أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هكتور شحادة - القراءة مع ياسين الحاج صالح















المزيد.....



القراءة مع ياسين الحاج صالح


هكتور شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 1505 - 2006 / 3 / 30 - 09:04
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


حقق ياسين الحاج صالح خلال الفترة الاخيرة حضورا لافتا في المشهد الثقافي السوري, بحيث يصبح الوقوف عنده امرا ضروريا لمناقشة أفكاره وما يمكن ان تحيل اليه من ممارسات سياسية أو آفاق لهذه الممارسة.
في المقام الأول سأناقش ماهية السياسة, والتي تشكل القلب من تصور ياسين الحاج صالح, فلا يممكنا فهم مواقفه ان كان من الطريق الثالث أو الاخوان المسلمين ,العلمانية أو اليسار بدون أن نفهم ماذا تعني السياسة لدى ياسين الحاج صالح. وفيما بعد سأناقش نقطتين محوريتين( أو محورية بالنسبة لي) في قراءتي لاعمال ياسين الحاج صالح, وهي الطريق الثالث والاخوان المسلمين
السياسة
ما الذي تعنيه السياسة عند ياسين الحاج صالح؟
السياسة أولا هي علمنة الاختلاف, بحيث يكون شأنا بشريا, (للتسييس معنى واحد: جعل شأن بشري ما موضع تجاذب سياسي بين فاعلين بشريين تحركهم مصالح بشرية، أي نزع "الطبيعية" أو القداسة _ 1337) كذلك تحيل السياسة الى الحل الوسط, التسوية, التنازلات المتبادلة والتفاوض (1213), فالسياسة هنا لاتعترف بوجود تناقضات تناحرية ,وجودية, فالمنطق السياسي هو ضد المنطق الاستئصالي بالضرورة(1282)
كل خلاف قابل للحل عبر الوصول الى حلول وسط مقبولة من الجميع
السياسة تتطلب وجود مجال عام (الفسحة التي يلتقي فيها تنوع المصالح الاجتماعية بوحدة السلطة السياسية _195), هذه الخلافات لا يمكن أن تدار الاعبر ضوابط صلبة و"ثابتة", تشكل العقد الاجتماعي, اما السياسة بما هي ممارسة براغماتية حصرا, تفترض الديمقراطية سلفا, فلا توجد سياسة خارج الديمقراطية, كما لا توجد ديمقراطية بدون سياسة (649)
تسييس كل اجماع, لكن هذا يعتمد على ضوابط أساسية متمثلة بالدستور(العقد الاجتماعي)
هذا التصور للسياسة يستبعد حكما مسائل مثل الثورة أو الايديولوجيات العقائدية, هو تصور ضد عقيدي
يمكن وصف هذا التصور للسياسة بالتصور السياسوي, بمعنى انه مرتبط فقط بالفلسفة السياسية, أي يفهم السياسة بالسياسة. هذا التصور يعتمد على عدد من الفرضيات المعلنة أو الضمنية, والتي يدركها الحاج صالح (1337) مثل نزع القداسة, عقلانية خيارات الفرد البشري,السياسة كوسط ذهبي بين الحرب والاجماع المستقر وهي كلها مسلمات عقلانية وليبرالية كما يعبر
فالساحة العمومية لادارة الخلاف بين الفاعلين الاجتماعيين تفترض سلفا قبولهم بهذه الساحة (أي الدولة) وأن هناك ما يوحدهم على الرغم من نتاقض مصالحهم في اطار الدولة, أي كونهم شعب
فالديمقراطية ستحيل دائما الى سيادة الشعب, والشعب موجود في الدول الديمقراطية المركزية, لكنه عندنا فرضية, كما أن فكرة سيادة الشعب هي فكرة تأسيسية للديمقراطية ومفترضة فيها سلفا,لكنها خلافية عندنا
الفاعلون الاجتماعيون لن يقبلوا سلفا بتعريفاتنا لهم كفاعلين اجتماعين يملكون مصالح مختلفة التفاوض عليها, حيث ستحيل فكرة المصالح عند الحاج صالح الى مصالح اجتماعية-اقتصادية أو خلافات من هذا النوع, أي يمكن التفاوض عليها, لكن ما هي حالة المصالح (أو الخلافات) غير القابلة للتفاوض, أو بمعنى اخر المسائل ما فوق الدنيوية والتي تحيل الى الماهيات ( تعرف الذات, الدين...)
الديمقراطية ستحيلها الى الشأن الخاص, لكن هذه الاحالة بذاتها مسألة خلافية, فالاحالة مسألة تأسيسة في الديمقراطية وليست مكان خلاف ديمقراطي
كما أن هذا التصور يفترض (كما أرى) وجود انتاج اجتماعي جيد, يمكن الحديث عن توزيعه, بينما هذا ليس هو الحال, ربما يؤخذ علي شيء من الاقتصادوية, لكن الأمر ليس كذلك, فالحاج صالح يقارب ببراعة ارتباط الندرة السلطوية بالاستبداد, والندرة الاقتصادية والتي ترتبط لدى الكثير من الاقتصاديين بالمجتمعات الاشتراكية, التي تعتبر اقتصادات ندرة,لن تساعد في بناء الديمقراطية,فأي ديمقراطية ستطرح مسألة توزيع الثروة الاجتماعية, أي الندرة, أو اقلاع اقتصادي سريع وهذا ما يفترض تحويل نسبة كبيرة من الانتاج الى مجال الاستثمار على حساب الاستهلاك, وبالتالي مخفضا من مستوى المعيشية والذي هو سلفا منخفض, وهذا كله لا يتم بشكل ديمقراطي الا بصعوبة بالغة, وربما يذكر الدور الذي لعبته هذه المسألة في بداية تاريخ الاتحاد السوفياتي
بل ان اقتصاد عير مترابط بشكل حقيقي, وتتسم أجزاؤه بارتباطها الخارجي بالاقتصاد العالمي بشكل أقوى من ارتباطها ببعضها البعض, وغياب سوق داخلي, أي غياب اقتصاد قومي, وعوضا عن ذلك اقتصاد تبعي, لن يساعد في توحيد المجتمع أو المساهمة في اعطائه طابعا موحدا
وهذا يعني ايضا وجود قطاعات كبيرة (و متنفذة) من المجتمع ترتبط بالاقتصاد العالمي وستحيل الى ارتباطاتها الخارجية ضمن ممارستها السياسية وليس الى مجال عام داخلي, وهذه الارتباطات الخارجية وبحكم علاقات القوة ستكون مؤثرة بشكل هائل
المشكلة في تصور الحاج صالح هي انه يحيل الى المجال السياسي كمجال مؤسس والديمقراطية كوعي مؤسس ( بصيغة المفعول) كما هما موجودان (أو يفترص انهما موجودان) في الدول الديمقراطية
وهذا ما يشبه الى حد ما المأخذ الذي يأخذه الحاج صالح على ياسين الحافظ, وهوتغييبه استقلالية اللحظة الراهنة باحالته التاريخانية الى الحداثة كتاريخ واقعي (أو وحيد). فالحاج صالح يحيل عمليا الى هناك ايضا كمرجعية لماهية السياسة والديمقراطية (وكلاهما نقديان بشكل كاف في تعاطيهما مع هذه المرجعية لكنها ستبقى مرجعية) لكن بالمقابل هناك افضلية للحافظ وهي انه نظر للمسار الذي عبره يسعى للوصول الى هناك, أي للوعي المؤسس (بصيغة الفاعل) عبر التاريخانية. طبعا هذه الاحالة لا تعني انها خاطئة عند الاثنين, فجميعنا نفعل الشيء ذاته, لكن الانتقال من النقطة التي نقف عندها الى الهدف يحنم علينا عبور الطريق, والمسلمات التي يعمل عبرها الحاج صالح لا تعمل على هذه الطريق, هي مسلمات مجال سياسي ووعي للديمقراطية مؤسسبن (بصيغة المفعول)
الناس عندنا ليسوا مختلفين انما متناحرين, يستندون الى تصورات مختلفة للعالم وهذه التصورات لا يمكنها أن تتحاور, فهي أساطير تأسيسية (أو أشكال للوعي المؤسس), تماما كما هي الديمقراطية كأسطورة تأسيسة تستند الى الشعب , وهو كيان تخيلي, نحن متخيلة, وتستند الى الساحة العامة, حيث يمكن ان يدار الخلاف بطريقة عقلانية, توافقية, بين فاعلين اجتماعيين مختلفين, وهذا تصور مؤسس على افتراض تجانس بين المصلحة الحقيقة للفاعل الاجتماعي ووعيه لها, وافتراض الشفافية والوضوح بين المتحاورين, أي تغييب القوة والهيمنة وتشكيل القبول, وافتراض سيادة الشعب , وليس الحق الالهي أو أي مصدر اخر, واخيرا وجود عقد اجتماعي مقبول من الجميع, يحدد بشكل مسبق امكانات التغيير, وهذه كلها مسلمات غير موجودة في حالتنا
للوصول الى الديمقراطية كحوار عقلاني بين الفاعلين الاجتماعيين عبر الساحة العامة للوصول الى قرار عبر الأغلبية ويضمن حقوق الأقلية وتكون السياسة هي وسيلة هذا الحولر نحتاج الى سياسة مغايرة وليس الى ذات السياسة ذات المسلمات المحققة في مجتمع ديمقراطي بشكل مسبق
اشكاليتنا هي, كيف يمكن خلق المجتمع السياسي؟
الحاج صالح قام بأمرنادرا ما يقوم به أحد وهو حديثه عن مسلمات وهذا أمر ممتاز ومفيد, وهو نتاج مقاربته السياسية بأدوات المثقف(, فتصورات العالم (أو وعيه) تقوم على متخيلات (أو مفاهيم) تأسيسية وليس على حقائق تجريبية, فالسؤال هو كيف يمكن تحويل مسلمات أو متخيلات مثل الانسان العاقل, دنيوية المصالح و الخلاف غير التناحري... الى واقع, أي الى وعي للعالم, هنا الحديث لايتم حول خلافات قايلة للتفاوض انما عن تصورات سابقة عليها, هي التي تقوم باعطائها المعنى, ان الخلافات القابلة للتفاوض مستمدة من وعي للعالم غير مختلف عليه
والسياسة الان تصبح السؤال, كيف يمكن بناء هذا التصور للعالم, أو هذه الأسطورة التأسيسية للديمقراطية كوعي للعالم؟
عبر الحوار, هذا الجواب بحد ذاته غير عقلاني, فهو يعيدناالى ذات الدائرة المغلقة, ما يشبه البرهان الدائري, فرضيات للبرهان ثم أعود لأبرهن الفرضيات اعتمادا على نتائج ذلك البرهان, وهذا عبث
السياسة الان لا تحيل الى الحوار انما الى الهيمنة ولاقوة, الى تشكيل القبول, هيمنة مشروع طبقة اجتماعية, هذا كله مرتبط بالمسألة الاجتماعية برمتها , شكل الوجود الاقتصادي- الاجتماعي, وبتعبير اخر اكثر دقة وكلاسيكية, نمط الانتاج
هنا ستصبح السياسة هي تأسيس مجتمع مغاير وليس وحسب دولة مغايرة, انطلاقا من وضع متعين محليا واقليميا ودوليا
السياسة ضمن هكذا فهم لم تعد تحيل الى الوسط الذهبي, انما الى نطاق اسئلة مغايرة, مثل كيف يمكن خلق شعب, وهذه الاشكالية أدركها الحاج صالح في حديثه عن عدم وجود مبدأ جامع للسوريين (1334) باستثناء كونهم يحملون الجنسية السورية, أو كيف يمكن جعل الشأن العام شأن دنيوي وبالتالي سياسي, أي سؤال حول العملية التاريخية لنزع السحر
هذه الاسئلة لا تحيل الى الفلسفة السياسية فقط, انما بشكل اكثر جوهرية الى التاريخ الواقعي وفلسفة التاريخ, وهكذا الى مفاهيم القوة والهيمنة والايديولوجيا ومشروع الطبقة
السياسة هي بحث الوسائل للوصول الى الغاية, وبهذا المعنى هي سياسة عقلانية, شكلية, وهذا يستعيد السياسة الثورية كسياسة عقلانية ضد ما سماه الحافظ العقلانية الباردة
طبعا هذا التصور يستند - وتحديدا بشقه السياسي- الى مسلمة وهي قدرة السياسي على التأثير الواعي في المجتمع والتاريخ وهذه مسلمة, وليست حقيقة يمكن برهانها, لكن بدونها يصبح كل عمل سياسي عبث
ضمن هذا التصور للسياسة سنعود الى مسألة اليعقوبية, كخيار سياسي وليس كضد للسياسة, طبعا اليعقوبية تستند الى مسلمات مثل النحن المتخيلة في الفعل السياسي (طبقة, أمة, شعب..) وبقدر ما هي متخيلة تقوم اليعقوبية بالمهمة الأصعب وهي تحقيقها, اليعقوبية هي سياسة تحويل النحن المتخيلة الى نحن واقعية , أو مقبولة كواقع
ضمن شروطنا تكون اليعقوبية سياسة خيار سياسي حداثي. الشرط العربي (وحتى العالمي) يراه الحاج صالح كوضع لاكلاوسفيتزي, أي وضع غير سياسي, لأنه غير ثابت بنيويا, اختلافات القوة فيه مطلقة, الخلافات لا يمكن حلها بالحوار لعدم وجود نقاط مشتركة, الصراع هو صراع حياة أو موت كما يعيه اللاعبون الاساسيون
نظام الشرق الأوسط (أو المشرق العربي) هو نظام الحرب الدائمة, وضع كهذا يحيل فقط الى سياسة يعقوبية
لكن ما هي مآخذ الحاج صالح على اليعقوبية؟
النجوع والفاعلية هما محور تفكير اليعقوبية العربية, اما التمدن والتحضر نظر اليهما كأفكار برجوازية(1465) هذا صحيح, لكنه يغفل ان هذا النقد جرئ للتصورات الثورية العربية من أناس يحملون مشاريع يعقوبية (الحافظ - مرقص- وطرابيشي في حينها), اليعقوبية السابقة انطلقت من معطى وحيد, وهو الهدف, وبالتالي النجاعة في الوصول اليه, المسألة الآن مختلفة, أو يفترض أن اليعقوبية الجديدة ستطرحها بشكل مختلف, أي التحليل العياني للواقع, الوضع الابتدائي, ان التمدن والتحضر جزء من الهدف, من تصور العالم. الوعي الحديث, الليبرالية كطبقة جوانية للوعي شرط حداثته, كما هي شرط دنيويته وأخيرا شرط عدم تحوله الى كارثة, الى اغتيال للعقل
هذه القراءة تحيل الى مشاكل , أولها مخاطر اليعقوبية والتي لا انكرها وان لا اعتبرها لزاما, وثانيا مخاطر القدرية, فمجمل الحديث السايق يحيل الى التاريخ وليس الى السياسة مباشرة, الى نمط الانتاج والهيمنة وارادة القوة, وليس الى الممارية السياسية, وعمليا لا يوجد سياسي يصرح انه يعمل ضمن مسلمات وفرضيات لانجاز وعي تأسيسي
القدرية هي ربما الوجه الآخر للارادوية في جميع التصورات التاريخية للسياسة
اما الآن فلنتابع ما يمكن أن تقودنا اليه مسالك الحاج صالح في مسائل عملية
الطريق الثالث
ترتبط فكرة الطريق الثالث تماما بمفهوم السياسة (ليس الخط الثالث بديلا عن السياسة؛ إنه هو ذاته سياسة. واعني بذلك انه اختيار وتدبير وحرية، وليس متوسطا حسابيا أو هندسيا لخطين أصيلين. والخط الثالث سياسة لا يمكن استنباطها من الخطين الأولين أو من اية مبادئ عامة ايا تكن_997), وهذا اتفق معه تماما وخاصة أن السياسة حرية, وأكثر مع أن الخط الثالث ليس متوسط حسابي
الطريق الثالث يساعدنا على عدم الالتحاق بأحد الأقويين (997) وهو محاولة للاختيار خارج اصطفاف المضادات وبشكل أساسي (الخارج-الداخل) أو حتى(سلطة -اسلاميين)وان كانت الثنائبة الأخيرة ليست محورية لدى الحاج صالح.
لكن ما مشكلة هذا الطريق الثالث؟
أعتقد أن مشكلة الطريق الثالث تنبع من كونه ثالثا, وعلى الرغم من اصرار الحاج صالح على انه ليس متوسط حسابي الا انه طريق ثالث, أي تعريف بالسلب بما ليس, الطريق الثالث ضرورة لرقض الالتحاق, لكنه عيث ان اكتفى بهذا الموقف, ولكن ليكون الطريق الثالث امكانية ومشروع سيصبح عليه لزاما أن يحيل الى ما هو ايجابي, أن لا يكتفي بكونه طريق ثالث
أيضا الطريق الثالث يطرح اشكالية الوضع الاستقطابي وهذا ما يثبته في ضعفه, ففي وضع مستقطب تكون الخيارات مستقطبة, ولا مكان لطريق ثالث, الطريق الثالث يجب أن يكون مشروع طريل النفس.
لكن ما هو اطار المشروع الذي يمكن ان يحدد الطريق الثالث؟
لنلفت أولا الى انها ليست مسؤولية الحاج صالح انما القوى السياسية السورية, لكن للحاج صالح رأي نحاول أن نستنطقه في هذا المشروع
للأسف الحاج صالح لم يتحدث بشكل كاف بما يحيل الى هذا المشروع, بقدر ما قارب ماهية الطريق الثالث التي كانت تحيل الى السياسة, الطريق الثالث كارادة حرية خارج القطبين, الداخل والخارج, وهذان القطبان يحيلان الى المسألة الوطنية. زمن هنا سأقوم بدور المؤول وليس السرد ولهذا فليعذرني الأستاذ ياسين ان أخطات (وهذا ذنبي وحدي)
أعتقد ان اطار مشروع الطريق الثالث مكون من
1- الموقف الوطني , ضد التدخل الخارجي, بما يسلبنا حرية التحكم مصيرنا وقرارنا
2- الموقف من الاستبداد ولضات السبب, فالقضية هي قضية حرية, كفاح الناس المشترك للتحكم بشروط حياتهم (195)
3- العدالة الاجتماعية
4- الديمقراطية
من الممكن للمرء أن يرى أن فكرة الطريق الثالث تحيل والى حد بعيد الى الاشتراكية - الديمقراطية
ونقاشي السابق ارتكز بمجمله على النقطة الرابعة (على فهم الديمقراطية طمشروع للتحقيق وليس كهدف)
ولا يمكن الا الاتفاق مع الحاج صالح في أول نقطتين, والعدالة الاجتماعية وحزب الشعب تحتاج الى وقفة أخرى
لكن وبشكل عملي ربما يشكل اعلان دمشق ولحد ما الطريق الثالث لدى الحاج صالح, وان ليس تماما فهو أهمل المسألة الوطنية والعدالة الاجتماعية, واقتصر على الاستبداد والديمقراطية وحتى هذا الموقف (الديمقراطية) لم يكن واضحا فيه, ان كان لجهة آلية جمع التواقيع على الاعلان وما رافقها من استبعاد على أسس غير سياسية أو ديمقراطية أو عقلانية...., وهذا ما سيؤكده الحاج صالح ضمنا في تعليقه على التوضيح (والواقع أن السجالَ الحادَّ حول "إعلان دمشق" يعكِسُ آفتين عريقتين من آفات الحياة السياسية السورية منذ نشأة الكيان السوري الحديث قبل تسعة عقود. أولاهما، الخصومات الشخصية والتفرّقُ وحبُّ الزعامةِ والحزازاتُ الصغيرة والتنافس غير الشريفِ والخُبْثُ إلخ، والثانية، انعدامُ الكفاءةِ وضَعفُ التخصُّصِ والرّثّاثةُ، وما تتسبُّب به هذه جميعا من"تعْفيسٍ" وميلٍ إلى الارتجال وغياب للتراكم والاكتساب _1487) وايضا مشكلة تضمن اعلان دمشق مفاهيم اشكالية في الديمقراطية المنشودة, وتحديدا لجهة المسألة الدينية, ولكي لانظلمه (أي اعلان دمشق) نقول عدم وضوحه, ولهذا سأعتقد أن للحاج صالح ملاحظات عليه
لكن ما أثار استغرابي هو رد الحاج صالح على التوضيح الذي صدر فيما بعد, وهذا الموقف منه وخاصة أنه لم يكن هناك ما يستدعيه لناحية أفكار الحاج صالح نفسها. ربما المسائل الشخصية والرثاثة, اللتان تحدث عنهما, وان كنت لا أعرف الكثير عن الوسط السياسي السوري كما يعرف لكن هذا ليس سببا للحكم بهذه القسوة على التوضيح الذي صدر, وخصوصا في مسألة الانتماء للأمة العربية وأعتقد أن التوفيق خانه هذه المرة, فالحديث عن الأمة العربية لا يحيل الى الايديولوجيا (بمعناها السيء) ولا سياسيا الى الالتحاق بنظام البعث, هذا حكم قاس, ربما يكون السياسيون العروبيون ( جماعة المؤنمر القومي ومن شاكلهم) هم السبب في هذا, بسبب مواقفهم الانتهازية وهو محق في رفضها واستنكارها, لكن هذا أيضا لابستدعي طعنا في الانتماء القومي, اما لكونه لا يحيل الى السياسة فأعتقد أن هذا مجافة للواقع, فالأمة كيان تخييلي وليست كيان واقعي, وأمة بلا أساطير لا تستحق أن تسمى أمة, والأمة العربية مشروع للتحقق, للتحرر,وهو يستند على أن تصبح القدرة على التحكم بشروط الحياة بيد العري أنفسهم, وهو واقعي وخاصة ضمن هذه الظروف العالمية, بينما المنظومة العربية هي الفكرة غير السياسية, كونها لاتحيل الى أي شيء, حتى الى حالة سياسية, و ضمن الشكل الحالي لبناء الدول العربية وضمن السياق الواقعي لطرح هذه الأفكار وممارستها, سيضطر المرء الى النظر اليها على انها مجرد تنازل عن أي انتماء حتى الى هذه المنظومة نفسها
في النهاية أتمنى على الأستاذ الحاج صالح أن يتحدث أكثر عن مشروع الطريق الثالث, فهذا سيساعدنا أكثر على فهم ما يتصوره للطريق الثالث, وأكثر رفاقه في الطريق الثالث.

الاخوان المسلمون ومحامي الشيطان
يشكل الاخوان المسلمون العقدة في المسألة السياسية السورية, فالموقف منهم يحدد جميع المواقف الأخرى ويتقدم في كثير من الاحيان -وربما في اكثرها - على الموقف من النظام نفسه. والموقف المعارض السوري من الاخوان يثير الكثير من المشاكل بين رافض مطلق لهم أو حذر منهم أو داع للحوار معهم.
اشكالية الاخوان المسلمين هي التجلي الكامل لكل ما حاولت تبيانه سابقا وهو غياب الاجماع على أي أمر , بل عدم وجود مبادئ عامة يمكن الركون اليها.
هل علينا أن نكون ديمقراطيين أم علمانيين, وهل تنفصل الديمقراطية عن العلمانية ام لا؟هل يمكن الركون الى ديمقراطية قد تؤدي وبالوسائل الديمقراطية الى حكومة اخوان مسلمين؟ ومن المفترض طبعا انهم ثيرقراطيون وربما سيضطهدون الأقليات الدينية عندها؟ وايا كان الحال فان هذه الاسئلة تحيل الى مكان واحد, وهوغياب مبادئ عامة نركن اليها عند الخلاف بيننا.
الحاج صالح حاجج سلامة كيلة في مسألة الديمقراطية والعلمانية والاخوان المسلمين وهنا لعب الحاج صالح دور محامي الشيطان, الذي يدافع عن الأسوأ لاظهار قضيته وعدالتها ولكن ماذا كانت النتيجة؟
المبدأ الديمقراطي ايا كان تأويله وفهمنا له يقف الى جانب الحاج صالح, لا يمكن لأية ديمقراطية, تستحق أصلا أن تسمى ديمقراطية, أن تمنع ايا كان من العمل السياسي, اي ان تبدأ من الابعاد, فهذا ليس الا استبداد جديد.
لا يمكن لنا أن نبعد اي جزء من المجتمع السوري لمجرد أن لديه آراء مختلفة عنا, عما هو صحيح أو خاطئ ( كما نفترض) ,فعندها سنفعل تماما مثل اية حكومة استبدادية, لكن أليس هذا ما يفعله الاخوان المسلمون أو قد يفعلونه, ألا يحيل الاخوان المسلمون الى القرآن والشريعة كمصدرسابق للشرعية لأي نظام أو دولة, ألا يستندون الى الله - فهمهم لله- كمصدر للشرعية, ألا يستبعدون أجزاء من المجتمع السوري والتي لاتنتمي دينيا أو طائفيا اليهم وحتى الجزء الذي لا يتفق معهم؟
اذا هم غير ديمقراطيين بشكل بنيوي وعليه فهم لا يستحقون الديمقراطية.
لكن هذا لا يعني سوى أن ننصب أنفسنا كهنة للديمقراطية لنرى من ينتمي اليها أم لا, وهكذا تصبح الديمقراطية ايديولوجيا, وليست هي شكل الحكم الذي يستند الحكم فيه الى مرجعية الشعب, انما الى مفهوم عن الديمقراطية يفترض انها علمانية. هذا ما رآه الحاج صالح, ان الديمقراطية باستنادها الى العلمانوية تتحول الى ايديولوجيا, وهذا ما يجعل الديمقراطية أمرا نافلا وهو مصيب, لكن هذا أيضا ما سيجعل المسألة اشكالية.
في حال كون الاخوان المسلمين غير ديمقراطيين (ولنفترض هذا) والديمقراطيون علمانويون أي ايديولوجيون فكيف يفترض أن يسير العمل السياسي في هذه الحالة؟
اي لدينا قسمين يستبعد كل منهما الآخر مباشرة؟
الحاج صالح طالب بالحوار والتفاوض وتحديدا لكونهم لا يثقون ييعض, السياسة تفترض انعدام الثقة (1282) ولهذا يجب على سلامة كيلة وغيره مما لا يثقون بالاخوان- وهذا أيضا واجب عليهم- أن يطالبوا بجميع الضمانات وكذلك الحال بالنسبة للاخوان.
هذه الفكرة بحد ذاتها مشكلة, فما هي الضمانات التي ستشكل ضمانا حقيقيا لكلا الطرفين؟
القوانين؟ أبدا , القوانين في كثير من الاحيان لا تستحق مجرد ثمن الورق الذي كتبت عليه. اذا ما هو الضمان الحقيقي؟ شكل الدولة وأجهزتها؟ لكن هذه الدولة ستبنى اعتمادا على موازين القوى. فالقوي سيحدد هذه المسألة وعندها لن نكون امام حوار أو تفاوض, انما امام نزاع, قد ينتهي الى حالة من الحوار في حالة تكافؤ معين في حجوم القوى وهذا كما يبدو مستبعد في هذه الحالة, وحتى هذا لا يشكل ضمان, لوجود احتمالما, أن ينقلب أحد الأطراف على الجميع في حلا تمتعه بالقوة اللازمة
اذا ما هي الضمانة الني يمكن أن تكون مقبولة من جميع الأطراف؟
لا شيء عمليا, لا توجد أو حتى لايمكن أن تقدم هكذا ضمانة من أي طرف ولسبب بسيط, اننا نستند الى منظومات فكرية (أو ايديولوجيات مغلقة بتعبير الحاج صالح) لا تهتم بالحوار ولا الديمقراطية كنقاط تأسيسية, يمكن اعتمادها, وهذه المنظومات متغايرة تماما.
اي أن الضمانات الني يمكن أن تقبل من شيوعي للديمقراطية, بالشكل الذي يراه الحاج صالح, كساحة للتفاوض والحوار والوصول الى تسويات...., هي تنازله عن الشيوعية, لأن اي ضمانة جدية ستقدم ستتعلق بفكرة الثورة والدولة كأداة للهيمنة الطبقية والعنف الثوريوديكتاتورية البروليتارية وغيرها, والتنازل عنها ليس سوى انه لن يعد شيوعي, قد يحاول أن يبقى ماركسيا وينجز نسخة ماركسية معدلة, لكنه لن يبقى على الحل السابق, هناك أمر جديد تماما, كذلك مع الاخوان, الضمانة هي أولا احالة مسألة الشرعية ليس الى الله انما الى الشعب, قبولهم بهذا أولا يعني انهم أصبحوا كل شيء, الا ما أدعوه سابقا, فمحمد شحرور أو جودت السعيد ومن مثلهم يقبل بالديمقراطية المدغمة بالاسلام ولكن ليس الاخوان.
هذا سيعيدنا الى مسألة أن الحاج صالح لا يرى أن الديمقراطية بحد ذاتها هي ايضا منظومة مغلقة, تستند الى مبادئ عامة ناظمة لعملها.
الديمقراطية تستند الى الدنيوية, مسؤولية الانسان عن واقعه, اي مركزية الذات البشرية. الديمقراطية جزء من الحداثة وهي كمفهوم عن العالم تكون الذات البشرية الفاعلة مركزه. وكذلك العلمانية والماركسيو أو الليبرالية كقطع متنوعة على ثوب الحداثة, لكنها جميعا تستند الى تصور أساسي, مبادئ عامة, هذه المبادئ لا يمكن التفاوض عليها أو الجوار , بل انها سايقة على ذلك, وهي التي تعطي الحوار أو التفاوض معناه, لأنهما فاعليتان بشريتان تستندان الى فكرة دنيوية المسؤولية وبالتالي لا يمكن أن يبلور أرضية ديمقراطية تتسع للسوريين ومخاوفهم لأنها في النهايو أرضية حداثية أو ايديولوحية, كما رغب الحاج صالح (1279)
أننا نكتشف نفاق الديمقراطية التي تستبعد الآخرين مقدما وعلى الماشي, لكن هذا النفاق الذي رأه الحاج صالح بوضوح لا يمكن رفضه الا على أرضية التصور الذي يفترض انه يصدر عنه ولكنه أيضا ذو هيمنة في الوعي لأنه يستند الى مسألة حقيقية, اي اننا نملك أكثر من تصور للعالم, اكثر من اسطورة تأسيسية, أكثر من مرجعية عليا (بتعبير اركون) وهذه لا يمكن الفصل بينها على آليات عمل تستند الى احداها.
لنكون ديمقراطيين علينا أن نحقق للحداثة (مركزية الذات البشرية ودنيوية وجودها) هيمنتها, أي حضورها النهائي في وعينا كتصور للعالم. وعندها يمكن أن نتحدث عن امكانيات الحوار بين فاعلين مختلفين, ولكن لتحقيق الهيمنة وبالتالي التغيير في تصور العالم علينا أن نعود الى انها أولا قضية تاريخية, وهذا ما رأه الحاج صالح بالنسبة للعلمانية كجزء من التصور الحداثي (1282), بجميع ابعادها وانها ثانيا وفي سياقنا الراهن تحيلنا الى اليعقوبية
هناك سبب هام للحاج صالح للسعي الى الحوار بين الفرقاء, فالى جانب كونه أفضل وسيلة لتلاقي السوريين والوصول الى أرضية مشتركة تمثلها الديمقراطية كما يرى, فهو ضروري للحمة القوى المعارضة السورية في مواجهة الحاجة للتغيير الديمقراطي في سوريا, وهذا الهم التغييري ربما يكون اليوم قد اطيح به من قبل الاخوان المسلمين أنفسهم بتقاربهم مع عبد الحليم خدام, ومؤكدين في النهاية أن السياسة ليست أكثر من تعبير عن قوى وليس عن مبادئ وبناء ثقة.
في النهاية أعتقد أننا الآن نفهم سبب حضور الحاج صالح في المشهد السياسي السوري وذاك لكونه مارس دورا نقديا في مقاربته هذه المسائل, محاولة استكشاف الطريق, وقد اختلفنا معه في الكثير, لكن ليس لي الا أن أشكره لأنه اتاح لي التفكير مرة أخرى عبر وجهة نظره
* * * *



جميع الارقام التي بين قوسين تحيل الى اعداد الحوار المتمدن التي تتضمن مقالة ياسين الحاج صالح المستشهد بها



#هكتور_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعارضة السورية


المزيد.....




- عباس: أمريكا هي الدولة الوحيدة القادرة على منع إسرائيل من ال ...
- هل غيرت الضربات الصاروخية الإيرانية الإسرائيلية الشرق الأوسط ...
- كيف وصل مصريون قُصّر غير مصحوبين بذويهم إلى اليونان؟
- جهود دولية حثيثة من أجل هدنة في غزة - هل تصمت المدافع قريبا؟ ...
- وسائل إعلام غربية تكشف لكييف تقارير سيئة
- الرئيس السوري يستعرض مع وزير خارجية البحرين التحضيرات للقمة ...
- -ما تم بذله يفوق الخيال-.. السيسي يوجه رسالة للمصريين بخصوص ...
- روبوتات -الساعي- المقاتلة الروسية تقتحم مواقع العدو وتحيّد 1 ...
- روسيا.. قانون جديد يمنح -روس كوسموس- حق بيع بيانات استشعار ا ...
- اكتشاف صلة بين فيتامين الشمس والاستجابة المناعية للسرطان


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هكتور شحادة - القراءة مع ياسين الحاج صالح