|
الخريطة الأممية لليبيا
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 5660 - 2017 / 10 / 5 - 18:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حين اختطف رئيس الوزراء الليبي الأسبق علي زيدان، عدت بذاكرتي إلى أكثر من ربع قرن مضى، يوم كنّا نحضر مؤتمراً في القاهرة العام 1993، وأعلن عقب انتهائه عن الاختفاء القسري لمنصور الكيخيا ممثل ليبيا الأسبق في الأمم المتحدة، الذي كان انضم إلى صفوف المعارضة الليبية في الخارج، التي كان علي زيدان أحد نشطائها البارزين في ألمانيا، وبعد أن شكّلنا لجنة عربية للدفاع عن منصور الكيخيا في لندن، كان علي زيدان حضر الاجتماع لإعلانها، وضمّت محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني الليبي (لاحقاً) إلى عضويتها، إضافة إلى شخصيات فكرية وسياسية ودبلوماسية بارزة، وكانت برئاسة الشاعر بلند الحيدري. قلت مع نفسي هكذا يدور الزمن، فعلي زيدان الذي عمل ما في وسعه لإجلاء مصير الكيخيا، هو اليوم يختفي قسرياً بفعل الصراع السياسي، وضعف الدولة، وتفكّك مؤسساتها، واستشراء العنف والإرهاب في البلاد. وحين علمت بإطلاق سراحه، وشاهدته من على شاشة التلفزيون، استعدتُ مشهد اكتشاف رفات منصور الكيخيا في أواخر العام 2012 والاحتفال الكبير الذي نُظِّم له في طرابلس وبنغازي، حيث كان علي زيدان وقتها رئيساً للوزراء، وكان لي شرف حضور الاحتفال، وإلقاء كلمة فيه، وكنت أصدرت كتاباً عن الكيخيا (العام 1997) بعنوان «الاختفاء القسري في القانون الدولي- الكيخيا نموذجاً». ولعلّ مونولوجي الداخلي كان يقول: إلى متى تبقى ليبيا تعيش مثل هذا الاستعصاء، والاستثنائية، والتفكك؟ وبعد أن قرأت خريطة الطريق الأممية الجديدة التي اقترحها المفكر اللبناني والمبعوث الأممي غسّان سلامة، قلتُ عسى أن تكون هذه الخطّة هي الفرصة الأخيرة، بعد أن عانت البلاد لعقود من الزمان، الاستبداد، والعنف، والفردية، والارتجالية، والفوضى. وإذا كان هناك ما يثير التشاؤم لديّ منذ عقود من الزمان، لكنه تشاؤم بلا يأس، طالما هناك إرادة على تجاوز ذلك، لوضع حدّ للأزمة الليبية المستفحلة والمستمرّة منذ إطاحة نظام معمر القذافي في العام 2011، والتي ازدادت تعقيداً وعمقاً، بصعود النزعات الجهوية والقبلية وانقسام الدولة ومؤسساتها وانتشار الميليشيات والسلاح على نحو منفلت من عقاله وتفشي الفساد المالي والإداري وتعطّل التنمية واستشراء العنف والإرهاب، خصوصاً بانتعاش تنظيم «داعش» الإرهابي. وتستهدف الخطة بناء دولة المؤسسات التي تكون الكلمة فيها للقانون والدستور، لتجاوز مرحلة التيه السياسي على حدّ تعبير سلامة، الذي أشاد بقدرات ليبيا الكبيرة وحق مواطنيها في مستقبل زاهر، خصوصاً بعد فقدان الثقة بالسياسيين الذين أخفقوا في تقديم ما يجعل الليبيين غير نادمين على ثورتهم ضد النظام السابق.
وتشمل خريطة الطريق الأممية ثلاث مراحل هي: الأولى ستبدأ بتعديل اتفاق الصخيرات الذي أبرم في المغرب في أواخر العام 2015. والثانية عقد مؤتمر وطني لدمج الفاعلين على الساحة السياسية، والشروع بحوار مع الجماعات المسلّحة لضم أفرادها في العملية السياسية. والثالثة إجراء استفتاء شعبي لاعتماد دستور جديد للبلاد في مدّة لا تتجاوز عام واحد، الأمر الذي سيفتح الباب أمام إمكانية إجراء انتخابات عامة لانتخاب رئيس لليبيا، وبرلمان جديد. ولعلّ هذه الخريطة تحتاج إلى قبول من الأطراف المختلفة، وإرادة سياسية متوافقة، فضلاً عن جدّية من الأمم المتحدة، حيث سبقها مبادرات عدة، لكن تم تسويفها والالتفاف عليها وامتناع بعض الأطراف عن تنفيذها. ولكي تنجح تماماً فلا بدّ من الحصول على دعم الدول العظمى، ولاسيّما أعضاء مجلس الأمن الدولي (الدائمين)، إضافة إلى الدول الإقليمية والمحاور التي قامت عليها، سواء بدعم هذا الفريق أو ذاك. لقد حاول غسّان سلامة تقديم قراءته للمشهد الليبي في إطار الواقعية السياسية مستفيداً من الخبرة المتراكمة لمن سبقوه بإيجابياتها، وسلبياتها، إضافة إلى خبراته الدبلوماسية وكفاءاته السياسية، خصوصاً وهو يدرك إن فريقي الصراع ليس بإمكان أحدهما القضاء على الآخر، وبالتالي لا بدّ من حلول وسط يلتقي عندها المتصارعون، وتعترف بالتمايز والاختلاف في إطار ليبيا الموحدة، علماً بأن استخدام السلاح لم يكن مجدياً، أو حاسماً، وبالتالي لا بدّ من البحث عن مخرج سلمي لإغلاق ملف الحرب الأهلية والنزاع المسلح والعنف والإرهاب الذي يستمر منذ 6 سنوات ونيّف. ولكي تكون العملية السياسية شاملة، فلا ينبغي استثناء أية قوى سياسية أو مدنية، بما فيها الجماعات المسلحة التي عليها إلقاء السلاح والتوجه صوب حل سلمي يتوافق عليه الفرقاء، ولا يفترض فيه تهميش أي أحد، وقد كانت قمة الكونغو الأخيرة وزيارات تونس ولقاء بعض الفرقاء، مقدمة أولية للسير بخريطة الطريق الأممية. وستكون خطة غسّان سلامة الأممية أقرب إلى جرس إنذار، قد يكون أخيراً، فإمّا الاستمرار في التشرذم والتفتت والانفلات، وإما الاتفاق والتوافق بالتراضي على الانتقال إلى دولة مدنية لجميع الليبيين على أساس المواطنة المتساوية والشراكة والحد الأدنى من حقوق الإنسان الأساسية الجماعية الفردية.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسئلة ما بعد استفتاء كردستان
-
حين نقلّب أوراق صبرا وشاتيلا
-
بغداد تحتفي ب - أبو كَاطع-
-
ملامح نظام دولي جديد
-
فزّاعة الاستفتاء الكردي هل حانت اللحظة - التاريخية- للدولة ا
...
-
صناعة الإرهاب في العراق
-
في حضرة -أبو گاطع- ورحاب الكلمة الحرّة
-
مسلمو ميانمار بين نارين
-
في رحاب -أبوگاطع-الجمال في مواجهة القبح
-
في تأويل الظاهرة الارهابية
-
التنمية المستدامة 2030
-
مهدي السعيد وسرّديته السسوثقافية - ح 4
-
«أصيلة» وفضاء الإصلاح والتجديد
-
ترامب وتوازن القوى في أمريكا
-
مهدي السعيد وسرّديته السسوثقافية - ح 3
-
مهدي السعيد وسرّديته السسوثقافية - ح 2
-
مهدي السعيد وسرّديته السسيوثقافية - ح1 + ح2
-
أبو كَاطع - على ضفاف السخرية الحزينة- كتاب جديد للدكتور شعبا
...
-
ما بين الصهيونية والساميّة
-
بعض دلالات ما حدث في القدس
المزيد.....
-
الاتحاد الأوروبي يخفف قيود 100 ملليلتر على السوائل في المطار
...
-
ترامب يفرض رسوما جمركية مرتفعة على عشرات الدول
-
هل تعكس زيارة ويتكوف إلى غزة تغير في سياسة الإدارة الأمريكية
...
-
شاهد.. عملية عسكرية إسرائيلية تستهدف حي الشجاعية وتسبب دمارا
...
-
ترتيب أكبر الشركات من حيث القيمة السوقية
-
حماس: ندعو لجعل الأحد المقبل يوما عالميا لنصرة غزة
-
عاجل | معاريف عن مصدر سياسي إسرائيلي: اجتماع نتنياهو مع ويتك
...
-
هل تنجح تركيا في فرض رؤيتها على واشنطن بشأن مستقبل -قسد-؟
-
ويتكوف يزور مركز توزيع المساعدات في رفح
-
زيلينسكي:روسيا استخدمت حوالي 3800 مسيرة و260 صاروخا في يوليو
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|