أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - سليم نسيب - سعيا للتخلص من العالم العربي















المزيد.....


سعيا للتخلص من العالم العربي


سليم نسيب

الحوار المتمدن-العدد: 415 - 2003 / 3 / 4 - 03:08
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    



Selim NASSIB

مهما كانت الحجج التي تتذرع بها اميركا لمهاجمة العراق (وفي السياق ارساء "الديموقراطية في المنطقة”) فإن هذه الحرب ليست ممكنة الا بسبب الحالة المذرية للعالم العربي. انهار جدار برلين، تحول الاتحاد السوفياتي رجع صدى، دخلت الكرة الارضية عصرا جديدا وبقي هذا العالم العربي على حاله الميئوس منها. هو لا ينفرد كثيرا بالانظمة الاستبدادية المتحكمة به الى حد بعيد، فمناطق اخرى من العالم عانت ولفترات متفاوتة من الديكتاتورية. لكن هنا، تمر السنون من دون ان تولّد المجتمعات العربية حركات واسعة في سبيل الحرية والديموقراطية والحداثة. ولا تزال ملكيات من زمن مضى وانظمة عسكرية مموهة باللباس المدني تمسك بزمام السلطة ولا تواجه معارضة فعلية سوى من الحركات الاسلامية. فيبدو ان العرب مرغمون على مجرد الاختيار بين اشكال مختلفة للاستبداد. 

يخلص البعض في الغرب الى القول انطلاقا من واقع الحال هذه، الى ان الاسلام في حد ذاته يحمل بذور العداء للديموقراطية مستشهدين على ذلك بآيات من القرآن. وبحسب هذا المناخ السائد في اوساط تتجاوز الى حد بعيد الدوائر العنصرية، فإن "تأخر" العرب هو من صنع العرب انفسهم، ينبع من عقليتهم والدين الذي ابتدعوه ونشروه ومن نقص في ثقافتهم السياسية الخ... يجيب العرب انهم لا يتحملون ادنى مسؤولية عما آلت اليه احوالهم وان الغرب (الاستعمار والامبريالية واسرائيل) هو الذي عمد الى طردهم من الحداثة. وهم ايضا يشهرون استشهادات معادية للحرية لكن مستقاة من التوراة او الاناجيل تبرهن ان الحملات الصليبية ومحاكم التفتيش لم تكن اقل تعصبا من التيار الاسلامي الراهن. ويذكرون في شكل خاص انه ابان العصر الذهبي في الاندلس كانت الامبراطورية العربية مثالا يحتذى في التسامح والعلم والثقافة. دقة الختام.

لكن سواء أكان الذنب ذنبهم ام ذنب الآخرين ام تشاطراً للمسؤولية، فمن الملح الاجابة عن السؤال: لماذا يعطي العرب الانطباع منذ زمن طويل بأنهم عالقون في ماضيهم (المجيد) وعاجزون عن العبور الى الازمنة الراهنة؟ والمشكلة ليست جدلية على الاطلاق اذ انها تهدد السلام العالمي. فمنذ اشهر نشرت احدى الصحف الفرنسية مقالا موقعا من اختصاصي في الشؤون العسكرية يؤكد ان العالم لا يمكنه التكيف طويلا مع الشلل الذي يصيب اولى المناطق النفطية فيه. ويتوقع ان يصبح انعدام التوازن هذا قابلا بالضرورة للانفجار وان على اوروبا بالتالي اعادة صياغة استراتيجيتها العسكرية من اجل اكتساب الوسائل التي تؤمّن لها التدخل في العالم العربي. ان الرئيس جورج والكر بوش يقوم بالرغم من الغموض المحيط بسياسته في وضع هذه النظرية موضع التنفيذ لكن بصفة "احترازية" (اي انه سيطلق الرصاصة الاولى).

يؤكد السيد اسامة بن لادن في احد الاشرطة المسجلة له وفي احدى الجمل المعطوفة التي لم تلفت الانتباه ان العالم العربي يتقهقر "منذ ثمانين عاما”. لماذا ثمانين عاما؟ يعيدنا هذا التاريخ بحساب بسيط الى العام 1920، نهاية الحرب العالمية الاولى وانهيار السلطنة العثمانية والانتداب الفرنسي والانكليزي على المنطقة. في هذا التاريخ خرج العرب من اربعة قرون من الهيمنة التركية ليُحكموا على أيدي الكفار. وهذا ما يفسر ملاحظة ابن لادن: لا خلاص خارج الخلافة الاسلامية.

لكن في ما يتعدى تفكير الرجل فإن العرب لم يهضموا هذا الانتقال من زمن الى زمن. كانوا يعيشون ويفكرون، يروحون ويجيئون داخل حيز عربي لا حدود له مندمج في الامبراطورية العثمانية. ومع ان السلطان كان مسلما الا انه كان غريبا، تركيا، وفي ذلك اهانة لشعب يحمل فكرة عالية جدا عن ماضيه وهويته. وكان الباب العالي (اسم جميل بين الارضي والماورائي) قادر على ارتكاب الاعمال الوحشية لكنه كان يفسح المجال امام رعاياه ليديروا شؤونهم بأنفسهم شرط دفع المال وتقديم الرجال. فبعد تسديد الضريبة وارسال ابنائهم الى الجيش كان العرب العاديون في بيروت او دمشق او القدس معفيين من اي واجبات اخرى تقريبا. فالسلطة السياسية موجودة في مكان آخر وما كان عليهم القلق في شأنها. وكانوا منضوين ضمن عائلات وعشائر وطوائف ومناطق وعصبيات، وكانوا عربا من فلسطين او لبنان او سوريا دون ان يشكل "موطنهم" الاصلي انتماء قوميا لهم.

من جهتهم، أدرك المثقفون العرب تراجع الامبراطورية العثمانية المحتوم امام الغرب المتفوق بوضوح وصاحب الاطماع الظاهرة للعيان. ومن اجل مواجهة هذا التحدي، اطلقوا منذ نهاية القرن التاسع عشر حركة نهضوية ثقافية وسياسية امتزجت فيها الارادة في الاصلاح الاسلامي وتغيير المجتمع واستعادة المصادر الحية التي قد تمكن العرب في النهاية من ان يكونوا جزءا من العالم. وكان التعبير السياسي لهذه "النهضة" ضرورة التحرر من النير العثماني. وبما انه لا يمكن اطلاق هذه الحركة تحت راية الاسلام (كون السلطنة العثمانية سلطة اسلامية) فإنها ارتبطت في الضرورة بفكرة القومية العربية التي كانت قيد التكون وتضم المسلمين والمسيحيين والعلمانيين. 

وقد احسن الانكليز (عبر لورنس العرب) والفرنسيون العزف على وتر الرغبة الاستقلالية التي كانت من القوة بحيث دفعت العرب عندما دقت الساعة الى الثورة على اسيادهم المسلمين ليساهموا في سقوط الامبراطورية العثمانية. لكن الدولة العربية الكبرى الموعودة بقيت في طبيعة الحال سرابا وزادت بريطانيا الطين بلة يوم وعدت بتسهيل انشاء "وطن قومي يهودي" في فلسطين. في هذه الحال من الخداع والهزيمة والتندم تقدم العرب والمرارة تلفهم  نحو الحداثة التي طالما تاقوا اليها. 

وسرعان ما ارتسمت الحدود فوق اراضيهم وانشئت عليها البلدان. فكان على العرب التخلي عن تصورهم لانفسهم كرعايا السلطان ليعتنقوا تصورا آخر يجعل منهم مواطنين في دول منفصلة (تحت الانتداب الفرنسي او البريطاني). لماذا الانتداب؟ رسميا من اجل رعاية هذه الدول الشابة الموعودة بالاستقلال وتنشئتها وتنظيمها وتزويدها المؤسسات الديموقراطية من اجل قيادتها تدريجيا نحو الازمنة الحديثة.

لكن رياح النهضة بقيت تعصف حتى داخل الاطر المجزأة والمقيدة. وها هو المحدّث الليبيرالي، "أبو" الاستقلال المصري، سعد زغلول، يدرج نضاله صراحة في سياق هذه النهضة. وفي العشرينات، اشار الكاتب المصري الكبير طه حسين الى ان الشرق والغرب غصنان من جذع واحد هو الحضارة اليونانية. وبفضل الاندلس العربية وصل هذا الميراث الى الغرب الذي تغذى منه في تطوره. في المقابل، ضمر الغصن الشرقي بسبب الاحتلال الاجنبي (التركي والبريطاني)، وعلى العالم العربي استعادة الوقت الضائع والتقدم بخطى حثيثة نحو حداثة شرقية تمكنه من التحول الى شريك لحداثة الغرب.

لم تكن افكار طه حسين تلقى الاجماع لا بل اعتبر البعض ان النهضة العربية تتطلب عودة الى قراءة اكثر صرامة للاسلام. لكن التفسير التقدمي كان مسيطرا واظهر العالم العربي كجماعة توقا للحاق بالعالم. 

اما اسباب فشله فمتعددة ومتنوعة لكن ما يقدمه العرب على غيره من الاسباب هو المشروع البريطاني لانشاء "وطن قومي يهودي" والذي ادخلته الامم المتحدة ضمن مهام الانتداب الانكليزي على فلسطين..               

قبل ولادة اسرائيل كانت حقيقتها الافتراضية بدأت تمثل منافسا خطيرا على العرب لدى الغرب المحبوب. وكان المطلوب ان نلبس ونتعلم ونقترع ونرضخ لقرارات المجالس المنتخبة واحترام القانون كما في اوروبا وفي الوقت نفسه القبول من دون اعتراض (وتحت قيادة زعماء مرتهنين في شكل او آخر للانكليز) بما بدا انتهاكا فاضحا للحق واغتصابا زاحفا لفلسطين.

وفي 1948 عند اعلان قيام دولة اسرائيل، شعر العرب مرة اخرى انهم وضعوا خارج العالم. فالتورط المهين للحاج امين الحسيني، زعيم الفلسطينيين في حينه، مع هتلر خلال الحرب العالمية الثانية قد افقدهم الكثير من الاعتبار. بالطبع ان التعاطف والشعور بالذنب الدولي اتجها في هذا الاطار نحو الناجين التعساء من المحرقة ولم يطاولا قط الشعب الفلسطيني الذي ارغم ثلاثة ارباعه على الهجرة القسرية بسبب قيام اسرائيل. هكذا اضيف الى شعور الضغينة العربية بسبب ما تعرضوا له من خديعة غداة الحرب العالمية الاولى، ضغينة اكثر حرقة. فالـ "نهضة" وهي المحاولة الكبرى الاولى العربية للالتحاق بالعالم قد فشلت امام الـ "نكبة" الفلسطينية.

الزلزال كان من القوة بحيث اطاح خلال عقد من الزمن غالبية الانظمة والملكيات التي حمِّلت مسؤولية الهزيمة. وجاءت فاتحة التغيير من مصر حيث حملت الثورة الى سدة الحكم عسكريين بقيادة جمال عبد الناصر. فباسم الوحدة العربية وتحرير فلسطين و(بشكل ثانوي) الاشتراكية رسم عبد الناصر جغرافيا جديدة قسمت العالم العربي قطبين، من جهة مصر المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي ومن جهة اخرى السعودية حليفة اميركا.

في الواقع، فإن النظام العلماني نسبيا الذي اقامه عبد الناصر وتم نسخه الى حد ما في عواصم عربية اخرى، هو في اساس المحاولة الكبرى الثانية للالتحاق بالزمن الحديث. وقد اطلقت مصر على نفسها تسمية "الجمهورية العربية المتحدة" على امل التوسع تدريجيا نحو بلدان اخرى وكسر الاطار المحظر للدول القطرية لاستعادة الشكل "الطبيعي"  ("من المحيط الى الخليج”) للدولة المستقلة الكبرى التي ستسمح اخيرا للعرب باحتلال موقعهم في العالم.

في الانتظار عمل المعسكر الذي قاده عبد الناصر في سبيل "التقدم” (وسمّي المعسكر التقدمي) تبعا للفهم السائد في حينه للتقدم اي التأميم والاصلاح الزراعي والرقابة على الثروات والتحديث والتربية وتقاسم المداخيل... لكن الديموقراطية كانت تنعت في الغالب بالـ"بورجوازية". مع ذلك استمر الانجذاب للغرب ونمط حياته والتوق للتماهي معه. مرة اخرى لم تخف الخطب المعادية للامبريالية شعور الاحباط من عدم تجاوب المحبوب.

 والمفارقة ان الولايات المتحدة التي تدعو الى قيم الحرية والديموقراطية اتخذت لنفسها حليفا رئيسيا العائلة المالكة في السعودية، آل سعود ونظامهم العشائري الاستبدادي اجتماعيا ودينيا والمعتاش على الريع النفطي وهو يمول من جهة اخرى الدعوى الاسلامية بلا حدود. ففي ظل هاجس الحرب على الشيوعية، اعتاد الاميركيون استخدام ورقة الاسلام الاكثر اصولية كاستراتيجيا لمواجهة "التقدميين" المصنفين كفرة وشيوعيين وملحدين واعداء الله.

فشل التوجه الناصري لاسباب عديدة لكن الرأي العام العربي لا يحفظ منها الا "النكسة" اي الهزيمة العسكرية التاريخية عام 1967 ابان حرب الايام الستة. فبعدما طردوا مرة اخرى من العالم، رأى العرب من جديد في اسرائيل مصدر هزائمهم وتعاستهم مما يوفر عليهم في كل حال اعادة النظر في انفسهم. فالامة العربية المهزومة تنتقد "المؤامرة" وترفض النقد الذاتي وتسكت الاصوات النشاز وتضع آمالها في الثورة الفلسطينية الناشئة. انتهى النظام الناصري مع غياب مؤسسه عام 1970 لكنه اورث سوريا (مع حافظ الاسد) والعراق (مع صدام حسين) نظامين من الطبيعة نفسها استمرا قائمين بتحولهما الى ديكتاتوريتين عسكريتين صارمتين.

في المقابل، بقيت السعودية الورقة الاميركية الرئيسية. لكن انتصارها على عبد الناصر وارتفاع اسعار النفط اربع مرات (عام 1973)، ضاعف من امكاناتها في التدخل ونشر الدعوى الاسلامية. وسرعان ما تحولت سوريا والعراق (اضافة الى الجزائر البعيدة) قلاعا للقومية العربية محاصرة ضمن محيط تم شراؤه واسلمته وتحييده بفضل الدولارات السعودية. وفي العام 1977، ومع توقيع السلم المنفرد بين اسرائيل ومصر بزعامة الرئيس انور السادات، كان في مقدور الاميركيين القول ان خطتهم للمراهنة على الاسلام توجت بالنجاح.

لكن ليس لوقت طويل. ففي العام 1979 برهنت لهم الثورة الايرانية فجأة انهم يمكن الجمع تماما بين التوجه الاسلامي والعداء لاميركا وهذه تنويعة لم يصادفوها فعلا في السابق. فبعد ما تعرضوا له من اهانة في عملية احتجاز الرهائن في سفارتهم في طهران وهو بمثابة الفعل التأسيسي للجمهورية الاسلامية، لم يغتاظوا ابدا لرؤية صدام حسين يعلن الحرب على نظام الملالي. لكن الايرانيين ابدوا مقاومة وقلبوا المعادلة فنسي العالم العربي خلافاته، وباستثناء سوريا التف حول صدام لاحتواء هؤلاء الاسلاميين الفرس والشيعة الذين يهددون آبار النفط في الخليج. اميركا بدورها شجعت صدام حسين لتحول عدو الامس الى حليف.

لكن الاستراتيجيا السابقة كانت مستمرة في امكنة اخرى ولا سيما في افغانستان: الولايات المتحدة تدعم بمختلف الوسائل مجموعات اصولية اسلامية عدة لمحاربة الاحتلال السوفياتي ونظام كابول الموالي لهذا الاحتلال. انه فصام الشخصية التام. فبينما كانت غالبية الانظمة العربية متحالفة مع الولايات المتحدة في الحرب ضد التيار الاسلامي الايراني، انتقل آلاف المتطوعين العرب للقتال الى جانب الاسلاميين الافغان المدعومين من الاميركيين انفسهم.

عام 1988، ربح العراق رسميا الحرب على الجمهورية الاسلامية لكن البلد خرج منها نازفا منهكا بعد ثماني سنوات من النزاع وكان يجب اعادة اعمار كل ما تهدم. وفي ردة فعل ناقمة على نكران الجميل من دول الخليج، ومتوهما التفهم الاميركي لخطوته، اقدم صدام حسين على احتلال الكويت قبل ان يدرك ان الرئيس جورج بوش الاب لن يدعه يفعل ذلك. كسرت حرب الخليج الاولى العراق من دون ان تطيح نظامه ودفعت بالولايات المتحدة الى انزال قواتها ومعداتها العسكرية في السعودية. ان وجود "الكفار" هذا بالقرب من الاماكن المقدسة اثار "انشقاق" ابن لادن المتدرب في الاساس على أيدي الاميركيين.

يمثل بروز ابن لادن كرمز للمعارضة منعطفا اساسيا. فمعه ليس المطلوب محاولة اللحاق عبثا بـ"العالم الحديث" بل الانتقام منه بتدميره، من اجل ان تقام على انقاضه أمة الاسلام المثالية. والرجل الذي يوجه هذا الخطاب الابوكاليبتي (ويرتكب الافعال مهللا) ليس اياً كان، فهو سليل عائلة بالغة الثراء والنفوذ تنتمي الى البلاط السعودي. فطال الشك فجأة قدس الاقداس اي ملكية آل سعود التي راهنت عليها الولايات المتحدة بشكل كامل. وصعق المحققون الاميركيون لدى اكتشافهم ان 15 من اصل 19 من ارهابيي 11 ايلول/سبتمبر هم سعوديون وانه من اعلى الهرم السعودي الى ادناه هناك العديد من المسؤولين الموالين لاميركا في اليد اليمنى والممولين لـ"الارهاب" في اليد اليسرى.

فضمن عدة الجهاد الذي اطلقه ابن لادن، تشكل الشبكة الضخمة للمنظمات الخيرية التي انشأتها السعودية منذ عقود، المعين المالي بينما يمثل مجاهدو افغانستان السابقون رأس الحربة فيه. واذا كان الاساس اللاهوتي ظلاميا، فإن وسائل عمل الشبكات الاسلامية تشبه الوسائل المعقدة والعالمية غير المتمركزة للامبراطورية المالية السعودية. هكذا ارتد رهان اميركا المطلق على الاسلاميين ضدها بقساوة. وبعد غياب العدو الشيوعي رقم واحد، نصبت الولايات المتحدة عدوا جديدا هو فرانشكتاين الاسلامي الذي خلقته بيديها وافلت من سيطرتها. فقلبت استراتيجيتها رأسا على عقب لتطلق حملة صليبية معادية لكل ما هو اسلامي وتطلب من العالم اجمع الانضمام اليها.  

مرة اخرى يشعر العرب بأنهم مستهدفون لانهم عرب فيتمسكون بانتمائهم ليعطلوا اي تفكير فردي مستقل بينهم. مع ذلك فالديموقراطيون موجودون بالفعل في هذه المنطقة من العالم وهم بالرغم مما يتعرضون له من تجاهل وقمع وحشي احيانا، يخوضون من دون اي دعم خارجي تقريبا معركة بالغة الصعوبة. لكن رسالتهم لا تصل، لا تتجسد. فيظهرون على صورة افراد شجعان ومعزولين لا يتمكنون من دفع مجتمعاتهم في الاتجاه الذي يصبون اليه.

بيد ان الشعوب العربية (وخصوصا الشعبين العراقي والسوري) تعرف ان نظام صدام حسين مستبد دموي عديم الذمة وان نظام الاسد في سوريا، في عهد الابن كما الاب، ليس اكثر لطافة. وقد يبتهجون لزواله شرط ان يتم ذلك من دون عواقب وخيمة. لكن خطاب الديكتاتور اليوم تجاه العدوان يشبه خطابهم وهم يوافقونه انتقاد الغرب الذي لم يف بوعوده ويكيل بمكيالين ويؤمّن الغطاء لاسرائيل، كما يؤيدونه في دعوته الى الوحدة العربية والدفاع عن القضية الفلسطينية. ان الشعور بالانتماء العربي هو في النهاية اقوى من التوق الى الديموقراطية التي تعتبر حلماً صعب المنال. 

يكتشف الاميركيون اليوم ان العالم العربي بات عصيا ومعقدا مع ملوكه الاصوليين وعسكرييه واسلامييه الذين يرقصون فوق آبار النفط. ويشكل مستنقعا لا يمكن ان تخرج منه سوى القلاقل والتشنجات. من اجل تفكيك التوتر في المنطقة كان المطلوب ايجاد حل بأدنى مقومات العدالة والانسانية لمشكلتها الميتولوجية الرئيسية: فلسطين. لن يكون ذلك كافيا (فاسرائيل ليست المشكلة الوحيدة على الاطلاق) بل كان سحب من الديكتاتوريات مبرر وجودها ومن الفكر الجماعي نزعته الانطوائية والشعور بالتهميش والتفسير التلقائي لجميع المصائب بأن "الحق على الآخرين”.

اما الحل الآخر فهو اللجؤ الى الجراحة (المجزرة) للانتهاء من الموضوع. فبالهجوم على العراق لا تشن الولايات المتحدة الحرب على هذا البلد فقط بل على العالم العربي باجمعه بما فيه من انظمة علمانية واسلامية. انه تحريك لوكر الدبابير غير معروف النتائج. يتخيل السيد جورج والكر بوش في سكرة جبروته المنفرد ان اخضاع العراق (الذي يمتلك ثاني مخزون من النفط في العالم) وتنصيب نظام "صديق" فيه، يحرره من السعودية غير الموثوق بها (والتي تملك المخزون الاول). وبعد اطاحة الديكتاتوريات والسيطرة على آبار البترول، سينفتح كالاعجوبة مستقبل مشرق وديموقراطية امام المنطقة بما فيها ايران. والمسألة المطروحة اليوم هي: هل تملك الكرة الارضية (باستثناء بريطانيا واسرائيل) الوزن الكافي لمواجهة مشروع الدكتور المجنون (Folamour) الجديد؟

--------------------------------------------------------------------------------

[1] صحافي، من مؤلفاته Oum, Balland, Paris, 1994.

 

 



#سليم_نسيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على بيان -حماس- بشأن مفاوضات وقف إط ...
- الجنائية الدولية: ضغوط سياسية وتهديدات ترفضها المحكمة بشأن ق ...
- أمطار طوفانية في العراق تقتل 4 من فريق لتسلق الجبال
- تتويج صحفيي غزة بجائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة
- غزة.. 86 نائبا ديمقراطيا يقولون لبايدن إن ثمة أدلة على انتها ...
- هل تنجح إدارة بايدن في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ...
- -ديلي تلغراف-: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا ...
- صحيفة أمريكية: المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة في ...
- رسالة هامة من الداخلية المصرية للأجانب الموجودين بالبلاد
- صحيفة: الولايات المتحدة دعت قطر لطرد -حماس- إن رفضت الصفقة م ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - سليم نسيب - سعيا للتخلص من العالم العربي