أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حمشو - الديمقراطية والخصوصية















المزيد.....

الديمقراطية والخصوصية


صبحي حمشو

الحوار المتمدن-العدد: 1462 - 2006 / 2 / 15 - 10:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الديمقراطية والخصوصية ... الغياب والوجود
في كتابه ( ما الديقراطية .؟) لم يعمد آلان تورين إلى سرد تاريخ شامل للديقراطية منذ نشأتها ، عندما ولدت في (أثينا) مع الفيلسوف الكبير (أفلاطون) ، وحتى انتشارها بشكل واسع مع أفكار الثورة الفرنسية ، ومبادىء حقوق الإنسان المعلنة في كل من ( فرنسا ، بريطانيا العظمى ، الولايات المتحدة الامريكية ) ، وأخيراً ، وليس آخراً، إعلاني حقوق الإنسان الصادرين عن الأمم المتحدة ، إنما درس ، وبشكل مفصل ، وواسع ، ماهية وجوهر الديمقراطية ، وأشكالها المنتشرة في أماكن معينة من العالم ، كما أشار إلى غلبتها كخيار حضاري حديث تقوم على أساسه المجتمعات الإنسانية الحديثة .
ما يؤكده تورين ، كمفكر مشبع بالرؤية الحداثية في جميع المجالات ، وباحث عن آفاق جديدة ، تحذوها ، أو ستحذوها الديمقراطية ، يشكل رؤية شمولية للديمقراطية كنهج حضاري للإنسان استطاع خلال عقدين من الزمن أن يحقق للإنسان ، ويبني له ، الكثير من القيم الانسانية الرفيعة التي تغياها عبر مسيرته الطويلة والشاقة في الحياة والحضارة ، واستلبتها منه جميع الانظمة الساسية والاجتماعية التي وجدت عبر التاريخ .
يلاحظ تورين في تعريفه للديمقراطية ( اختيار حر ، خلال فترات منتظمة ، للحاكمين من قبل المحكومين ) ، أنها تتضمن ثلاثة أبعاد لا الديمقراطية والخصوصية ... الغياب والوجود
في كتابه ( ما الديقراطية .؟) لم يعمد آلان تورين إلى سرد تاريخ شامل للديقراطية منذ نشأتها ، عندما ولدت في (أثينا) مع الفيلسوف الكبير (أفلاطون) ، وحتى انتشارها بشكل واسع مع أفكار الثورة الفرنسية ، ومبادىء حقوق الإنسان المعلنة في كل من ( فرنسا ، بريطانيا العظمى ، الولايات المتحدة الامريكية ) ، وأخيراً ، وليس آخراً، إعلاني حقوق الإنسان الصادرين عن الأمم المتحدة ، إنما درس ، وبشكل مفصل ، وواسع ، ماهية وجوهر الديمقراطية ، وأشكالها المنتشرة في أماكن معينة من العالم ، كما أشار إلى غلبتها كخيار حضاري حديث تقوم على أساسه المجتمعات الإنسانية الحديثة .
ما يؤكده تورين ، كمفكر مشبع بالرؤية الحداثية في جميع المجالات ، وباحث عن آفاق جديدة ، تحذوها ، أو ستحذوها الديمقراطية ، يشكل رؤية شمولية للديمقراطية كنهج حضاري للإنسان استطاع خلال عقدين من الزمن أن يحقق للإنسان ، ويبني له ، الكثير من القيم الانسانية الرفيعة التي تغياها عبر مسيرته الطويلة والشاقة في الحياة والحضارة ، واستلبتها منه جميع الانظمة الساسية والاجتماعية التي وجدت عبر التاريخ .
يلاحظ تورين في تعريفه للديمقراطية ( اختيار حر ، خلال فترات منتظمة ، للحاكمين من قبل المحكومين ) ، أنها تتضمن ثلاثة أبعاد لا يمكن تجزئتها ، أو فصلها ، عن بعضها البعض .
وفي رصده للانظمة السياسية التي تأخذ بالديمقراطية ، رأى أنها تتمثل بثلاثة انماط تسير جنباً إلى جنب وهي : أولاً :الديمقراطية الليبرالية التي تعطي القانون الأهمية القصوى لتحديد سلطة الدولة مع الاعتراف بالحقوق الأساسية للمجتمع ، وهذا هو مبدأ الديمقراطية في بريطانيا . ثانياً : الديمقراطية الدستورية التي تعطي الأهمية الكبرى للمواطنة والدستور ، أو الأفكار الأخلاقية ، أو الأفكار الدينية التي تؤمن تلاحم المجتمع ، وتمنح القوانين أساساً صلباً تقوم عليه ، وهذا هو مبدأ الديمقراطية في الولايات المتحدة الامريكية . ثالثاً : الديمقراطية التنازعية وتعطي الأهمية للصفة التمثيلية الاجتماعية للحاكمين ، وهذا هو مبدأ الديمقراطية في فرنسا . لكن هذه الانماط للديكقراطية لا يمكن اعتبارها انماطاً تاريخية نهائية ، فبعضها ( كالديمقراطية الفرنسية ) نزع إبان الثورة الفرنسية إلى الأخذ بمبدأ ( المواطنة ) ، لكنها لم تستمر نظراً لنفوذ الحزب الشيوعي الفرنسي الكبير ، والأحزاب اليسارية فيها ، مما أدى إلى التحول عن مبدأ المواطنة إلى التنازعي .
وعلى كافة الأحوال ، فجميع هذه الانماط البارزة للديمقراطية تعتمد الأركان الأساسية الثلاث لها ( الانتخاب الحر ، خلال فترات منتظمة ، للحاكمين من قبل المحكمومين ) ، وتلك الأركان تنطبق إلى حد ما على ما كرسته الثورة الفرنسية من أفكار إنسانية خلاقة هي ( حرية ، مساواة ، إخاء ) ، ومنذ نشوء هذه الانماط من الديمقراطية وحتى هذا التاريخ ، أعطى كلٌّ منها مثالاً ناصعاً عن قوته وديمومته وقدرته على البناء والتجدد والتقدم ، مما يؤكد على أن الديمقراطية نهج حضاري وحداثي يسعى للتبلور والصفاء كلما زادت تجربته عمقاً ورسوخاً في الواقع .
وعلى النقيض من النهج الديمقراطي فإن كافة انظمة الحكم التي قامت سابقاً ، أو القائمة حالياً ، التي لم تكن الديمقراطية ركناً اساسياً لها في ممارسة السلطة وقيادة المجتمع ، والتي تتبدى بأشكال مختلفة من الملكية المطلقة ، التي تحكم باسم الحق الطبيعي أو الدين ، إلى الديمقراطية الشعبية التي تحكم باسمها مباشرة ، أو باسم الحزب الواحد ، أو الطبقة الواحدة ، فبعضها لا يطرح مسألة الديمقراطية مجرد طرح في كل ما يتعلق بنظام الحكم ، أو ما يتعلق بالحقوق الانتخابية للمحكومين وهذا ما تقوم عليه الملكية المطلقة ، التي لا تكتفي بذلك بل تعلن ، وبوضوح ، عداءها للديمقراطية . أما انظمة الحكم التي تحكم باسم الديمقراطية الشعبية ، فإنها تشوه الديمقراطية عندما ترفعها كشعار مجرد أجوف ، لا حياة فيه ، وهذه إما أن تحكم على الطريقة الاثينية ، وهي ديمقراطية نخبوية ، سرعان ما يتحول الحاكم فبها إلى حاكم مستبد مطلق أكثر ملكية من الملك في الانظمة الملكية المطلقة . وإما أن تحكم باسم الحزب الواحد أو الطبقة ، فتبني ديبمقراطيتها الشعبية على اساس إزالة من تسميهم الأعداء في الداخل والخارج ، المستغلين والرجعيين ، فتضربهم لتكون ديكتاتورية الحزب الواحد أو الطبقة ، ومن أجل ذلك تعمل على دمج الحالة الساسية بالحالة الاجتماعية والقانونية ، ثمَّ تنشىء جيشاً خاصاً ، كحرس لها ، بالإضافة إلى الجيش التقليدي ، ومئات الأشكال والأنواع من فروع الأمن والخاص والعام ، وبينما تهتم بالدفاع عن نفسها حيال أعداء حقيقين ووهميين ، فإنها تتحول إلى العنف والقمع والاستبداد ، فهي من حيث النتيجة لا تقف ضد الديمقراطية ، فحسب ، بل تعمل على تشوييهها وإفراغها من مضمونها الثقافي والحضاري والأخلاقي .
وإمعاناً في تشويه الديمقراطية ، وزيادة الهوة بينها وبين الشعب تذهب إلى الإدعاء أن للبلاد وضعاً خاصاً يفرض ويوجب هذا النمط من الجكم الذي تدعوه بـ( الديمقراطية الشعبية ، ديمقراطية العمال والكادحين ) ، فهل يبدو هذا الاحتجاج صحيحاً ؟ أم أنه مجرد ستار للحكم الاستبدادي المطلق ز؟
إذا ما ناقشنا هذا القول على ضوء ما سلف بيانه من فكر تنظيري وعقلاني للمفكر الفرنسي ( آلان تورين ـ في كتابه : ما الديمقراطية .؟ ـ منشورات وزارة الثقافة السورية .) ، وتحليل علمي للواقع ، والذي بين فيه ، كما أوضحنا أعلاه ، أن الديمقراطية ليست نظاماً سياسياً ، إنما نهجاً وخياراً ثقافياً وحضارياً واجتماعياً شكلته الإرادة الجماعية لكل من المحكومين والحاكمين ، له أركانه المتمثلة في ثلاث تتفاعل مع بعضها تغاعلاً حيوياً وديناميكياً ( الانتخاب الحر ، خلال فترات منتظمة ، للحاكمين من قبل المحكومين .) ، والتي لا يمكن أن ينجز بدونها مجتمعة ، لوجدنا أن القول بالخصوصية ليس إلا مجرد ذريعة تحاول هذه الانظمة عبرها أن تبرر تعسفها واستبدادها اللامحدودين لقهر شعوبها ، ووقف عجلة التاريخ .
إن الأسس الجوهرية التي قامت عليها هذه الانظمة ، واستمرت حتى تاريخه ، تحمل طابع العنف والاستبداد ، فالقول بمبدأ الحزب الواحد ، أو الطبقة ، يؤدي إلى الهيمنة الشاملة التي تعمل على تهميش الفوارق بين أفراد المجتمع وفئاته من كافة النواحي ، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وغالباً ما يتحرك التهميش يفعل القهروالعنف ليخرب البنى القانونية والاخلاقية والثقافية للمجمتع ، ونتيجة لهذا الفعل اليومي المتكرر ، وعبر سنوات ليست بالطويلة جداً ، ينقسم المجتمع إلى قسمين متراتبين على شكل هرمي لا علاقة له إطلاقاً بأي جانب من جوانب الحياة ، كالحراك الاجتماعي أو الاقتصادي ، أو حتى الأخلاقي أيضاً ، قسم الحاكمين ، وقسم المحكومين ، يتميز الأول بحضوره الدائم المطلق في كل شيء ، في فعل وحياة المجتمع ، ويغيب القسم الثاني غياباً شبه مطلق عن الفعل والحياة ليضيع ويتشتت ، ولا يكتفي الحاكمون أو يتوقفوا عند مرحلة معينة ، إنما يتابعون هذا الفعل القسري والعنفي حتى مع أنفسهم وصولاً إلى صفوة مختارة منهم ليقل عددهم شيئاً فشيئاً ، ويكبر عدد القسم الثاني فتكبر قاعدة الهرم انفتاحاً ، وتصغر قمته انغلاقاً ، وبسعي الحاكمين الدائم والمستمر إلى الانغلاق عن المحكومين ، وغلق كل الفضاءات المتاحة أمامهم ، يتحولون ويحولون المجتمع إلى قطيع ممزق الأوصال .
إنَّ مجتمع القطيع هذا الذي يعود في مراحله التاريخية للإنسان إلى أزمنة ما قبل التاريخ لا يدرك من جوانب الحياة شيئاً ، فلا سياسة ولا اقتصاد ، ولا قانون ولا أخلاق ولا ثقافة ، ولا تمايز بين أفراده وفئاته ، فقاعدة الهرم غالباً ما تتكون من أفراد هم نسخ متكررة عن بعضهم البعض ، يساقون بفعل القهر والعنف والاستبداد إلى صناديق الاستفتاء كما يساقون إلى السجون والمنافي والمقابر الجماعية .
وإذا كانت هذه الانظمة قد حولت نفسها وشعبها إلى نظام قطيعي يفتقر إلى أدنى مقومات النظام السياسي المتعارف عليه في علمي السياسة والاجتماع ، فإنها عملت على إلغاء كل ما هو عام أو خاص ، فلن تدرك ما هذا وما ذاك ، وبغدو احتجاجها بـ(الخصوصية ) مجرد ذريعة نحو مزيد من العنف والاستبداد الذي يكون اليوم مشكلة حضارية على مستوى العالم فعلاً .
سوريا ـ الرقة ـ المحامي صبحي حمشو
يمكن تجزئتها ، أو فصلها ، عن بعضها البعض .
وفي رصده للانظمة السياسية التي تأخذ بالديمقراطية ، رأى أنها تتمثل بثلاثة انماط تسير جنباً إلى جنب وهي : أولاً :الديمقراطية الليبرالية التي تعطي القانون الأهمية القصوى لتحديد سلطة الدولة مع الاعتراف بالحقوق الأساسية للمجتمع ، وهذا هو مبدأ الديمقراطية في بريطانيا . ثانياً : الديمقراطية الدستورية التي تعطي الأهمية الكبرى للمواطنة والدستور ، أو الأفكار الأخلاقية ، أو الأفكار الدينية التي تؤمن تلاحم المجتمع ، وتمنح القوانين أساساً صلباً تقوم عليه ، وهذا هو مبدأ الديمقراطية في الولايات المتحدة الامريكية . ثالثاً : الديمقراطية التنازعية وتعطي الأهمية للصفة التمثيلية الاجتماعية للحاكمين ، وهذا هو مبدأ الديمقراطية في فرنسا . لكن هذه الانماط للديكقراطية لا يمكن اعتبارها انماطاً تاريخية نهائية ، فبعضها ( كالديمقراطية الفرنسية ) نزع إبان الثورة الفرنسية إلى الأخذ بمبدأ ( المواطنة ) ، لكنها لم تستمر نظراً لنفوذ الحزب الشيوعي الفرنسي الكبير ، والأحزاب اليسارية فيها ، مما أدى إلى التحول عن مبدأ المواطنة إلى التنازعي .
وعلى كافة الأحوال ، فجميع هذه الانماط البارزة للديمقراطية تعتمد الأركان الأساسية الثلاث لها ( الانتخاب الحر ، خلال فترات منتظمة ، للحاكمين من قبل المحكمومين ) ، وتلك الأركان تنطبق إلى حد ما على ما كرسته الثورة الفرنسية من أفكار إنسانية خلاقة هي ( حرية ، مساواة ، إخاء ) ، ومنذ نشوء هذه الانماط من الديمقراطية وحتى هذا التاريخ ، أعطى كلٌّ منها مثالاً ناصعاً عن قوته وديمومته وقدرته على البناء والتجدد والتقدم ، مما يؤكد على أن الديمقراطية نهج حضاري وحداثي يسعى للتبلور والصفاء كلما زادت تجربته عمقاً ورسوخاً في الواقع .
وعلى النقيض من النهج الديمقراطي فإن كافة انظمة الحكم التي قامت سابقاً ، أو القائمة حالياً ، التي لم تكن الديمقراطية ركناً اساسياً لها في ممارسة السلطة وقيادة المجتمع ، والتي تتبدى بأشكال مختلفة من الملكية المطلقة ، التي تحكم باسم الحق الطبيعي أو الدين ، إلى الديمقراطية الشعبية التي تحكم باسمها مباشرة ، أو باسم الحزب الواحد ، أو الطبقة الواحدة ، فبعضها لا يطرح مسألة الديمقراطية مجرد طرح في كل ما يتعلق بنظام الحكم ، أو ما يتعلق بالحقوق الانتخابية للمحكومين وهذا ما تقوم عليه الملكية المطلقة ، التي لا تكتفي بذلك بل تعلن ، وبوضوح ، عداءها للديمقراطية . أما انظمة الحكم التي تحكم باسم الديمقراطية الشعبية ، فإنها تشوه الديمقراطية عندما ترفعها كشعار مجرد أجوف ، لا حياة فيه ، وهذه إما أن تحكم على الطريقة الاثينية ، وهي ديمقراطية نخبوية ، سرعان ما يتحول الحاكم فبها إلى حاكم مستبد مطلق أكثر ملكية من الملك في الانظمة الملكية المطلقة . وإما أن تحكم باسم الحزب الواحد أو الطبقة ، فتبني ديبمقراطيتها الشعبية على اساس إزالة من تسميهم الأعداء في الداخل والخارج ، المستغلين والرجعيين ، فتضربهم لتكون ديكتاتورية الحزب الواحد أو الطبقة ، ومن أجل ذلك تعمل على دمج الحالة الساسية بالحالة الاجتماعية والقانونية ، ثمَّ تنشىء جيشاً خاصاً ، كحرس لها ، بالإضافة إلى الجيش التقليدي ، ومئات الأشكال والأنواع من فروع الأمن والخاص والعام ، وبينما تهتم بالدفاع عن نفسها حيال أعداء حقيقين ووهميين ، فإنها تتحول إلى العنف والقمع والاستبداد ، فهي من حيث النتيجة لا تقف ضد الديمقراطية ، فحسب ، بل تعمل على تشوييهها وإفراغها من مضمونها الثقافي والحضاري والأخلاقي .
وإمعاناً في تشويه الديمقراطية ، وزيادة الهوة بينها وبين الشعب تذهب إلى الإدعاء أن للبلاد وضعاً خاصاً يفرض ويوجب هذا النمط من الجكم الذي تدعوه بـ( الديمقراطية الشعبية ، ديمقراطية العمال والكادحين ) ، فهل يبدو هذا الاحتجاج صحيحاً ؟ أم أنه مجرد ستار للحكم الاستبدادي المطلق ز؟
إذا ما ناقشنا هذا القول على ضوء ما سلف بيانه من فكر تنظيري وعقلاني للمفكر الفرنسي ( آلان تورين ـ في كتابه : ما الديمقراطية .؟ ـ منشورات وزارة الثقافة السورية .) ، وتحليل علمي للواقع ، والذي بين فيه ، كما أوضحنا أعلاه ، أن الديمقراطية ليست نظاماً سياسياً ، إنما نهجاً وخياراً ثقافياً وحضارياً واجتماعياً شكلته الإرادة الجماعية لكل من المحكومين والحاكمين ، له أركانه المتمثلة في ثلاث تتفاعل مع بعضها تغاعلاً حيوياً وديناميكياً ( الانتخاب الحر ، خلال فترات منتظمة ، للحاكمين من قبل المحكومين .) ، والتي لا يمكن أن ينجز بدونها مجتمعة ، لوجدنا أن القول بالخصوصية ليس إلا مجرد ذريعة تحاول هذه الانظمة عبرها أن تبرر تعسفها واستبدادها اللامحدودين لقهر شعوبها ، ووقف عجلة التاريخ .
إن الأسس الجوهرية التي قامت عليها هذه الانظمة ، واستمرت حتى تاريخه ، تحمل طابع العنف والاستبداد ، فالقول بمبدأ الحزب الواحد ، أو الطبقة ، يؤدي إلى الهيمنة الشاملة التي تعمل على تهميش الفوارق بين أفراد المجتمع وفئاته من كافة النواحي ، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وغالباً ما يتحرك التهميش يفعل القهروالعنف ليخرب البنى القانونية والاخلاقية والثقافية للمجمتع ، ونتيجة لهذا الفعل اليومي المتكرر ، وعبر سنوات ليست بالطويلة جداً ، ينقسم المجتمع إلى قسمين متراتبين على شكل هرمي لا علاقة له إطلاقاً بأي جانب من جوانب الحياة ، كالحراك الاجتماعي أو الاقتصادي ، أو حتى الأخلاقي أيضاً ، قسم الحاكمين ، وقسم المحكومين ، يتميز الأول بحضوره الدائم المطلق في كل شيء ، في فعل وحياة المجتمع ، ويغيب القسم الثاني غياباً شبه مطلق عن الفعل والحياة ليضيع ويتشتت ، ولا يكتفي الحاكمون أو يتوقفوا عند مرحلة معينة ، إنما يتابعون هذا الفعل القسري والعنفي حتى مع أنفسهم وصولاً إلى صفوة مختارة منهم ليقل عددهم شيئاً فشيئاً ، ويكبر عدد القسم الثاني فتكبر قاعدة الهرم انفتاحاً ، وتصغر قمته انغلاقاً ، وبسعي الحاكمين الدائم والمستمر إلى الانغلاق عن المحكومين ، وغلق كل الفضاءات المتاحة أمامهم ، يتحولون ويحولون المجتمع إلى قطيع ممزق الأوصال .
إنَّ مجتمع القطيع هذا الذي يعود في مراحله التاريخية للإنسان إلى أزمنة ما قبل التاريخ لا يدرك من جوانب الحياة شيئاً ، فلا سياسة ولا اقتصاد ، ولا قانون ولا أخلاق ولا ثقافة ، ولا تمايز بين أفراده وفئاته ، فقاعدة الهرم غالباً ما تتكون من أفراد هم نسخ متكررة عن بعضهم البعض ، يساقون بفعل القهر والعنف والاستبداد إلى صناديق الاستفتاء كما يساقون إلى السجون والمنافي والمقابر الجماعية .
وإذا كانت هذه الانظمة قد حولت نفسها وشعبها إلى نظام قطيعي يفتقر إلى أدنى مقومات النظام السياسي المتعارف عليه في علمي السياسة والاجتماع ، فإنها عملت على إلغاء كل ما هو عام أو خاص ، فلن تدرك ما هذا وما ذاك ، وبغدو احتجاجها بـ(الخصوصية ) مجرد ذريعة نحو مزيد من العنف والاستبداد الذي يكون اليوم مشكلة حضارية على مستوى العالم فعلاً .
سوريا ـ الرقة ـ المحامي صبحي حمشو



#صبحي_حمشو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حمشو - الديمقراطية والخصوصية