أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوزان حميد ناصر الجيلاوي - الدجاجة والجامعة - قصة تسجيلية














المزيد.....

الدجاجة والجامعة - قصة تسجيلية


سوزان حميد ناصر الجيلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 1474 - 2006 / 2 / 27 - 09:52
المحور: الادب والفن
    


( الدجاجة والجامعة )- قصة تسجيلية
الكوت
في صباح يوم الجمعة والذي غالبا لا يخلو من خيط رفيع للكآبة..كان قلبي يرزح تحت ثقل مجهول كأني احمل هذا العالم الواسع فوق صدري وبدا لي أنني مهما حاولت تفسير ذلك القلق أو اكتشاف مصدره كنت أفشل فشلا ذريعا..ولكن مع هذا فقد كنت أعلم السبب الرئيسي لذلك القلق والاضطراب، نعم اليوم سأسافر إلى الجامعة..إلى العاصمة الكبيرة حيث الناس فيها مختلفون تماما عن أولئك الذين تعودت على العيش معهم وأراهم في مدينتي الجنوبية البسيطة المطلة على نهر دجلة، ولعل أنسب كلمة يمكن أن تصف كل ذلك هي الشعور بالغربة مع انه لا توجد كلمات تستطيع وصف ذلك الشعور أبدا..سوى انه شعور فضيع يتسلل إلى داخل أرواحنا بكل هدوء ولكن بألم كبير كأنه يد ناعمة تحمل أظفارا حادة !
عدت إلى حقيبة السفر..وضعت فيها بعض الطعام الجاف الذي لا أخشى عليه من التلف خلال أسبوع أو اثنين لحين عودتي إلى البيت في المرة المقبلة، رز، عدس، سمن، الكثير من الفاصوليا وبعض البيضات التي أخفتها أمي عن أنظار و أفواه إخوتي وقامت بدسها في علبة فيها بعض الطحين لتمنع تكسرها أثناء السفر...
عندما استيقظت صباحا من النوم كانت أمي قد ذهبت إلى السوق، كنت أعرف انها لا تمتلك ما تنفقه هناك ناهيك عن أجرة الباص الذي يفترض به أن ينقلها إلى هناك !!
زاد ألمي أكثر من السابق..وصرت ألوم نفسي على ذلك، أكيد ذهبت إلى هناك من أجلي، كيف أجرؤ على أن أتسبب بالألم لتلك المخلوقة المعطاء التي لم تدخر وسعا في توفير كل احتياجاتنا رغم جفاف المورد ومعاداة القدر لها، كانت قادرة على هزيمة أصعب الظروف التي عجز عنها الرجال ممن واجهوا نفس المتاعب كانت الطائر البري الذي يغيب عن عشه ليعود وفي فمه ما يؤكل لتلك الأفواه المفتوحة. لم يكن من الصعب أن نحذو حذو تلك المرأة الجبارة، كانت حكمتها تتلخص بأنه إذا وضعت قدمك على بداية الطريق فما عليك سوى إكماله وقد قمت بتبني هذه الحكمة وحملها كشعار للإصرار كثائر يرفعه بوجه حاكم ظالم، فعندما قبلت في الجامعة توقع الكثير من الناس منا أن نلغي هذا القرار أو أن انقل دراستي في الكلية التي تقع في مدينتنا....طبعا لم يتوقعوا من العائلة التي تملأ بطونها بصعوبة أن ترسل أبنتها إلى العاصمة ولكن هذه المرة رفعنا اللافتة أنا وأمي..كل منا كان يمسك بأحد طرفيها تمسك هي طرفا في المنزل وامسك أنا الطرف الآخر في الجامعة....
وذهبت إلى الجامعة
في بعض الأحيان...كان المصروف الذي أحمله معي يكفيني فقط لأذهب وأعود به إذ عودتني حياتي البسيطة أن أكتفي بما هو في يدي...وإلا فان أي لسعة من الطمع بأكثر من ذلك سوف تسبب لي الألم والإحباط وربما الانحراف عن ذلك الطريق الآمن الذي تعودت أن أذرعه بخطوات مدروسة تتسارع وتتباطأ حسب إيقاع الظروف...
في الغرفة...قمت بتحضير ملابسي التي تتكون من قميص جلبته أمي بسعر مغري من سوق الملابس المستعملة، أما التنورة هي نفسها التي ارتديتها في العام الماضي..سوداء تميل إلى الاحمرار لشدة ما صافحت وجه الشمس وقمت بإحضار حذائي البالي ليستعد هو الآخر إلى السفر قمت بدهنه ببضع قطرات من الزيت ورحت أدعكه كمن يدعك المصباح السحري كنت أريد أن يبدو جديدا، يليق بطالبة تدرس اللغة الإنكليزية في العاصمة إلا أن جهودي انقلبت ضدي فبدل أن أُحسن من مظهره كان التنظيف كفيلا بإظهار الثقب الذي سببه ابهام قدمي في مقدمة الحذاء وهو كالمرض العضال غير قابل للعلاج إلا انني تعودت أن أُسكن ألام حذائي بلف خرقة سوداء على ابهامي فيضيع لونها مع لون الحذاء الأسود ومع هذا لم أكن اطمع بحذاء جديد ان أراد احد ينظر إلى حذائي فهذا من شانه اما رأسي فهو موجود في مكانه وهو متوفر لكل من يريد أن يكون صديقا... انتبهت إلى صوت فتح الباب...انها أمي ، كان وجهها الأبيض المدور الذي بدأ رائعا مع قطرات العرق التي كانت تزينه كلآلئ بيضاء رائعة....
كالعادة كانت تحمل كيس التسوق المنزلي الصنع الذي صنعناه من كيس طحين فارغ..ركضت نحوها وحملت الكيس من يدها كمحاولة مني للتخفيف عنها..وكعادتها افترشت أرضية المطبخ الباردة بعد أن ألقت عباءتها على الأرض..قمت بتفريغ محتويات الكيس التي دائما ما تكون مبهجة حتى لو كانت بسيطة.
بالإضافة إلى بعض الطعام البسيط الذي أصبح بعد ساعة وجبة غداء لذيذة..وبعض الخضروات، كان هناك كيس أسود لم استطع التكهن بمحتواه، أخذته أمي ووضعته أمامي بعد أن فتحته..
ويا للمفاجأة.انه حذاء جديد..!
- لمن هذا يا ماما ؟
كان سؤالا غبيا من جانبي
- لك ! أجابت
- قلت للبائع انك ترتدين نفس مقاس قدمي..جربيه هيا
قالتها بلهفة كأنها تريد أن تتأكد من حجم السعادة التي أشعر بها لا من حجم الحذاء!
- انه رائع يا أمي!
بعد انتهاء تلك المراسيم..وتجربة الحذاء الجديد سألت أمي:
- من أين أتيت بثمنه يا أمي؟
صمتت لعدة ثوان كأنها كانت تحاول إضافة متعة التشويق إلى المشهد..
- ما بك يا ابنتي ؟ ببساطة شديدة قمت ببيع دجاجتين من دجاجاتي ثمن الطعام والحذاء
وهذا(وأخرجت من جيبها مبلغا صغيرا من المال )مصروفك الأسبوعي والله كريم للأيام القادمة
في اليوم التالي صباحا كنت في الجامعة..كان ثقل اليوم السابق قد اختفى تدريجيا وليس كليا،
سألني زميلي الذي كان يجلس إلى جانبي في طريقنا إلى الجامعة....
-ما هذا الحذاء الجميل ؟ آه !أجل شكرا
ولم أتردد أبدا في إخباره أن أمي باعت دجاجتين من اجل أن تدفع ثمنه !
ضحكنا سويا من طرافة الأمر وبساطته (وأهميته) والأطرف من ذلك قدوم الدجاجة إلى الجامعة...!
بعدها كنت أسير بحذائي الجديد على دربي..بنفس الخطوات الثابتة نحو الهدف، لا يهم ان مشيت بحذاء ممزق أو جديد سأسير ورأسي مرفوع إلى الأمام وصورة أمي تبتسم تلوح لي في نهاية الدرب...!






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- دنيا سمير غانم تعود من جديد في فيلم روكي الغلابة بجميع ادوار ...
- تنسيق الجامعات لطلاب الدبلومات الفنية في جميع التخصصات 2025 ...
- -خماسية النهر-.. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد
- لهذا السبب ..استخبارات الاحتلال تجبر قواتها على تعلم اللغة ا ...
- حي باب سريجة الدمشقي.. مصابيح الذاكرة وسروج الجراح المفتوحة ...
- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوزان حميد ناصر الجيلاوي - الدجاجة والجامعة - قصة تسجيلية