بكر صدقي
الحوار المتمدن-العدد: 1463 - 2006 / 2 / 16 - 11:36
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ما الذي يربط بين ورقة النقاط السبع والمظاهرات قرب عوكر؟
أخرجت ما باتت تعرف بقوى 8 آذار الموالية للنظام السوري في لبنان مظاهرات صاخبة ضد زيارة وفد دبلوماسي أمريكي إلى لبنان، رفعت فيها شعارات رفض الوصاية الأمريكية على لبنان. لن نناقش هنا ازدواج المعايير في موقف تلك القوى من مختلف جهات الوصاية، لأنه ليس هذا هو الموضوع الحقيقي، بل سوف نبحث سر مظاهرة عوكر في الورقة ذات النقاط السبع والتي سماها الوزير غازي العريضي بالورقة اللقيط، ومن المفترض أنها تقدم مخرجا لأزمة العلاقات السورية اللبنانية. لقد توقف اللبنانيون أكثر ما توقفوا عند نقطة اللجنة الأمنية المشتركة التي قوبلت بالرفض لأنها محاولة لعودة المخابرات السورية من الشباك بعد خروج الجيش السوري من الباب، وهم الممسكين بجمر الاغتيالات السياسية التي حصدت نخبة من الساسة والإعلاميين، ويعيش قسم كبير ممن "لم يأت دوره بعد" تحت التهديد. صحيح أن الرفض اللبناني شمل النقاط السبع جميعا نسبيا أو بالإطلاق وفقا لكل نقطة، لكنهم لم يولوا عموما النقطة المتعلقة بـ"التنسيق في السياسة الخارجية بين البلدين" الاهتمام الذي تستحق. هذه محاولة لقراءة أكثر "حميمية" للنقطة المذكورة.
من الخطأ اختزال معنى "تلازم المسارين" الشهير إلى مجرد التنسيق بين البلدين في مفاوضات السلام مع الجانب الإسرائيلي، بل يتعدى ذلك إلى مجمل السياسة الخارجية والعلاقات العربية والدولية للبلدين، الأمر الذي تجلى في حقبة الوصاية السورية على لبنان في الإلغاء التام للسياسة الخارجية اللبنانية، وكان من الأجدى اقتصاديا للبلدين لو ألغيت حقيبة الخارجية في الحكومات اللبنانية، وتم تحويل مبنى الوزارة إلى وظيفة ذات جدوى "للشعبين والبلدين". لا يتعلق الأمر كذلك بفكرة أن النظام السوري كان يستخدم لبنان "ورقة" في المفاوضات مع إسرائيل أو في ابتزاز الدول الكبرى، بل يتجاوزه إلى مفهوم الدولة الوظيفية والدور الإقليمي لسوريا. هذا وحده ما يمكن أن يفسر لنا موجة خطف الرهائن الغربيين في بيروت الثمانينيات، وموجات التصعيد العسكري في الجنوب اللبناني في التسعينيات ( كما يفسر بصورة معكوسة الهلع الذي دب في الدبلوماسية والإعلام السوريين عندما قرر إيهود باراك الانسحاب من جنوب لبنان بصورة أحادية، وتم وصف القرار الإسرائيلي بالخبيث )، ففي كل مرة كانت دمشق تتحول إلى "مسرح لحركة دبلوماسية عربية ودولية كثيفة" وفقا لتعبيرات الصحافة في تلك الأيام. وكان الإعلام السوري ينتشي في تلك المناسبات بالمعنى الحرفي للكلمة عاكسا ثمالة القيادة السياسية، فيملأ الدنيا بلحن "لا يمكن تجاوز الدور السوري" أو الأغنية الخالدة التي تقول كلماتها على ألسنة دبلوماسيي الشرق والغرب: "لا سلام في الشرق الأوسط بدون سوريا" أو زجلية: "... وأكد الجانبان على محورية الدور السوري في المنطقة". لا خمرة تسكر النظام مثل المعلّقات الآنفة، لكن الأمر بطبيعة الحال لا يتعلق بمجرد السكر والانتشاء، فهذان يمكن توفيرهما بوسائل أقل أذى، بل وراء كل ذلك منافع مادية للطبقة الحاكمة من جهتين بصورة رئيسية: دول الخليج ولبنان، لكن هذا موضوع آخر يخرج عن الاهتمام المباشر لهذه المقالة.
قامت السياسة السورية إذن فيما يتصل بالدور الإقليمي للنظام، على السعي إلى احتكار العلاقة مع القوى الكبرى الفاعلة في الميدانين العربي والدولي، للحصول على أكبر قدر ممكن من التلزيمات والمقاولات السياسية في المنطقة، وهذا ما أدى إلى التنافس مع النظام العراقي والتحالف مع الإيراني والهيمنة على لبنان واختراق المقاومة الفلسطينية وضربها عند الضرورة، وعض أصابع مع تركيا من خلال حزب العمال الكردستاني ومياه الفرات ( بصورة متقابلة )، والتعاون المتفاوت النجاح مع النظام المصري ( نتذكر في هذا الصدد فشل إقامة المقاولة الأمنية التي سميت "إعلان دمشق" بعد حرب الخليج الثانية ). أما الأردن فقد احتمى دائما من عاصمتي "الأمويين والعباسيين" بعلاقاته المميزة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
كل هذا أصبح جزءا من الماضي، ومشكلة النظام السوري أنه ما يزال يتشبث بـ"خمور" تلك الأزمنة السحيقة في قدمها إذا فهمنا الزمن لا بوصفه مجرد شهور وسنوات، بل كتحولات تصيب عناصره واتجاهاته والعلاقات التي تنتظمها. لذلك خرق الثنائي الشيعي تقليدا لبنانيا متصلا في تقاسم الحقائب الوزارية طائفيا حين أصر على الحصول على حقيبة الخارجية المرصودة دائما للموارنة، باعتبار أن الثنائي المذكور وحزب الله بالأخص كان أحد أهم أدوات الدور الإقليمي للنظام السوري. بعبارة أخرى أريد استمرار إلغاء وزارة الخارجية اللبنانية لصالح "نظيرتها السورية" من خلال الإمساك بحقيبة الخارجية في حكومة يفترض أنها ستنهي الوصاية السورية على لبنان. ويندرج تهويل القوى الموالية للنظام السوري من وصاية أمريكية - فرنسية مفترضة على لبنان، في إطار رفض أي علاقات للبنان مع جميع دول العالم إلا من خلال البوابة السورية. زيارة أي دبلوماسي غربي بل وعربي إلى بيروت تقابل على الأقل بالتوجس، وتقابل في حدها الأعلى – حتى الآن – "بالبيض والبندورة والعصي" وفقا لتعبير الرئيس السنيورة والذي أثار حفيظة رئيس تحرير إحدى كبريات صحف بيروت. سأفترض، وأملك كل مقومات الافتراض، بأن عمرو موسى نفسه أو أي دبلوماسي عربي كان ووجه بـ"الاستقبال الشعبي" نفسه الذي ووجه به ديفيد وولش لو ارتكبوا الخطيئة القاتلة وزاروا بيروت دون المرور بدمشق، وبالمقابل كان حزب تلازم المسارين، وفقا لتعبير الشهيد سمير قصير، سيرحب بالوفد الأمريكي لو أنه مر على دمشق في طريقه إلى بيروت. ذلك أن إحدى الأغنيات المسكرة التي ذكرنا عددا منها، تقول كلماتها: "لا يمكن تجاهل دمشق" واللحن والتوزيع الموسيقي لحزب الله المقاوم... خلاصة القول أنه على لبنان أن يوكل السوريين بإدارة علاقاته الخارجية إذا أراد النجاة من تهمة استبدال وصاية بوصاية، مع العلم أن تسمية الأولى بالوصاية هو "شيء غير أخلاقي"، والتحرر منها تبعية! الخلاصة النهائية لهذا الخطاب "المقاوم": " أيها اللبنانيون، أنتم لا تستحقون الاستقلال!"
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟