المُتكوِّر في الغابة

محمود عبدو عبدو

الحوار المتمدن-العدد: 1508 - 2006 / 4 / 2 - 09:24
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    

المجموعة الجديدة للقاص بسام الطعان والتي اسماها تيمنا بقصته الأولى ( غزالة الغابة ) الصادرة حديثا عن دار الينابيع ‏2005‏‏
أن توفر أجواء / الانتظار – الحب – الغربة – العزلة / هي صناديق المشاعر التي تكوّر فيها القاص , واحبَّ أن يمارس لعبته القصصية بين أشجار الغابة التي زرعها ، ووزعها ورشها كثيرا على الورق , إضافة إلى صندوق آخر , متعلقا بفانتازيا خيالية , تأتيه بين الحين والحين أو أحيانا تأتي في القصة الواحدة , ولأنه يطل من خلال بوحه الاجتماعي الانساني فهو يفتح فضاء النص فارداً وشماً يغري المتلقي ليمتشقه لكنه يغيب في النص دون أن يُحصّـل زاده الفني .
كتب على مؤخرة مجموعته :( هي زنبقة .. ترنيمة من نور .. تسبيحة .. من عبق .. نهر من عسل .. وأغنية أتلوها بيني وبين نفسي.
هي زنبقة .. وشم على القلب .. ربيع في النفس .. و شذى يجوب البال ..
هي زنبقة نبتت في شفتي .. كبرت في عيني .. زينت أعتابي بالمطر وبالغناء ..
وأزهرت فيَّ غصون اللوز والزيتون ..
هي زنبقة .. ضحكة عذبة .. أسقطت عليَّ من طيباتها ظلا .. وجعلت بيني وبينها موعد العشق والهيام ..
هي زنبقة .. أشعلت عتمة روحي .. تجددت في قلبي .. فأعلنت ولائي لها ..زنبقة تسللت من بين الحضور ، أطلت عليَّ كالبدر رويدا .)
فالعلاقة الجمالية للنص والحدث تكمن في العرض اللغوي الشفاف من ناحية اللغة , ومن ناحية الأحداث تقتصر رؤيته الأحادية على الحدث الاجتماعي المألوف , دون بهرجة حدثية وحداثوية من نواحي العرض النصي ككل .
كما قال الأستاذ أحمد جاسم الحسين في تقديمه لمجموعة القاص السابقة ( غرفة معبأة بالنار )1999 :
يبدو الكاتب /متحدثا عن القاص / في قصصه حريصا على مقولة ما , رسالة وهذا ليس عيبا لكن العيب في أن الرسالة تغدو عبئا على روح القصّ , حيث تقيده , وتجعله أسير موضوعات معينة غالبا ما تغيب الدهشة عنها ويسيطر عليها التنميط و النمذجة والأسود و الأبيض ).
وهو في مجموعته الجديدة لا يخرج عن هذا الكلام إلا في لغته والتي ازدادت فيها مرادفاته عمقا وقاموسية , واحتوت بين أجنحتها تراكيب شعرية ونثرية , لامست موضوع القصة أحيانا وأحيانا أخرى خرجت عن القصة ومسارها الديناميكي .
قصصه حملت العناوين التالية : ( غزالة الغابة – دافئات المنى- سوسنة الغياب – ترنيمة من نور – غواية الرخام – محنة الصمت – كلام الصمت- أبواب الخصب – فضاء المرايا – رائعة ليلة العمر – شائق الأيام – هسيس العشب – وجبة شهية – آلة الذكريات – الطاووس والغزالة – محاولة اغتيال البنفسج – زهرة الربيع المسحوقة – سعدة – خالتي العزيزة – شروق وغروب)
والملاحظ بأنه لا يعتمد على الموضوع الغريب , ولكنه يقتني مواضيعه العادية , ويبدأ في نسج وتشكيل حسب نحته اللغوي , ووصفه الشعري التجميلي , حتى أننا نجد لغة القاص تطغى كثيرا على موضوع القصة , وخاصة بإنغماساته الشعرية , بعيدا عن الموضوع , مبرزا رصيدا كبيرا من الكلمات والمفردات ذات الإيقاع الشعري ، والذي تبدّى واضحا في الفقرة الأولى التي عرضناها كنموذج ، وفق جغرافية يرسمها أمامه على الورق .
وأحيانا كثيرة يتقصد الإرشاد , وعرض نصائحه كما في قصته عن/ بنات الهوى/ و/ مرض الإيدز/ محولا نفسه لمربي , والقارئ إلى تلميذ صف .
فالقصص واضحة صريحة , لا تـُدخل القارئ في متاهات , ولا تعذبه إطلاقا ، فهو يؤكد على العلاقة الصميمية والحميمية بين الأنوثة و خصوبة الطبيعة , التي اختبئ فيها وتكوّر على نفسه .
( الأعشاب والزيزفون والحديقة و والبستان والغابة والأشجار ..الخ) كلها بيئات ارتكز عليها ووظفها وشكل منها أجنحة حكاياته أو كما يعبر نفسه في قصة ( محنة الصمت ) بالحكواتي /حكواتيا , فهو يعتمد إما الإيغال في تفاصيل المشهد القصصي وحتى المشاعري أو ينحو بسرعة نحو أداء الشخصيات وحركيتها ,فهو مشدوه ومصدوم دائما بالغزالة ( الأنثى ) جسدا ( وجهها – قامتها – خصرها – طولها – تفاحتيها – نهداها )
فهو يعتبر بما كتب قاصا يعيش متكورا في غابته ترافقه فيها الأنثى ( أبدا ) ، أحيانا تحبه وأخرى تكرهه أو تخدعه أو تخونه وغالباً ما تتركه وحيدا ليناجي الطبيعة ونفسه وبقايا لحظاته المستأنسة .
------------------------------
- العنوان / غزالة الغابة / مجموعة قصصية (118) ص من القطع المتوسط
- المؤلف بسام الطعان
- إصدار دار الينابيع بداية 2005
- محمود عبدو قاص وشاعر كردي من سوريا

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات