البعض يذهب في التحليلات للوضع الراهن على أسس واهية معتمدة على محاولات غير مجدية من مؤتمر قمة عربية يريد كل حاكم الانتقاص من صاحبه على أقل تقدير. وقد يذهب بعض المحللين العرب خصوصاً إلى أن هناك منقذ لصدام وهو يستعد لإفراز أنفاسه الأخيرة. وفي أي مؤتمر قمة عربية توصلوا إلى نتيجة تجلب الخير للعرب، وإن اتحدوا في صياغة خطابٍ موحد بعد العراك والكلمات البذيئة وإلصاق التهم فيما بينهم في الجلسات المغلقة. لكن لم نلاحظ مرةً بأن تلك النتائج فعلت على أرض الواقع. وأن همهم الوحيد البقاء في السلطة والدفاع عنها ولو كلفوا شعوبهم ويلات الحروب ثم قلبوها لانتصارات زيفاً وبهتاناً.
السبب الوحيد وراء الخسارة تلو الأخرى والتردي المستمر لأوضاع العباد والبلاد هو فقدان الحكام للشرعية في سلطتهم. والعالم العربي يعيش في عصرٍ مترد قياساً بالشعوب الأوروبية. وليس هناك حلاً واحداً يلائم الجميع وبصورة شاملة. اليوم أصبح الأمر واضحاً فيما يخص صدام وزمرته، ولا يداويه إلا الحرب لإنهائه ومن يتبعه إلى الأبد. والخوف من هذا المصير يراود بعض حكام العرب، لذلك يحاولون التمديد بعمر اللانظام ببغداد لكي يجدوا مخرجاً ينقذون ذواتهم وسلطانهم. وكل البيانات تشذب وتطالب وبقوة كلامية محلات ببعض الأوصاف الجذابة لكنها بالأخير حبراً على الورقة لتحفظ في أرشيف المؤتمرات لكي يتطلع على كمها الأجيال القادمة ويلعنون كلمن صاغها.
لا جدوى إلا الاستسلام لواقع العصر ومحاولة تسليم الأمور للشعب. والحل الوحيد الديمقراطية والابتعاد عن استغلال الشعوب ومواردها. المصطلحات العقيمة لا تخدم أحد، وهذا السحر الخطابي سينقلب على السحرة ومصيرهم محتم ولو بعد حين.
أن التغيير القسري قادم للعراق، والحرب الذي حاول الكثيرون بيان خطورته قائم منذ تولي حزب البعث العربي الاشتراكي للسلطة في العراق منذ عام 1968. هذا الحزب الذي تحول بعد فترة وجيزة لعصابة إجرامية يقودها شخص توفرت فيه كل معاني الحقد والكراهية للإنسان العراقي. وتقرب منه كل ذو مصلحة فردية، وكل من وضع ضميره للبيع وبثمنٍ بخس. في عالم الدكتاتوريات لم نقرأ عن مجرم قد حرق مدن بلدانهم بالكيماوي، أو أزالوا مدن من الوجود حتى الشجر لم يسلم من الحقد لأن رصاصة خرجت بوجه الطاغية. لم نقرأ أو نسمع بأن دكتاتوراً دفن ألف واثنان وثمانون أنســــــــاناً أحياء دون ذنبٍ أو جرم فقط لأنهم لا يستجيبون للظلم والطغيان. ولم نسمع أو نقرأ بأن أحداً غير طبيعة بلدٍ يرجع تأريخها لأكثر من خمسة ألف سنة، لكي يهجر سكانها ويحرق بقايا القصب ليمحو الأثر. ولم نسمع أو نقرأ بأن من أضاف كلمة الله وأكبر في العلم وهو يحرق الأماكن المقدسة ويكتب القرآن بدمه النجس. واليوم في ساعاته الأخيرة يلوح بأن الإسلام في خطر ليوهم الجموع لكي يخرجوا ويهتفوا لا للحرب ثم يستغلها لصالحه الخاص. والحرب بدأت من قبل صدام وزمرته على أبناء الشعب العراقي بكل أطيافه منذ أكثر من ثلاثة عقود. ليس هناك إنسان يريد الحرب والدمار لا لأهله ولا لجيرانه ولا للناس الغرباء. الحرب القائمة على العراقيين من قبل الطاغية نريد إيقافها، وهذا الظالم الجائر لا يوقفه عند حده إلا الحرب فهو لا يفهم أي لغة، ولا يقبل أي نصيحة، فهو صاحب الحكمة وقلد بكل الصفات. ومن يتجرأ من صديقٍ أو قريب أو بعيد أن يقدم له النصح ........فيعتبره اتهاماً وتدخلاً بشئونٍ ليس لهم بها من شيء. فإن نصحه من أراد حقن الدماء بالتنحي كان رده جارح ووصفه للناصح بعبارات لا يستخدمها أرذل التائهين في الزقاق والشوارع. الحرب من أجل التغيير أمراً لابدَ منه وضروري، ولا أتصور بأن هناك حلاً يجنب الشعب العراقي ويلات وسطوة صدام وزمرته غير الاستئصال القسري، وكأي جراحٍ ماهر يزيل الغدة الخبيثة ليسلم باقي الجسد، وهذه الغدة ليست مضرة على صاحبها بل تأثيرها السلبي على الجار والديار القريب والبعيد.
الإنســـــــــــان العراقي متعطش للحرية ومستعد لكي يدفع الثمن، وعام 1991 ليس تأريخاً بعيد كي لا يتذكره أصحاب العقول النيرة والضمائر الحية. لم يستميت العراقيون من أجل صدام وعصابته عندما كان الأمريكان على مشارف المدن العراقية، بل ثاروا بوجه الطاغية وسقطت بأيدي أصحاب الانتفاضة أربعة عشر محافظة، ولو لا تدخل بعض الدول المجاورة ووقوف الأمريكان موقف المتفرج والمساعد وتجريدهم أسلحة المنتفضين لكان الأمر محسوم في حينه. والتبرير الوحيد الغير مقبول على أن الأمريكان لم يأتوا لتغيير الحكم بل كان تحركهم لتحرير الكويت...نعم نتأسف لما جرى بعدها من قتل وتشريد والعالم مليء بالشهود العيان لكلما جرى، وهم أهم المصادر التي نستدل بها في عراق المستقبل لمعرفة حقيقة الأمر ولن يترك أحد من الحساب بعد التقصي الدقيق والتوصل للحقائق.
عراق المستقبل سيكون فيه للمواطن حق التصويت وبيان ممثليه في البرلمان الحر المستقل عن كل القيود الحزبية والسلطوية، بل البرلمان سيكون السلطة التشريعية والشرعية الوحيدة المتمثلة بكل الطيف العراقي. العراقي يتطلع لحكومة تنفذ مقررات وقرارات البرلمان وبأمان دون أي تحيز أو تمييز ولا تحت أي ضغوط إقليمية أو دولية. في المستقبل القريب القادم، سيكون للعراق محاكم عادلة ومستقلة وتحت سلطة قانونيين غير منتمين يعملون لخدمة الشعب والقانون المنتخب من قبل الشعب من أجل تعميم الأمن والاستقرار، لا يؤثر عليهم
حاكم أو انتماء مذهبي أو قومي العدل هدفهم السامي. العراق القادم ستكون له أجهزة أمن لأمان الشعب من الداخلية وتقليل الجرائم والحد والنظرة
السلبية التي تولدت لدى المواطن العراقي بخصوص رجال الأمن وقمعهم للحريات تتغير والنظرة تتوج بالبهجة والسرور عند رؤيتهم لرجال الأمن ويعتبرونهم موظفين من قبل الشعب وفي خدمتهم وليس كما عاهدناه في زمن السلطة الإجرامية. الجيش لا يتدخل بشؤون الدولة وتقتصر مهمته لدرء الخطر الخارجي ومهمته وظيفية بحتة لا تتعلق بأي سياسة وتكون تحت إشراف الوزير المختص وهو بدوره يكون تحت رقابة اللجنة الخاصة المنبثقة من البرلمان.
الضمان الاجتماعي سوف يوفر للمواطن حقه للعيش بالمستوى المعقول إن كان عاجزاً وليس له القدرة من العمل. وعلى الدوائر المختص توفير فرص العمل للجميع. هدف مؤسسة الضمان الاجتماعي يجب أن يكون رفاهية الإنسان العراقي مهما صغر أو كبر سنه. المؤسسات المدنية تعمل بكل حرية وتبث الوعي السياسي، الثقافي، الاقتصادي، العلمي والتقني بين جميع صفوف الشعب دون أي تمييز. وسائل الأعلام لا تتبع الحكومة والأحزاب فحريتها واستقلالها ضرورة حتمية لا يمكن التغاضي عنه بأي شكل من الأشكال.
سيثبت العراقيون إخلاصهم لوطنهم والثروات الطبيعية حتى ينشئوا بلداً متفوق في كل المجالات من خلال تواصلهم المستمر في عملية البناء للإنسان العراقي المتحرر من كل قيود التبعية والاستعباد الحزبي. ولا يجوز له التصفيق للحاكم بعد اليوم، ولا يحق لأي كان أن يتوهم ولو قيد شعرة من أجل استغلال المشاعر بشعارات ومصطلحات عقيمة. الكل في خدمة البلد والشعب، وعلى الجميع أن يســـأل نفســــــــه ماذا قدمت لبلدي قبل أن يسأل الآخرين عن الذي قدموه أو يجب تقديمه.