أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عمارة تقي الدين - أفلاطون والديكتاتور














المزيد.....

أفلاطون والديكتاتور


محمد عمارة تقي الدين

الحوار المتمدن-العدد: 5835 - 2018 / 4 / 4 - 04:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لاشك أن مصادرة الحرية في ظل حكم المستبدين والطغاة هو حديث قديم قدم التاريخ ذاته، فها هو الفيلسوف اليوناني أفلاطون يصف لنا بدقة ما يفعله الطاغية بشعبه من موبقات باعتبارها إستراتيجية كل طاغية للقضاء على الحرية وإخضاع الشعوب وكأنه يخاطب عالم اليوم وكأن التاريخ يعيد إنتاج نفسه بشكل رتيب.
وبحسب ما أورده الأستاذ إمام عبد الفتاح إمام في مؤلفه الرائع (الطاغية)، يقول أفلاطون واصفا بدقة إستراتيجية الديكتاتور، أي ديكتاتور، في حكم الشعوب :" يبدأ الطاغية حكمه بالتقرب من الناس ويجزل بعض وعوده ويتصنع الطيبة والود مع الجميع، وفي الوقت ذاته يبدأ في تكوين حرس قوي حوله بحجة المحافظة على مطالب الشعب ومراعاة مصلحة الشعب ذاته، ثم يبدأ في تأمين وجوده في الداخل والخارج، ففي الداخل يتخلص من المناوئين له وعندما يأمن هذا الجانب فإنه لا يكف أولا عن إشعال الحرب تلو الأخرى حتى يشعر الشعب بحاجته إلى قائد وكذلك حتى يضطر المواطنون الذين أفقرتهم الضرائب إلى الانشغال بكسب رزقهم اليومي بدلا من أن يتآمروا عليه، وعندما يجد زعيم الشعب نفسه سيداً مطاعاً فإنه لا يجد غضاضة في سفك دماء أهله، فهو يسوقهم إلى المحاكمة بتهم باطلة،إنه يحتقر القوانين، ولما لم يكن شيء يقف في وجه الطاغية المستبد فإنه يصبح عبد الجنون أو ينقلب حكمه إلى كارثة فهو يقتل المواطنين ظلما وعدوانا ويذوق بلسان وفم دنسين دماء أهله ويشردهم، عندئذ يصبح هذا الرجل طاغية ويتحول إلى ذئب "، ولكي يؤكد أفلاطون أطروحته نجده وقد استدعى واحدة من الأساطير اليونانية والتي تتحدث عن تحول الطاغية إلى ذئب وأن المرء إذا ما ذاق قطعة من لحم الإنسان ممتزجة بلحم قرابين مقدسة فإنه يتحول حتماً إلى ذئب، إذ أن الطاغية لا يرويه ولا يكسر ظمأه إلا دماء أفراد شعبه.
ويكمل أفلاطون حديثه عن مراحل تحول الحاكم إلى طاغية، فيقول: " فإذا شك أن لبعض الناس من حرية الفكر ما يجعلهم يأبون الخضوع لسيطرته فإنه يجد في الحرب ذريعة للقضاء عليهم، لهذا السبب كان الطاغية دائما مضطرا إلى إشعال نيران الحرب، وظلم الطاغية لا يعرف تفرقة بين المواطنين، وليس للطاغية صديق فهو لا يمانع في الغدر بالأصدقاء أو المعاونين إذا ما اشتبه فيهم... فهو إذا وجد من بين أولئك الذين أعانوه على تولي الحكم فئة من الشجعان الذين يعبرون عن آرائهم بصراحة أمامه وفيما بينهم وينتقدون ما يقوم به من تصرفات فإن الطاغية لابد أن يقضي على كل هؤلاء، وهكذا شاء طالعه أن يظل طوعا أو كرها في حرب دائمة مع الجميع حتى يطهر الدولة منهم، ويا لها من طريقة في التطهير إنها عكس طريقة الأطباء فهؤلاء يخلصون الجسم مما هو ضار فيه ويتركون ما هو نافع، أما هو فيفعل العكس ذلك أنه لا يستأصل إلا المفيد والنافع لأنه لا يقضي إلا على الشرفاء والمفكرين والشجعان والمخلصين الذين يرفضون نفاقه، وهو بدوره سيحتاج إلى حرس أكبر عددا وأشد إخلاصا ومن ثم يلجأ لأن يدفع لهم أجورا كافية، فالشعب الذي أنجب الطاغية يجد نفسه مضطرًا لإطعامه هو وحاشيته وحين يدرك الشعب ذلك سيكون هذا الطاغية أقوى من أن يستطيع الشعب إسقاطه وهذه هي الكارثة " ، ويؤكد أفلاطون أن : " الطاغية لا يتقاعد أبدًا، إما أن يموت أو يطيح به شخص آخر، وأنه كلما طالت مدة ممارسته للطغيان ازدادت هذه الطبيعة تأصلًا فيه ".
والطاغية، وكما يذهب إمام عبد الفتاح إمام : " يجد الظروف المواتية له في عالم متخلف ترتفع فيه نسبة الأمية ويغيب الوعي"، متسائلا: " حتى لو افترضا أن للطاغية ايجابيات هائلة فما قيمة هذه الايجابيات إذا كان ثمنها تدمير الإنسان وتحطيم قيمه وتحويل الشعب إلى جماجم وهياكل عظمية تسير في الشارع منزوعة النخاع شخصيات تافهة تطحنها مشاعر الدونية والعجز واللا جدوى فإيجابيات الطاغية مهما كثرت فإن ثمنها باهظ جدا وهو ضياع الإنسان، وكما يقول السيد المسيح " ماذا يفيد الإنسان لو أنه ربح العالم كله وخسر نفسه ".
والحقيقة أن الطاغية لا يمكنه أن يمارس طغيانه إلا في ظل وجود شعوب مستعدة لذلك ومتقبلة له، فقبل الطغيان هناك القابلية للطغيان، إذا جاز لنا أن نستعير من طرح الفيلسوف العربي مالك بن نبي، ولا نريد أن نغادر تلك الفكرة من دون الإشارة إلى بعض الأطروحات الرجعية التي ذهبت إلى أن هناك شعوب بطبيعتها تفضل الانقياد للمستبد ولا يصلح معها النظام الديمقراطي، فهي ادعاءات عنصرية كذَّبتها الدراسات الحديثة التي غاصت في أكثر مستويات التحليل عمقاً والتي أكدت أن الحرية هي قيمة جوهرية نائمة في أعماق كل البشر،هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولكن الشعوب تمر بمراحل تطور حتى تتفهم قيمة الحرية ومركزيتها في حياتها.
من هنا يمكننا وبلا مبالغة تصنيف الشعوب حضارياً بحسب موقفها من الحرية، فكلما تحضرت الشعوب كلما عظمت عندها قيمة الحرية، تأسيساً على ذلك يمكن أن نضع (بارومتر الحرية) لقياس مدى تحضر الشعوب ورقيها في سلم الحضارة.
وبالقطع لا ندعو لحرية مطلقة أو فوضوية بل حرية منضبطة يضع المجتمع نفسه أسس انضباطها تأسيساً على قناعاته الفكرية والدينية، حرية مسئولة يراقبها الشعب ذاته رقابة ذاتية عبر منظماته ونقاباته وتجمعاته المعبرة عنه ويضع من أجلها المواثيق الحاكمة والمؤطرة لها.
ومن ثم فعلى الشعوب أن تدرك أن الحرية قيمة غير قابلة للمقايضة بأي شيء آخر وكما يقول بنيامين فرانكلين: " من يضحى بالحرية من أجل الأمن لا يستحق أي منهما "، ونحن نقول لن يحقق أي منهما، فالدكتاتورية والاستبداد وغياب الحرية هو تهديد مباشر للأمن القومي للشعوب، هو قلق واضطرابات ومجاعات هو مصارع الأمم ونهايتها.



#محمد_عمارة_تقي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الإمارات.. حكم سجن الملياردير -أبو صباح- الذي دفع 9 ملايين د ...
- برلمانية أمريكية تنتقد صفقة المعادن مع كييف
- صربيا تحيي ذكرى مرور ستة أشهر على كارثة انهيار سقف محطة قطار ...
- الأمير هاري يقول خلال مقابلة حصرية مع بي بي سي إنه يرغب في - ...
- الأيام القادمة ستحدث فرقا في إرث ترامب بأكمله
- طهران على استعداد لمواصلة التفاعل مع الأطراف الأوروبية بشأن ...
- ترامب لا يستبعد حدوث ركود في الولايات المتحدة لفترة قصيرة
- الجيش الإسرائيلي: منظوماتنا الدفاعية اعترضت صاروخا أطلق من ا ...
- الجيش الأمريكي ينشئ منطقة عسكرية جديدة على حدود المكسيك
- ترامب يدخل السباق نحو البابوية بطريقته الخاصة! (صورة)


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عمارة تقي الدين - أفلاطون والديكتاتور