علاء السيد
الحوار المتمدن-العدد: 1457 - 2006 / 2 / 10 - 09:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في ظل موجة الغضب الجارف على الرسوم الدانمركية المسيئة ، و التي أصابتنا جميعاً ، تساءلت ماذا لو كان الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام موجودا بيننا ، و واجه هذه الإساءة ، و كيف ستكون ردة فعله عليها .
و كلي قناعة مني أن ردة فعله المفترضة تلك ، هي التصرف الأفضل الذي يجب أن نتصرفه في مواجهة هذه الرسوم المسيئة .
و للرد على تساؤلي هذا لم يكن أمامي إلا الرجوع إلى السيرة النبوية الشريفة ، و القياس على أمور تعرض لها عليه الصلاة و السلام خلال نشره لدعوته ، من قبل أعداء هذه الدعوة ، فرأيت أن ردود فعله عليه الصلاة و السلام مقسومة إلى فترتين :
- الفترة المكية: عندما كان المسلمون ضعفاء و تحت رحمة جبابرة قريش .
- و الفترة المدنية : عندما انتشر الإسلام في المدينة المنورة ، و صار المسلمون نداً لأعداء الإسلام .
أما عن الفترة الأولى و هي الفترة المكية :
- فبالرجوع إلى سيرة ابن هشام ( ج 1/379) ، و صحيح البخاري ( ج4/225 ) فقد ورد فيهما :
كانت قريش تسمي رسول الله عليه الصلاة و السلام مذمماً بدلا عن محمداً ، ثم يسبونه .
فكان رسول الله ( ص ) يقول :( ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش و لعنهم ، يشتمون مذمماً و يلعنون مذمماً ، و أنا محمداً ).
أي انه (ص ) كان لا يأبه لسبهم و لعنهم ، و يتعالى عنه و يعتبره موجهاً إلى غيره ، و يدعو إلى تجاهل هذا السب و اللعن ، مقتنعاً أن الله يصرف عنه هذا الشتم .
- و جاء في سيرة ابن هشام (ج1 /380 ) : أن أبو جهل لقي مرة رسول الله ( ص) فقال له : يا محمد لتتركن سب أ لهتنا أو لنسبن إلهك الذي تعبد ،فأنزل الله تعالى : (و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) الأنعام /108 .
فكف عندئذ رسول الله (ص) عن سب آلهتم و جعل يدعوهم إلى الله تعالى .
و نرى من هذه الواقعة النهي الإلهي الواضح عن كل فعل يؤدي إلى شتم الله ، و إلى شتم دين الإسلام ، و استبداله بالدعوة إلى الإسلام بالكلام الحسن .
- و جاء في سيرة ابن هشام (ج 2/423 ) : انه لما تمادى جبابرة قريش في الشر و أكثروا الاستهزاء بالرسول الكريم (ص ) انزل الله عليه : ( إنا كفيناك المستهزئين ) الحجر (95-96 ) .
فالله سبحانه و تعالى قد كفى رسوله المستهزئين ، و انتقامه -سبحانه تعالى - منهم أقوى انتقام .
- و قد بلغ إيذاءهم للرسول (ص) مبلغاً عظيماً ، فقد جاء في صحيح البخاري ( ج1/138 ) :
بينما رسول الله (ص ) قائماً يصلي عند الكعبة، و جمع قريش في مجالسهم ، انبعث أشقاهم ،فلما سجد رسول الله ( ص) ، وضع بين كتفيه أحشاء حيوان مذبوح ، و ثبت النبي ساجداً ، فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك .
فلما قضى رسول الله (ص) الصلاة قال : (اللهم عليك بقريش ،اللهم عليك بقريش ،اللهم عليك بقريش ) ثم سمى بالدعاء سبعة من جبابرة قريش ، فقتلوا جميعا في معركة بدر ، ولم يتجاوز عليه الصلاة و السلام الدعاء عليهم .
- وروى البخاري في صحيحه ( ج4/139) : أن الرسول عليه الصلاة و السلام عندما قفل عائدا من الطائف و قد وقف له أهلها صفين على طريقه ، يرمونه بالحجارة حتى أدموه ، و هم في ذلك يستهزئون و يسخرون فخاطبه ملاك الجبال و قال له: إن شئت أطبق عليهم الأخشبين (و هما جبلين عظيمين ) ، فقال عليه الصلاة و السلام :( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) .
فالرسول عليه الصلاة و السلام لم يشاء أن يعاقبهم عقابا جماعيا ، و يبيدهم جميعا جزاء ما اقترفت أيديهم ، فربما يكون من بينهم عابد لله ينصر الاسلام ، فيؤخذ بجريرة غيره .
- و في قصة إسلام سيد الشهداء حمزة ( رضي الله عنه ) عبرة كبيرة لفوائد الصبر على الأذى، فقد جاء في سيرة ابن هشام (ج 1/312 ) :
أن أبا جهل اعترض رسول الله ( ص ) عند الصفا فآذاه و شتمه ، و صب التراب على رأسه الشريف ، و رسول الله (ص ) ساكت لا يكلمه .
فلما رجع حمزة من القنص ، و لم يكن مسلماً حينها ، بلغه ذلك فغضب ، و توجه إلى أبو جهل ، و قال له : أتشتم ابن أخي ، و انأ على دينه أقول ما يقول ، ثم ضربه بالقوس فشجه ، و قال له : رد علي ذلك إن استطعت .
فالرسول عليه الصلاة و السلام لم يرد على أذى أبو جهل، مما أكسبه التعاطف، و كان صبره على الأذى أحد الأسباب في دخول حمزة – أشجع فتيان قريش - في الإسلام، و نصرته للرسول ( ص ) و للإسلام.
- الفترة الثانية عندما استقر المسلمون في المدينة المنورة و قويت دعوتهم :
- جاء في سيرة ابن هشام (ج2/187 ) :
أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، دخل يوما على يهود مجتمعين على رجل يهودي اسمه فنحاص ، فقال له
ويحك يا فنحاص اتق الله و اسلم ، فأجابه: و الله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر ، إنه إلينا لفقير ، و إنا عنه لأغنياء ، و ما هو عنا بغني .
فغضب أبو بكر، و ضرب وجه اليهودي ضرباً شديداً، فذهب اليهودي إلى رسول الله ( ص )، و شكا أبو بكر، و لما سأل الرسول ( ص ) أبو بكر عن سبب فعله، أجابه بما قاله اليهودي عن الله.
فنزلت الآية القرآنية الكريمة :
( و لتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و من الذين أشركوا أذى كثيرا و إن تصبروا و تتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) آل عمران :187،188
و على الرغم من القدرة العسكرية للمسلمين في ذلك الوقت، فقد جاءهم الأمر الإلهي بالصبر على الأذى ، و مواجهة هذا الأذى بالتقوى و إن ضبط النفس في تلك الظروف دليل على شدة العزيمة .
و قد رد عليه الصلاة و السلام على أفعال قريش ، عندما تمكن الاسلام ،و صارت طرق تجارة قريش مع الشام تحت سيطرته ، بقطع طريق التجارة عليها ، و اعترض قوافلها ، و فرض عليها حصارا اقتصاديا ، و قصة معركة بدر التي نتجت عن اعتراض قافلة أبو سفيان معروفة ، و لكنه عليه الصلاة و السلام لم يقتل رسل قريش أبدا .
و من كل ما سبق يتبين لنا أن الرسول الكريم ( ص ) :
-قد تجاهل سباب و شتائم الكفار ، و اعتبر أنها لا تخصه و موجهة إلى غيره ، واثقا من أن الله سيكفيه المستهزئين .
- ثم دعا أعداء الإسلام بالحكمة و الموعظة ، و صبر على آذاهم ، و واجهه بالتقوى و بالدعوى الحسنة .
- و لم يسب و لم يشتم رموز الكفار حتى لا تسب رموز الإسلام .
- و لم يعاقب الكفار عقابا جماعيا ، و عندما دعا على قريش جميعها ، عاد و سمى أشخاصا باسمهم فيها .
- و كان صبره و تعاليه عن أذاهم ، سببا من اسباب دخول أحد الجبابرة الغير مسلمين ،كنصير قوي للإسلام .
- و لا مانع من محاربة أعداء الرسول اقتصادياً و محاصرتهم ، كما فعل عليه الصلاة و السلام ، و لكن عندما كانت قوته تعادل قوتهم .
- أما أعمال حرق السفارات و الكنائس و الأملاك العامة ، كرد فعل على سب و شتم الرسول ( ص )، فلم أجد أبداً فعلاً يماثله في عهد الرسول ، و لم أجد أن الرسول (ص) أمر به ، بل و جدت انه نهى عنه كما جاء معنا آنفا .
عسى ان يرد الله كيدهم في نحرهم ، و لنا في رسول الله أسوة حسنة ، و الله من وراء القصد .
#علاء_السيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟