أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الكُتب التي التهمت والدي.. رحلة ذهنية للولوج في عالم الأدب والتوهان فيه















المزيد.....

الكُتب التي التهمت والدي.. رحلة ذهنية للولوج في عالم الأدب والتوهان فيه


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5938 - 2018 / 7 / 19 - 12:05
المحور: الادب والفن
    


تتمحور رواية "الكُتب التي التهمت والدي" لأفونسُو كروس على سؤال واحد مُفاده: هل أنَّ طبيعة الإنسان مُشكَّلة من الجينات والعضلات والعظام أم من الحكايات التي نسمعها ونقرؤها على وجه التحديد؟". هذه هي الثيمة الرئيسة التي ستبدأ منذ مُستهل الرواية حتى جملتها الختامية في لُعبة سردية شيّقة تتبناها الجدة أول الأمر وهي تروي لحفيدها إلياس قصة ابنها فيفالدو بونْفين الذي كان يلج إلى الكتب التي يقرؤها ويتوه فيها إلى الدرجة التي ينقطع فيها عن العالَم الخارجي المحيط به الأمر الذي يُسبِّب له إحراجًا مع مدير مصلحة الضرائب التي يعمل فيها، وحينما تضيق به السُبل كان يغلّف كتبهُ بوثائق وأضابير المصلحة لكي يوحي لمديره وبقية الموظفين أنه منغمس في عمله الوظيفي المُعتاد. في تلك الفترة بالذات كان إلياس جنينًا يسبح في رحم أمه، وحينما خرج إلى الدنيا كان والده قد رحل إثر أزمة صحيّة. وفي عيد ميلاده الثاني عشر لم تُقدم له الجدة هديته المعتادة وإنما سلّمتهُ مفاتيح العُلّيّة لأنه أصبح قادرًا على قراءة الكتب التي التهمت والده وتاه في عوالمها الحقيقية والخيالية.

ليس من قبيل المُصادفة أن يقع بصر الابن إلياس على كتاب "جزيرة الدكتور مورور" لهربرت جورج ويلز، فهو ذات الكتاب الذي استعمله الوالد ليلج إلى عالم الأدب ثم يتوه فيه. فهل يستطيع الابن أن يقتفي أثر أبيه، ويلج إلى عالم الكتب ثم يتوه فيها قبل أن يتماهى في صورة الوالد ويكون نسخة ضوئية عنه. وبما أنّ الرواية هي رواية أفكار بامتياز فلاغرابة أن نصادف في هذه النوفيلا العديد من الكتب والروايات وأسماء مؤلفيها الكبار ومن بينهم الكاتب الأرجنتيني بورخيس، ذلك لأن الفكرة التي اقتبسها أفونسُو منه مهمة بمكان لأنها تُصوِّر المكتبة كمتاهة وأن القارئ النوعي الذي يتفاعل مع الأحداث هو شخص تائه بالضرورة بين صفحات الكتب التي يقرؤها. لنُمعن النظر فيما قاله بورخيس بصدد المكتبة كمكان غامض ومُعقّد: "ثمة عدة أماكن يمكن أن يتوه فيها المرء، لكن لا يوجد مكان أكثر تعقيدًا من مكتبة. بل إن الكتاب الواحد يمكن أن يُمثّل مكانًا نضيع فيه ونتوه".

تُشيّد البنية الداخلية لهذه الرواية على أربعة كُتب وهي "جزيرة الدكتور مورو" لــ ه. ج. ويلز، و "الدكتور جيكل ومستر هايد" لروبرت لويس ستيفنسون، و "الجريمة والعِقاب" لدستويفسكي، و "فهرنهايت 451" لراي برادبري وثمة حضور لكُتب أخرى تترك نكهتها في سياق النص الروائي الجديد الذي كتبه أفونسُو كروس. تدور رواية "جزيرة الدكتور مورو" حول إدوارد ﭘرينديك، وهو شخص إنكَليزي ينحدر من أصول نبيلة وجد نفسه بعد إنقاذ سفينته من الغرق في جزيرة غير مأهولة بالمحيط الهادئ، ولم يقطنها سوى الدكتور مورو، عالِم تشريح الحيوانات الحيّة الذي يخلق من الحيوانات كائنات مُهجّنة شبيهة بالبشر . انزوى ﭘرينديك حينما عاد من رحلته وخصّص جُلّ وقته للقراءة وتعاطي الكيمياء وعلم الفلك. يعتمد الابن إلياس على المعلومات والهوامش التي دوّنها أبوه بقلم الرصاص على الكتب التي قرأها وشكّلت دليلاً يقوده إلى شخصيات النصوص الروائية. ولكي يتعرّف على شخصية ﭘرينديك التقى بالدكتور زيركوف واستمع إلى قصته الحقيقية التي تتحدث عن شخص غريب الأطوار تسيطر عليه أوهام وهواجس شاذة لدرجة أنه ينبح في بعض الأحيان، وحينما فقدَ بصره تعاقدَ من رجل يقرأ له بصوت عالٍ، ولم يكن هذا الشخص سوى فيفالدو بونْفين، والد الراوي وقائده إلى المتاهة الذهنية. أما الكتاب الثاني فهو "قضية الدكتور جيكل والسيد هايد الغريبة" التي تناقش ثنائية الخير والشر داخل الكائن البشري، وهي ذات الثيمة التي نجدها في رواية "الجريمة والعِقاب" لدستويفسكي التي تتكئ كثيرًا على شخصية راسكولنيكوف، الطالب الفقير من سانت بطرسبيرغ الذي يخطط لقتل امرأتين من أجل الحصول على مالهما والتحرر من الفقر الشديد الذي يعاني منه. ثمة أفكار كثيرة في رواية "الجريمة والعقاب" تستحق المناقشة العميقة من بينها: "هل يمكن ارتكاب الشرّ إذا كان القصد نبيلاً؟" و "هل يمكن الإفلات من العقاب بعد ارتكاب الجرائم؟" وحينما شعر راسكولنيكوف بالندم سلّم نفسه إلى السلطات لكي ينال العقاب الذي يستحقه، فسُجنَ ونُقل إلى سيبيريا وتحمل العقاب لعدة سنوات. وعلى الرغم من أنّ الرحلة التي يقوم بها إلياس هي رحلة ذهنية لكنها توحي وكأنه يقوم برحلة حقيقة على أرض الواقع وهو يعبر سيبيريا ويصل إلى فلاديفوستوك ليلتقي بالسيدة صوفيا سمينوفنا مارميلادوفا وهي تتحدث عن الوحش راسكولنيكوف الذي لم تره منذ عدة سنوات، ويبدو لها أنه غادر السجن بضمير طاهر نقيّ. تركز الرواية على ثيمة نفسية جديرة بالدراسة وهي تأنيب الضمير الذي يؤرق المجرم طوال حياته. ولم يكن السجن محنته الحقيقية لأنّ سجنه الحقيقي كان في ذهنه، "ففي الذهن يكون الناس إما أحرارًا أو سجناء". فقد كان يخرج ليلاً، ويرتكب جرائم قتل فظيعة لأن القتل، بالنسبة إليه، صار مُبتذلاً وعاديًا، ولا يستند إلى دوافع إجرامية محددة.

كلمّا تأخر إلياس عن موعد العشاء كان يُحرَم من الذهاب إلى السينما، أو يُمنع من لَعِب كرة القدم، أو تُحظر عليه أطعمة ومأكولات يُحبها. وعلى الرغم من أهمية الكتب الثلاثة السابقة إلاّ أن رواية "451 فهرنهايت" للروائي الأميركي برادبري هي الأكثر حسّاسيّة لأنها تدور حول التمرد، فرجال الإطفاء لا يقومون بإخماد الحرائق بل بإشعالها في إشارة واضحة إلى الإرهاب الثقافي الذي كان يمارسه السيناتور مكارثي ضدّ الثقافة والمثقفين الأميركيين. وذات يوم تُغري كلاريس رجل الإطفاء مونتياج لقراءة أحد الروايات الجميلة فيتولد لديه حسّ التمرد على النظام الشمولي الذي يغزو العالم ويسيطر عليه بواسطة التلفاز كوسيلة دعائية. لا تقتصر الرواية على الشخصيات الأُسرية تحديدً فإلى جانب شخصية إلياس، ووالده فيفالدو بونفين، وجِدته التي تستهل عملية السرد هناك شخصيتان مهمتان وهما صديقه بومبو، البدين، والمصاب بداء السكري، وصديقته بياتريس التي تُحب بومبو، ومع ذلك فإن إلياس مُولع بها، ومُنجذب إلى معالمها المثيرة. يموت بومبو ميتة تراجيدية حينما يتناول كمية كبيرة من الحلويات، فترتفع نسبة السكر في الدم، ويدخل في غيبوبة ثم يفارق الحياة. تنتهي الرواية لنكتشف أن الراوي قد بلغ الثانية والسبعين من عمره، وهذا يعني أنه كان منغمسًا بالقراءة طوال ستين عامًا بالتمام والكمال حيث أيقن، في خاتمة المطاف، بأنه قد وجد والده، ليس لأنه قرأ كتب العُليّة كلها، بل لأنه أصبح نسخة من والده. وفي هذا السن بالذات كان إلياس ينظر إلى أولاده وأحفاده ويفكر بالحكايات التي سيخوضونها لأنه مُوقن تمامًا بأنّ الإنسان مُشكّل من الحكايات، وليس من الجينات والرموز الغامضة.

لابد من الإشارة إلى أنّ أفونسُو كروس من مواليد البرتغال سنة 1971. وهو رسّام، ومُخرج أفلام تحريك، وروائي. أصدر العديد من الروايات المهمة من بينها "هيّا نشتر شاعرًا" و "دميّة كوكوشكا"، و "الرسّام تحت المجْلى"، و"الكتب التي التهمت والدي" التي صدرت مؤخرًا عن دار مسكيلياني التونسية بترجمة سعيد بنعبد الواحد وحازت على جائزة ماريا روزا كولاسو الأدبية عام 2009.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصوص القسوة. . رواية جديدة بنكهة مسرحية
- التحولات الاجتماعية وأساليب السرد في الرواية الإماراتية الحد ...
- حدود مُتداخلة . . رواية بوليسة عراقية
- ضفاف أمستل: مُشاهدات من المسرح الهولندي
- بيت السودان . . رواية المكان بعدسة شيئية
- الصرح الترجمي للدكتور علي جواد الطاهر
- التشكيلية روان العدوان تستلهم أعمالها الفنية من لآلئ الصحراء
- استنطاق التاريخ وتطويعه في رواية حُب في ظلال طاووس مَلَك
- الحالة الحرجة . . رواية تمجِّد البطل المُغترِب، وتُقارع السر ...
- لماذا أحبّ القرّاء شخصية عمّو شوكت في رواية -ساعة بغداد-؟
- حرب الكلب الثانية. . مصير الإنسان في ظل التطورات العلمية
- زهور تأكلها النار. . . رواية ترصد الإرهاب القديم بعين معاصرة
- أمواج . . . سيرة ذاتية جريئة أثقلتها حروب القائد المتعالي
- باسم فرات. . . جوّاب المدن، وعابر المفازات البعيدة
- الحلقة السادسة من مسابقة شاعر المليون
- التورية والمجاز البصري في تجربة الفنان التشكيلي عبدالكريم سع ...
- الفنان سعد علي يخلّد الحُب في حديقة الحياة
- ساعة بغداد . . رواية تخالف توقعات القرّاء
- تعويم الزمان، وطمس المكان في رواية -بيت البحر- لفاطمة الناهض
- تيريزا أكاديا . . ومغامرة الحُب المستحيل


المزيد.....




- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...
- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الكُتب التي التهمت والدي.. رحلة ذهنية للولوج في عالم الأدب والتوهان فيه