أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين المزوري - حينما تموت الرياحين














المزيد.....

حينما تموت الرياحين


علي حسين المزوري

الحوار المتمدن-العدد: 1481 - 2006 / 3 / 6 - 10:55
المحور: الادب والفن
    


على همسِ تلكَ النسائم التي كانت تُراقِصُ أغصانَ أشجارِ الليمون كأنها إيقاعٌ شرقيّ قد طُرِبَتْ له تثاقلتْ بهِ خطاهُ وهو يسيرُ متجهاً من البابِ الذي طالما أحسّ أنهُ بابُ سجنٍ يجتازهُ في الصباحِ ليعودَ إليهِ في المساء نحوَ الحديقةِ التي أخبرتهُ ذاكرتهُ أنها تعجُّ بالوردِ الأرجواني و الرياحين التي سكنهُ عشقُها منذُ أنْ كان طفلاً وديعا,ً و استمرّت خطاهُ الثقيلةُ بالسيرِ في الحديقةِ التي صار يُدرك أنها عطشى كلما توغّلَ فيها أكثر و فجأةً تلكَ الخُطى التي ما كادت تحمِلُه ساقتهُ كأنها جنيٌّ من جُندِ سُليمان في طرفةِ عينٍ إلى تلكَ الرياحين التي آخرَ مرةٍ يتذكرُ أنهُ شمَّ عبيرها كانت منذ شهرين, لكن ستون نهاراً من الصيف قادرةٌ على أن تجعلهُ يصرخ في داخلهِ:يا للهول ما الذي حدثْ؟ كيف ولماذا ماتت هذه الرياحين؟ لماذا أصبح وجهُ الموتِ يرسُمُ لها كفناً و يهيئ مراسيمَ عزاءها؟ و بينما هو لا يزالُ يتخبّـطُ في زوبعةِ مفاجأةٍ مريرة قفزتْ إلى رأسهِ صورةُ سميـّه و هي تقول له: لا أحسبكَ إلا إنساناً قد خُلِقتَ من حجارةٍ صلدا ,طُحِنَتْ ثمَّ سُقِيَتْ من القساوةِ حتى صارت طيناً سواهُ ربي رجلاً بلاني بحبه , إنك لست أبو الهُولْ بل أنت أبو الأهوالْ ,تُجرِّعُها كلَّ من يعرِفُكْ.ربمَّا تذكّر سميّه في هذهِ اللحظة لأجلَ ذلك الطنين الذي ظلَّ عالقاً في أذنيهِ طويلا: سُقيتَ من القساوة......سقيت من القساوة ....سقيت من القساوة,ثمّ بدأتْ نفسُهُ تحدّثـُه:أ عسايَ خُلقتُ من طين تبللَ بماءِ القساوة؟ هل سَقيتُ الرياحينَ من ذلك الماء؟نهضَ من أمامِ مقبرةِ الرياحين و توجّهَ نحوَ البابِ الذي يمقُتهُ مُقتَ الطائرِ الحبيس لباب قفصه.توجه إلى الداخل وفيهِ بعضُ الأملِ أنَّ الماءَ قد يُعيد الرياحينَ ثانيةً إلى الحياة, و مرة أخرى تثاقلتْ بهِ خُطاهُ و بدأت صور سميه تقفِزُ من جديد إلى رأسهِ, تذكر تلكَ الصورة التي نسجتها مخيلتُهُ لسميّه بعد أنْ أغلقَ سماعةَ الهاتفِ في وجهِهِا ذاتَ يوم, و تذكر صورة أخرى كأختها نسجتها مخيلتهُ لها و دموعها تسيلُ على خدّيها فتصنعُ بقعةً من الحزنِ على مخدتها في الليل بعد صباحٍ مُؤلم أدارَ عنها وجههُ حين رآها في الشارع, و بقيَ يتذكر الصور المأساوية للفتاة التي لم تُسئ إليه مقدارَ حبةٍ من خردلْ.وصَلَ إلى الداخل وبدأ يملأُ إبريقاً من الماء سرعان ما امتلأ في بضعِ ثواني لكنّ هذه الثواني مرّتْ عليهِ كأنها عشرةُ أعوام , ارتمت هذه المرة لرأسِهِ صورةُ أمهِ التي أكلها المرض من فروةِ رأسها إلى أخمصِ قدمها لكن صورتها مشوشة فهو لم يزُرها منذُ ستةِ أشهرٍ ولم يـطأ بابَ بيتِ أخيه و بدأت تتساءل نفسه : أتكون أمي عطشى كتلكِ الرياحين ولا تُسقيها زوجةُ أخي التي لا ألومُها إن أهملت رعاية أمي ما دامَ ابنُ أمي قد أهمل أمَّه؟ أتكون أمي الآن تنادي على من يُسقيها الدواء فلا تجد؟ و استمرت تساؤلاتُه حتى وصلَ إلى مقبرة الرياحين لكنها صارت تأخذ مجرى ثاني فقد أصبحت تستفسرُ عن أمورٍ أعمق : لما يذكرنا الموت بضرورة أن نحيا ؟ لما الموتُ دلّني على أخطاءٍ ارتكبتُها في حقِّ أقربِ الناسِ إليَّ و لم أكن من قبل أراها أخطاء ؟ لما موت الرياحين صار مصيبةً و موتُ إنسانيتي و حبي للحياة لا يحظى باهتمامي؟
شيئاً فشيئاً بدأتِ الابتسامةُ تُرسَمُ على وجههِ كأنما وحيٌ من السماءِ يرسمها و أخذت السعادةُ تغمره, ما الأمر ماذا جرى له؟ كيف انهمرَ عليهِ هذا الفرح من غمامِ حزنٍ كادَ ان يفتِكَ بهِ قبلَ قليل؟ وضع إبريق الماء بجانب الرياحين و أنشد يكلمها: أشكرك..أشكرك من كل قلبي فقد أعدت الحياة إلى قلبي, بموتكِ أحييتني, جعلتني أُبصِر ما لم أكن أرى ,بُوركتِ في مثواكِ هذا بوركت, و أعذريني لن أكونَ لك بساقي فالأحياءُ أولى بالسقايةِ من الأموات, أنا ذاهب لأسقي ظمآنين لم تمتد يدُ الموتِ إليهم بعد علـّهم الآن في انتظاري.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -بطلة الإنسانية-.. -الجونة السينمائي- يحتفي بالنجمة كيت بلان ...
- اللورد فايزي: السعودية تُعلّم الغرب فنون الابتكار
- يُعرض في صالات السينما منذ 30 عاما.. فيلم هندي يكسر رقما قيا ...
- -لا تقدر بثمن-.. سرقة مجوهرات ملكية من متحف اللوفر في باريس ...
- رئيس البرلمان العربي يطالب بحشد دولي لإعمار غزة وترجمة الاعت ...
- عجائب القمر.. فيلم علمي مدهش وممتع من الجزيرة الوثائقية
- كيف قلب جيل زد الإيطالي الطاولة على الاستشراق الجديد؟
- نادر صدقة.. أسير سامري يفضح ازدواجية الرواية الإسرائيلية
- صبحة الراشدي: سوربون الروح العربية
- اللحظة التي تغير كل شيء


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين المزوري - حينما تموت الرياحين