواهر الأيديولوجيّة السياسيّة المعقّدة للفئات المدينيّة الوسطى بشرائحها المختلفة؛ فهي ظاهرة "مدينيّة" في جوهرها، أنتجتها مدنٌ تقليديّة، اهتزّت توازناتها الاجتماعية، بل هي نتاج "كارثي" لمجتمع أخفقت أيديولوجيّته التقدميّة في علمنةٍ وعقلنة وعيه. ويرصد تحوّل جماعة الإخوان المسلمين من نظرية (تطبيق الشريعة) إلى (نظرية الحاكميّة لله)، كخطابين علاقتهما مقطوعة، بعد أن كان الخطاب الإخواني في تجربة كتجربة (مصطفى السباعي) لايفصل بين الدين والدنيا، فلسفته القوميّة هي الإسلام بمفهومه الواسع وفلسفته الشاملة للحياة، وطبيعة التشريع فيه لا تختلف عن الطبيعة العلمانية للتشريع المدنيّ، تضع مبادئه القوانين على أساس مصلحة الناس وكرامتهم، لتحقيق المصلحة والعدالة الاجتماعية.
وينتبه باروت إلى تداخل طبقيّ اجتماعي بين الإخوانية والناصرية، إذ انقلبت الناصرية ساداتيةً والإخوانية جهاديةً. وانتهت مدرسةً كمدرسة السباعي الإخوانيّة الشعبويّة التعدّدية، والمنتمية للفئات الوسطى، والتي قالت باشتراكية إسلامية تعادل الاشتراكية العربية، انتهت إلى إنتاج أكثر الإسلاميين تعصّباً وإلى فهم موحد عند الجهاديّة...
وكان قد لاحظ الانتقال من تكفير الدولة إلى تكفير الأمّة عند (سيّد قطب) وتحوّل دار الإسلام إلى دار حرب بعكس (الهضيبي) الذي يرى أن (الحاكمية) لا ترد في أيّة آيّةٍ من الذكر الحكيم. كما لاحظ أن الحركة الدينيّة الإخوانيّة في تونس ستتحوّل إلى حركةٍ نهضويّة مندمجة في المجتمع التونسي، وتستعير خطابها الإخواني من المشرق في مواجهة نموذج شعبوي تحديثي كاريزمي مضادّ للهويّة الثقافية العربية الإسلامية، وعلى نحو يدفع (الغنوشي) إلى تبنّي حوارٍ علماني إسلامي.
سيتم التراجع إذاً من نظام إصلاحيّ إلى نظام إخوانيّ إلى نظام جهاديّ ويرى الخطاب الأصوليّ علاقة الإسلام بالمجتمع عبر الدولة في حين يراها الخطاب الإسلامي عبر الفرد. (28).
ولكن! إلى أي مدى يؤهل الواقع القوى المختلفة ويؤهبّها لحوارٍ علمانيٍ إسلامي؟ وأيّة علمنةٍ "جديدة" يمكن أن يقترحها هذا الحوار؟
أهو النظر إلى المشكلات المتعلّقة بالدين ـ كما يرى د.فؤادزكريا ـ كما لو كانت خارج نطاق الزمن... ومخاطبة إنسان القرن الحادي والعشرين الذي يتقرّب منّا بأسرع مما نتصوّر، بأسلوب القرن السابع أو الثامن، ولن تكون هي أفضل السبل إلى عقل ذلك الإنسان....
إن فكرة الحاكميّة، بصيغها المتعدّدة، هي النقيض المباشر للنزعة الإنسانيّة في التراث الفلسفي.... ولذلك يصل موقف الحركات الدينيّة المعاصرة من كلّ نزعة إنسانيّة إلى حدّ العداء الصريح....(29).
أمّا د.نصر حامد أبو زيد فيفكّك الخطاب الديني على نحو يرى فيه أن النّصوص الثانوية في تاريخ الثقافة العربية تحوّلت إلى نصوصٍ أصليّة؛ أي تحوّلت، بفعل عوامل ومحدّدات اجتماعيّة تاريخيّة إلى نصوص تمثّل إطاراً مرجعياً في ذاتها....
وينبّه إلى أن الخطاب الديني يحتمي بالتراث، ويحوّله إلى "ساتر" للدفاع عن أفكاره هو ذات الطابع التقليدي، الذي يميل إلى إبقاء الوضع على ماهو عليه، وذلك في تعارض تام مع ادعاءاته السياسية. وسيلاحظ أن سيطرة اتجاه فكري بعينه على باقي التيّارات الفكريّة الأخرى لا يعني أن هذا التيار قد امتلك "الحقيقة" وسيطر بها....
وكان قد أشار إلى أنّه في مجال علم "تحليل الخطاب" الذي هو مجال انشغال بحثه ثمّة تفرقة بين "النصّ الأصليّ" و"النص الثانويّ"، فالنص الأصلي في حالة التراث الإسلامي هو القرآن الكريم، باعتباره النصّ الذي يمثل الواقعة الأولى في منظومةٍ نمت، وتراكمت حوله. والنصوص الثانوية تبدأ بالنصّ الثاني، وهو نصّ السنة النبويّة الشريفة، وإن كانت السنّة نصاً ثانياً ثانوياً، فإن اتجاهات الأجيال المتعاقبة من العلماء والفقهاء، والمفسّرين، تُعدَّ نصوصاً
ثانوية أخرى، من حيث هي شروح وتعليقات على النصّ الأوّل أو النصّ الثاني.....(30).
وكيف يتقبّل فكرٌ "أصوليٌّ" علماً ذا مرجعيّة غربيّةٍ، أداة التحليل فيه أداة دنيويّة مستعارة تواجه بالتحليل نصّاً مقدسّاً هو كتاب الله، ونصوصاً تاليةً اكتسبت صفة القداسة في المستوى الإسلامي الرسميّ وغير الرسميّ؟
يميّز د.محمد أركون أيضاً الخطاب النبويّ من الخطاب التنويريّ كخطابين تدشينيّين ولدّا تاريخاً جديداً، ولكنّهما متقطّعان من حيث الزمن، ومتنافسان ومتداخلان. ويربط بين فتح العمليات العقليّة المغلقة منذ زمن طويل وفَتْحٍ ورشةٍ كبيرةٍ عن الدراسات القرآنيّة. ولكنّه يعلن دهشته من وضع نصر حامد أبو زيد الذي نشر دراسةً متواضعةً عن القراءة الألسنيّة للقرآن، فراحوا يلاحقونه في المحاكم. ويخلص إلى أنّ هذا الأمر لا يشجّع إطلاقاً على الانخراط في هذه البحوث المرغوبة من قبل المفكرّين الأحرار!
وسيفترض أن ظاهرة العولمة أخذت تقلب جميع التراثات الثقافية والدينيّة والفلسفيّة والقانونيّة التي عرفتها البشرية حتى الآن، بما فيها تراث الحداثة المتولّدة، من قبل التنوير، فهذه الحداثة، على الرغم من تفوّقها وأهمّيتها، لن تنجو من عملية القلب والتغيير... الخ.
وهل الأصولية إذاً، مدعوة لمراجعة نفسها، ونقدها، لتتأقلم، مع العولمة؟ وهل تحرّضنا العولمة على حوار مختلف، فيستبعد آليّات قمعية، ويُعْتَرف بحق الحرية والبحث عن الحقيقة؟ وهل ننتظر "رضّة" أخرى أو "صدمة" ثانية؟
من جهة أخرى يفترض د.طيّب تيزيني أنه يصحّ النظر إلى كلّ نصّ على أنّه نصّ أصيل كائناً ماكانت صيغه ومستوياته وآفاقه. فالأصالة، برأيه،هي ضبط منطقيّ اصطلاحي في حدود انتماءاته الضروريّة لعصره داخلاً وخارجاً، ولتاريخه ولتراثه... أي أنه لا سبيل للتشكيك في أنّه ـ أي النصّ ـ ينتمي لوضعيّة اجتماعيّة مشخّصة. وإذا كان كلّ نصٌّ "أصيلٌ" فما مدى "أصالة" تلك الشروح والشروح الفرعيّة وشروح الشروح التي اقترحتها مذاهبٌ وفرقٌ وملل عبر تطوّرات تاريخية مختلفة، وتمثّل وضعيّات اجتماعية مشخّصة؟..
وإذا كان الفكر الإسلامي قد توضّع بأشكال وصيغٍ متعدّدة ومطردّة في التنوّع والتباين، فهل يكفي تواصله مع النصّ الأصليّ وتأصّله لتعترف فرقٌ ومذاهب كثيرة بحقّ كل منها في اختياراته وبحثها، وإن اكتفى د.تيزيني بالإشارة إلى خمسة مستويات ذات علاقة بهذه الأشكال والصيغ هي المستوى الشعبيّ والمستوى الرسميّ (السلطوي) والمستوى النظري والمستوى الفردي والمستوى الإثنيّ.....
النصّ القرآني الحديثي، عنده، أصل، والفكر الإسلاميّ فرع، والقرآن والحديث نصٌ مفتوحٌ، في وحدته يكمن الاختلاف. ويعتبر أن الفكرة المحوريّة والناظمة التي يقف الفكر السلفويّ الأصوليّ دهشاً وقلقاً وحائراً أمامها تبرز في الفكر الإسلاميّ يقوم على علاقةٍ مع الوضعيّات الاجتماعية المشخّصة له، والمخترقة لعلميّة تكوّنه ولاتجاهاته ولآفاقه ولمصائره قبل أن يكون على علاقة مع النصّ الإسلاميّ الأصليّ: القرآن والحديث والسّنة عموماً!(32).
إنّ أيّ فكرٍ، إسلامي أو غير إسلامي، تنتجه وضعيّة اجتماعية مشخّصة، بتعبير د.تيزيني، ولكن الفكر الأصوليّ ينظر إلى القرآن الكريم ككتابٍ منزل، أحكمت آياته، ولكلّ زمان، ولكل مكان، فهو خارج أية وضعيّة اجتماعيّة مشخصة في تحوّلاتها وتطوّراتها التي أنتجت نصوصاً ثانوية كثيرة، وتنتجها وقُدّست، وتُقدّس من قبل هذه الجماعة أو تلك التي تشرطها وضعيّة اجتماعيّة مشخّصة...
إن للأصوليّة مطلقاتها ومقدّساتها التي تتعالى على الواقع والتاريخ والاجتماع والشعوب والأمم!
يقرّر د.عزيز العظمة أن صعود الخطاب الديني في الحياة أمر لم يحدث إلا مؤخّراً، وبصورة انقلابٍ على مسار التاريخ الذي كانت سمته الفكرية والثقافية الأساسية هي التحديث خارج الهاجس الديني.
ويعلّق على قضية نصر حامد أبو زيد فيرى أن المدافعين عنه بدعوى أنّه مسلم، وليس بكافرٍ، إنّما يسندون عضد مخالفيه وخصومه. فالدفاع ينبغي أن يكون موجّهاً نحو الحريّات العامة والتعبير الديمقراطي عن الرأي والتأكيد على حريّة الإيمان، بما يمنع الإنسان من تحديد ماهو مسموح وماهو غير مشروع من الكلام....
المشروع الاجتماعي للإسلاميّين ـ على حدّ تعبيره ـ يقوم على محاولة إنتاج علاقة اجتماعيّة وأسريّة يكمن فيها سرّ هزائمنا، ومشروعهم الثقافيّ يقوم على التجهيل باسم ماض أصيل يمهّد إلى إخلاء المجتمع من الفكر الجديّ، وجعله مفتوحاً للاستباحة السياسيّة من قبل الإسلام السياسي...
أمّا أسلّمة المعرفة فتقوم على نَبْذْ فكرة الحداثة واستثناء الخطاب العلمانيّ بأشكالهِ من معرفة دنيا المسلمين.
وسيختار د. العظمة ـ كغيره ـ ومع غيره من دعاة الحداثة ـ العلمانيّة عنواناً واحداً للوعي الذاتيّ الذي ينتمي إلى النهضة. ولا خيار عداها إلا الدولة الدينية. وصنوها المخلص ـ وفقاً لتعبيره ـ أي الطائفيّة والسياسات الأخرى القائمة على العصبيّة التي تزيل آخر عناصر المناعة السياسية. وإن كان بعض دعاة الحداثة ينظر إلى قضية العلمانية في الحياة العربية كقضيّة زائفة!
وهو يتساءل عن معنى المصالحة التاريخيّة مع الإسلاميّيين كرافعةٍ سياسية واجتماعية في إطار مشروع حضاري شامل!
هل يحقّق المصالحة حوار علماني إسلامي أو أسلامي علماني؟
وكيف يكون الانتقال من موقف تكفير الآخر إلى الاعتراف بحقِّه في التفكير والتعبير أيضاً؟
قبل ثلاثة عقود كان قد أشار د.نديم البيطار في كتابه (من النكسة إلى الثورة) إلى أن الفكر الاجتماعي والسيكولوجي الحديث يقدّم التفاسير الاجتماعية والسيكولوجية والاقتصادية والعلمية منذ ثلاثة قرون في تفسير ظهور الدين. ولكنّ عندما يقوم كاتبٌ عربيّ فيقدّم تفسيراً معيّناً من هذه التفاسير تقوم عليه القيامة....
ولذلك فإن إزالة التصوّر الأيديولوجي التقليدي أصعب ما يواجهه الفكر الثوري، بلغة تلك الأيّام!(34).
ويلفت د.محمد أركون الانتباه إلى مسألة التأخّر الذي يعاني منه الفكر الإسلامي بسبب ضغط الرقابة الأيديولوجية الصارمة والمعمّمة على كافّة الفئات الاجتماعيّة وعلى مستويات الثقافة في البلدان العربية الإسلامية... وينبغي، برأيه، تجاوز المفهوم التقليدي للاجتهاد والممارسة العقليّة المرتبطة به، عن طريق النقد والنقد الحديث للعقل...(35).
وينتبه جورج طرابيشي إلى معالجة مختلفة لموضوع الدين في الحياة العربية، فيعتبر أن مهمّة ثورةٍ لاهوتية لا تزال مطروحة على جدول أعمال العقل العربي، ويزيد ضرورتها إلحاحاً ما يشهده العالم العربيّ من صحوةٍ أو رّدّةٍ أصوليّة لما يسمّى بالأصوليّة التي يراها محض مرادفٍ لتسييس العقيدة القويمة. ويستنتج أنه إذا امتنع العقل الدينيّ، وطال امتناعه عن الاشتغال، فلا مناص أن يقوم العقل الفلسفي مقامه، فيمارس فعاليّته، أوّل ما يمارس كعقلٍ لاهوتي. بل يذهب إلى أكثر من ذلك، فيرى أنه في ظل غياب لاهوتٍ إسلاميّ لن ترى النور فلسفة عربية، وبخاصة في سياقٍ ثقافيٍّ لا يزال الدين يمثّل عقل كلّ المجتمع فيه.....(36).
الخطاب النقدي، بميوله المختلفة والمتعدّدة، يتوقّف عند موضوع الفكر الديني أو العقل الديني أو العقلية الدينية، ويتأمّل ظاهرة "الأصول" كجزء من ذاكرةٍ جماعة يغلب على حاضرها حضور الماضي الذي يرتبط بالدين، ويعبّر عن مستويات من التدّين معلنةً ومضمرةً، تشرطها أوضاعٌ تاريخيّة واجتماعية لمذاهب وفرق وملل توفّق بين ماضيها وحاضرها، إذ اصطدمت بحداثةٍ لا تنتجها، ولا تشارك في إنتاجها، ولا تستطيع أن تحيا خارجها، كما لا تستطيع أن تنجز مشروع "ذاتها" من داخلها حتى الآن!
ويستمرّ صراعُ نخبةٍ وشبه نخبة، ينتجها شبه مجتمع، في مستوى الكلام، ويعلن "الأصوليّ" وغيرُ الأصولي انتماء تفكيره وطريقة تفكيره إلى العقل، أو إلى "عقل" ما، وما يراه الخطاب النقديّ ضغوطاً ميتافيزيقية ينظر إليه خطابُ الأصول كمطلقات مقدّسة أو شبه مقدّسة بمعنى ما...
والواقع والتاريخ لا يُعْنى بصراع في مستوى الكلام، ولا يتحول إلى فعل، بل يبقى في حدود اللّغو، والتغيّر الكبير الذي تتفجر به حداثة تاريخ هي حداثة الواقع ستدفع إلى الانتحار أو الموت تلك القوى التي لم تستطع أن تكيِّف الواقع، ولم تتكيّف معه، ولم تستطع أن تنجز تاريخها الخاص بالقدر الذي ينجزها تاريخها.
*
كيف يتدرّب الخطاب على النقد، وينتج ذاته، ويؤسس لمشروع مجتمع ومشروع أمّة؟ يرفع شعار النقد، ويتصالح مع "اللانقد" أم يتحوّل بالنقد إلى فعل؟ يلاحظ د.هشام شرابي أن أنماط الفكر الأبويّ المستحدث، إصلاحيّة وعلمانية وقومية ويسارية، وصلت في أواخر الستينات إلى طريق مسدود. ولم يعد هذا الفكر قادراً أيضاً على حلّ التناقض الناتج عن التصادم بين الحداثة والأصالة أو على مواجهة الصراع الداخلي، أو الضغوط الدولية السياسية الخارجية. وقد ارتدّ إلى الدين للدفاع عن نفسه، فالعقائد العلمانية إصلاحية وليبرالية واشتراكية لم تتمكّن من مدّ جذورها عميقاً في تربة الأبويّة المُسْتَحدثة!
ويتساءل عن إمكانيّة قيام نقدٍ أصيل، وعن جدوى نقدٍ، على غرار النقد التفكيكي، لغته النقديّة غريبةً بالمعنى الحرفي وبالمدلول المجازيّ، ونمط خطابها يستمدّ روحه من إحدى اللغتين الإنجليزية أو الفرنسية. ولكنه يتفاءل به كخطاب يهدّد بنسف تصوّرات الخطاب السلفيّ، وبتغيير الخطاب الأبويّ المستحدث....(37).
يفترض خطابنا النقدي، الذي يهدف إلى أن يكون حديثاً، امتلاكه القدرة على أن يكون نقداً جذرياً ومزدوجاً، يستهدف الذات والآخر ويتوقّع أن يكون حديثاً في مواجهة تلك "الأصوليّة" أو "السلفية" التي تفصح عنها الأيديولوجية الإسلامية الإيمانية والوثوقية والغيبيّة، أو تكمن في أيديولوجيات عربيّة ثورية، قومية وماركسية، أو شبه قومية، وشبه ماركسيةٍ، مهما اختلفت مراجعها القريبة والبعيدة. وربما يفصح الاختلاف في مستوى الكلام عن تشابه في مستوى الفعل بين نخبة وشبه نخبة حديثة وشبه حديثة ونخبة وشبه نخبة قديمة وشبه قديمة، مادامت الجماعة، التي هي الكتلة الاجتماعية الكبرى، لم تتحوّل إلى مجتمع، أو إلى أمّة، تتصالح مع مزاجها الديني والبسيط كما تستهويها دنيويّة حداثةٍ لم تنخرط فيها، بل أقحمتْ فيها على نحو بائس... وأيّ نقد يدعوها إلى التفكير؟ ومتى تدوّن عصرها الذي تنتمي فيه إلى التاريخ، وإلى الواقع في آن معاً؟ وهل يتكلّم النقد على عصر أنوار هو غير عصر أنوارها بالفعل حتى الآن؟..

نقد الذات، أو نقد الأمّة ـ وفقاً لتعبير مرقص ـ قد يكون من مدخلاته نقد الأيديولوجيات القومية العربية والأيديولجيات الماركسية الشائعة، بالإضافة إلى نقد الأيديولوجيات الدينية، أو بالارتباط معها. وهو نقد ينتمي إلى نقد المجتمع ونقد الواقع على هذا النحو أو ذاك. وقد يكون نقد العقل العربيّ أو الإسلاميّ أو العربي الإسلاميّ مدخلاً إلى نقد الذات أو نقد الأمّة أيضاً. وهو نقد يصاحبه نموّ واقعيّ لآليّات تأخّر وتسلّطٍ تمارسها "أصوليّات" و"سلفيّات" متجدّدة دائماً. كما تمارس أنظمة وسلطاتٌ تشيع رؤيتها الأحاديّة وقراءتها الأحاديّة مواقفها ضدّ العقل وضدّ حقّه في التفكير والتعبير على نحو مباشر أو غير مباشر، ينحاز عبرها "الأصوليُّ" إلى تطبيق الشريعة، وفق علاقته الخاصة التي يقيمها معها، ويندفع من خلالها "غير الأصولي" مع شكل من أشكال الحداثة المؤقّتة أو الطارئة التي تعزز سلطته الطارئة أو المؤقتة أيضاً.
*
تبرز محاولة (نقد العقل العربي) بأجزائه الثلاثة وجزئه الرابع المتوقّع، عند د.الجابري، كمشروع نقديّ يلبيّ حاجة راهنة هي إعادة النظر في "الذات" بعامة، وفي التراث بخاصة، وإن تعدّدت ردود الفعل والاستجابات تجاهها، أو تنوّعت المواقف منها، وقد سبقها، وصاحبها، وتلاها أكثر من محاولة معاصرة قد تتشابه في أهدافها، وقد تختلف في طرائق تفكيرها وإنتاجها، وتعبّر عنها، على نحوٍ ما أعمالُ حسين مروّة والياس مرقص وعبد الله العروي وسمير أمين وطيب تيزيني ومحمد أركون وياسين الحافظ وصادق جلال العظم وحسن حنفي ومهدي عامل، وغيرهم ممّن يشغلهم موضوع الهويّة كجزء من موضوع الحداثة، على الرغم من تباين الفرضيّات والاستراتيجيات!
وقد أراد الجابري لكتابه (الخطاب العربي المعاصر) أن يكون بمثابة تمهيد لمشروعه: مشروع نقد العقل العربي، فانصرف إلى تحليل الخطاب النهضويّ العربيّ الحديث والمعاصر، من أجل إبراز ضعفه وتشخيص عيوبه استجلاء لصورته، وليس من أجل إعادة بنائه. وفيه يشخّص إشكاليّة مشروع النهضة من قبل ومشروع الثورة فيما بعد بغياب نقد العقل فيهما. وكأنه لا يرى فيما أنتجه مشروع "تنوير" عربيّ أوّل ومشروعُ "تثوير" عربيّ تالٍ إلا غياب "النقد"، وما حضور النقد، بمستوياته المختلفة، إن لم يكن حضوراً مضمراً أو معلناً لنقد العقل؟
وهل المواد التي يشتغل عليها كتاب الخطاب العربي إلا تلك المواد النقديّة التي اشتغل عليها مشروع خطاب "النهضة" من قبل، ومشروع خطاب "الثورة" فيما بعد؟
يتوقّف د.الجابري عند أشكال من الخطاب، هي الخطاب النهضوي والخطاب السياسيّ والخطاب القوميّ والخطاب الفلسفيّ، ويجد في قضيّة الأصالة والمعاصرة صلب إشكالية الخطاب العربي الحديث والمعاصر.
وما يهمّه من النماذج التي يعرضها هو العقل الذي يتحدّث فيها لا بوصفه عقل شخصٍ أو فئة أو جيل، بل بوصفه "العقل العربي" الذي أنتج الخطاب موضوع دراسته. ويجد أن منطق الليبرالي الذي تستهويه المبادئ الأوروبية لا يختلف عن منطلق السلفي، أمّا المنطق التوفيقي فيحاول أن يجمع بين أحسن مافي النموذج العربي الإسلامي وأحسن مافي النموذج الأوروبي... و الخطاب النهضوي، برأيه، خطاب توفيقيّ، متناقض، محكوم بسلفٍ، خطاب وعي مستلب... أما الخطاب القوميّ فهو خطابٌ في الممكنات الذهنيّة، ما ورائي... والفكر العربي قبل حرب حزيران لم يكن يعبّر عن متطلبّات الواقع بل عن واقع آخر يعيشه العرب في الحلم، فهو خطاب وجدان، لا خطاب عقّل، وإن نجح في بثّ ونشر الشعور القوميّ، وقد أخفق الخطاب السياسيّ العربي، على مدى قرن من الزمن، في تحقيق أيّ تقدّم في قضيّة العلاقة بين الدين والدولة... الخ. ولا ينجو الخطاب الفلسفيّ، عنده من تهمة الإخفاق أيضاً، فهو خطاب يتجاهل ـ كما أشرنا من قبل ـ القطاع العقلاني في التراث، ويستنجد بما فيه من قطاع لا عقلانيّ، كما يرتبط بأكثر الجوانب لا عقلانية في الفكر الأوروبي المعاصر...
وكان قد استنتج أن السلفيّ والليبرالي وجميع الأسماء الأيديولوجيّة العربية الأخرى لا تستطيع، ولا نستطيع، نحن العرب، أن نفهم أو نعي مفهومي الأصالة والمعاصرة مادمنا محكومين بسلطة النموذج السلف سواء أكان من التراث أو من الفكر الغربي المعاصر أو شيئاً منهما..الخ.
وسيستنتج أخيراً: أن العقل العربي عقل فقهيّ سواء أتحدّث من موقع يميني أم من موقع يساري، ويتّسم بغياب العلاقة أو ما يكفي من العلاقة بين الفكر والواقع، وهو عاجزٌ عن تقديم الإمكانيّات النظرية المطابقة لتغيير الواقع... الخ!....
ومع ذلك فهو يعترف في مقدّمته بأنه لم يوفّق في تبنّي منهج معيّن وسط المناهج الجاهزة، ويسوّغ عمله بطبيعة الموضوع ونوع الهدف وما يفرضانه من الأخذ بمنهجٍ أو عدٍة مناهج أو اختراع منهج جديد.
وهو يقرّ بتوظيفه مفاهيم تنتمي إلى فلسفات أو منهجيات أو قراءات مختلفة ومتباينة!(38) وسينحاز في نقده العقل العربيّ إلى العقلانية النقديّة لدى ابن حزم وابن رشد والشاطبي وابن خلدون، ويرى فيها منطلقاً يربطنا بقضايا تراثنا، من أجل نقلها إلى حاضرنا، والتعامل معها على أساس متطلّباته وحاجة المستقبل وفكر العصر ومنطقه. وقد حضرت في تفكيره، وتحضر سلطةُ أنموذج اختاره من السلف أو من التراث، كما حضرت، وتحضر سلطة أنموذج استعان بمنهجه من الفكر الأوروبي المعاصر، على هذا النحو أو ذاك..
يحتمي "الأصولي" و"غير الأصولي" و"السلفي" و"غير السلفي" بجزء من الماضي أو من التراث ـ كما يبدو ـ فيستعيد الأصوليّ أو السلفيُ شريعةً وفقهاً يواجه بهما حداثةً هجمت عليه.
وينتمي "الحداثيّ" أو "شبه الحداثيّ"، أو يصرّح بانتمائه إلى "بذور" حداثةٍ عربية انبثقت قبل ما يقارب من عشرة قرون من انبثاق حداثة الغرب، إن لم يصرّح بأنه اهتدى إليها من خلال أنموذج غربيّ، ويتّفق هنا مع الأصولي وشبه الأصوليّ في تأمّله أنموذجاتٍ من التفكير والعمل يرى فيها سبْق الإسلام أو العرب للغرب!
وكأن كلاً من "الأصولي" و "غير الأصولي" يهرب من الواقع والتاريخ، أحدهما يستعين برفض الغرب، الذي هو الواقع والعالم والتاريخ الآن، والآخر يهرب إلى نقد العقل الذي لا ينتمي إلى نقد الواقع والعالم والتاريخ بقدر ما ينتمي إلى كلامٍ "حديث" لم يمتلك القدرة بعد على أن يتحول إلى "فعلٍ" حديث حقاً!..
الفرضيّة التي يدافع عنها د.الجابري في الخطاب العربي المعاصر هي فرضيّة إخفاق مشروع النهضة من قبل، وإخفاق مشروع الثورة فيما بعد، وسيدافع كتابه (نقد العقل العربي)، بأجزائه الثلاثة، عن فرضيّة استقالة العقل العربي!...
ينظر في مقدمّته كتابه (تكوين العقل العربي)، إلى نقد العقل كجزء أساسي وأوليّ من كلّ مشروع للنهضة، ويتساءل عن إمكانيّة بناء نهضةٍ بعقلٍ غير ناهض، عقلٍ لم يقحم بمراجعةٍ شاملةٍ لآلياته ومفاهيمه وتصوّراته ورؤاه، ويصرّح بأن مشروعه هادفٌ لا يمارس النقد من أجل النقد، بل من أجل التحرّر من كلّ ما هو ميت أو متخشّب في كياننا العقليّ وإرثنا الثقافي... ويقرّ في موضع آخر من نهاية كتابه أن أيّ تحليل للفكر العربيّ الإسلاميّ، سواء أكان من منظور بنيويّ أم من منظور تاريخانيّ، سيظلّ ناقصاً، وستكون نتائجه مضلّلة إذا لم يأخذ في حسابه دور السياسة في توجيه هذا الفكر وتحديد مساره ومنعرجاته...
وسيرى أن الثقافة العربية الإسلامية يتقاسمها نظامان معرّفيان متباينان، يرتبطان بتيّارين أيديولوجيّين متصارعين تاريخياً: النظام البياني والأيديولوجية السينّة من جهة والنظام العرفاني والأيديولوجية الشيعيّة من جهة ثانية. ومن هنا سيكون النظام البرهانيّ محكوماً في طبيعته وتطوّره بالصراع بين البيان والعرفان... وتضمّ علوم البيان علوم النحو والفقه والكلام والبلاغة، وتعتمد على نظام معرفيّ أساسه قياس الغائب على الشاهد، وعلوم العرفان التي تضمّ علوم الكيمياء والطبّ والفلاحة والتنجيم والتصوّف والفكر الشيعيّ والفلسفة الإسماعيلية والتفسير الباطن للقرآن والفلسفة الإشراقيّة، والسحر والطلّسمات، ويعتمد نظامها على الكشف والوصال والتجاذب، أمّا علوم البرهان من علوم طبيعيةٍ ومنطق ورياضة وميتافيزيقا فمنهجها الملاحظة التجريبية والاستنتاج العقلي...الخ(39).
وكأنّه ينظر إلى العقل العربي بوصفه نتاج الثقافة العربية الإسلامية التي تأسّست على نظم معرفيّة ثلاثة: نظام معرفي لغويّ عربيّ الأصل، ونظم معرفيّ غنوصي فارسي هرمسيّ الأصل، ونظام معرفي عقلانيّ يوناني الأصل، كما ورد في كتابه التراث والحداثة. أو كأن لكلّ نظامٍ معرفيّ مرادفه عنده من أنواع المعقول ومراتبه، كما يلاحظ جورج طرابيشي، فالبرهان يطابقه المعقول العقليّ، والبيان يلازمه المعقول الدينيّ، أمّا العرفان فيحتلّ موقعه في أسفل الهرم، بوصفه مملكة اللامعقول المظلمة(40).
إنّ د.الجابري، متأثراً بحفريّات فوكو أو بالإبستميّة عنده يلغي تنوعاً أو كثرة، بل تعددّاً فضاؤه الثقافي العربي الإسلامي يعبّر عن تفاعل وتداخل وتجاور ووحدة، فقد تآوى فيه إنتاج مؤمنين ودهريّين وزنادقة، وفلاسفة وشعراء وكتّاب ومتكلّمين وفقهاء مارسوا التعبير عن أنفسهم، ومارسوا حريّتهم في الانتماء والنقد على هذا النحو أو ذاك، ولا يُحْصَر إنتاجه في هذا النظام المعرفي أو ذاك بشكل حاسم، فالأنظمة المعرفية الثلاثة متداخلة، وبينها عناصر مشتركة بقدر ما بينها من عناصر مختلفة. كما أن العقل يشمل البيان والبرهان، العلم والعرفان، الواقع والرمز، ليمارس العقل البشريُّ وحدته على نحو عميق وخلاّق، كما يرى د.علي حرب(41).
وأيّة مظاهر رئيسة لظاهرة استقالة العقل تبدو في انتصار "العرفان"، وتحوّل "البيان" إلى (عقل ـ عادة) و(البرهان) إلى (عادة ـ عقليّة) كما يرى الجابري؟ وهل هي مصدر "استقالة حتى اليوم في كثير من الأوساط الثقافية إن لم يكن في كلّها تقريباً، إذا لم نذكر الأغلبية الساحقة من الجماهير الأمية؛ على حدّ تعبير الجابري أيضاً!...
يرى د.برهان غليون في خطاب الهويّة دليلاً على القطيعة المستمرّة في التاريخ الذاتي وفي خطاب الحداثة دليلاً على القطيعة في التاريخ الموضوعيّ. وهما يشكلان مظهراً واحداً لفصام الوعي. ومشكلة الهويّة لا تتعلّق، عنده بالتراث، وإنما بعلاقتنا مع العصر والمعاصرة، أمّا إجهاض الحداثة فلا يعود إلى مقاومة البنى التقليديّة، ويصل إلى نتيجة مفادها أنّه ينبغي الخروج من نقد التراث وتكييفه أو تحويره إلى نقد العقل... عقل الحداثة وفكرها. وما العقل عنده؟ العقل هو نحن... نظام تفكير الراهن! ولكن! أيّة حداثة هذه؟ وأيّ عقل ينتمي إليها؟.. ألا ينتجهما واقع ما، ويشرطهما تاريخٌ ما، ويعبّران عن وضع بشرٍ في مجتمع ما؟
ويفترض، بالمقابل، مطاع صفدي أن فكر القطيعة في المشروع الثقافي العربي لم يقطع مع شيء حقّاً ليصل مع شيء آخر حقّاً، لأن فكر القطيعة ـ وفقاً لتعبيره الخاص ـ لم يفكّر في ذاته حتى الآن! وكان قد لاحظ أن صيغة العقل الغربي الأولى، والتي منحته الريادة والقيادة، أنه هو العقل الذي ينقد دائماً، وأوّل ما ينقد هو ذاته... بل إن العقل هو النقد الخالص باعتباره يرادف إنتاجه، ويصاحبه دائماً، لا يعلو فوقه، ولا يتخلى عنه!
هل يختار الخطاب العربيّ الآن نقد عقله متأثّراً بخطاب غربيّ ينقد ذاته دائماً، أي نقد عقله؟
أليس الفكر الذي ورثناه عن السلف، أو ما يسمّيه بعضهم التراث، يدور كلّه حول العقل، كما يستخلص عبد الله العروي في خاتمة كتابه (مفهوم العقل) على الرغم من أنّ تطبيق ذلك العقل المفترض يؤدي غالباً ـ كما يرى ـ إلى نتائج محبطة.. ولذلك لا يكون العقل عقلانيّة إلاّ إذا انطلقنا من الفعل وخضعنا لمنطقه، وأبدلنا بالمنطق الموروث منطق العقل....(44) .
الخطاب النقدي العربي يتدرّب على النقد بعامّة. ويعكس واقعاً أنتجه، وينتجه، كما يعكس تطوّره علاقةً ما مع العالم الآخر، يحاول عبرها أن يكون منتمياً وحضارياً، كونيّاً وشاملاً، يتكامل فيه نقد الذات بنقد الآخر، ويتدرّب على نقد الأنموذجات كلّها، فينزع عنها قداستها: أصولية ، وسلفية، وتنويرية، وثورية، تراثية، وحداثية، دينية، وعلمية، قومية وماركسية، عربية وغربية. ويؤصّل لبعض مفهوماته ومبادئه واستراتيجيّاته، ويعرّب بعضها، وبعضها الآخر يستعيره، فلعلّه ينتج لغته هو غير الغريبة وغير المغرَّبة!
إنّه خطابنا بمعنى ما، ينتمي إلينا، نحن، أوّلاً! ولذلك لم يمتلك شجاعة تسمية الأشياء والأسماء والعلاقات في الواقع.. تسمية كلّ شيء بما هو عليه من قبل، والآن، وبما سيكون عليه فيما بعد،... وهو لا يمتلك هذه الشجاعة لأننا جماعة لم تمتلكها بعد، ولم يمتلكها واقعنا الذي تهجم عليه حداثة إنسانية ومتوحّشة، بهيّة وقبيحة، تستهوي تأخرّه، وتعزّيه وتغويه بما هو متوحّش
وقبيح فحسب!.
إنّه يتدرّب على النقد، وتلك هي مهمّته الواجبة والممكنة حتى الآن، مادامت كائناته الآدميّة التي هي بشر واقعيّون تتدرّب على الحياة بدلاً من أن تحيّاها حقاً، وتتساءل عن جنس الملائكة بدلاً من أن تتساءل عن واقعها الآدمي الذي هو مصدر شقائها الدنيوي!..
متى يتخطّى مرحلة تدرّبه على النقد، ويتجاوزها؟ ومتى يتحوّل إلى نقدٍ، وإلى وعيٍ في مستوى الفعل، ويكون فيه العقل عقلانياً؛ يؤسّس لخطابه المضاد والمختلف بعامة؟
ألا يتطلب التدرّب على النقد تدرّباً على الديمقراطيّة يحرّر الواقع، فيؤسّس النقد لفرضياته التي لا تعمل فقط على تفسير الواقع، وإنّما تعمل على تغييره، بدلاً من أن تبقى في مستوى الكلام الذي لا يتحرر إلا بوساطة الفعل، بل لا يتحرر إلا إذا تحوّل إلى فعلٍ حقاً!







 هوامش ومراجع:
1 ـ جورج طرابيشي، المثّقفون العرب والتراث، ص 20، ص21، رياض الريس للكتب والنشر، 1991.
2 ـ الياس مرقص، نقد العقلانيّة العربيّة، ص 570، ص 631، دار الحصاد، 1997.
3 ـ علي حرب، أوهام النخبة، أو نقد المثّقف، ص 58، ص 59. الدار البيضاء، 1996.
4 ـ فؤاد صروف ونبيه أمين فارس، محرِّر، مؤتمر هيئة الدراسات الفلسفية العربية المنعقد في تشرين الثاني 1966، في الجامعة الأمريكية، منشورات العيد المئوي ـ بيروت 1967.
5 ـ من مؤلّفات د.عبد الرحمن بدوي.
6 ـ عبد الله القصيمي، العالم ليس عقلاً، ص 483-486-488-495-528-531-532-.... الخ، بيروت 1963.
7 ـ ملّف تدريس الفلسفة والبحث الفلسفي، اجتماع الخبراء، بمعونة اليونسكو، شهادة أدونيس، ص 299، دار الغرب الإسلامي 1990.
8 ـ عبد الله العروي، الأيديولوجيا العربية المعاصرة، ص 125، الدار البيضاء 1980.
9 ـ د.محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، ص 175، بيروت، ط2 –1985.
10ـ د.أنور عبد الملك، الفكر العربي في معركة النهضة، ص 26، ص 28، دار الآداب، بيروت 1963.
11ـ د.برهان غليون اغتيال العقل، ص 343، ص 33، ص 340-302، دار التنوير، بيروت، 1985.
12ـ الخطاب العربي المعاصر، مرجع سابق، ص 191-190-57.
13ـ مطاع صفدي، استراتيجيّة التسمية في نظام الأنظمة المعرفية، ص 26، ص 27، منشورات مركز الإنماء القومي، بيروت، 1986.
14 ـ مطاع صفدي، نقد العقل الغربي، ص14، ص344، ص64، ص66، منشورات مركز الإنماء القومي، بيروت، 1990.
15 ـ د.سامي أدهم، مابعد الحداثة، انفجار أواخر القرن العشرين، النصّ، الفسحة المضيئة، ص 15، ص 9، ص 8، 58.
16ـ جورج طرابيشي، نظرية العقل؛ نقد نقد العقل العربي، ص 97، دار الساقي 1966.
17ـ د.هشام شرابي، النقد الحضاريّ في المجتمع العربي في نهاية القرن العشرين،
ص 17، ص 8، ص 10، مركز دراسات الوحدة العربية، 1990.

18ـ د.أكرم ضياء العمري، منهج النقد عند المحدّثين مقارناً بالمنهج النقدي الغربيّ، ص 5-8-9-11-12-19-22-38-40-51، الرياض 1417هـ، 1997م.
19ـ أحمد موسى سالم، العقل ومناهج التفكير الإسلاميّ، ص 15-ص16، ص 241، 260، ص261، ص 285، دار الجيل، بيروت1980.
20ـ الياس مرقص، نقد الفكر القومي، ص 45-46-275-296-270 –322 –323 - 388- 454- 474- 491-495 -496-511 -533- 396- 411- 415- 218- 29-330- 394- 389- 572- 574- 576- 477- 487- دار الطليعة، 1966.
يتألف الكتاب من مقدّمة وخمسة أقسام وخاتمة، ويهدف إلى حصر أفكار ساطع الحصري، كلّها، قدر الإمكان ونقدها، وصياغة النظريّة المضادّة على ضوء التجربة التاريخية العربية والعالمية، وقد أشار إلى حياة الحصري وموضوعات مؤلفاته ومحتويات كتبه القومية التسعة، وأعلن أهداف دراسته ومخطّطاتها.
والتوقّف، عند هذا الكتاب، لا يعني إغفال مؤلّفات أخرى مثل (الماركسية في عصرنا 1965)، وما يتضمّنه من إشارات نقديّة حول الفكر القومي بالإضافة إلى (الماركسية والمسألة القومية 1967)، والكتاب المشترك مع رودنسون وإميل توما (في الأمّة والمسألة القومية والوحدة)، و(عفويّة النظرية في العمل الفدائي 1971).....الخ.
ويلاحظ أيضاً أن الفكر القومي الأصيل في ردّه وهجومه على الفكر اللاقومي مزيج من أفكار برغسون ونيتشه وشبنغلر وغيرهم... ص 5-ص6.
21ـ عقد المجلس القومي للثقافة العربية، ندوة تحت عنوان(الياس مرقص والفكر القومي، اللاذقية، 1992)، وتضمّنت أربع جلسات دارت أهمُّ أعمالها حول فكره النقدي والمسألة القومية وتجديد الفكر القومي وغيرها، ويمكن الإشارة، بشكل خاص إلى بحث جاد الكريم الجباعي (المسألة القومية في فكر الياس مرقص)، وبحث محيي الدين صبحي (الياس مرقص، وتجديد الفكر القومي).
ـ الياس مرقص والفكر القومي ـ منشورات المجلس القومي للثقافة العربية، الرباط 1993.
22ـ ياسين الحافظ، الهزيمة والأيديولوجية المهزومة ، ص 75- 76 –177، 185-186- 247-290-258- 294-320.... دار الطليعة 1979.
23ـ د.عبد الرزاق عيد، ياسين الحافظ، نقد حداثة التأخّر، ص 227، دار الصداقة، حلب 1996.
24ـ د.صادق جلال العظم، النقد الذاتي بعد الهزيمة، ص 5، ص 67-70-80-82 ـ ص 97 ـ ص 105-132...... دار الطليعة، ط4، 1972.
25ـ د.صادق جلال العظم، نقد الفكر الديني، ص 5-ص17-18-28-36- 46- 75- 78 – دار الطليعة 1970. والأبحاث التي يشتمل عليها هي: الثقافة العلمية وبؤس الفكر الديني ـ – مأساة إبليس ـ معجزة ظهور العذراء وتصفية آثار العدوان ـ التزييف في الفكر المسيحيّ الغربيّ المعاصر ـ مدخل إلى التصور العلميّ للكون وتطوّره.

26ـ بالإضافة إلى البحث الذي توقفنا عنده من كتاب (نقد الفكر الديني) نشير إلى (مأساة إبليس) الذي يستشهد في نهايته د.العظم بقصّة طريفة لتوفيق الحكيم، يجري فيها حوارٌ بين إبليس وشيخ الأزهر، بعد أن ذهب ليتوب على يديه، ويدخل في الدين الحنيف ويشعر باليأس من موافقة شيخ الأزهر، فيتوسّط الملاك جبريل عند ربّه دون جدوى، وينتهي الحوار بصرخة إبليس: إني شهيد! وطرافة البحث تشبه طرافة قصّة الحكيم!..
أمّا بحثه (معجزة ظهور العذراء وتصفية آثار العدوان) فيختمه بعبارة ذات دلالة عميقة، يقول فيها: هنيئاً مريئاً بهذه المأساة المفجعة لأنصار العذراء والمعجزات والسياحة، والتعزية الروحيّة بضياع القدس. ومرحى لمخرجي أمثال هذه المسرحيات ومروّجيها من أجهزة الإعلام، وشكراً للكنيسة القبطية ـ على نفيها الأخير لظهور العذراء... الخ.
وفي بحثه (التزييف والفكر المسيحي الغربي المعاصر)، يعالج بسرعة مجموعة من المحاضرات أصدرتها الجامعة الأمريكية حول موضوع (الله والإنسان في الفكر المسيحي المعاصر، بعد أن ألقيت في الجامعة نفسها، عام 1967، ويستنتج فيه أن السلاح نزع من الكنيسة من قبل قوى تنتمي في جوهرها للحركة العلمانية التي صنعت ما يسمّى بالعالم الحديث، وكوّنت ثقافته العلميّة وحضارته الصناعية!..
ومطالعته: (مدخل إلى التصور العلميّ الماديّ للكون)، هي مديحٌ للمادية الديالكتيكية كأنجح محاولةٍ لصياغة صورة كونية متكاملة تناسب هذا العصر وعلومه، على حدّ تعبيره. ويعتقد أن هذا جزء مهم ممّا عناه سارتر حين قال: (الماركسية هي الفلسفة المعاصرة)!..
وكان قرار محكمة استئناف بيروت الناظرة بقضايا المطبوعات إبطال التعقيبات على الفاعل الأصليّ والمدَّعى عليه، بعد أن أنكرا صحّة ما نُسب إليهما، إذْ صرّح د. العظم أنه في نشره الكتاب موضوع الادعاء إنّما يتوخّى من ورائه النقد العلمي والحقيقة، ولا يعتبر أنّ الأبحاث الواردة فيه تتضمّن تحريضاً على إثارة النعرات الطائفية أو ازدراءً للديانات السماوية. وقد سبقه إلى ذلك باحثون عرب وأجانب، وخاصة أن هذه المحكمة لا تحاكم المدعى عليهما، على حرّية المعتقد الديني أو الفكري أو تشكيكهما في الدين، لأن من المعلوم أن الدستور اللبناني يكفل حرية الرأي والفكر والنقد... الخ.
27ـ محمد جمال باروت، يثرب الجديدة، الحركات الإسلامية الراهنة، ص 10-11، ص 245-127-13-14-177-178، 28-33-95-124-193-209-212-18 الريس للكتب والنشر، 1993.
28ـ يرى باروت أن الخطاب الجهاديّ للحاكمية لله يضمر مرجعيّة شيعيّة خاصة بولاية الفقيه، ويناقش التشيّع السياسيّ بين نظرّيتيّ "ولايّة الفقيه" و"ولاية الأمّة على نفسها"، ص 81-93.
29ـ الفلسفة في الوطن العربي، بحوث المؤتمر الفلسفي الأول، ص 69-ص 60-61 مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1985.
30ـ د.نصر حامد أبو زيد، التفكير في زمن التكفير، ص 134-135، ص 131- سينا للنشر، القاهرة 1995.
31ـ د.محمد أركون، قضايا في نقد العقل الديني، تر: هشام صالح، ص 58-59، ص 154- دار الساقي 1998.
32ـ د.طيب تيزيني، النصّ القرآني، إشكاليّة البنية والقراءة، ص 439، 107-
ص157-158، دار الينابيع، دمشق 1996.
33ـ د.عزيز العظمة، دنيا الدين في حاضر الغرب، ص 16-ص13-14، ص 92، ص 60، ص 32، دار الطليعة، بيروت 1996.
34ـ د.نديم البيطار، من النكسة إلى الثورة، ص 161- ص 144، دار الطليعة،
بيروت 1968.
35ـ د.محمد أركون، من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي، تر: هشام صالح، ص 27 – ص93 – ط2، دار الساقي، 1993.
36ـ جورج طرابيشي، الفلسفة وجدليّة التقدّم والتأخّر، مقال، مجلة "أبواب" ص 114-115، ربيع 1998، مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام، دار الساقي 1998،
ص 125-126.
37ـ د.هشام شرابي، النظام الأبوي وإشكالية وتخلف المجتمع العربي، ص 126-127، 128، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1992.
38ـ الخطاب العربي المعاصر، مرجع سابق، ص 14-30-31، 55-56-131-135-217، ص 12.
39ـ د.محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، ص5، ص 7-8، ص 246- ص 249 – ط6، مركز دراسات الوحدة العربية، 1994.
40ـ جورج طرابيشي، إشكاليّات العقل العربي، ص 285، دار الساقي 1998.
41ـ علي حرب، خطاب الهويّة، ص 131- دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1996.
42 ـ اغتيال العقل، مرجع سابق، ص 145-153-289-314- 315.
43ـ نقد الفكر الغربيّ، مرجع سابق، ص 7-10.
44ـ عبد الله العروي، مفهوم العقل، ص 357-364، الدار البيضاء 1996.



#مصطفى_خضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقد والخطاب النقدي في الفكر العربي المعاصر ج2
- النقد والخطاب النقدي في الفكر العربي المعاصر ج1
- حركات أولى


المزيد.....




- تناول 700 حبة بأقل من 30 دقيقة.. براعة رجل في تناول كرات الج ...
- -كأنك تسبح بالسماء-.. عُماني يمشي على جسر معلق بين قمتين جبل ...
- روسيا غير مدعوة لمؤتمر -السلام- وسويسرا تؤكد ضرورة وجودها -ل ...
- شاهد: موسكو تستهدف ميناء أوديسا بصاروخ باليستي وحريق هائل يص ...
- روسيا تنفي اتهام أمريكا لها باستخدام أسلحة كيماوية في أوكران ...
- بولندا تقترح إنشاء -لواء ثقيل- لأوروبا دون مشاركة الولايات ا ...
- عقيد أمريكي سابق يكشف ماذا سيحدث للولايات المتحدة في حالة ال ...
- سيئول تنوي مضاعفة عدد الطائرات المسيرة بحلول عام 2026
- جورج بوش الابن يتفرغ للرسم.. وجوه من خط في لوحاته؟
- من بيروت.. رئيسة المفوضية الأوروبية تعلن عن دعم بمليار يورو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى خضر - النقد والخطاب النقدي في الفكر العربي المعاصر 3