القديم و الجديد في الستراتجية الامريكيه

خليل الشافعي

الحوار المتمدن-العدد: 1444 - 2006 / 1 / 28 - 06:02
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

القديم والجديد في الإستراتيجية الأمريكية
محاضرة ألقيت في قاعة الحزب الشيوعي في كربلاء

المقدمة
لكل دولة أو لمجموعة دول متحالفة استراتيجية خاصة بها، تعمل هذه الإستراتيجية على تنمية القوى الاجتماعية للإنتاج وبناء قوة عسكرية تعنى بالأمن والدفاع، وتوضع الستراتيجية على أساس المصالح البعيدة والقريبة المدى. علماً أن هذه المصالح ليست بالضرورة تكون داخل حدود البلد الواحد بل في أحيان كثيرة تتخطى الحدود القومية والوطنية وبالتالي تكون هذه الستراتيجية مؤثرة على دول الجوار حسب تنوع وتوسع المصالح وقد يكون تأثيرها كونياً حسب القوة والاقتدار التكويني للدولة صاحبة الستراتيجية، ففي حالات كثيرة تتقاطع هذه الإستراتيجيات نتيجة تقاطع المصالح أو تتوافق نتيجة تطابق المصالح، ففي حالة تقاطعها تقع العداوات وفي حالة توافقها تكون الصداقات، وعلى قول تشرشل ( رئيس وزراء بريطانيا الأسبق) : ( ليست هناك صداقة دائمة ولا عداوة دائمة بل هناك مصالح دائمة).
لذلك لا يمكن أن تكون هناك ستراتيجية ثبوتية أو مطلقة لأنها أصلا مرتبطة بطبيعة مسارات المصالح والتحالفات المتغيرة عبر الزمن.
الستراتيجية ضرورة موضوعية:
لتكوين المجتمعات البشرية عبر نشوء الروابط الاجتماعية المصيرية برزت الى الوجود (منفعة عامة) والتي كانت المحفز الأساس لقيام دولة ترعى وتحرس المنفعة العامة حيث يفوض المجتمع الدولة بإدارة وتنظيم الحياة الاجتماعية واستثمار الثروات الطبيعية وبناء الهياكل الارتكازية لاقتصاديات البلاد (شق الأنهر وكريها، مد الطرق والجسور، إقامة السدود ، حفر الآبار، خدمات اجتماعية مختلفة، الأمن والدفاع).
عندها أصبحت هذه المنفعة العامة والمعبر عنها بالمصلحة العامة ضرورة موضوعية لتفعيل وإنجاح النشاط الخاص، وإدامة هذه المصلحة العامة وتنشيطها لا يتم إلاّ عبر تخطيط اجتماعي واع، يعمل على تنظيم وتنسيق الجهد الاجتماعي المبذول خلال العملية الإنتاجية لتحقيق منافع عامة كبرى تصب في تفعيل النشاط الخاص.
وتأكيد الترابط العضوي بينما هو عام وما هو خاص عبر النشاط العقلاني للإنتاج والذي يعبر بإسلوبه عن طبيعة المرحلة التي يعيشها المجتمع في سياق حركة التطور. (العام في جوهره خاص والخاص في جوهره عام) -ماركس-.
في ضوء هذا الترابط العضوي والذي تمليه طبيعة المرحلة ظهرت للواقع حاجة ملحة لوضع إستراتيجية اقتصادية اجتماعية تعمل على تنظيم وتنسيق الفعاليات الإنتاجية ومختلف الأنشطة الاقتصادية وبرمجتها وفق المنفعة العامة وحفظ التوازنات الداخلية، وتحقيق التوافق والتكامل بين ما هو عام وما هو خاص ومن خلال ذلك يتحقق التعايش النفعي السلمي ويسود الأمن والاستقرار حيث يأخذ النشاط الاقتصادي والاجتماعي مساره الطبيعي.هذه الستراتيجية تكون نتاج العقل الاجتماعي وتضعها الدولة وتحرص على تنفيذها، وهي مجموعة الخطط الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية المتفق عليها والمدروسة بعناية وبدقة وذات طابع شمولي وتعمل هذه الخطط تحت سقف زمني معلوم واضحة الأدوات والأهداف لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والأمن والدفاع لغرض الوصول الى الهدف المنشود للمجتمع والدولة.
وعرفت الستراتيجية بأنها: علم وفن وضع الخطط الاقتصادية المدروسة بعناية والمصممة بشكل متلاحق ومتفاعل ومتناسق لإستخدام الموارد لتحقيق الأهداف الكبرى.
ومصطلح ( ستراتيجية) هو من أصل يوناني ويعني ( فن الأشياء) أو ( الخطط العامة) واستخدمت أيام اليونان لتعني (فن القيادة) وعند العسكريين تعني (نظرية استخدام المعارك كوسيلة للوصول الى هدف الحرب) - القاموس الاقتصادي-.
القديم في الستراتيجية الأمريكية:
مذاكرة بسيطة نشترك بها جميعاً لنتذكر معاً حقبة تاريخية قريبة وما هو قديم في الستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وعراقنا الحبيب بالذات.
ولا ننسى 8 شباط 1963 المشؤوم والمجازر الدموية التي ارتكبها الحرس القومي وكانت من أهم فعاليات الستراتيجية الأمريكية آنذاك وأكثرها عدوانية وعلى شاكلتها الكثير، وكذلك تمكين البعث في عام1968 ثانية من السلطة وصعود صدام وزمرته لقيادة الدولة جاء كفقرة مكملة لهذه الستراتيجية الأمريكية والتي غايتها ضبط الموازنات الإقليمية خاصة بعد الثورة الإيرانية والتي اتخذت الإسلام مساراً لها.
إن السياقات وأهداف الستراتيجية الأمريكية للإدارات المتعاقبة التي سبقت إدارة بوش الإبن كانت رد فعل ونتيجة موضوعية لطبيعة الحرب الباردة بين المعسكرين أو لنقل بين العملاقين –أمريكا والاتحاد السوفيتي- والتي بدأت بنهاية الحرب العالمية الثانية وانتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي. وكلنا نتذكر مفاوضات سالت1 وسالت2 و محاولتها لإيقاف حمى سباق التسلح الباهظ التكاليف وكانت هذه المحاولات طبعاً غير مجدية عندما بدأت أمريكا (إدارة ريكان) الحديث عن برنامجها التسليحي ( برنامج حرب النجوم).زمن الحرب الباردة كان الاتحاد السوفيتي العدو الند لأمريكا والمعسكر الرأسمالي حيث كان الصراع أيديولوجياً أكثر من أي شئ وكان سباق التسلح ينهي المتأخر بالسباق ومن دون إطلاق نار.
خصصت ميزانية ضخمة من قبل العملاقين لسباق التسلح بالنسبة للإتحاد السوفيتي كانت الميزانية ترفد من اقتصاده وعلى حساب القطاعات الاقتصادية والخدمية حيث تأخر نمو هذه القطاعات مسببة أزمة اقتصادية حادة للمجتمع السوفيتي.أما الولايات المتحدة فقد كانت ترفد ميزانية التسلح الباهظة التكاليف من مساهمة حلفائها وهي دول متطورة وصناعية كبرى ومن نهب ثروات العالم الثالث والذي يشتر فيه الكل ( أمريكا ودول أوربا الغربية) لذلك بقي الاقتصاد الأمريكي والمعسكر الرأسمالي اقتصاداً قوياً متيناً.
ولإستمرار النهب المنظم لثروات العالم الثالث كانت الستراتيجية الأمريكية المتحالفة مع الستراتيجية الغربية تجاه العالم الثالث والمنطقة العربية خاصة تعتمد على ما يلي:
1-تعزيز التخلف الاقتصادي والاجتماعي لبلدان العالم الثالث ونهب ثرواتها قدر الإمكان لدعم ميزانية التسلح حيث كان سباق التسلح على أشده.
2- من أجل تعزيز النهج المنظم لنهب الثروات ووقف المد الماركسي الذي شهد تصاعداً بعد هزيمة أمريكا في فيتنام تبنت الستراتيجية الأمريكية إقامة ودعم الأنظمة الدكتاتورية في تغييب صوت الشعب ولقمع الحركات الشعبية الساعية لتحرير والتي كانت تحظى بدعم الاتحاد السوفيتي.
3- تعليق القضية الفلسطينية وعدم الجدية في إيجاد الحلول المناسبة لها لخلق حالة اللاأمن واللا استقرار في المنطقة.واستغلالها من قبل الدكتاتوريات العربية لتعشش في السلطة ويبقوا مع بقاء القضية.
إن مهمة هذه الأنظمة المستبدة والتي غالباً ما تكون عسكرية ليست بناء الأوطان ورفاهية الشعوب-لا- بل مهمتها الأساس والرئيسية (كما يدعون كذباً) هو تحرير فلسطين وإنها قضيتهم المركزية وتضليل الشعوب العربية على أنها تعيش حالة صراع قومي ديني مع إسرائيل وطمس حقيقة الصراع الذي تخوضه هذه الشعوب مع العالم الرأسمالي لأجل الحرية والخلاص من الأنظمة الديكتاتورية البغيضة وأجهزتها القمعية المدعومة والمؤيدة من قبل الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية.ووقف النهب المنظم والمستمر لثرواتها.
العوامل المحفزة لنشؤ الستراتيجية الجديدة:
إن الحدث المفصلي بين ما هو قديم وما هو جديد في الستراتيجية الأمريكية هو انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك حلف وارشو، وبانهيار العملاق الند لأمريكا والعالم الرأسمالي انتهت الحرب الباردة والتي بدأت بنهاية الحرب العالمية الثانية.
ويمكن تلخيص العوامل المحفزة لظهور الستراتيجية الأمريكية الجديدة بما يلي:
1- انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة.
2- إمكانية الاتساع الأفقي للعملية الإنتاجية ومختلف الفعاليات الاقتصادية الأخرى وذلك بفعل القفزة النوعية في التطور التكنولوجي وخاصة في مجال الاتصالات،هذا التطور الهائل الذي جعل من احتباس العملية الإنتاجية والفعاليات الاقتصادية المختلفة داخل الحدود الوطنية والقومية أمراً غير مجدٍ وغير نفعي وفق الحسابات الاقتصادية ومعايير الربح والخسارة وإن تخطي الحدود الوطنية والقومية لها أمر حتمي وضروري لتحقيق منافع تتناسب وحجم التطور التقني وغايات المنتجين.
3- على ضوء ما تقدم نضجت فكرة إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد تتزعمه أمريكا ( العولمة) والبعض يسميها ( أمركة العالم).
4- إن أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 ميلادية. لم تكن سوى عامل تفعيل أو تسريع للبدء بتنفيذ الستراتيجية الجديدة وقد بدأت تحت شعار مكافحة الإرهاب.
5- السبب الأخير والذي يعتبر الأكثر إلحاحاً في تنفيذ الستراتيجية الجديدة هو الكساد الاقتصادي العام ( النسبي) الذي يشهده المجتمع الأمريكي .
إن انهيار الأنظمة الديكتاتورية يلحق خسائر مالية عظمى بالمؤسسات المخابراتية وبالسياسيين والإعلاميين المنافقين الداعمين لهذه الأنظمة الجائرة والمستفيدين من بقائها، يخلق في الوقت ذاته فرص عمل كبيرة للشركات الأمريكية وشركات الدول الحليفة لها.
لذلك فإن إدارة بوش الإبن تلاقي الدعم الكبير من معظم هذه الشركات بالإضافة الى المنظمات الإنسانية الداعية الى ترسيخ حقوق الإنسان عبر تعميق النهج الديمقراطي.
قال التاريخ حكمته : ( حلفاء الأمس أعداء اليوم) .الاتحاد السوفيتي وأمريكا وبريطانيا هم حلفاء أيام الحرب العالمية الثانية والتي انتهت بهزيمة ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، انتصر الحلفاء ليصبحوا بعد النصر أعداء.
إنها المصالح التي تقوم على أساسها الستراتيجيات وتكون التحالفات.بالأمس كانت الأنظمة الديكتاتورية من أهم ركائز الستراتيجية الأمريكية لتحقيق أهدافها، واليوم أصبح هدم وإزاحة هذه الأنظمة المستبدة من أولى مهام الستراتيجية الأمريكية الجديدة.
إنه الجديد في مسار المصالح الأمريكية والذي يلغي كل قديم قد يعيق تحقيق غايتها.
فلا عجب في هذه المتغيرات فمسيرة التاريخ لا تعرف الثبوتية ولا غرابة أن يصبح حلفاء الأمس أعداء اليوم.



- التجمع الثقافي من اجل الديمقراطيه - كربلاء

#خليل_الشافعي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات