|
موعد مع الموت
محسن كفحالي
الحوار المتمدن-العدد: 5499 - 2017 / 4 / 22 - 20:37
المحور:
الادب والفن
رن الهاتف ... من ...عبدو ... أريدك أن تأتي إلى منزلي فأنا أنتظرك ، خرجت مسرعة ركبت السيارة ، و انطلقت بسرعة كبيرة و كثرة الأسئلة تراودها ، ماذا جرى ؟ لماذا هذا الاتصال المفاجئ ؟ ... و صلت إلى الشقة دقت دقات خفيفة ، بعد هنيهة أحست بصوت يقترب من الباب ، ظهرت فتاة ترتدي لباسا شفافا و عبدو يقف وراءها لم تقو على الكلام ، خرجت مسرعة نحو مقهى اعتادت أن تجلس فيه رفقة عبدو ،طلبت فنجان قهوة و أخرجت سيجارة من علبة السجائر و بدأت تدخن بجنون و تنفث دخانها في السماء و الدموع تلامس خديها ، تفكر في ما شاهدته جلس أمامها شخص لم يكن سوى عبدو الذي لحق بها ، نظر إليها نظرة تأمل و كأنه يراها لأول مرة و لأخر مرة ، نظرته تكاد تخترق جسدها ، لم تعر اهتماما لنظراته . ماذا تريد مني ... لماذا جئت الحب يا حبيبتي ، تعرفين أنك روحي و كل حياتي ، كل دواوين الحب لا تستطيع وصف مقدار حبك لك مقدار حبك لي هو نفس مقدار كراهية لك ، الحب ليس أنانية ، الحب تضحية و أنا ضحيت بعالمي من أجلك و النتيجة خيانة كبيرة ، خيانة ليس لي فقط و إنما لمبادئ تحدثت عنها كثيرا ، لكن كانت مجرد كلمات تتبجح بها . أي حكم في هذه اللحظة يا حبيبتي سيكون ليس صحيحا ، و ستعرف كل شيء في الوقت المناسب لأن التاريخ ظالم ، كم من اللص تحول إلى بطل و العكس صحيح ، و أنا لا أقدم تبريرات و لكن لا أحب أن يرتبط مصيرك بالمجهول ، بالموت ، توقف عن الكلام وساد الصمت بينهما ، بدأ يصفف شعرها المنسدل على خديها بكل حنان و لطف ، مسح دموعها و يديه ترتعش ، حاول أن يقبلها فرفضت ، قابل رفضها بابتسامة رقيقة ، تحرك من مكانه و لم تعره اهتماما ، أخرج من جيبه كتابا أسودا صغيرا ووضعه على الطاولة أمامها و انصرف وصل إلى باب المقهى رفع يديه اليمنى يودعها ، أخذت الكتاب ركبت سيارتها و انطلقت بسرعة الضوء وسط شوارع المدينة المضيئة ، دخلت إلى غرفتها ارتمت على السرير لم تعر اهتماما كبيرا للمقدمة الكتاب و انتقلت للفصل الأول . عبدو في السنة الرابعة عشرة من عمره ، يدرس في السنة الثالثة إعدادي لباسه بالية ، نحيف الجسم وجهه شحب ، يعيش أغلب أوقاته مع أبيه ، يخرج من المدرسة يجول الشوارع يقدم مساعدة للناس من أجل تخفيف عبء الحياة القاسية عن أبيه ، الذي يعمل " سيرور " يجول الشوارع ليلا نهار ، صيفا شتاءا من شارع إلى شارع و من مقهي إلى مقهي من أجل بعض الدريهمات ، شباب عصفت بهم ريح الفقر و التشرد ، قرب سور على وشك السقوط واحد منهم يشم كيس بلاستكي بكل نشوة ، نشوة الانتصار على الذات يعيش عالم الأحلام و الأوهام ، الأخر ممدد على الأرض و سؤال الموت يختمره ، فتاة جميلة تمر أمامهم يقوم أحدهم بمناداتها بصوت مبحوح متقطع " فين الزين " ترد عليهم بابتسامة رقيقة و حركة طريفة من عينيها اليسرى ، فيها نوع من السخرية و الاحتقار إلى هذا النوع من الشباب المستسلم للقدر، قدر الأرض الذي يتحكم في رقاب البشر ، أحلامها أكبر ، أحلامها تتجاوزهم ، تتعالى أصواتهم بين الفينة و الأخرى من أجل نصف سيجارة محشوة بالحشيش ، يمر والد عبدو بجانيهم . يحاول أحدهم سلب ما يملك من الدريهات التي جمعها في مسيرته و بعد مشادات يتخلص منهم بمساعدة بعض الأشخاص ، ليكمل مسيرته في إتجاه المنزل ، عبارة عن بتاء من القصب و القصدير ، أم عبدو خادمة في فيلا تعود ملكيتها لرجل ثري ، يقال أنه يشتغل في السياسة ، تطبخ و تكنس و تعمل طوال النهار في بيت مشغلها و في الليل تعمل في بيت زوجها الثاني تزوجته بعدما انفصلت عن والد عبدو . من عادة عبدو بعد إنهاء دراسته يوم الجمعة ، أن يذهب إلى المسجد من أجل تناول وجبة الغذاء مع أبيه ، لكن هذه المرة كانت مختلفة بالنسبة إليه ، في طريقه رأى حشودا من الناس مجتمعة على شكل دائري ، اقترب منهم و انسل بجسده الضعيف بينهم ، لم يكن يعلم أن الشخص المرمي على الأرض سيكون والده يحتضر و يودع حياة البؤس و المرارة بعدما صدمته سيارة ، ارتمى عليه و أجهش بالبكاء أبي ...أبي ... نظر إليه و أشار بأصبعه إلى الصندوق الخشبي ، إنها وصيه الأخيرة لابنه و فارق الحياة تعالت أصوات الناس الرجل توفي ، " إن لله و إن إليه راجعون " ..... ذهب مهرولا يجري إلى بيت أمه و ارتمى في حجرها ، و الأطفال من ورائه " إبن السيرور " أخذته أمه في حضنها و الدموع تملأ عينيها ، أخذه النوم من فرط الصدمة ، لا يمكن أن يعيش في بيت أمه فزوجها سيطرده بالتأكيد أو عليها أن تختار بين الزوج و الابن ، أشرقت شمس الصباح تحرك من مكانه وودع أمه و خرج مسرعا في اتجاه المنزل وضع الصندوق الخشبي على الطاولة و المحفظة بجانبه يتأملهما ،أخذ المحفظة و الصندوق الخشبي لتبدأ حياة جديدة من المعاناة لكن هذه المرة في غياب سند له ................................ ..........إن هذا اليوم هو يوم تاريخي تشهده الجامعة ، لقد قررنا مقاطعة الامتحانات نظرا للأوضاع المزرية التي تعيشها الجامعة ، يتحدث بثقة كبيرة وهو يلتفت يمينا و يسارا ، تسللت فتاة جميلة إلى وسط الحلقية ، أخرجت كتابا من محفظتها و جلست تنصت و تتابع حركته بكل دقة ، شعرها أشقر عيناها عسليتان خدودها وردية ، يستطرد قائلا إن البلد تعاني من استبداد سياسي و ثقافي ، إن اللحظة تاريخية تفرض علينا أن نكون يدا واحدة ضد القمع و القهر و الظلم ... أنهي كلمته و بعد تحية الإطار انسحب ، تفرق الطلاب و أعينهم شرارة الغضب ، تقدمت نحوه بخطى متثاقلة ، دقيقة لو سمحت لدي سؤال نعم هناك مجموعة من الأحزاب السياسية تقوم بهذا الدور الأحزاب لا تمثل إلا نفسها ، ليس لدينا مؤسسات ، لدينا أشخاص تتحكم في حياة الناس قبل أن تسأله سؤالا أخر عرف أنها تريد معرفة الكثير ، فطلب منها أن تتناول وجبة الغذاء معه ، وافقت وهي محتارة لم تعتد الدخول إلى مثل هذا المطعم ، أخذ وجبته بينما هي اكتفت بالنظر إليه ما اسمك منى ، طالبة سنة الأولى شعبة الاقتصاد عبد ، السنة الثالثة شعبة الفلسفة ضحكت عندما سمعت اسمه ، اعتذرت له وابتسم في وجهها و دار بينها حديثا مطولا .... عاد إلى المنزل جلس على كرسي خشبي قرب السرير أخذ سيجارة ، يعرف أن حياته لا تنتهي بشكل جيد ، و يعرف جيدا أن مسألة اعتقاله مسألة وقت فقط ، لكن مهما تكون النهاية سأستمر في نفس الطريق ، طريق الحق و العدل و الحرية الحقيقية ، الإيمان بالمبادئ و الأخلاق أهم من الحياة ، لأن الحياة بدون مبادئ هي في نفس الوقت موت ، لأن الموت الفعلي هو موت الضمير و ليس الجسد ، قاطعت زيارة رفاقه تفكيره ، اخترق الأزقة و الشوارع ، متشردون و أوساخ في كل مكان ، وصل إلى غرفة في ركن أحد الدروب دق بانتظام و أعاد مرة أخرى ، فتح الباب عانقه عادل سائلا عن أحوال الجامعة ، فأخبره بأخر المستجدات في حضرة سهام . عاد إلى منزله ارتمى على السرير يتقلب يمينا و يسارا ، يضع الوسادة على رأسه و هو يفكر في الغد ، هل سينجح الإضراب .... دقات قوية على الباب قاطعت تفكيره ، نهض مفزوعا فوجد سهام تخبره أن عادل تم اعتقاله فهوى على كرسي و تمددت سهام بجانبه .... في اليوم الموالي تسلل إلى الجامعة ، بدأ الإضراب و اختلطت الشعارات بالصفير ، بصوت سيارة البوليس و القنابل المسيلة للدموع ، و الرصاص المطاطي ، و الحجارة .... كسور و جروح و اعتقالات ، طوقت الجامعة و بصعوبة كبيرة وصل عبدو إلى المنزل ، التحقت به منى، سألها عن عادل فقالت إنه بخير و قال المحامي أن مدته لن تقل عن خمسة عشر سنة .... في اليوم التالي جات منى تحمل بعض الطعام و لتطمئن عليه ، لم ترى شخصا مثل هذا في حياتها ، يتحدث بلطف يحب الناس يثور في وجه الأعداء ، يتنفس الحرية يكسر العادات و التقاليد ، لا تستطيع أن تنسى حديثا مع صديق له ، نحن لنا حياة بديلة ، نريد للشخص أن يحيا إنسانيته نريد أن نعيش الحب الحقيقي أن نعيش الحرية و العدل و المساواة ، نريد مجتمع المساواة و الإحترام و ليس مجتمع الخوف ، نريد الوضوح و لا نريد التزييف و الخداع ، لذلك أحبته بجنون، لم يكن حبا روتينيا ، بل عشقها له كان إيمانا منها بمبادئه عن المرأة ، أحب فيها الإنسانة الطيبة الخجولة التي تحافظ على أنوثتها ، التي تعشق الحرية الحقيقية ، طوقت عنقه بيدها ووضعت شفتيها على شفتيه ، ارتمى على السرير ارتمت فوقه ، التصق جسدها بجسده بدأت تفتح أزرار قميصه ، بدأ يداعب حلمة نهديها تقبله من جبينه و صدره و عنقه و كأنها تحثه على الحركة و الاستمرار فتعالت أصوات النشوة بينهما . تمددت على السرير و الخوف يِورقها على عبدو ، لأنه كسر جدار الصمت كما كسر العادات و التقاليد ، خرج عبدو إلى المقهى المجاور للبيت الذي يكتريه أخذ فنجان قهوة و أخذ سيجارة ، دخلت سهام متنكرة ، سجن عادل بخمسة عشر سنة سجنا و عليك أن تختفي ، قبلته قبلة خفيفة امتلأت عيناها بالدموع و غادرت ... انتهت من قراءة الكتاب ، أخذت السيارة و انطلقت تجاه المنزل رأت حشودا من الناس مجتمعين ، سألت أحد الأشخاص ماذا يجري أجاب ، قد تم اعتقال شخص اسمه عبدو يقال أنه إرهابي خطير ، قيد إلأى مخفر الشرطة و بدأ التحقيق معه . وجهت له مجوعة من التهم ، فأجاب أن محاكمته خاطئة ليس أنا من يجب أن يحاكم ، و لكن الظروف يجب أن تحاكم ، أنا فقط عاشق للحرية ، عاشق للحياة ن عاشق للسلم ، حاكموا الفقر ، حاكموا الاستبداد ، حاكموا الظلم ، حاكموا الإرهاب ....... انتفض أحدهم فقال يجب أن يعدم ، فأجاب أعدمت يوم ولدت لكن مبادئي تستمر ، و موت الجسد أقل ضررا من موت الضمير ، في تلك اللحظة وصلت منى لم يسمحوا لهل بالدخول ، لكن عندما عرف أحدهم أنها تنتمي إلى عائلة غنية سمح لها ، عانقته بقوة و قبلته لتستفز أعداءه ، سقطت دمعة على خدها الأيسر و قالت كان الموت و مصيري ربطته بالموت و المجهول .
#محسن_كفحالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود
...
-
“نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ
...
-
تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما
...
-
مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب
...
-
المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب
...
-
هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
-
“نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق
...
-
مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل
...
-
فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي
...
-
انقاذ سيران مُتابعة مسلسل طائر الرفراف الحلقة 68 Yal? Capk?
...
المزيد.....
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|