أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمود أبو عزوم - قراءة جدية في ثقافة الأنا والآخر















المزيد.....

قراءة جدية في ثقافة الأنا والآخر


محمود أبو عزوم

الحوار المتمدن-العدد: 1507 - 2006 / 4 / 1 - 12:21
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


محمود درويش يقول" لا حلول ثقافية لهموم وجودية"، أغلب الذين عرفتهم هنا في قطاع غزة كانوا على قدر كبير من الجهل المُقنَّع إن صحَّ التعبير، فهم يرون أن لديهم ثقافة واحدة وحيدة لا تقبل التعددية ولا تقبل بوجود الآخر، فهي صالحة لكل زمان ومكان، هي ثقافة لا تتأثر بالمناخ إن كان جوياً أو حتى سياسياً، تأثرها يأتي من مناخ واحد (المصلحة)، لا أدري مصدر هذه الثقافة لكن ربما تكون وحي سماوي أو هي نتاجٌ لواقع لا يعيشه غيرهم أو قد تكون العادة التي نشأوا عليها، تعددت الأسباب وثقافتهم واحدة، هل أكون تجنيت عليهم إن رسمت لهم مثل هذه الصورة!، من الممكن لكني واحداً منهم، الفرق بيني وبينهم هي أن أستطيع أن أقبلهم بتعددهم لكنهم لا يقبلوني باختلافي والسبب أسلفنا ذكرنا ونكرره ثانية; إنهم يرون أن الله حباهم بقدرة على استنباط الأشياء والمقارنة بين المختلفات...، ليس هذا فحسب بل إن الفرد منهم قد يجمع بين متناقضات واقعه فهو إنسان متمدنٌ معجبٌ جداً بالغرب وما أنتجه، في حين أنك قد تلقى ما لا يرضيك إن قلت له هل تقبل أن يكون رئيس حكومتك امرأة؟
المشكلة هي أن الإنسان هنا يحيا غربة فكرية ثقافية كبيرة، فهو حائرٌ بين ثقافته هو وثقافة الآخر، يرى ما هو عليه ولا يلتفت إليه ويرى ما وصل إليه الآخر ويدقق ويفحص وأحياناً قد يقول ما سبقت به أنا الآخر؟!، الغزي هنا حائرٌ فعلاً هل يبقى في قديم العائلة الذي نشأ عليه وصال وجال به أم ينسلخ إلى الجديد ليواكب التغير الكبير من حوله، من يتمسك بالجديد مهما كانت طبيعته يكون ردة فعل لأخطاء القديم ومن يتمسك بالقديم يكون ردة فعل لأخطاء الجديد، هنا كل واحد له مبرراته من أخطاء الآخر.
إن التسليم بأن كل ما تعتقده هو صحيح لا ينتج فكراً ولا يصنع حضارة ولا يبني جسوراً، فلو سلَّم أديسون بالظلمة لما كان المصباح، الفرق بين من يخمش الظلام بلسانه، ومن يخمشه بأظافره شاسع، لا مجال فيه للمقارنة والتشبيه.
هنا في هذه الأرض الطيبة توجد أجوبة كثيرة تبحث عن أسئلة أقل!، الموتُ يقربُ كلَ شيءٍ هنا حتى الأسئلة لكن الأجوبة لا -فلديها مناعة، ولعل من الغريب أن بعض هذه الأجوبة تأخذ طبع التقديس فلا يمكنك أن تناقشها أو حتى أن تضيف إليها أو تنقص منها، كنت في صغري ولا زلت لا أستطيع أن أنام إلا وتحت وسادتي كتاب وكانت إجابتي دون أن أُسأَل بأني قارئ، الرسول الكريم قال لجبريل " ما أنا بقارئ " أما هنا فيقرأون بعض الشيء ثم يجيبوا عن كل شيء، وليس مهماً فهموا السؤال أم لا!
وقد يكون السؤال عبئاً يجسد الفرق بين الإنسان العادي والمبدع، فالأول يتركُه أو يتخلص من أسئلته بإجابة سريعة، بغض النظر عن مضمونها، ليس رغبةً في تأكيد ذكائه أو ذاته، بل حباً في الراحة السطحية التي تكون سبباً في قصور سيأتي فيما بعد؛ ليصنف هذا الإنسان سبباً كامناً وراء اتصاف المجتمع بأنه مجتمع نامي، لكن المبدع لا يجيب بسرعة، بل ربما ارتأى في بعض الأحيان أن استمرارية السؤال هي التي تليق في مقام ما، ثم هل السؤال أصلاً مؤهل لمجرد محاولة الإجابة عليه؟ مشكلة مجتمعنا مع الأسئلة، هو أنه لا يطيق العيش فيها ، وليته يجِدُّ في البحث عن إجابتها .. إنه يحذفها أو يستعيذ بالله منها رغم شرعيتها الدينية والأخلاقية.. أو يرتضي إجاباتها الصغيرة المريحة آخر الأمر.
وللتعليم الأكاديمي في غزة دور مهم في هذه التربية الثقافية إلى جانب أدوار أخرى، فهي كما أُحب أن أصفها "فقاسات" قد لا أتفق مع أحدهم في الوصف، لكن بالتأكيد نتفق في أن الجامعات في غزة هي المكان الأنسب لتفريخ جيل مثقف بلا ثقافة، جيل يعرف كل شيء دون أن يبحث في أي شيء، جيل يعرف كيف يجيب ولا يعرف أبداً السؤال، جيل يعرف المتنزه والمقهى ولا يعرف مكان المكتبة، جفاءٌ منظم مرتبٌ له بين أفراد هذا الجيل والكتاب، لا أدري من رتب لهذا الجفاء، لكن الجامعات نفسها أحد من شارك في تنفيذ هذا الترتيب، لقد صعقت فعلاً من صديق لي تخرج من إحدى جامعات غزة دون أن يقدم بحثاً لأي مادة، والغريب أنه من النخبة الممتازة، البحث هنا أيضاً مغيب بحيث أنه من الممكن أن يكلف الطالب ببحث فيقوم الطالب بتكليف مكتب خدمات انترنت بالبحث نيابة عنه، أو قد يسهل على نفسه المهمة فيختار عنوان بحث قُدِّمَ سلفاً فيقوم بنسخه كما هو دون تدقيق أو مراجعة ليكون بحثاً جاهزاً لمن سيأتي فيما بعد فينسخه وهكذا، والشيء الذي يزيد الطين بله هو أن الأستاذ يقبل هذا البحث بل ويقيمه حتى دون مراجعته ، هذه الصورة ليست من رسم خيالي بل هي واقع مرير يعيشه الجيل، من لا يعرف فيكتور هيجو ولم يقرأ سارتر وغير مكترث بمنطقية أرسطو أظنُ بأنه لا ينوي البحث أبداً وإن بدأ البحث فيكون على مضض.
أعود إلى ما بدأت فيه وهو ما مصدر هذه الثقافة هل هي وحي سماوي أم هي نتاجٌ الواقع المعاش أم هي العادة؟ ثم لم كل هذا التحامل على الفرد هنا، هل أستطيع أن أقرأ كتاب وبيتي مهدد بالهدم وابني أو ابنتي أو حتى أنا نحمل أرواحنا؟، وكيف من إنسان لا يجد لقمة العيش يدفع ثمن كتاب أو تذكرة لحضور مسرحية، إن الوضع الثقافي في قطاع غزة عوامله متداخلة منها الاحتلال والسلطة القائمة والثقافات الواردة من مصادر العولمة المختلفة، فالواضح أن الاحتلال يعمل بجهد حثيث على تجهيل أفراد الشعب هنا وتعميق الهوة بين الثقافات الموجودة، كذلك فإن الاحتلال يمنع تبادل الثقافة عبر الإغلاق الواسع على قطاع غزة، فالثقافة لا تكون ثقافة طالما ظلت حبيسة مالكيها، وأرى أن السلطة القائمة لا تقدم بديل ولا حتى دليل يهتدي به الفرد هنا إلى ثقافة وطنية واضحة، فالمؤسسات الوطنية حكومية كانت أو أهلية على كثرتها لا تنتج بل تستخدم ما هو موجود لعبور مرحلة لا تنتهي أبداً، ولنتاجات العولمة مثل الانترنت دور بارز في التأثير بثقافة من يعيش هنا، فهنا من يحلم بالتعرف إلى فتاة غربية تحمل إليه البشارة بالخروج من هذا الواقع بالهجرة، وهناك من ترى فيه مكان لقول أشياء لا تستطيع أن تقولها لشخصٍ تهواه فتخفف من كبتها وتزمت واقعها وقبلية المجتمع الذي تعيش فيه، إن ثقافة من يعيش في قطاع غزة تجعله إنسان متوحد مع نفسه، متوحد فيها ولها.
قد ترسم اللوحة الثقافية لقطاع غزة بألوان غير ألوان هذه اللوحة غير الأبيض والأسود، لكن ما أتمناه أن يراعى مقادير الألوان في اللوحة المرسومة بحيث تراعي الأخذ بالمعطى والموجود والنتاج وكذلك التحدي.



#محمود_أبو_عزوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مسجد باريس الكبير يدعو مسلمي فرنسا لـ-إحاطة أسرة التعليم بدع ...
- جيف ياس مانح أمريكي يضع ثروته في خدمة ترامب ونتانياهو
- وثيقة لحزب الليكود حول إنجازات حماس
- رئيس الموساد: هناك فرصة لصفقة تبادل وعلينا إبداء مرونة أكبر ...
- لقطات جوية توثق ازدحام ميناء بالتيمور الأمريكي بالسفن بعد إغ ...
- فلسطينيو لبنان.. مخاوف من قصف المخيمات
- أردوغان: الضغط على إسرائيل لوقف حرب غزة
- محلات الشوكولاتة في بلجيكا تعرض تشكيلات احتفالية فاخرة لعيد ...
- زاخاروفا تسخر من تعليق كيربي المسيء بشأن الهجوم الإرهابي على ...
- عبد الملك الحوثي يحذر الولايات المتحدة وبريطانيا من التورط ف ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمود أبو عزوم - قراءة جدية في ثقافة الأنا والآخر