|
الديمقراطية والخصوصية
صبحي حمشو
الحوار المتمدن-العدد: 1462 - 2006 / 2 / 15 - 10:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الديمقراطية والخصوصية ... الغياب والوجود في كتابه ( ما الديقراطية .؟) لم يعمد آلان تورين إلى سرد تاريخ شامل للديقراطية منذ نشأتها ، عندما ولدت في (أثينا) مع الفيلسوف الكبير (أفلاطون) ، وحتى انتشارها بشكل واسع مع أفكار الثورة الفرنسية ، ومبادىء حقوق الإنسان المعلنة في كل من ( فرنسا ، بريطانيا العظمى ، الولايات المتحدة الامريكية ) ، وأخيراً ، وليس آخراً، إعلاني حقوق الإنسان الصادرين عن الأمم المتحدة ، إنما درس ، وبشكل مفصل ، وواسع ، ماهية وجوهر الديمقراطية ، وأشكالها المنتشرة في أماكن معينة من العالم ، كما أشار إلى غلبتها كخيار حضاري حديث تقوم على أساسه المجتمعات الإنسانية الحديثة . ما يؤكده تورين ، كمفكر مشبع بالرؤية الحداثية في جميع المجالات ، وباحث عن آفاق جديدة ، تحذوها ، أو ستحذوها الديمقراطية ، يشكل رؤية شمولية للديمقراطية كنهج حضاري للإنسان استطاع خلال عقدين من الزمن أن يحقق للإنسان ، ويبني له ، الكثير من القيم الانسانية الرفيعة التي تغياها عبر مسيرته الطويلة والشاقة في الحياة والحضارة ، واستلبتها منه جميع الانظمة الساسية والاجتماعية التي وجدت عبر التاريخ . يلاحظ تورين في تعريفه للديمقراطية ( اختيار حر ، خلال فترات منتظمة ، للحاكمين من قبل المحكومين ) ، أنها تتضمن ثلاثة أبعاد لا الديمقراطية والخصوصية ... الغياب والوجود في كتابه ( ما الديقراطية .؟) لم يعمد آلان تورين إلى سرد تاريخ شامل للديقراطية منذ نشأتها ، عندما ولدت في (أثينا) مع الفيلسوف الكبير (أفلاطون) ، وحتى انتشارها بشكل واسع مع أفكار الثورة الفرنسية ، ومبادىء حقوق الإنسان المعلنة في كل من ( فرنسا ، بريطانيا العظمى ، الولايات المتحدة الامريكية ) ، وأخيراً ، وليس آخراً، إعلاني حقوق الإنسان الصادرين عن الأمم المتحدة ، إنما درس ، وبشكل مفصل ، وواسع ، ماهية وجوهر الديمقراطية ، وأشكالها المنتشرة في أماكن معينة من العالم ، كما أشار إلى غلبتها كخيار حضاري حديث تقوم على أساسه المجتمعات الإنسانية الحديثة . ما يؤكده تورين ، كمفكر مشبع بالرؤية الحداثية في جميع المجالات ، وباحث عن آفاق جديدة ، تحذوها ، أو ستحذوها الديمقراطية ، يشكل رؤية شمولية للديمقراطية كنهج حضاري للإنسان استطاع خلال عقدين من الزمن أن يحقق للإنسان ، ويبني له ، الكثير من القيم الانسانية الرفيعة التي تغياها عبر مسيرته الطويلة والشاقة في الحياة والحضارة ، واستلبتها منه جميع الانظمة الساسية والاجتماعية التي وجدت عبر التاريخ . يلاحظ تورين في تعريفه للديمقراطية ( اختيار حر ، خلال فترات منتظمة ، للحاكمين من قبل المحكومين ) ، أنها تتضمن ثلاثة أبعاد لا يمكن تجزئتها ، أو فصلها ، عن بعضها البعض . وفي رصده للانظمة السياسية التي تأخذ بالديمقراطية ، رأى أنها تتمثل بثلاثة انماط تسير جنباً إلى جنب وهي : أولاً :الديمقراطية الليبرالية التي تعطي القانون الأهمية القصوى لتحديد سلطة الدولة مع الاعتراف بالحقوق الأساسية للمجتمع ، وهذا هو مبدأ الديمقراطية في بريطانيا . ثانياً : الديمقراطية الدستورية التي تعطي الأهمية الكبرى للمواطنة والدستور ، أو الأفكار الأخلاقية ، أو الأفكار الدينية التي تؤمن تلاحم المجتمع ، وتمنح القوانين أساساً صلباً تقوم عليه ، وهذا هو مبدأ الديمقراطية في الولايات المتحدة الامريكية . ثالثاً : الديمقراطية التنازعية وتعطي الأهمية للصفة التمثيلية الاجتماعية للحاكمين ، وهذا هو مبدأ الديمقراطية في فرنسا . لكن هذه الانماط للديكقراطية لا يمكن اعتبارها انماطاً تاريخية نهائية ، فبعضها ( كالديمقراطية الفرنسية ) نزع إبان الثورة الفرنسية إلى الأخذ بمبدأ ( المواطنة ) ، لكنها لم تستمر نظراً لنفوذ الحزب الشيوعي الفرنسي الكبير ، والأحزاب اليسارية فيها ، مما أدى إلى التحول عن مبدأ المواطنة إلى التنازعي . وعلى كافة الأحوال ، فجميع هذه الانماط البارزة للديمقراطية تعتمد الأركان الأساسية الثلاث لها ( الانتخاب الحر ، خلال فترات منتظمة ، للحاكمين من قبل المحكمومين ) ، وتلك الأركان تنطبق إلى حد ما على ما كرسته الثورة الفرنسية من أفكار إنسانية خلاقة هي ( حرية ، مساواة ، إخاء ) ، ومنذ نشوء هذه الانماط من الديمقراطية وحتى هذا التاريخ ، أعطى كلٌّ منها مثالاً ناصعاً عن قوته وديمومته وقدرته على البناء والتجدد والتقدم ، مما يؤكد على أن الديمقراطية نهج حضاري وحداثي يسعى للتبلور والصفاء كلما زادت تجربته عمقاً ورسوخاً في الواقع . وعلى النقيض من النهج الديمقراطي فإن كافة انظمة الحكم التي قامت سابقاً ، أو القائمة حالياً ، التي لم تكن الديمقراطية ركناً اساسياً لها في ممارسة السلطة وقيادة المجتمع ، والتي تتبدى بأشكال مختلفة من الملكية المطلقة ، التي تحكم باسم الحق الطبيعي أو الدين ، إلى الديمقراطية الشعبية التي تحكم باسمها مباشرة ، أو باسم الحزب الواحد ، أو الطبقة الواحدة ، فبعضها لا يطرح مسألة الديمقراطية مجرد طرح في كل ما يتعلق بنظام الحكم ، أو ما يتعلق بالحقوق الانتخابية للمحكومين وهذا ما تقوم عليه الملكية المطلقة ، التي لا تكتفي بذلك بل تعلن ، وبوضوح ، عداءها للديمقراطية . أما انظمة الحكم التي تحكم باسم الديمقراطية الشعبية ، فإنها تشوه الديمقراطية عندما ترفعها كشعار مجرد أجوف ، لا حياة فيه ، وهذه إما أن تحكم على الطريقة الاثينية ، وهي ديمقراطية نخبوية ، سرعان ما يتحول الحاكم فبها إلى حاكم مستبد مطلق أكثر ملكية من الملك في الانظمة الملكية المطلقة . وإما أن تحكم باسم الحزب الواحد أو الطبقة ، فتبني ديبمقراطيتها الشعبية على اساس إزالة من تسميهم الأعداء في الداخل والخارج ، المستغلين والرجعيين ، فتضربهم لتكون ديكتاتورية الحزب الواحد أو الطبقة ، ومن أجل ذلك تعمل على دمج الحالة الساسية بالحالة الاجتماعية والقانونية ، ثمَّ تنشىء جيشاً خاصاً ، كحرس لها ، بالإضافة إلى الجيش التقليدي ، ومئات الأشكال والأنواع من فروع الأمن والخاص والعام ، وبينما تهتم بالدفاع عن نفسها حيال أعداء حقيقين ووهميين ، فإنها تتحول إلى العنف والقمع والاستبداد ، فهي من حيث النتيجة لا تقف ضد الديمقراطية ، فحسب ، بل تعمل على تشوييهها وإفراغها من مضمونها الثقافي والحضاري والأخلاقي . وإمعاناً في تشويه الديمقراطية ، وزيادة الهوة بينها وبين الشعب تذهب إلى الإدعاء أن للبلاد وضعاً خاصاً يفرض ويوجب هذا النمط من الجكم الذي تدعوه بـ( الديمقراطية الشعبية ، ديمقراطية العمال والكادحين ) ، فهل يبدو هذا الاحتجاج صحيحاً ؟ أم أنه مجرد ستار للحكم الاستبدادي المطلق ز؟ إذا ما ناقشنا هذا القول على ضوء ما سلف بيانه من فكر تنظيري وعقلاني للمفكر الفرنسي ( آلان تورين ـ في كتابه : ما الديمقراطية .؟ ـ منشورات وزارة الثقافة السورية .) ، وتحليل علمي للواقع ، والذي بين فيه ، كما أوضحنا أعلاه ، أن الديمقراطية ليست نظاماً سياسياً ، إنما نهجاً وخياراً ثقافياً وحضارياً واجتماعياً شكلته الإرادة الجماعية لكل من المحكومين والحاكمين ، له أركانه المتمثلة في ثلاث تتفاعل مع بعضها تغاعلاً حيوياً وديناميكياً ( الانتخاب الحر ، خلال فترات منتظمة ، للحاكمين من قبل المحكومين .) ، والتي لا يمكن أن ينجز بدونها مجتمعة ، لوجدنا أن القول بالخصوصية ليس إلا مجرد ذريعة تحاول هذه الانظمة عبرها أن تبرر تعسفها واستبدادها اللامحدودين لقهر شعوبها ، ووقف عجلة التاريخ . إن الأسس الجوهرية التي قامت عليها هذه الانظمة ، واستمرت حتى تاريخه ، تحمل طابع العنف والاستبداد ، فالقول بمبدأ الحزب الواحد ، أو الطبقة ، يؤدي إلى الهيمنة الشاملة التي تعمل على تهميش الفوارق بين أفراد المجتمع وفئاته من كافة النواحي ، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وغالباً ما يتحرك التهميش يفعل القهروالعنف ليخرب البنى القانونية والاخلاقية والثقافية للمجمتع ، ونتيجة لهذا الفعل اليومي المتكرر ، وعبر سنوات ليست بالطويلة جداً ، ينقسم المجتمع إلى قسمين متراتبين على شكل هرمي لا علاقة له إطلاقاً بأي جانب من جوانب الحياة ، كالحراك الاجتماعي أو الاقتصادي ، أو حتى الأخلاقي أيضاً ، قسم الحاكمين ، وقسم المحكومين ، يتميز الأول بحضوره الدائم المطلق في كل شيء ، في فعل وحياة المجتمع ، ويغيب القسم الثاني غياباً شبه مطلق عن الفعل والحياة ليضيع ويتشتت ، ولا يكتفي الحاكمون أو يتوقفوا عند مرحلة معينة ، إنما يتابعون هذا الفعل القسري والعنفي حتى مع أنفسهم وصولاً إلى صفوة مختارة منهم ليقل عددهم شيئاً فشيئاً ، ويكبر عدد القسم الثاني فتكبر قاعدة الهرم انفتاحاً ، وتصغر قمته انغلاقاً ، وبسعي الحاكمين الدائم والمستمر إلى الانغلاق عن المحكومين ، وغلق كل الفضاءات المتاحة أمامهم ، يتحولون ويحولون المجتمع إلى قطيع ممزق الأوصال . إنَّ مجتمع القطيع هذا الذي يعود في مراحله التاريخية للإنسان إلى أزمنة ما قبل التاريخ لا يدرك من جوانب الحياة شيئاً ، فلا سياسة ولا اقتصاد ، ولا قانون ولا أخلاق ولا ثقافة ، ولا تمايز بين أفراده وفئاته ، فقاعدة الهرم غالباً ما تتكون من أفراد هم نسخ متكررة عن بعضهم البعض ، يساقون بفعل القهر والعنف والاستبداد إلى صناديق الاستفتاء كما يساقون إلى السجون والمنافي والمقابر الجماعية . وإذا كانت هذه الانظمة قد حولت نفسها وشعبها إلى نظام قطيعي يفتقر إلى أدنى مقومات النظام السياسي المتعارف عليه في علمي السياسة والاجتماع ، فإنها عملت على إلغاء كل ما هو عام أو خاص ، فلن تدرك ما هذا وما ذاك ، وبغدو احتجاجها بـ(الخصوصية ) مجرد ذريعة نحو مزيد من العنف والاستبداد الذي يكون اليوم مشكلة حضارية على مستوى العالم فعلاً . سوريا ـ الرقة ـ المحامي صبحي حمشو يمكن تجزئتها ، أو فصلها ، عن بعضها البعض . وفي رصده للانظمة السياسية التي تأخذ بالديمقراطية ، رأى أنها تتمثل بثلاثة انماط تسير جنباً إلى جنب وهي : أولاً :الديمقراطية الليبرالية التي تعطي القانون الأهمية القصوى لتحديد سلطة الدولة مع الاعتراف بالحقوق الأساسية للمجتمع ، وهذا هو مبدأ الديمقراطية في بريطانيا . ثانياً : الديمقراطية الدستورية التي تعطي الأهمية الكبرى للمواطنة والدستور ، أو الأفكار الأخلاقية ، أو الأفكار الدينية التي تؤمن تلاحم المجتمع ، وتمنح القوانين أساساً صلباً تقوم عليه ، وهذا هو مبدأ الديمقراطية في الولايات المتحدة الامريكية . ثالثاً : الديمقراطية التنازعية وتعطي الأهمية للصفة التمثيلية الاجتماعية للحاكمين ، وهذا هو مبدأ الديمقراطية في فرنسا . لكن هذه الانماط للديكقراطية لا يمكن اعتبارها انماطاً تاريخية نهائية ، فبعضها ( كالديمقراطية الفرنسية ) نزع إبان الثورة الفرنسية إلى الأخذ بمبدأ ( المواطنة ) ، لكنها لم تستمر نظراً لنفوذ الحزب الشيوعي الفرنسي الكبير ، والأحزاب اليسارية فيها ، مما أدى إلى التحول عن مبدأ المواطنة إلى التنازعي . وعلى كافة الأحوال ، فجميع هذه الانماط البارزة للديمقراطية تعتمد الأركان الأساسية الثلاث لها ( الانتخاب الحر ، خلال فترات منتظمة ، للحاكمين من قبل المحكمومين ) ، وتلك الأركان تنطبق إلى حد ما على ما كرسته الثورة الفرنسية من أفكار إنسانية خلاقة هي ( حرية ، مساواة ، إخاء ) ، ومنذ نشوء هذه الانماط من الديمقراطية وحتى هذا التاريخ ، أعطى كلٌّ منها مثالاً ناصعاً عن قوته وديمومته وقدرته على البناء والتجدد والتقدم ، مما يؤكد على أن الديمقراطية نهج حضاري وحداثي يسعى للتبلور والصفاء كلما زادت تجربته عمقاً ورسوخاً في الواقع . وعلى النقيض من النهج الديمقراطي فإن كافة انظمة الحكم التي قامت سابقاً ، أو القائمة حالياً ، التي لم تكن الديمقراطية ركناً اساسياً لها في ممارسة السلطة وقيادة المجتمع ، والتي تتبدى بأشكال مختلفة من الملكية المطلقة ، التي تحكم باسم الحق الطبيعي أو الدين ، إلى الديمقراطية الشعبية التي تحكم باسمها مباشرة ، أو باسم الحزب الواحد ، أو الطبقة الواحدة ، فبعضها لا يطرح مسألة الديمقراطية مجرد طرح في كل ما يتعلق بنظام الحكم ، أو ما يتعلق بالحقوق الانتخابية للمحكومين وهذا ما تقوم عليه الملكية المطلقة ، التي لا تكتفي بذلك بل تعلن ، وبوضوح ، عداءها للديمقراطية . أما انظمة الحكم التي تحكم باسم الديمقراطية الشعبية ، فإنها تشوه الديمقراطية عندما ترفعها كشعار مجرد أجوف ، لا حياة فيه ، وهذه إما أن تحكم على الطريقة الاثينية ، وهي ديمقراطية نخبوية ، سرعان ما يتحول الحاكم فبها إلى حاكم مستبد مطلق أكثر ملكية من الملك في الانظمة الملكية المطلقة . وإما أن تحكم باسم الحزب الواحد أو الطبقة ، فتبني ديبمقراطيتها الشعبية على اساس إزالة من تسميهم الأعداء في الداخل والخارج ، المستغلين والرجعيين ، فتضربهم لتكون ديكتاتورية الحزب الواحد أو الطبقة ، ومن أجل ذلك تعمل على دمج الحالة الساسية بالحالة الاجتماعية والقانونية ، ثمَّ تنشىء جيشاً خاصاً ، كحرس لها ، بالإضافة إلى الجيش التقليدي ، ومئات الأشكال والأنواع من فروع الأمن والخاص والعام ، وبينما تهتم بالدفاع عن نفسها حيال أعداء حقيقين ووهميين ، فإنها تتحول إلى العنف والقمع والاستبداد ، فهي من حيث النتيجة لا تقف ضد الديمقراطية ، فحسب ، بل تعمل على تشوييهها وإفراغها من مضمونها الثقافي والحضاري والأخلاقي . وإمعاناً في تشويه الديمقراطية ، وزيادة الهوة بينها وبين الشعب تذهب إلى الإدعاء أن للبلاد وضعاً خاصاً يفرض ويوجب هذا النمط من الجكم الذي تدعوه بـ( الديمقراطية الشعبية ، ديمقراطية العمال والكادحين ) ، فهل يبدو هذا الاحتجاج صحيحاً ؟ أم أنه مجرد ستار للحكم الاستبدادي المطلق ز؟ إذا ما ناقشنا هذا القول على ضوء ما سلف بيانه من فكر تنظيري وعقلاني للمفكر الفرنسي ( آلان تورين ـ في كتابه : ما الديمقراطية .؟ ـ منشورات وزارة الثقافة السورية .) ، وتحليل علمي للواقع ، والذي بين فيه ، كما أوضحنا أعلاه ، أن الديمقراطية ليست نظاماً سياسياً ، إنما نهجاً وخياراً ثقافياً وحضارياً واجتماعياً شكلته الإرادة الجماعية لكل من المحكومين والحاكمين ، له أركانه المتمثلة في ثلاث تتفاعل مع بعضها تغاعلاً حيوياً وديناميكياً ( الانتخاب الحر ، خلال فترات منتظمة ، للحاكمين من قبل المحكومين .) ، والتي لا يمكن أن ينجز بدونها مجتمعة ، لوجدنا أن القول بالخصوصية ليس إلا مجرد ذريعة تحاول هذه الانظمة عبرها أن تبرر تعسفها واستبدادها اللامحدودين لقهر شعوبها ، ووقف عجلة التاريخ . إن الأسس الجوهرية التي قامت عليها هذه الانظمة ، واستمرت حتى تاريخه ، تحمل طابع العنف والاستبداد ، فالقول بمبدأ الحزب الواحد ، أو الطبقة ، يؤدي إلى الهيمنة الشاملة التي تعمل على تهميش الفوارق بين أفراد المجتمع وفئاته من كافة النواحي ، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وغالباً ما يتحرك التهميش يفعل القهروالعنف ليخرب البنى القانونية والاخلاقية والثقافية للمجمتع ، ونتيجة لهذا الفعل اليومي المتكرر ، وعبر سنوات ليست بالطويلة جداً ، ينقسم المجتمع إلى قسمين متراتبين على شكل هرمي لا علاقة له إطلاقاً بأي جانب من جوانب الحياة ، كالحراك الاجتماعي أو الاقتصادي ، أو حتى الأخلاقي أيضاً ، قسم الحاكمين ، وقسم المحكومين ، يتميز الأول بحضوره الدائم المطلق في كل شيء ، في فعل وحياة المجتمع ، ويغيب القسم الثاني غياباً شبه مطلق عن الفعل والحياة ليضيع ويتشتت ، ولا يكتفي الحاكمون أو يتوقفوا عند مرحلة معينة ، إنما يتابعون هذا الفعل القسري والعنفي حتى مع أنفسهم وصولاً إلى صفوة مختارة منهم ليقل عددهم شيئاً فشيئاً ، ويكبر عدد القسم الثاني فتكبر قاعدة الهرم انفتاحاً ، وتصغر قمته انغلاقاً ، وبسعي الحاكمين الدائم والمستمر إلى الانغلاق عن المحكومين ، وغلق كل الفضاءات المتاحة أمامهم ، يتحولون ويحولون المجتمع إلى قطيع ممزق الأوصال . إنَّ مجتمع القطيع هذا الذي يعود في مراحله التاريخية للإنسان إلى أزمنة ما قبل التاريخ لا يدرك من جوانب الحياة شيئاً ، فلا سياسة ولا اقتصاد ، ولا قانون ولا أخلاق ولا ثقافة ، ولا تمايز بين أفراده وفئاته ، فقاعدة الهرم غالباً ما تتكون من أفراد هم نسخ متكررة عن بعضهم البعض ، يساقون بفعل القهر والعنف والاستبداد إلى صناديق الاستفتاء كما يساقون إلى السجون والمنافي والمقابر الجماعية . وإذا كانت هذه الانظمة قد حولت نفسها وشعبها إلى نظام قطيعي يفتقر إلى أدنى مقومات النظام السياسي المتعارف عليه في علمي السياسة والاجتماع ، فإنها عملت على إلغاء كل ما هو عام أو خاص ، فلن تدرك ما هذا وما ذاك ، وبغدو احتجاجها بـ(الخصوصية ) مجرد ذريعة نحو مزيد من العنف والاستبداد الذي يكون اليوم مشكلة حضارية على مستوى العالم فعلاً . سوريا ـ الرقة ـ المحامي صبحي حمشو
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استقالة الرئيسة التنفيذية لشبكة CBS وسط ضغوط من ترامب
-
مصادر تكشف لـCNN عن -مفاجأة- بشأن تواصل إدارة ترامب مع قطر ب
...
-
الحوثيون يعلنون فرض -حظر بحري- على ميناء حيفا ويحذرون السفن
...
-
إسرائيل تكثف غاراتها وترتكب مجازر جديدة بمدينة غزة ووسط القط
...
-
ترامب: روسيا وأوكرانيا ستبدآن فوراً بمحادثات لوقف إطلاق النا
...
-
أستراليا تدعو إسرائيل للسماح فورا بدخول المساعدات إلى قطاع غ
...
-
ليبيا.. آمر -اللواء 444 قتال-يكشف تفاصيل جديدة حول مقتل الك
...
-
الكرملين: الاتصالات مع أوكرانيا استؤنفت من جديد وهي مهمة للع
...
-
الجيش الإسرائيلي يقصف مدرسة تؤوي نازحين في حي الدرج بغزة (في
...
-
وزير الخارجية الأردني: تجويع 2.3 مليون فلسطيني جريمة يجب على
...
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|