أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ايريك فروم - هل العالم الغربي مسيحي حقاً ؟















المزيد.....

هل العالم الغربي مسيحي حقاً ؟


ايريك فروم

الحوار المتمدن-العدد: 1513 - 2006 / 4 / 7 - 10:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تقول كتب التاريخ أن أوربا اعتنقت المسيحية أولاً أثناء الإمبراطورية الرومانية، تحت حكم الإمبراطور قسطنطين، ثم جاء اعتناق وثنيي أوربا الشمالية الدين المسيحي على أيدي القديس بونيفاشيوس، رسول الجرمان، وغيره من المبشرين، في القرن الثامن الميلادي. ولكن، هل حدث واعتنقت أوربا المسيحية بحق؟

على الرغم من أن الإجابة عن هذا السؤال هي بالإيجاب عموماً، إلا أن التحليل الدقيق يثبت أن اعتناق أوربا للمسيحية كان شكلياً الى حد كبير، وأنه -على أقصى تقدير- يمكن الحديث عن اعتناق محدود للمسيحية من القرن الثاني عشر الى القرن السادس عشر، وأنه في القرون التي سبقت هذه الفترة والقرون التي تلتها كان تنصير أوربا نوعاً من الاعتناق الإيديولوجي، مع خضوع متفاوت لسلطة الكنيسة، ولم يكن يعني تغييراً جذرياً في الطبائع والأخلاق الحقيقية، أي في بنية الشخصية، باستثتاء عدد من الحركات المسيحية الأصلية.

في تلك القرون الأربعة الماضية كانت أوربا قد بدأت تتنصر، حيث حاولت الكنيسة أن تطبق المبادئ المسيحية في معالجة مشكلات الملكية والاسعار، ورعاية الفقراء، وظهر كثير من الطوائف والقادة الراديكاليين، متأثرين بالصوفية الى حد كبير، ليطالبوا بالعودة الى مبادئ المسيح التي تتضمن إدانة جشع الملكية. وهبت الصوفية التي بلغت الذروة لدى المعلم إيكهارت، ولعبت دوراً حاسماً في تلك الحركة الإنسانية المناهضة للإستبداد والشمولية. ولم يكن صدفة أن برز كثير من النساء في الحركة الصوفية كمعلمات وطالبات وراهبات. وعبر كثير من المسيحيين عن أفكار تدعو لدين عالمي، أو الى مسيحية بسيطة غير متزمتة الى درجة إثارة النقاش والشك حول فكرة الرب كما وردت في التوراة. وحين جاء عصر النهضة فإن فلسفة الإنسانيين الدينيين وغير الدينيين، ومدنهم الفاضلة كانت استمراراً لما اختطه أسلافهم في القرن الثالث عشر الميلادي. والحق أنه لا يوجد خط يفصل بين العصر الوسيط المتأخر (( نهضة العصر الوسيط )) وعصر النهضة الحقيقي. وسأقتبس هنا صورة تلخص كل من عصر النهضة السابق وعصر النهضة اللاحق، كتبها فريدريك ب. آرتز:

في شؤون المجتمع كان المفكرون العظام، في العصر الوسيط، يرون أن كل الناس متساوون أمام الرب، وأن لأبسط البسطاء قيمة غير محدودة. وفي الاقتصاد كانت تعاليمهم تقول: إن العمل لا يحط من قدر الإنسان وإنما يرفعه، وأنه لا يجوز استخدام إنسان في أداء عمل يتجافى مع صالحه، وأن العدل يجب أن يكون معيار تحديد الأجور والأسعار. وفي السياسة كانت تعاليمهم تقول: إن وظيفة الدولة يجب أن تكون معنوية، وإن الإدارة والقانون يجب أن يجب أن يكونا مشربين بأفكار المسيحية عن العدالة، وإن العلاقة بين الحاكم والمحكوم يجب أن تقوم على الالتزام المتبادل بين الجانبين، وإن الله أودع الدولة والملكية والعائلة أمانة في أيدي أربابها يوجهونها من أجل أهداف مقدسة. وأخيراً، فإن المثل الأعلى لذلك العصر تضمن الاعتقاد الراسخ بأن كل الأمم والشعوب ليست إلا مكونات للجماعة البشرية الكبيرة الواحدة، أو كما قال جوته (( فوق الأمم توجد الإنسانية )).

والحق أنه لو كان التاريخ الأوربي قد استمر محافظاً على روح القرن الثالث عشر الميلادي، ولو أن روح المعرفة العلمية والفردية نمت نمواً وئيداً وعلى نحو تطوري، لكنّا اليوم أسعد حالاً. ولكن العقل أخذ يتدهور الى نوع من الذكاء الشرير، كما تدهورت الروح الفردية الى الأنانية. انتهت فترة التنصير القصير، وعادت أوربا الى وثنيتها الأصلية.

دين المجتمع الغربي

لقد اتخذ التطوران الديني والفلسفي، بعد العصور الوسطى، مساراً معقداً لا مجال لعرضه هنا، وإن كان يمكن أن نقول إنه تميّز بالصراع بين معتقدين: المسيحي بتقاليده الروحية الذي اتخذ أشكالاً دينية وفلسفية متنوعة، والوثني بتقاليده الصنمية اللاإنسانية الذي اتخذ أشكالاً عديدة أثناء ما يمكن أن نسميه (( دين الرأسمالية والعصر الصناعي )).

كانت إنسانية عصر النهضة أول ازدهار عظيم للروح الدينية بعد انتهاء العصور الوسطى، وكانت استمراراً لتعاليم العصر الوسيط المتأخر. وفيها انطلق ، بغير عائق، التعبير عن أفكار الكرامة الإنسانية ووحدة الجنس البشري. ثم جاء عصر التنوير، في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ليكون ازدهارا عظيما آخر للمبادئ الإنسانية. وقد بيّن كارل بيكر الى أي حد عبرت فلسفة التنوير عن (( الموقف الديني )) الذي نجده عند المفكرين اللاهوتيين في القرن الثالث عشر الميلادي، حيث يقول:(( إذا فحصنا أساس هذا الإيمان فسنجد أن الفلاسفة، في كل منعطف، لم يستطيعوا إخفاء ما يدينون به لمفكري العصر الوسيط، دون أن يكونوا على وعي بذلك )). ولم تكن الثورة الفرنسية، وهي الوليد الطبيعي لعصر التنوير، مجرد ثورة سياسية فحسب، وإنما كانت -وفقاً لقول قاله توكفيل ( إقتبسها بيكر ) - مجرد ثورة سياسية اتخذت- من زاوية معينة- شكل ثورة دينية، ومارست بعض مهماتها على هذا النحو.

البطل المسيحي والبطل الوثني

مهما اختلفت المفاهيم فإن هناك اعتقادا واحدا يشمل كافة فروع المسيحية: ذلك هو الإيمان بأن يسوع المسيح هو المخلص الذي وهب حياته حبا لإخوانه في الخليقة. كان المسيح بطل المحبة، وكان بطلا بغير سلطة، لا يستخدم القوة، ولا يريد أن يحكم أو يملك أي شيء.. كان بطلا للكينونة، بطلا للعطاء والمشاركة. وتجاوب مع تلك الصفات فقراء الإمبراطورية الرومانية، كما تجاوب معها بعض الأغنياء الذين كانوا يختنقون بأنانيتهم. وعلى الرغم من أن وجهة نظر المثقفين فيه كانت، في أحسن التقديرات، أنه ساذج، إلا أن المسيح وجد مكانا عزيزا في قلوب الشعب، فقد كسب الإيمان ببطل المحبة مئات الآلاف من المريدين، وغيّر كثير منهم ممارساتهم الحياتية، أو أصبحوا أنفسهم شهداء. كان البطل المسيحي هو الشهيد، حيث أسمى ما يستطيع المرء تحقيقه، هو أن يهب حياته من أجل رفاقه في البشرية.

أما البطل الوثني فهو على النقيض تماما من البطل المسيحي كما تجسد في أبطال الإغريق والرومان. كان غاية ما يصبو إليه هذا النوع الأخير من الأبطال هو أن يغزو وينتصر، أن يدمر وينهب ويسرق. كان تحقيق الحياة عندهم هو الغرور والتكبر والأبهة والشهرة ( وقد شبه القديس أوغسطين التاريخ الروماني بتاريخ عصابة من اللصوص ). كانت قيمة البطل الوثني هي براعته في الاستيلاء على السلطة والتشبث بها، وهو يموت سعيداً في ساحة القتال لحظة النصر. ولم تكن إلياذة هوميروس إلا الوصف الشاعري الرائع للغزاة واللصوص الممجدين.

السمات المميزة للشهيد الحقيقي هي الكينونة، هي العطاء والحب والمشاركة، بينما سمات البطل الوثني هي السيطرة والشهوة والأنانية، هي الاستغلال والقهر. وهنا لايجب أن نغفل عن حقيقة أن تشكيل البطل الوثني مرتبط بالانتصار الأبوي على المجتمع المتمركز حول الأم. فسيطرة الرجال على النساء هي أول عمل من أعمال الإخضاع والقهر، أول استخدام استغلالي للقوة. وفي كل المجتمعات الرجالية، بعد انتصار الرجل، أصبحت تلك الصفات هي أساس شخصية الرجل.

يكفي أن نستعيد الى الذاكرة، كمثال على الروح الوثنية الأوربية، ذلك الحماس الجنوني الذي شارك فيه الأوربيون خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، واستعداد الملايين للإقدام على الانتحار القومي من أجل الدفاع عن الظهور بمظهر أقوى دولة في العالم، أو بدعوة الدفاع عن الشرف القومي، أو عن المكاسب القومية. ولنضرب مثلا آخر بالروح القومية المتهوسة التي يشاهد بها الناس الألعاب الأولمبية المعاصرة، تلك التي يزعمون أنها تخدم قضية السلام. والحق أن الشعبية التي تحظى بها الألعاب الأولمبية ليست إلا تعبيراً رمزياً عن الوثنية الغربية: إنهم يحتفلون بالبطل الوثني، ويمجدونه.

لماذا لا ينبذ الغرب المسيحية إذن؟

نعم، لماذا لا ينبذ الأوربيون والأمريكيون المسيحية صراحة بإعتبارها عقيدة لم تعد تتمشى وروح العصر الرأسمالي المادي؟ ثمة أسباب عديدة لذلك، منها -على سبيل المثال- أن الإيديولوجية الدينية مطلوبة للمحافظة على روح الإنضباط عند الناس وصيانة التماسك الاجتماعي. غير أن ثمة سبباً أكثر أهمية: فالناس المؤمنون إيماناً راسخاً بالمسيح، كأعظم من أحب، بإمكانهم أن يحولوا هذا الإيمان بطريقة الاغتراب، الى تجربة أن المسيح هو الذي يحب نيابة عنهم. وهكذا يتحول المسيح الى وثن، ويصبح الإيمان به تعويضاً عن المحبة التي يعجز عنها الشخص. والصيغة البسيطة اللاواعية لهذا النوع من الإيمان هي (( المسيح هو الذي يحب كل الحب نيابة عنا، يمكن أن نواصل حياتنا على نسق البطل الإغريقي الوثني، ولكن خلاصنا مضمون لأن الإيمان المغترب في المسيح يعوضنا عن عدم السلوك على مثاله )). وأخيراً، أعتقد أن في أعماق الكائن البشري حاجة عميقة للحب بحيث إن سلوك الذئاب يثقل علينا ضمائرنا ويشعرنا بإحساس بالذنب. ومن ثم فإن إيماناً معلناً، ولو مزعوماً بالحب، يخدر ضمائرنا، ويخفف الشعور اللاواعي بالذنب، نتيجة خلو حياتنا تماماً من الحب.


فصل من كتاب " نتملك أو نكون " To Have Or To Be
تأليف: إريك فروم Erich Fromm
ترجمة: سعد زهران
إصدار: عدد 140 من سلسلة عالم المعرفة - الكويت



#ايريك_فروم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ايريك فروم - هل العالم الغربي مسيحي حقاً ؟