أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - أحمد زايان - إعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب: دروس التجربة وآفاق العمل















المزيد.....



إعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب: دروس التجربة وآفاق العمل


أحمد زايان

الحوار المتمدن-العدد: 1440 - 2006 / 1 / 24 - 10:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تنشر المناضل-ة هذين المقالين من أجل استثارة النقاش وفتح حوار ديمقراطي بين المناضلين حول واقع الحركة الطلابيةالمغربية وذلك بهدف استنهاضها حتى تقوم بدورها وتبوءها لمكانتها داخل الصراع الاجتماعي.
بعد الإطلاع على مقال "الحركة الطلابية المغربية ومهام المناضلين الماركسيين" الموقع باسم الرفيق "ماركسي ثوري من المغرب" المؤرخ في أبريل 2005 والمنشور على شبكة الانترنيت بموقع "الحوار المتمدن"، نود عرض وجهة نظرنا التي ستتركز حول أهم قضية تعرض لها المقال، وهي قضية إعادة هيكلة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب –ا.و.ط.م- حيث أن القضية أثارت خلافات وصراعات سابقا، ولا تزال تثيرها بنفس الحدة اليوم وفي شروط جديدة وبمضامين جديدة أيضا.

ونشير أننا لن نتوقف فقط عند إبداء بعض الملاحظات حول ما جاء في مقال الرفيق بل سنحاول استعادة تجارب / محاولات إعادة البناء للمنظمة النقابية الطلابية ا.و.ط.م هاجسنا الأساسي من وراء ذلك ليس النبش في ماضي الخلافات، بل استخلاص الدروس من التجارب السابقة وهو ما نعتبره ضروريا لإنارة الطريق للنضال الطلابي في المرحلة الراهنة. وفي الأخير سنتطرق لمضمون هيكلة ا.و.ط.م كما جاء في مقال الرفيق، ونعرض لوجهة نظرنا الخاصة في الموضوع.

I- ملاحظات تمهيدية:
1- يعتبر الرفيق، عن حق وحسن تقدير، أنه قد ".. اتضح جليا طيلة العقدين الماضيين، وبشكل خاص خلال السنة الماضية 2003/2004، أن فشل المعارك النضالية رغم كفاحيتها يعود في جزء مهم إلى غياب منظمة طلابية موحدة وطنيا وقادرة على الدعوة إلى تنظيم معارك وطنية أو التنسيق بين المعارك التي تدور في المواقع الجامعية المختلفة. إن وجود ا.و.ط.م كمنظمة مهيكلة لن يفيد فقط في مسألة قيادة المعارك الوطنية وتوجيهها والتنسيق.. إلخ بل كذلك على مراكمة التجارب والخبرات وضمان الاستمرارية.. إلخ، مما يجعل مهمة بناء الاتحاد الوطني، ليس ضرورة فحسب بل من أهم الواجبات (المطروحة) على كاهل القاعديين...".
إن هذه الخلاصة التي نتقاسمها مع الرفيق، ورغم بداهتها النظرية والعملية، لم تكن طيلة المرحلة الطويلة هاته مسألة بديهية وواضحة لدى جزء هام من الطلبة القاعديين، بل إنها، ولحدود الساعة، لا تزال غير بديهية ولا واضحة عندهم. ونقصد هنا تيار القاعديين المعروف في الساحة الطلابية بالبرنامج المرحلي، والذي من الواضح أن الرفيق يتوجه إليهم بالأساس بمقاله، ويدعوهم من خلاله إلى جعل مهمة هيكلة ا.و.ط.م من مهامهم المباشرة.
فلا شك أن الرفيق مطلع على الصراع المرير الذي شق صفوف حركة الطلبة القاعديين بعد 1984 حول هذه القضية المحورية، بين أنصار برنامج إعادة بناء ا.و.ط.م وأنصار استبعاد هذه المهمة من برنامج النضال المرحلي الطلابي، باعتبارها ليست بالمهمة المباشرة.
ونقدر أن الرفيق يعلم، تمام العلم، كيف أفضى هذا الصراع، الذي شق أقوى تيار نقابي طلابي – الطلبة القاعديون – إلى إضعاف الحركة الطلابية. وبشكل أدق كيف أدى إلى تعميق ضعفها الذاتي بعد فشل المؤتمر 17، بما كان لهذا الفشل من نتائج سلبية خطيرة قوضت، وإلى حد كبير، من المقومات الذاتية لصمودها في وجه حملات القمع الاستئصالي الذي استهدفتها.
إن الخلاصة التي يقدمها الرفيق اليوم لتجربة حوالي 25 سنة من نضال الحركة الطلابية، هي نفسها الخلاصة التي ظل يرددها ويناضل من أجلها وعلى ضوئها جزء هام من الطلبة القاعديين أنصار هيكلة ا.و.ط.م. ولقد حملوا مشعل هذه المهمة لفترة طويلة لوحدهم بعد 1984، هذا بينما كان القاعديون جميعهم قبل ذلك (قبل 1984) يعتبرونها مسألة بديهية ويعتبرون النضال من أجلها ليس ضرورة فحسب بل من أهم الواجبات المباشرة المطروحة على كاهلهم.
2- لقد اعتقدنا أن الخلاصة التي جاءت في مقال الرفيق نتاج ومحصلة تقييم موضوعي لتجربة الحركة الطلابية طيلة هذه الفترة الطويلة، بما يعنيه -كل تقييم موضوعي- من الوقوف عند المسؤوليات الملموسة عن هدر الطاقات بدل توحيدها ورصها وتوجيهها نحو إنجاز هذه المهمة المباشرة والمركزية، وبما يتطلبه –كل تقييم موضوعي- من تحديد وإعلان المنزلقات بهدف تجاوزها لتوفير شروط النصر لمهمة إعادة الهيكلة في المرحلة الراهنة. لكن ظننا خاب، إذ سرعان ما سيتبدد اعتقادنا لما لجأ الرفيق إلى تبرير مالا يبرر وتمييع وتغميض ما لا يجب تمييعه وما لا يحتمل، أبدا، اللف والغموض والالتباسات.
هكذا فلأن الرفيق يعرف، تمام المعرفة، أن خلاصته تلك لا يتقاسمها معه جزء هام من الطلبة القاعديين – تيارات البرنامج المرحلي – الذين لا يزال معظمهم أوفياء لخط المعارضة المنهجية لهيكلة ا.و.ط.م، لجأ الرفيق إلى التعميم والتعويم حيث يقول: "ربما ما يجعل النقاش حول إعادة الهيكلة محفوفا بالحساسية لدى القاعديين، تلك التجارب السيئة الذكر التي حاولت تحت مسمى إعادة الهيكلة أن تفرض على الحركة الطلابية أشكالا بيروقراطية مقيتة وتفرض الوصاية الحزبية على الجماهير الطلابية (وهو الشيء الذي تصدى له القاعديون بحزم)...".
ومتى انتقلنا من الصياغات التعويمية والمجردة إلى التحليل الملموس المبني على المعطيات التاريخية الواقعية الملموسة، سينكشف الدور التعتيمي الذي تلعبه مثل هذه النعوتات والعبارات. ونتساءل: هل حقا أن القاعديين جميعهم تصدوا بحزم وعارضوا هذه "التجارب.. البيروقراطية المقيتة؟" وأين تكمن بالضبط والتحديد الطبيعة "البيروقراطية المقيتة" و"الوصاية الحزبية" في هذه التجارب؟ بل ما هي بالتحديد والتعيين "تلك التجارب لإعادة الهيكلة" التي يقصدها الرفيق، ويعتبرها "سيئة الذكر؟".
ولنفرض جدلا، أنها كانت كذلك، فهل عارضها الرفاق –الذي يتوجه إليهم بمقاله- بالدعوة لأشكال تنظيمية ديمقراطية؟" أم عارضوها من منطلق الرفض المنهجي لإعادة الهيكلة، تحت مبررات "غياب الشروط الذاتية والموضوعية" وما شابهها؟.
ولأننا نرفض، رفضا مطلقا، الصياغات المضببة والملغومة، خاصة بالنسبة للقضايا الجماهيرية المصيرية كقضية إعادة هيكلة ا.و.ط.م، سنعمل على رصد تجارب/ محاولات إعادة الهيكلة واضعينها في سياقها الملموس، موضحين ظرفياتها وخصائصها المتميزة ومواقف ومواقع الأطراف الطلابية منها.
إن منهجية كهذه هي التي من شأنها أن تعطي الصورة الواضحة عن هذه التجارب، وتمنح، لا محالة، للحركة الطلابية العناصر والمقومات الذاتية التوجيهية لفهم تاريخ يستمر في حاضر النضالات الراهنة، كما تحميها بدروسها وعبرها وخلاصاتها من تكرار واجترار المنزلقات وتجنبها، كيفما كانت ومن أية جهة جاءت.
وفي الواقع شهدت الحركة الطلابية ثلاثة تجارب / محاولات لإعادة هيكلة ا.و.ط.م بعد 1984. والواقع أيضا أن لكل تجربة / محاولة سياقاتها الخاصة وظرفياتها المتميزة التي يجب أخذها بعين الاعتبار في أي تحليل أو تقييم جديين لهذه التجارب.
- ويتعلق الأمر أولا بتجربة / محاولة إعادة هيكلة ا.و.ط.م في الموسمين الجامعيين 84/85 و 85/ 1986.
- وتليها التجربة الثانية المعروفة بتجربة اللجن الانتقالية 88/1991.
ثم أخيرا آخر محاولة في 92/1994.
3- وبخصوص آفاق العمل من أجل إعادة هيكلة ا.و.ط.م كما جاءت في مقال الرفيق، فإننا لا نجد، عناصر واضحة لبرنامج وخطة عمل لإعادة الهيكلة، أكثر من ذلك فإن ما يطرحه الرفيق من آفاق، لا يعدو أن يكون، ولا يخرج عما يجري ويردد منذ زمان "تشكيل اللجن المؤقتة في المعارك" إلخ. بدون آفاق ملموسة وواضحة. لكن الأخطر ما في الأمر هو ما يتم التنظير له كأفق! فمقال الرفيق يندرج (ربما بدون قصد ولا وعي) في تلك الطروحات الداعية إلى هيكلة منظمة حزبية شبه جماهيرية تحمل تعسفا وعدوانا اسم ا.و.ط.م.
II – المحاولات الأولى لإعادة الهيكلة (84/85 و85/1986):
1- تعرض الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لموجة قمع جديدة إثر الانتفاضة الشعبية ليناير 1984، ضمن موجة القمع الشرس التي طالت الجماهير الشعبية المنتفضة وقواها المناضلة. وتركزت موجة القمع هاته على مسؤولي أجهزة ا.و.م.ط ومناضليه وأطره (أعضاء مكاتب التعاضديات والجمعيات ومجالس القاطنين، ومناضلي لجن الأقسام..إلخ). وكانت خطة النظام واضحة حيث قرر استغلال الظرفية لتصفية جميع البنيات التنظيمية لا.و.ط.م بفرض حظر عملي شامل على المنظمة الطلابية.
ونذكر أن هذه الأجهزة التحتية لا.و.ط.م منبثقة عن انتخابات الموسم الجامعي 82/1983، وكانت تضم في صفوفها –وحسب المواقع- الطلبة القاعديين وطلبة لائحة رفاق الشهداء إلى جانب طلبة منظمة العمل الديموقراطي الشعبي والاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية. ولم يتسن للجماهير الطلابية تجديد أجهزتها التحتية هاته سنة 83/84 بسبب موجة القمع وحالة الحصار والإرهاب بعد انتفاضة 1984.
ونذكر أيضا أن الحركة الطلابية في بداية الموسم الجامعي 83/84 كانت منغمسة في التحضير لتجديد الأجهزة التحتية لا.و.ط.م على صعيد جميع المواقع الجامعية (بل حتى موقعا جامعيا جديدا مثل تطوان، حيث لم يكن يتوفر على جهاز لا.و.ط.م، ثم تشكيل لجنة تحضيرية بهدف التحضير لانتخاب التعاضدية، وذلك بمبادرة من القاعديين ورفاق الشهداء).
وكان الطلبة القاعديون أنفسهم يهيئون، بل وفي مقدمة من يحضر بحماس البرامج النضالية ولوائح المناضلين المقترحين للترشيح للأجهزة.
نذكر أيضا وأخيرا، أنه وفي نفس الوقت –بداية 83/84، عرفت الحركة الطلابية انطلاق حوارات ونقاشات جماهيرية للبحث حول السبل الكفيلة لعقد المؤتمر الاستثنائي لا.و.ط.م وإنجاحه لتجاوز الثغرة الخطيرة التي أدى إليها فشل المؤتمر 17.
غير أن الضربة القمعية ليناير 1984 وما تبعها ورافقها من حصار ومتابعات ومحاكمات عطلت هذا العمل الضخم الذي كانت الحركة الطلابية منخرطة فيه.
أمام هذه الوضعية ومستجداتها، طرح السؤال الجوهري والأساسي: ما العمل؟، هل يجب الصمود في وجه موجة القمع الجديدة والنضال من أجل إفشالها، وبالتالي إفشال مخطط فرض حظر عملي شامل على ا.و.ط.م، أم ينبغي التراجع والانسحاب والتفرج إلى أن تأتي ظروف أخرى يرفع فيها النظام قمعه الأسود ويسمح للحركة الطلابية من تلقاء نفسه بممارسة حقوقها وحرياتها الديموقراطية وفي طليعتها حقها في الانتظام والتعبير النقابيين في إطار منظمتها النقابية ا.و.ط.م؟.
وللحقيقة والتاريخ، فإن الطلبة القاعديون جميعهم اختاروا دون تردد الموقف الصائب، والخيار الشجاع، خيار تحمل المسؤولية النضالية في الميدان لإفشال مخطط إقبار ا.و.ط.م. وهل كان ا.و.ط.م سيظل حيا وراسخا في وجدان الأجيال المتعاقبة من الطلبة لو لم يتخذ الطلبة القاعديون هذا الموقف الشجاع؟.
غير أن إجماع الطلبة القاعديين على هذا الخيار السديد، لم يكن لوحده كافيا لشق طريق النصر في هذه المعركة المصيرية. فلقد كانت الوضعية تتطلب خطة عمل/ برنامج نضالي واضح الهدف لترجمة هذا الخيار على أرض الواقع الطلابي بتعقيداته الموروثة عما قبل عام 1984. وأخذا بعين الاعتبار مستجداته الأخيرة.
من هنا بالذات ستنبعث وتبدأ الانشقاقات في صفوف القاعديين والتي ستتعمق إلى أن بلغت مداها في ما بلغته فيما بعد.
2- وقبل عرض خطة العمل / البرنامج النضالي المرحلي من أجل إعادة الهيكلة الذي يلمح لها الرفيق، على ما نعتقد، وينعتها ويصنفها ضمن "التجارب السيئة الذكر.. التي حاولت أن تفرض على الحركة الطلابية أشكالا بيروقراطية مقيتة.." نرى من الضروري عرض الأسس المنهجية لمفهوم الخطة (أسس مبنية على الديالكتيك المادي القائم هو نفسه على جدلية التحليل الملموس للواقع الملموس)..
إن كل من ساهم في العمل النضالي المنظم، يدرك جيدا أنه لا بد لأية خطة عمل، وفي أي مجال من المجالات يراد بلورتها، أن تتوفر فيها العناصر الحاسمة التالية:
أولا: الوضوح التام للهدف الذي تنشده الخطة النضالية. إن غياب الهدف أو ضبابيته يمنعان من بلورة خطة واضحة ومنسجمة. ذلك أن عنصري الوضوح والانسجام اللذان تتطلبانهما الخطة يأتيان بالذات من وضوح الهدف ويتوقفان عليه.
فإذا كان الهدف غائبا أو مضببا فإن ما سيسود الممارسة النضالية هو الخلط والتحبط والعفوية، وتصبح الشعارات والممارسات النضالية، مهما صدقت نية وجريرة أصحابها، تراوح المكان في أحسن الأحوال، وقد تؤدي إلى المزيد من المشاكل وتوفر شروط الانزلاقات وتنتهي إلى تعميق الأزمة لحركة ما وتفجيرها.
ويعني وضوح الهدف التحديد الدقيق للحلقة المركزية للنضال، وهي الحلقة / الهدف التي تشكل روح الخطة ومحركها المركزي.
وفي حالة الحركة الطلابية في الفترة التي نحن بصددها، وبناء على المستجدات التي ذكرنا أعلاه، فإن الهدف/الحلقة المركزية للنضال الطلابي كانت هي إفشال مخطط فرض الحظر على ا.و.ط.م بشل بنياته التنظيمية وإقبارها، وذلك عبر التشتت بهذه البنيات بالذات والنضال من أجل تحصينها وفتح الطريق نحو فرض تجديدها من القاعدة للقمة، أي فرض إعادة هيكلة ا.و.ط.م وعقد مؤتمره.
وواضح أن مسلسل النضال من أجل إعادة البناء هو نفسه المسلسل النضالي لمواجهة الخطر العملي ورفعه، وأن رفع الحظر العملي يمر بشكل أساسي عبر فرض هياكل ا.و.ط.م، وليس عبر التفريط فيها.
كما أن مسلسل إعادة البناء هو نفسه المسلسل النضالي لاستنهاض الجماهير الطلابية على قاعدة النضال النقابي الجماهيري دفاعا عن مصالحها ومطالبها الملحة والمستعجلة في مواجهة سياسة "الإصلاح" التخريبي.
ثانيا: العنصر الثاني الحاسم في بلورة أية خطة يتمثل في التحليل الملموس للظرفية والشروط الذاتية والتحديد الدقيق للأنوية والعناصر والمقومات الذاتية الإيجابية المتوفرة، وإن كانت ضعيفة، والاستناد إليها والانطلاق منها كقاعدة ارتكاز والعمل على تطويرها وضخها بنفس جديد.
وفي حالة ووضعية الحركة الطلابية الملموسة في تلك الفترة، فإن العناصر والأنوية والمقومات الذاتية التنظيمية كانت تتمثل في:
-أ- ما تبقى من أجهزة ا.و.ط.م التحتية (تعاضديات، جمعيات، مجالس القاطنين..) وما تبقى من قيادته الوطنية التي تم تجديد الثقة فيها بقرار من أعلى هيئة تقريرية (المؤتمر 17).
-ب- وتتمثل أيضا في المقررات التنظيمية لا.و.ط.م السارية المفعول، والتي كانت ستلعب دور السلاح الفعال في يد الحركة الطلابية إذا ما تم استخدامها النضالي الجيد.
ونعني بذلك لجان الأقسام ومجالس الطلبة بالنظر إلى أنها الهياكل الأقرب إلى الجماهير الطلابية والأكثر قدرة على التعبئة واستيعاب أوسع الأطر الطلابية وضمان إشراكها وانخراطها في مسلسل العملية النضالية برمتها. ونعني أيضا لجنة التنسيق الوطني كأداة ضرورية وفعالة إذا ما تم استخدامها السليم لصهر النضال الطلابي وتوحيده، خاصة بعد غياب المجلس الإداري لا.و.ط.م، على إثر فشل المؤتمر 17 وكامتداد لانسحاب الطرف المهيمن (الاتحاد الاشتراكي...).
ج- كما تتمثل تلك العناصر والمقومات الذاتية الإيجابية للحركة الطلابية أيضا في وجود تيار نقابي ديمقراطي مرتبط بالحركة الطلابية وله تأثيره الواسع ووزنه القوي، وهو تيار الطلبة القاعديين الذي لم يتمكن القمع من اجتثاته بل أصبح أكثر عنادا وأقوى عزما على مواصلة النضال إلى جانب الجماهير الطلابية في الميدان، ومهما كلفه ذلك من تضحيات. ولقد كانت المصلحة الحقيقية للحركة الطلابية تكمن في ضمان وحدته وتوجيه كل قواه لإنجاح خيار النضال من أجل رفع الحظر عن ا.و.ط.م عبر فرض هياكله، وليس في تمزيقه وتشتيته وإغراق الحركة الطلابية في تناقضات ذاتية إضافية لم تؤدي إلا إلى تعميق ضعفها وعجزها في مواجهة عدوها الرئيسي.
ثالثا: ويتمثل العامل الحاسم الثالث في بلورة ونجاح أي خطة في المعالجة السديدة للتناقضات الثانوية الذاتية بهدف رص الصفوف وتوحيدها وتوجيهها نحو هدفها المركزي التي توضع الخطة لأجله.
هنا أيضا تظهر أهمية الوضوح التام للهدف. فالهدف الواضح هو الذي يساعد على حصر التناقضات الذاتية حصرا سليما كمدخل ومقدمة لمعالجتها السديدة. ومن الطبيعي حين يغيب الهدف الواضح ولما تسود الضبابية في تحديده بدقة، يستحيل استحالة مطلقة حصر التناقضات ضمن إطارها السليم، وبالأحرى معالجتها ضمن خطة نضالية ومعالجتها على أساس الهدف الذي يشكل روح الخطة أو محركها المركزي.
ولما كان الهدف الواضح آنذاك للحركة الطلابية هو إعادة هيكلة ا.و.ط.م بدءا بالتشبت بالهياكل الموجودة لإفشال مخطط الحظر العملي، فلقد كان من الطبيعي أن يتمحور النقد للأطراف الأخرى حول انسحابها وتقاعسها بهدف جرها إلى المساهمة إلى جانب الحركة الطلابية في النضال من أجل إنجاز مهامها وعلى رأسها أم المهام (المهمة المباشرة حسب التعبير الموفق للرفيق) وهي مهمة تحمل المسؤولية في الدفاع عن ا.و.ط.م وإعادة هيكلته بدءا بالدفاع عن هياكله الموجودة – المحلية منها والوطنية – والعمل على تفعيلها.
وهذا لا يعني ولم يكن يعني أبدا، أنه ليس هناك اختلافات أخرى سياسية أو غيرها، بل يعني بالملموس أن أهم خلاف يجب إيجاد السبل السديدة لحله ومعالجته السديدة هو الخلاف بين تحمل مسؤولية النضال عمليا في إفشال مخطط الحظر عبر فرض هيكلة ا.و.ط.م، وبين التهرب من المسؤولية وترك المنظمة وجماهيرها الطلابية بين أنياب النظام. وبالطبع كان هذا الخلاف، خلافا سياسيا.
3- بعد هذا العرض المنهجي المركز، نعود الآن إلى عرض الخطة النضالية التي طرحت لإعادة هيكلة ا.و.ط.م والمصففة في مقال الرفيق –ضمنيا- ضمن "التجارب السيئة الذكر..." و"البيروقراطية المقيتة" و"الوصاية الحزبية"...
لنر عن قرب هل تصمد هذه الادعاءات أمام المضمون النضالي الديموقراطي الجماهيري الحقيقي للخطة.
إن الخطة البرنامجية التي تم طرحها والدفاع عنها من طرف القاعديين "أنصار الهيكلة"، تتشكل عناصرها ومحاورها الأساسية المترابطة مما يلي:
أولا: على الصعيد المحلي / المواقع الجامعية: دعت الخطة إلى محورة العمل الجماهيري الطلابي تنظيميا حول النضال من أجل فرض تجديد أجهزة ا.و.ط.م دفاعا وتثبيتا لمشروعيتها في مواجهة الحظر العملي الممارس عليها كهياكل وأجهزة تمثيلية للجماهير الطلابية على صعيد الكلية والحي الجامعي والمدرسة العليا والمعهد... وذلك لن يتأتى إلا من خلال العمل بما يلي:
أ- التشبت بما تبقى من الهياكل التحتية لا.و.ط.م المنتخبة (مكاتب التعاضديات والجمعيات ومجالس القاطنين) والعمل على تفعيلها ودفع مناضلي الأجهزة (غير المعتقلين أو الذين غادروا السجون) إلى تحمل المسؤولية في الاستمرار في التعبير المنظم والموحد عن الجماهير الطلابية، بأفق تجديدها لضخها بنفس جديد ودماء جديدة.
ب- إطلاق مبادرة إعادة بناء لجان الأقسام وتشكيل مجالس الطلبة لضمان تجذر وتجذير المد التنظيمي الجماهيري الديمقراطي، وضمان الانخراط والمساهمة المباشرة العملية لأوسع الطاقات الطلابية المناضلة في رفع الحظرعن ا.و.ط.م عمليا.
ج- الدفاع عن الحقوق والحريات الديمقراطية للطلبة (حرية التظاهر، والتعبير والتجمع.. والنشاط الثقافي و..إلخ) والعمل على انتزاعها وفرض احترامها بالنضال الميداني عبر ممارستها عمليا.
ثانيا: على الصعيد الوطني: أكدت خطة النضال على دفع القيادة الوطنية – ما تبقى من قيادة المؤتمر 16 – إلى تحمل مسؤوليتها بالعمل، من جهة، على التعبير المنظم عن الحركة الطلابية والعمل على توحيدها وطنيا، ومن جهة ثانية، تهيئ شروط انعقاد المؤتمر الاستثنائي لا.و.ط.م لتجديد القيادة الوطنية.
ثالثا: ربط النضال من أجل إعادة الهيكلة بالنضال النقابي المطلبي لصيانة المكتسبات المادية والتعليمية للطلبة في مواجهة مخطط تفكيكها ("الإصلاح" الجامعي المزعوم).
رابعا: ضمان وحدة الصف الطلابي وتوحيده على أساس المهام المباشرة للحركة الطلابية وهدفها المركزي المتمثل في إعادة هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة، عملا بالمبدأ القاعدي الديمقراطي "وضع مصلحة الحركة الطلابية فوق أي اعتبار" وعملا أيضا بمبدأ، وحدة – نقد – وحدة، الذي يؤكد على ضرورة الحرص الشديد على توحيد الصفوف الطلابية والمعالجة السديدة لتناقضاتها الذاتية الثانوية، وأن النقد في حد ذاته للأطراف الأخرى، لا يستهدف إلا وحدة أرقى وليس العصف بها.
ولقد شهدت الحركة الطلابية ما بين 84 و1986 عدة مبادرات لتجسيد مضامين هذه الخطة رغم القمع المحموم المسلط عليها، نذكر منها:
 انطلاق دينامية تشكيل لجان الأقسام وتشكيل مجالس الطلبة (بفاس ومكناس) والدعوة لها (بوجدة) وإقرارها في نقاش جماهيري مركزي.
 مبادرة عدد من المناضلين القاعديين في الأجهزة التحتية وخارجها سنة 85/86 بالدعوة إلى جمع مناضلي الأجهزة التحتية وما تبقى من القيادة الوطنية لوضع خطة نضالية وتنظيمية أساسها انتزاع المشروعية العملية لا.و.ط.م وفتح الطريق نحو عقد المؤتمر الاستثنائي، وفتح حوار بين مكونات / فصائل الحركة الطلابية. وكان من بين تجسيدات تلك الدعوة، صياغة نداء / عريضة من طرف بعض مناضلي الأجهزة التحتية لاقت تجاهلا تاما بل ومعارضة شديدة.
لكن هذا المجهود النضالي وهذه المبادرات الأولية سرعان ما سيصطدمان بمعارضة بدأت تتقوى يوما بعد يوم إلى أن تم الإجهاز عليها، وسيتم إقبار هذه التجربة الأولى لإعادة الهيكلة في مهدها نهاية 1986.
ويتوجب علينا أن نتساءل: إذا كان التوجه المتقاعس والمنسحب من الساحة النضالية قد عارض هذه المبادرات بالتجاهل والنقد – من بعيد – لأسباب سياسية حزبية بعيدة عن مصلحة الجماهير الطلابية، فماذا عن جزء هام من الطلبة القاعديين، وماذا عن مضمون معارضتهم وعرقلتهم لإنجاح هذه المبادرات ومعارضتهم الذهاب بها إلى مداها المطلوب وهو انتزاع مشروعية ا.و.ط.م؟، لقد رفض رفاقنا تفعيل ما تبقى من أجهزة ا.و.ط.م التحتية بأفق تجديدها، بل كثيرا ما استخدم بعضهم مواقع المسؤولية في هذه الأجهزة بالذات لقطع الطريق أمام أي مد تنظيمي. فإذا كان الاتحاد الاشتراكي قد "نزع" علانية الشرعية عن ما تبقى من قيادة المنظمة ورفض الانضباط لقرار أعلى هيأة للمنظمة – المؤتمر الوطني 17 – الذي جدد الثقة فيما تبقى من قيادة المؤتمر 16 لمواصلة أداء مهامها القيادية الوطنية وكلفها بتهيء شروط عقد المؤتمر الاستثنائي، فإن رفاقنا كانوا أكثر "جذرية" منه، إذ لم يكتفوا بمعارضة أي عمل مع ما تبقى من القيادة فقط، بل عمموا معارضتهم الجذرية على جميع الأجهزة التحتية المتبقية للمنظمة. ونستحضر هنا تجربة كلية الآداب بفاس، حيث تم تشكيل لجان الأقسام وتمت الدعوة إلى عقد وتأسيس مجلس الطلبة عام 85/1986، لكن الرفاق عارضوا بقوة إشراف جهاز التعاضدية على هذه العملية التنظيمية. فانتكست التجربة الجنينية هاته.
أما في جامعة مكناس الحديثة النشأة، فقد نجح المناضلون القاعديون أنصار الهيكلة في تأسيس لجن الأقسام ومجلس الطلبة، غير أن هذه التجربة توقفت بسبب القمع الذي تعرض له المناضلون في 1986.
وفي جامعة وجدة فإن الرفاق الذين ساهموا في الدعوة إلى تشكيل لجان الأقسام بأفق عقد مجالس الطلبة، باسم ما تبقى من الأجهزة، وبناء على قرار للقاعديين، هم أنفسهم من تراجع عنها وانتقلوا بخفة إلى محاربة أي مبادرة تنظيمية للتلجين.. إلخ.. بل وتم إفشال وعرقلة محاولات عديدة لتشكيل لجان للأقسام في جميع الكليات.
أما على الصعيد الوطني فإنهم عارضوا بشدة أية خطوة وأي عمل يمضي في اتجاه تفعيل قرار المؤتمر 17، وهو أعلى هيئة تقريرية، القاضي بتجديد الثقة في ما تبقى من قيادة المنظمة (بمبرر في غاية الغرابة مؤداه أن أي مؤتمر تدعو إليه القيادة سيكون مؤتمرا فوقيا وبيروقراطيا...).
فبماذا كان الرفاق يبررون معارضتهم لبرنامج الخطة النضالية التي تم طرحها من طرف الطلبة القاعديين أنصار الهيكلة؟.
 إن مبررهم الأول كان هو عدم توفر الشروط الذاتية والموضوعية للهيكلة.
 مبررهم الثاني كان هو الطبيعية البيروقراطية للمؤتمر 16.
 مبررهم الثالث هو معارضتهم المنهجية المبدئية للعمل الوحدوي.
فلنتوقف قليلا عند هذه المبررات، ولنر ما هو مضمونها الفعلي!.
4- ما الذي يعنيه بالملموس الشعار التعويمي القائل بعدم "توفر الشروط الذاتية والموضوعية لإعادة الهيكلة"؟.
 إذا كانت الشروط الذاتية التنظيمية الملموسة لانطلاق أية هيكلة آنئذ كما سبق الذكر، تتمثل في وجود ما تبقى من هياكل وطنية ومحلية لا.و.ط.م، فهل كان من الواجب والضروري التشبت بها والعمل على تفعيلها وتطوير عملها، أم التفريط فيها كما فعلت باقي الفصائل؟
فنتيجة لموقفهم ونهج الرفض المنهجي لهذه الشروط الذاتية التنظيمية الضعيفة أصلا بسبب القمع أولا وبسبب التفريط ثانيا، وقع الرفاق في فخ المساهمة في تدمير الشروط الأنوية الأولية المتوفرة، مما عمق الأزمة الذاتية للحركة الطلابية.
 أما فيما يتعلق بقولهم بعدم توفر الشروط الموضوعية للهيكلة بسبب الحظر العملي على ا.و.ط.م فأقل ما يقال عنه، هو أن الرفاق، بسبب تخبطهم وغياب الهدف الواضح لديهم، اختلقوا تحليلا ذهنيا عجيبا، يضع سورا صينيا بين مهمة النضال من أجل رفع الحظر العملي وبين مهمة النضال من أجل فرض هيكلة ا.و.ط.م. فلقد كان الرفاق يرون أن الهيكلة ستأتي تتويجا لرفع الحظر، أي بعد رفع الحظر العملي عن ا.و.ط.م. والحال أن النضال من أحل رفع الحظر وإعادة هيكلة ا.و.ط.م، مسلسل واحد ومسيرة نضالية واحدة.
فمسلسل النضال من أجل فرض هيكلة ا.و.ط.م هو نفسه المسلسل النضالي من أجل استرجاع وانتزاع المشروعية العملية لا.و.ط.م أي فرض رفع الحظر العملي عنه.
إن ما لم يفهمه الرفاق، هو أن مهمة رفع الحظر متضمنة بالضرورة الموضوعية وبالبداهة المنطقية في مسلسل فرض إعادة هيكلة ا.و.ط.م. فكلما تمكنت الحركة الطلابية من فرض هياكلها، وحتى أبسطها، تكون قد خطت خطوة، في نفس الآن نحو رفع الحظر العملي.
والحقيقة، ودون مزيد كلام، فإن فصلهم المسلسل النضالي لرفع الحظر عن ا.و.ط.م عن مسلسل إعادة الهيكلة، كلام لا منطق ولا معنى له ويجد تفسيره في التخبط الذي انغلق في دوامته رفاقنا وصاروا سجناء له لمدة طويلة، للأسف.
5- إن مبرر الرفاق القاضي برفض القاعديين (كتوجه ديموقراطي) العمل في الهياكل البيروقراطية للمؤتمر 16، مبرر مردود عليه من خلال تجربة الطلبة القاعديين أنفسهم، أولا، ومن خلال تفحص التجربة السابقة التي يشكل القاعديون استمرارا لها ثانيا، وهذا ما سنوضحه بتركيز شديد.
أولا: رغم انتقادهم للمقررات التنظيمية للمؤتمر 16، فإن القاعديين كانوا يعملون ويناضلون في هذه الهياكل وليس خارجها. ولقد تحملوا المسؤولية الكبيرة في تفعيلها، (التعاضديات ومجالس القاطنين.. ولجان الأقسام ومجالس الطلبة.. إلخ) ولم يسجل عليهم أنهم خرقوا التنظيم حتى! فهل يعلم الرفاق أن من خرق المقررات التنظيمية للمؤتمر 16 هم واضعوها وليس القاعديين؟ فلنذكر الرفاق أن قيادة 16 هي التي رفضت تشكيل مكاتب الفروع الجامعية في مدينتي الرباط وفاس مثلا فقط لأنها لم تكن للأطراف المهيمنة أغلبية بها. وأنها –القيادة- قد حاولت حل الجمعيات (بالمدارس العليا..)، رغم أن مقررات 16 التي وضعته لا تسمح لها بذلك؟، هذا قبل المؤتمر 17، فماذا عن ممارسة القاعديين بعد فشل المؤتمر 17؟ لقد استمروا في العمل داخل الأجهزة والانضباط لمقررات أعلى هيئة مقررة وهي المؤتمر، وذلك طيلة الفترة الممتدة من 81 إلى 1984.
ثانيا: إذا رجعنا للتجربة النضالية التي يشكل القاعديون امتدادا نضاليا لها، أي تجربة الطلبة الجبهويين وامتداداتها في فترة الحظر القانوني 73-78 وبعد رفع الحظر القانوني، سنتأكد أن نفس الممارسة الديموقراطية حكمت ووجهت التجربة برمتها، وأن مبررات وممارسات رفاقنا في "البرنامج المرحلي" لا سند لها.
فمعروف أن طلبة التوجه الجبهوي قد انسحبوا من المؤتمر 14 بعد الممارسات البيروقراطية التي عرفها المؤتمر، وأن المؤتمر 14 قد شكل تراجعا تنظيميا كبيرا بالنسبة لمقررات التنظيم الصادرة عن المؤتمر 13... ومع ذلك هل رفض الجبهويون العمل في الهياكل التي أقرها المؤتمر 14؟ لا طبعا.
ونذكر الرفاق أيضا أن صراعا جماهيريا حادا جرى قبل وبعد رفع الحظر القانوني عن ا.و.ط.م (73/78) حول قضية التنظيم، بين توجه يدعو إلى هيكلة محورها المجالس الديموقراطية المقررة وبين أنصار التعاضديات. وكان الطرفان ينطلقان من مقررات المؤتمر 15 نفسها.
ولم يبق هذا الصراع في حدود الصراع النظري والتبشيري، بل صار واقعا تنظيميا حيث نجد الشكلين معا (التعاضديات في بعض المواقع والمجالس في أخرى). فماذا كان موقف التوجه الديمقراطي؟ فرغم تقدمه الجماهيري تبنى موقفا يغلب مصلحة الحركة الطلابية ويجنبها خطر التشتت والتقسيم عندما دعا إلى عقد التنسيق الوطني الوحدوي بحضور كافة أشكال وهياكل التنظيم الممثلة للطلبة في إطار ا.و.ط.م. (أثناء الحظر في 77) وبعد رفع الحظر انعقد التنسيق الوطني من جديد وتمخض عن مقررات وتوصيات دعت لتوحيد الحركة الطلابية (خاصة بالخارج حيث كانت هناك فيدراليتين، أي كانت الحركة الطلابية مقسمة) كما دعا التنسيق واقر العمل الجماعي الوحدوي للإعداد للمؤتمر 16... إلخ. وسيتم العمل على نسف وعرقلة قراراته من طرف التوجه البيروقراطي، حيث سينفرد بفرض توقيت عقد المؤتمر والتهيء له.. فماذا كان قرار التوجه الديموقراطي؟ وماذا كان موقفه من المؤتمر 16؟ فيكفي أن نشير أنه اعتبره –رغم بيروقراطيته- مكسبا تنظيميا للحركة الطلابية يجب تعميقه، وهذا ما مارسه وما التزم به الطلبة القاعديون.
إن دعوة الرفاق إلى نفض اليد من مقررات المؤتمرين 16 و17، لم تكن لتؤدي (وقد أدت في الواقع)، إلا إلى صب الماء في طاحونة تكريس الحظر العملي على ا.و.ط.م، (رغم قناعتنا الراسخة أن الرفاق لم يقصدوا ذلك، لكن طريق جهنم قد تكون مفروشة بالورود!).
إن المنظمة الطلابية ا.و.ط.م، كأي منظمة، ليست هلاما ولا مجرد شعارات، بل هي قرارات ومقررات وهياكل وتوجهات إلخ!. هذه هي أبجدية العمل الجماعي المنظم.
لقد أدى التخبط والخلط وغياب الوضوح بالرفاق إلى تصفيف مشوه للتناقضات، حيث حولوا المؤتمر 16 والمقررات التنظيمية المنبثقة عنه إلى عدو رئيسي للحركة الطلابية، وجب مواجهته والإجهاز عليه. وسيترجم هذا الانزلاق الخطير في رفع شعار "مواجهة ورفع البيروقراطية".
ونؤكد أن المنظمة الطلابية، كأي منظمة، ليست هلاما ولا كلاما مجردا، بل كائن حي ملموس يتجسد في قراراتها ومقرراتها وهياكلها. ولقد كانت ا.و.ط.م، تتجسد بالملموس آنئذ في ما تبقى من قياداتها الوطنية والمحلية، ومقرراتها التنظيمية، كما أقرتها هيئاتها العليا التقريرية، المؤتمرين 16و17 إلى حين انعقاد مؤتمر جديد ليعدل ويغير القرارات.
6- تبقى نقطة في غاية الأهمية وهي الموقف من العمل الوحدوي. فإذا كان القاعديون أنصار الهيكلة قد اعتبروا العمل الوحدوي جزءا من خطتهم النضالية، فإن القاعديين المعارضين للهيكلة رفضوا رفضا قاطعا ومطلقا مفهوم العمل الوحدوي وصوروا العمل مع باقي الأطراف خيانة للمبادئ.. وأمام هذا الانزلاق الخاطيء والخطير لابد من التوضيح المبدئي والعملي للأمور:
أولا: إن ما لم يفهمه الرفاق، ولازالوا على ذلك حتى الآن، هو أن العمل الوحدوي قائم بالضرورة رغم أنفنا جميعا، مادام الانتماء الموحد لمنظمة طلابية واحدة (ا.و.ط.م) قائما. فوحدة الانتماء إلى المنظمة هو في حد ذاته التجسيد الأول للعمل الوحدوي بين تيارات الحركة الطلابية، بل بين كافة الطلبة مادام ليس هناك التقسيم النقابي. لذلك فإن الحرص على الوحدة النقابية الطلابية يعني مباشرة وبشكل ملموس الحرص على وحدة الانتماء وعلى وحدة الإطار ووحدة الصف الطلابي. هذا هو منطلقنا الأول في الدفاع المبدئي على العمل الوحدوي.
ثانيا: إن الادعاء بأن موقف الرفض للعمل الوحدوي وبرامج الحد الأدنى ثابت من ثوابت وتوجهات القاعديين ادعاء ليس خاطئا فحسب، بل اعتداء صريح وتزوير مفضوح لمواقف وتوجهات الطلبة القاعديين.
فمن الأسس (الثوابت) المنهجية والتوجيهية للعمل النقابي الجماهيري الديموقراطي لدى القاعديين ما عبروا عنه دوما وما هو وارد بالخط الواضح في أرضياتهم المعروفة والمكتوبة وبخط أيديهم، وهو اعتمادهم مبدأ: وحدة – نقد – وحدة في معالجتهم للتناقضات الداخلية للمنظمة الطلابية ا.و.ط.م. ويعني هذا المبدأ أولوية الوحدة والحرص الدائم عليها وعلى بلورتها، وأن النقد نفسه لا يستهدف إلا بلورة وحدة أرقى أي الوحدة على أساس برامج نضالية للحركة الطلابية.
ولم يأت هذا التوجه الوحدوي النقابي اعتباطا بل جاء وتكرس نتيجة لتقييم تجربة الطلبة الجبهويين وخاصة مقررات المؤتمر 15، حيث من منزلقات هذا الأخير خلط النقابي والسياسي وتغليب الصراع والنقد على الوحدة، وهو ما كان متجسدا آنذاك في المفهوم المقلوب للعمل الوحدوي داخل ا.و.ط.م. والمعبر عنه ب: نقد – وحدة – نقد.
وكامتداد لهذا التقييم وانطلاقا منه تكرس لدى الطلبة القاعديين التوجه النقابي الجماهيري المعبر عنه في "وضع مصلحة الحركة الطلابية فوق أي اعتبار" وهل هناك مصلحة للحركة الطلابية أكبر من مصلحتها في وجود منظمة وموحدة؟.
ثالثا: المنطلق الثالث في الدفاع عن العمل الوحدوي هو تجربة الطلبة القاعديين أنفسهم منذ المؤتمر 16 وإلى حدود عام 1984. فالطلبة القاعديون وطيلة هذه الفترة كانوا يتواجدون ويعملون ويناضلون جنبا إلى جنب مع الأطراف الأخرى في إطار هياكل وأجهزة ا.و.ط.م من لجن أقسام ومجالس الطلبة وتعاضديات ومجالس القاطنين وجمعيات المدارس العليا والمعاهد.. إلخ. هذا على صعيد الأجهزة الملحية التحتية، أما على صعيد الأجهزة الوطنية، فإن الطلبة القاعديون وبحكم مسؤولياتهم في الأجهزة المحلية، كانوا يشاركون ويعملون في لجنة التنسيق الوطنية التي تضم وتتشكل من أعضاء المجلس الإداري وكتاب الأجهزة المحلية. ولم يكونوا فقط يعملون إلى جانب الأطراف الأخرى في هذا الجهاز الوطني بل كانوا يعملون تحت قيادة الأطراف المهيمنة على الأجهزة القيادية المنظمة المنبثقة عن المؤتمر 16 (المجلس الإداري واللجنة التنفيذية).
وحتى بالنسبة للمؤتمر 17، الذي كان المؤتمرون القاعديون يشكلون فيه الأغلبية النسبية (نسبة إلى عدد مؤتمري كل لائحة) والأغلبية المطلقة للمؤتمرين (مع رفاق الشهداء)، حتى خلال المؤتمر كان قرار الطلبة القاعديين المبلور جماعيا في تنسيقهم الوطني الداخلي هو المشاركة في القيادة جنبا إلى جنب مع الأطراف الأخرى. أكثر من ذلك فمقترحهم كان يقضي بالمشاركة في المجلس الإداري ب 20 عضوا موزعين بينهم وبين رفاق الشهداء- من أصل 41 عضو في المجلس الإداري، بينما اقترحوا أن تشارك الأطراف الأخرى –وهي الأقلية- ب 21 عضو من أصل 41 عضو. والقاعديون هم من أقنعوا حلفائهم في لائحة رفاق الشهداء بذلك.
رابعا: إن الدفاع عن العمل الوحدوي في منظمة جماهيرية والعمل على بلورته وتجسيده في برامج للحد الأدنى، ليس عملية لجبر الخواطر. بل العملية تخضع لتحليل الظرفية واشتقاق المهام النضالية للحركة الطلابية في الأوضاع والظرفيات الملموسة التي تمر منها والعمل على توحيد صفوف الحركة الطلابية حولها لضمان النصر لهذه المهام البرنامجية. هذا هو المفهوم الديناميكي للعمل الوحدوي ولبرنامج الحد الأدنى الذي يجب أن يجسده. إنه عمل منطلقه وهدفه المصلحة المباشرة المادية والمعنوية للحركة الطلابية كما تتجسد وكما تتطلبها ظرفية أو مرحلة محددة.
إن دعوة ونضال القاعديين أنصار الهيكلة إلى العمل الوحدوي على قاعدة المصلحة الملموسة آنذاك للحركة الطلابية، والمتمثلة في هيكلة ا.و.ط.م في مواجهة الحظر العملي، دعوة صحيحة كل الصحة من الناحية المبدئية واستنادا إلى تجربتهم العملية.

III- النهوض الطلابي وتشكيل اللجن الانتقالية (88/1991)
1- تمت الدعوة إلى تشكيل لجان انتقالية على صعيد المواقع الجامعية (وعلى صعيد المؤسسات) لأول مرة، من طرف الطلبة القاعديين أنصار هيكلة ا.و.ط.م في 88/89 وذلك بموقع وجدة. وقد كان النقاش حول هذه المبادرة ومضمونها مستفيضا وحادا، نرى من الضروري استعادته راهنا لرفع اللبس والتمييع الذي تعرضت له. وقد انتقل هذا النقاش إلى جامعة فاس في نفس السنة ولم يكن بنفس الحدة.
وخلال طرح هذه المبادرة للنقاش الجماهيري – بجامعة وجدة- تم رفضها وتمت معارضتها بشكل قوي وعلني من طرف جميع الأطراف، الذين تدخل مسئولوهم للتعبير عن مواقفهم من هذه المبادرة، ونعني طلبة الاتحاد الاشتراكي وطلبة التقدم والاشتراكية وطلبة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي وطلبة لائحة رفاق الشهداء والطلبة القاعديون أنصار البرنامج المرحلي.
وقد تمت مواجهة معارضتهم بنقد المبررات التي نسجوها لتبرير رفضهم للمبادرة، أولا، ثم بتبيان أن المبادرة تستجيب للنضالات الملموسة والتطورات الأخيرة الواضحة للحركة الطلابية، ثانيا.
ونرى من اللازم التوقف عند المبررات المقدمة من طرفي المعارضة قبل أن ننتقل إلى تحديد مضمون المبادرة من خلال أهدافها ومن خلال تشخيص الظرفية الطلابية التي طرحت فيها.
2- لقد رفض البعض هذه المبادرة باعتبارها تجاوزا ومسا بالمقررات التنظيمية للمؤتمر الوطني 16 التي لا تزال سارية المفعول وملزمة للجميع. واعتبروا المبادرة تؤكد وتكرس الحظر الذاتي الذي يمارسه الطلبة القاعديون جميعهم على المنظمة ومقرراتها الشرعية.
فماذا كان رد أصحاب المبادرة؟ لقد قدموا ردا واضحا وحازما يمكن تركيزه فيما يلي:
أولا: إذا كان هناك من حظر ذاتي على ا.و.ط.م. فإنكم انتم من ابتدعه وأنتم من زرع بذوره الأولى وسقاها بالتهرب من تحمل المسؤولية في الدفاع عن ا.و.ط.م وهياكله طيلة الفترة الماضية، وعلى الخصوص ابتداء من 1984. فمن الذي ظل ولا يزال يحتجز الهيكل الوطني الشرعي الوحيد لا.و.ط.م ويصر على أن يبقيه في حالة صمت مريب؟.
والمقصود كما تعلمون القيادة الشرعية لا.و.ط.م التي جدد المؤتمر 17 الثقة فيها في ملتمسه الشهير المعروف. إنكم لا تزالون، حتى الآن، تحتجزون التنظيم القيادي الشرعي وتحتفظون به كورقة للابتزاز السياسي الفج ضدا على المصلحة الفعلية للحركة الطلابية وضدا على قرار المؤتمر 17، بل أن بعضكم –الاتحاد الاشتراكي – لا يعترف بهذا القرار أصلا وأعلن عن رفضه له علانية بطعنه في نتائج المؤتمر 17 بعد انسحابه منه.
فإذا كان هناك من ضرورة للحديث عن رفع الحظر الذاتي، فلتبدأوا أنتم أولا برفعه عن ا.و.ط.م، وبادروا إلى رفع اليد عن جهاز يمثل الطلبة وطنيا وليس جهازا حزبيا من أجهزة أحزابكم، ويتمتع بكامل الشرعية، وأقدموا على إخراجه من صمته خدمة للمصلحة الفعلية للحركة الطلابية وانضباطا للقرارات الشرعية لا.و.ط.م.
أما بالنسبة للهياكل التحتية لا.و.ط.م (من تعاضديات ومجالس القاطنين...إلخ) فإن القاعديين أصحاب مبادرة اللجن الانتقالية هم الذين كافحوا للتشبث بما تبقى منها بعد الضربة القمعية في 1984، وطالبوا الجميع بالالتفاف حولها والنضال من أجل فرض تجديدها لإفشال مخطط الحكم في فرض الحظر العملي على ا.و.ط.م، في حين رفض الجميع ذلك بالانسحاب أو العرقلة.
ثانيا: إذا كان هناك من يحق له الاعتزاز بالدفاع عن الشرعية التنظيمية للقرارات والمقررات الصادرة عن الهياكل المقررة لا.و.ط.م، فهم القاعديون أصحاب مبادرة اللجن الانتقالية. فلقد التزموا، حتى وهم ينتقدون مقررات 16، بالشرعية التنظيمية للأجهزة المقررة، وظل محركهم الأساسي الحرص الدائم والدفاع المستميت على وحدة الحركة الطلابية ووحدة إطار التنظيمي: الاتحاد الوطني لطلبة المغرب:
- ألم يشارك الطلبة القاعديون بحماس وقوة، ألم يتحملوا المسؤولية من 79 إلى 81 في كافة الأجهزة التنظيمية المنبثقة عن المؤتمر 16، ألم يعملوا على تفعيلها؟
- ألم يستمر الطلبة القاعديون في عملهم داخل أجهزة ا.و.ط.م بعد فشل المؤتمر 17، طيلة الفترة الممتدة بين 81 و1984، وهي الأجهزة نفسها المحكومة بمقررات التنظيم الصادرة عن المؤتمر 16 التي بقيت سارية المفعول؟.
ثالثا: أما قولكم أن المبادرة تمس وتقبر الهياكل التنظيمية المنصوص عليها في المقررات التنظيمية لا.و.ط.م (من تعاضديات ومجالس القاطنين..إلخ) فهو قول باطل وادعاء لا أساس له من الصحة. فاللجن الانتقالية المطروحة لا نطرحها بديلا عن الأجهزة والهياكل التنظيمية تلك، بل أداة وصيغة انتقالية للإشراف على انتخاب هذه الأجهزة بالذات وتجديدها بعد أن مرت أزيد من أربع سنوات على آخر انتخابات طلابية لتجديدها. ثم هل كان ممكنا وضروريا طرح هذه الصيغة الانتقالية لو كانت أجهزة ا.و.ط.م موجودة وقائمة؟ وقبل هذا وذاك من يشرف على تجديد انتخاب هذه الأجهزة إذا كنتم فعلا تريدون ذلك؟، فأنتم ترفضون مباشرة وإنجاز هذه المهمة، لأنكم تشترطون على القاعديين أن يعلنوا انضمامهم إلى مواقفكم السياسية الشوفينية تحت مبرر الانضباط لمقررات المؤتمر 16. إنكم تقايضون حق الطلبة في استرجاع منظمتهم بتوقيع القاعديين على موقفكم السياسي الشوفيني.
3- أما رفاقنا في البرنامج المرحلي فلقد تقدموا هم أيضا بمبرراتهم الخاصة لمعارضتهم مبادرة اللجن الانتقالية آنئذ. وإذا كانت معارضتهم محكومة برفضهم القاطع والمنهجي لهيكلة ا.و.ط.م تماشيا مع وجهة نظرهم القائلة "بعدم توفر الشروط الذاتية والموضوعية للهيكلة"، فإنهم أبدعوا ما شاء من المواقف والمبررات والحجج للرد على مبادرة "اللجن الانتقالية" أقل ما يقال أنها مواقف ومبررات في غاية الغرابة وأنها ستشكل دفعا جديدا لهم نحو المجهول.
لقد قالوا أن الحظر العملي لا.و.ط.م مخطط طبقي للنظام لا يمكن رفعه بفرض التنظيم وهيكلة ا.و.ط.م كيفما كانت أشكال هذه الهيكلة، بل أن معركة رفع الحظر معركة سياسية، وأن موازين القوى السياسية في "الشارع السياسي" – هذا تعبيرهم – ليست متوفرة لنجاح هذه المعركة السياسية ذات المضمون الطبقي.
ثم قالوا أيضا أن أية هيكلة في المرحلة الراهنة، وكيفما كانت أشكالها وصيغها، لن تكون في صالح الحركة الطلابية لأنها ستقدم المناضلين للنظام على "طبق من ذهب"، ليلتقطهم ويعتقلهم مجانيا. لذلك فإن الدعوة للهيكلة تخدم المصلحة الفعلية للنظام وتتعارض مع المصلحة الفعلية للجماهير الطلابية. وقالوا أخيرا، إنهم يعارضون المبادرة من منطلق شعارهم البرنامجي "رفع البيروقراطية" على الحركة الطلابية تنظيميا وسياسيا. وكانت المناسبة فرصة لتأكيد موقفهم الثابت الرافض للعمل الوحدوي مع القوى، لأن اللجن الانتقالية تطرح لف كل التيارات للعمل جنبا إلى جنب وحدويا من أجل إعادة الهيكلة.
فماذا كان رد أصحاب المبادرة؟.
أولا: لقد سجلوا في البداية على أنصار البرنامج المحلي، محاولتهم تهريب مهمة النضال من أجل رفع الحظر على ا.و.ط.م، من ساحتها المركزية/ الساحة الطلابية وإلقاء هذه المهمة على كاهل مجهول. فإذا كانت مهمة النضال من أجل رفع الحظر تتجاوز طاقة وقدرات الحركة الطلابية، فعلى أي كتف ستلقى هذه المهمة؟ الرفاق يحيلونها على مجهولهم "الشارع السياسي" باعتبارها معركة سياسية.
وإذا تم التسليم بذلك، ولو من باب الجدل، فإن السؤال المطروح هو: ما معنى استمرار الرفاق في رفع شعار "رفع الحظر عن ا.و.ط.م" واعتبار ذلك من نقط برنامجهم المرحلي الطلابي؟ فيجب تبعا لمنطقهم أن يشطبوا على هذه المهمة أصلا ويعلنوا على الملأ أنها ليست بمهمة نضالية للحركة الطلابية، وأن هذه الأخيرة لا حول ولا قوة لها على ذلك مادامت المعركة سياسية.
ثم إن قولهم بأن رفع الحظر معركة سياسية مسألة صحيحة ولكن منطقهم الهروبي والتهريبي يحولها إلى حق يراد به باطل. فأصحاب مبادرة "اللجن الانتقالية" هم الذين شرحوا البعد السياسي لمعركة رفع الحظر (أثناء عرضهم لسياق وأهداف ومضمون مبادرتهم) حيث أكدوا على أن المعركة تدخل وتندرج في نضال الجماهير الشعبية العام من أجل الحقوق والحريات الديمقراطية، وأن النضال من أجل فرض الحريات الديمقراطية بالجامعة، وفي مقدمتها رفع الحظر على ا.و.ط.م هو جزء لا يتجزأ من النضال السياسي الجماهيري العام من أجل انتزاع الحريات: (حق التنظيم، والتظاهر، وتشكيل النقابات والانضمام إليها، والتجمع والتعبير.. إلخ). هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن البعد السياسي لمعركة رفع الحظر، يتجلى ويتجسد في ضرورة توحيد كل الطاقات والقوى الطلابية التي لها مصلحة في انتزاع الحريات الديموقراطية بالجامعة ولفها وصهرها في خطة نضالية واضحة لتحقيق هذا الهدف. ومن هنا تأتي ضرورة إيجاد الصيغ التنظيمية الموحدة –اللجن الانتقالية- التي طرح تشكيلها على أساس مشاركة كافة التيارات الطلابية آنئذ.
ثانيا: لم يكتف الرفاق في "البرنامج المرحلي" بتهريب مهمة النضال من أجل رفع الحظر عن ا.و.ط.م من ساحتها المركزية / الساحة الطلابية وتفويتها إلى مجهول "الشارع السياسي"، بل قادهم منطقهم إلى أن مجهولهم "الشارع السياسي" هو نفسه غير ناضج لإنجاح هذه المعركة السياسية بسبب اختلال موازين القوى السياسية. هكذا فحتى هذا المجهول "الشارع السياسي" غير ناضج ولا هو مؤهل لإنجاح هذه المعركة السياسية ولا تتوفر فيه وله الشروط الموضوعية والذاتية لرفع الحظر عن ا.و.ط.م.
لقد كان عليهم –ودائما تبعا لمنطقهم المدهش- أن لا يثقلوا كاهل مجهولهم هذا بمهمة لا تتوفر لها الشروط الموضوعية والذاتية. وكنتيجة لذلك كان عليهم أن يشطبوا هذه المهمة من النضال المرحلي أيضا لمجهولهم، حتى يضمنوا لمبرراتهم بعضا من الانسجام الشكلي.
ثالثا: إن الصورة القاتمة التي رسمها الرفاق لنضال الحركة الطلابية من أجل هيكلة منظمتها ورفع الحظر عنها، ستزداد قتامة لما اعتبروا أن الهيكلة تخدم المصلحة الفعلية للنظام حيث ستسهل له التقاط واعتقال المناضلين... ولقد تمت مواجهة هذا المبرر "الأمني" كما كانوا يسمونه، بالرد التالي:
 هل هذه دعوة لوقف وإيقاف النضال الجماهيري الطلابي الراهن بما فيه التعبير والنقاش والتدخل في الحلقات والتجمعات والتظاهرات والأقسام..إلخ، مادامت تكشف المناضلين وتجعلهم لقمة سهلة يلتقطها الحكم ويعتقلها؟.
 ثم هل أدى القمع الذي تعرض له ا.و.ط.م منذ الستينات، والذي لم يتوقف في أية مرحلة، بالمناضلين إلى رفض العمل في الهياكل وتجديدها؟ لو كان الأمر كذلك لكان ا.و.ط.م في عداد "المرحومين" منذ زمن بعيد، ولما كان المناضلون اليوم يشرحون ويرددون تاريخه الحي الممتد إلى الآن.
 ألا يستفيد الرفاق من مرحلة الحظر القانوني (73/78) حيث تم حظر ا.و.ط.م بموجب قرار رسمي "قانوني" معلن، وكان، تبعا لذلك، أكثر خطورة من الناحية الأمنية حيث يمكن متابعة واعتقال أي طالب يتحدث أو ينتظم أو يجتمع أو يحضر في أنشطة ا.و.ط.م وهياكلها لأنها منظمة محظورة "قانونا". فهل رفض المناضلون تأسيس الهياكل والمساهمة وتحمل المسؤولية فيها؟ أيجهل الرفاق أن الحظر القانوني (73/78) تمت مواجهته بالتنظيم (تأسيس الجمعيات والمجالس والتعاضديات وعقد التنسيق الوطني..إلخ) وهذا، جرى، لعلمكم، في ظل الحظر واستمر بعده وإلى أن انعقد المؤتمر 16 سنة 1979؟.
رابعا: ولما قالوا أن رفضهم للجن الانتقالية المطروحة يجد أساسه وسنده في شعار برنامجهم المرحلي "رفع البيروقراطية"، أجابهم أصحاب مبادرة "اللجن الانتقالية" بما يلي:
 إن هذا الشعار لا مضمون ديموقراطي له، كما تدعون، لأنه من جهة، لا يطرح بديلا تنظيميا ديموقراطيا للإنجاز، ومن جهة ثانية، لأنه يجعل من المؤتمر 16 والفصائل المهيمنة فيه العدو الرئيسي للحركة الطلابية، ويفتح بذلك الأبواب نحو تقسيم الحركة الطلابية وليس توحيدها في إطار ا.و.ط.م، وهذا ما لم يفعله الطلبة القاعديون من قبل ولن يفعلوه الآن.
 إن هذا الشعار (مواجهة البيروقراطية) لم يعد له من جدوى حتى بالنسبة لأصحابه، لأنه أدى وظيفته السلبية إبان التجربة / المحاولة الأولى لإعادة البناء (84-86) لما تم طرحه وبلورته في مواجهة ما تبقى من أجهزة ا.و.ط.م التحتية والوطنية ومواجهة وعرقلة أي نضال ينطلق من التشبث بها بأفق فرض تجديدها. أما الآن وبعد أن انتهت هذه الهياكل التحتية المتبقية إلى ما انتهت إليه ولم يعد لها وجود على الساحة الطلابية، فلم يبق لشعار رفع البيروقراطية أي معنى ملموس أو شحنة تعبوية ملموسة.
 أن هذا الشعار لم يكتف –في الممارسة – بمعارضة الهياكل التحتية القيادية (تعاضديات، مجالس القاطنين.. إلخ) بل تم استعماله سابقا وحاليا في مواجهة أي شكل من أشكال التنظيم المرتبطة مباشرة بالقواعد الطلابية (لجان الأقسام ومجالس الطلبة... والشعب.. إلخ) بل وتم استخدامه لرفض حتى اللجن المؤقتة للحوار إبان المعارك الطلابية المطلبية في السنتين الأخيرتين. إن مدلوله ومضمونه الحقيقيين اليوم كما بالأمس هو معارضة التنظيم الذاتي للجماهير الطلابية في إطار ا.و.ط.م، أيا كانت اشكال هذا التنظيم وأيا كانت وظائفها.
 إن نضالات الحركة الطلابية اليوم لا تعاني من تسلط تنظيمي بيروقراطي يفرمل ويوقف هذه النضالات، أو يهمش الطلبة ويقصيهم من حق القرار والمشاركة الديموقراطية. فمثل هذه الهياكل غير موجودة في الواقع الطلابي أصلا. بل إن نضالات الحركة الطلابية تصطدم بغياب التنظيم، وتصطدم أكثر بالداعين إلى تغييب التنظيم لضمان الوصاية "السياسية" عليها وإبعادها عن حقها الديمقراطي في التسيير والتقرير، وهو الحق الذي لا يمكن تجسيده إلا من خلال هياكل وأجهزة ينتظم فيها الطلبة ويسيرونها ويقررون من خلالها. فلا يمكن الاستمرار في ادعاء الدفاع عن الديموقراطية مع الرفض المطلق والقوي لتمكين الجماهير الطلابية من الوسائل التنظيمية لممارسة ذلك من خلال مشاركتها الملموسة في القرار والتسيير والتوجيه.
إن شعار "مواجهة البيروقراطية"يشكل قيدا ثقيلا على الحركة الطلابية ويشدد الخناق على نضالاتها!.

4- ولابد أن الرفيق سيتساءل - ومعه القراء – السؤال الواجب طرحه في مثل هذه الحالات: لماذا خلت مبررات المعارضين للجن الانتقالية آنئذ من أي مضمون وافتقدت للحد الأدنى من الترابط المنطقي؟ والجواب بالنسبة لنا يجب البحث عنه في الواقع المادي وليس في الفكر المجرد.
إن فراغ مبررات المعارضين للجن الانتقالية عند طرحها من أي مضمون عملي أو ترابط منطقي، يجد تفسيره في الواقع النضالي الملموس للحركة الطلابية في هذه الفترة.
فلقد تم طرح مبادرة اللجن الانتقالية في ظرفية تميزت بمد جماهيري طلابي أخذ يتقوى يوما بعد يوم وينتزع المطالب والمكاسب الأولية للحركة الطلابية. وقد جرف هذا النهوض الطلابي الهادر في طريقه الخطابات والشعارات التي كانت مهيمنة على السطح وأفقدها شحنتها التعبوية، واحكم الطوق عليها وحشرها في الزاوية الضيقة بحيث بدا الدفاع عن تلك الشعارات غير ذي معنى وبلا منطق. وفي مقابل ذلك فإن المد النضالي الطلابي فتح الأبواب والأفق رحبا واسعا لإعادة طرح قضية هيكلة ا.و.ط.م في شموليتها إلى الواجهة ورفع المدافعين عنها إلى قيادة النضال الطلابي ميدانيا.

فما هي سمات الظرفية الطلابية التي طرحت فيها مبادرة اللجن الانتقالية؟.
أ- في عام 88/89 ستشهد الحركة الطلابية – في معظم المواقع الجامعية وبتفاوت طبعا – اندفاعه كبرى. فالمواقع الجامعية التي كان يظهر على السطح أن القمع قد قضى على روح وجذوة النضال بها، عادت لتشق طريقها للالتحام في النضال الجماهيري الطلابي (جامعة الرباط ومعاهدها... جامعة مراكش، وحتى بالدار البيضاء انطلقت حركة جنينية في بن مسيك سيدي عثمان لتمتد إلى طريق الجديدة...) وحتى في جامعات حديثة النشأة بدأت ملامح هذا النهوض تتضح وتشق طريقها، (الجديدة – أكادير...) هذا فضلا عن جامعات القنيطرة وتطوان ومكناس ووجدة وفاس...
لقد أصبح التظاهر والتجمع والاعتصام والإضرابات وحلقات النقاش الجماهيرية والنقاشات المطلبية الموسعة داخل الأقسام والشعب... مظهرا عاما يعم الجامعات المغربية.
وشكل مطلب إرجاع عشرات المئات من الطلبة المطرودين (بمقتضى نظام "الإصلاح") الشرارة التي أشعلت معارك كبرى وطويلة النفس (اعتصامات، تظاهرات..). وإذا كانت شرارة النضال من أجل إرجاع المطرودين قد انطلقت من فاس ووجدة، فسرعان ما ستمتد إلى مدن جامعية أخرى كتطوان والقنيطرة ومكناس...
ومرة أخرى سنكون مضطرين للتذكير بأن مطلب "إرجاع كافة الطلبة المطرودين بدون قيد أو شرط" الذي شكل الشعار المطلبي المركزي لهذا النهوض، كان القاعديون أنصار الهيكلة هم من طرحوه ودافعوا عنه باستماتة وعملوا على تعبئة وتنظيم نضالات الطلاب المطرودين على أساسه. أما الرفاق قاعديو البرنامج المرحلي فقد عارضوه بشدة ونظموا الحملات التشهيرية ضد هذا المطلب (بدعوة غياب الشروط الذاتية والموضوعية للنضال من أجله). أكثر من ذلك عملوا، ولمدة تفوق الشهرين بعد انطلاق المعركة في فاس ووجدة، على كسر وتكسير اعتصامات وتظاهرات الجماهير الطلابية. ولم يتراجعوا عن مواقفهم وممارساتهم هاته إلا بعد أن حققت الجماهير الطلابية مطلبها كاملا: إرجاع كافة المطرودين، في كلية العلوم وكلية الحقوق بوجدة وكلية العلوم بفاس، أي حتى وضعتهم حركة النضال الطلابي أمام الأمر الواقع...
ب- اتسمت الفترة التي طرحت فيها مبادرة اللجن الانتقالية أيضا ببروز وتعميم اللجن المؤقتة داخل الحركة الطلابية ممثلة في لجن المعارك والحوار النقابية على صعيد الكلية والجامعة، وعلى صعيد الأقسام والشعب (في الجديدة تم تشكيل لجنة سماها الطلبة: اللجنة التمثيلية – بمثابة تعاضدية)، وقد تم فرز وانتخاب هذه اللجن إما في التجمعات العامة أو خلال التظاهرات والاعتصامات وحلقات النقاش الجماهيرية المركزية..
وما وجب التذكير به هنا أيضا، هو أن الرفاق في البرنامج المرحلي عارضوا بشدة تشكيل لجان المعارك والحوار المؤقتة، ونظموا حملات قوية لمنع تشكيلها، لأنها في اعتبارهم تدخل في إطار "الهيكلة" التي يرفضونها بشكل قطعي. وسنعود فيما بعد إلى هذه اللجن المؤقتة التي شكلت اللجان الانتقالية امتدادا لها ونخصص لها فقرة مستقلة.
ج- السمة الثالثة للوضع الطلابي أثناء طرح مبادرة اللجن الانتقالية تمثلت في عودة التيارات الأخرى إلى الساحة الطلابية وبداية مساهمتها في أنشطة الحركة الطلابية النقابية والتنظيمية. ففي جامعة وجدة مثلا كانت كل التيارات مشاركة في اللجنة الجامعية المؤقتة، كما ساهمت في اللجنة المؤقتة للحوار في فاس ... إلخ.
د- السمة الرابعة للوضع الطلابي في هذه الفترة أيضا تتمثل في انتفاضة مناضلين وأطر من تيار البرنامج المرحلي ضد ممارساته وطروحاته التي أصبحت تشكل عرقلة واضحة أمام المد الطلابي واندمجوا مع المناضلين أنصار الهيكلة للدفع بهذا النهوض نقابيا وتنظيميا وسياسيا، الشيء الذي أكسب (هذا النهوض) زخما جماهيريا كبيرا. أما جزء كبير من مناضلي البرنامج المرحلي فلم يضع القطيعة الواضحة معه إلا في عام 89/90، مشكلا ما سيعرف بالقاعديين التقدميين. هكذا أصبح تيار القاعديين أنصار البرنامج المرحلي في عام 89/90 مجموعات صغيرة متناثرة في بعض المواقع الجامعية.
في ظل هذه الأوضاع طرحت اللجن الانتقالية وتشكلت. وعلينا الآن الانتقال من تحديد الشروط الملموسة التي كانت وراء ظهورها إلى برنامجها ومسارها.
5- عادة ما يلجأ أنصار البرنامج المرحلي إلى عزل اللجن الاننقالية عن برنامجها أي عزل الصيغة أو الآلية عن المضمون، وهذه منهجية بالإضافة إلى مثاليتها الفجة تخدم – هذه المنهجية – طروحاتهم التضليلية.
فما هو المضمون الفعلي للجن الانتقالية، أي ما الخطة / البرنامج النضالي الذي يشكل أساس هذه اللجن والذي بدونه لا تساوي اللجن الانتقالية شيئا؟ فالبرنامج هو الذي يمنحها صفة الانتقالية أو ينزعها عنها.
إن برنامج النضال / خطة العمل للجن الانتقالية كما طرحوه وشرحوه أصحاب المبادرة يتجسد فيما يلي:
أ- عقد التجمعات العامة الجماهيرية لبلورة المطالب المستعجلة للحركة الطلابية (التعليمية والديمقراطية) على صعيد الكليات والجامعات، وكذا فرز لجن انتقالية تشارك فيها تيارات الحركة الطلابية وذلك من أجل تجميع طاقاتها لخوض النضال النقابي بوحدة الصف من أجل انتزاعها.
ب- تهييء شروط الانتخابات الجماهيرية الديمقراطية وإشراف اللجن الانتقالية علىانتخابات أجهزة ا.و.ط.م التحتية من تعاضديات ومجالي القاطنين، ولجن الأقسام ومجالس الطلبة.
ج- تكثيف الأنشطة الثقافية والفكرية، وعلى رأسها التعريف الواسع بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب: مبادئه وتاريخه وتوجهاته النقابية والديمقراطية، لتجاوز آثار الحظر العملي على الأجيال الجديدة ولضمان انخراطها الفاعل في العمل النقابي الديمقراطي الجماهيري.
د- العمل بأفق عقد المؤتمر الاستثنائي لا.و.ط.م، ودعوة القيادة إلى تحمل مسؤوليتها وفقا لقرار المؤتمر 17.
هـ- نهج أسلوب الوحدة النضالية بين مكونات الحركة الطلابية على أساس المهام السابقة واعتماد المشاركة الجماعية لضمان أوسع وحدة طلابية من أجل إعادة بناء ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة.
و- التضامن الفعلي الجماهيري مع نضالات الجماهير الشعبية ومع حركات التحرر الوطني وفي طليعتها الثورة الفلسطينية.
هذا هو – أيضا الرفيق – مضمون خطة اللجن الانتقالية، فأين تتجلى بيروقراطيتها المقيتة؟، وأين تتجسد "وصايتها الحزبية على الحركة الطلابية"؟.
يبرر أنصار البرنامج المرحلي عدائهم الشرس للجن الانتقالية بطرحها العمل المشترك مع الفصائل الأخرى وأنها لم تنبثق عن الجماهير الطلابية. فبالنسبة لرفضهم للعمل الوحدوي لن نعيد النقاش فيه فقد وضحنا سابقا أنهم لا يراعون طبيعة العمل النقابي الجماهيري أولا، وأن منطقهم لا يجد سندا له في تجربة القاعديين نفسها، ثانيا، وأنهم بذلك يفتحون باب تقسيم الحركة الطلابية ثالثا، وأنهم رابعا وأخيرا، يخلطون التناقضات فيحولون التيارات الطلابية الأخرى إلى عدو رئيسي وجب استئصاله وطرده..
أما المبرر المتعلق ببيروقراطية اللجن الانتقالية فمردود عليه لأنه ينبني على أساس المغالطات والخلط والتضليل.
أولا: فلقد تم طرح فرز اللجن الانتقالية والمصادقة عليها في التجمعات الجماهيرية العامة، وهذا فعلا ما حصل. وأن من عارضها خلال تلك التجمعات هم جماعات الإسلاميين وكذا ما تبقى من البرنامج المرحلي. أما الجماهير الحاضرة ومن بينها الفصائل الأخرى فقد صادقت عليها بشكل ساحق. فهل يختزل الرفاق الجماهير الطلابية فيهم وفي جماعات الإسلام السياسي؟، وهل يرفضون الجمع العام كشكل جماهيري لفرز القرارات؟.
لقد كان الإسلاميون منسجمين تكتيكيا حيث أن رفضهم لهذه اللجن تم تبريره بإقصائهم منها! أما قاعديو البرنامج المرحلي فلم يتقدموا بمناضليهم للترشيح أمام الجماهير الطلابية ولم يطرحوا ما الذي يعنون "بديمقراطيتهم" لا في الجموعات العامة ولا في النقاشات الجماهيرية التي سبقتها، حتى يتم إنقاذ الحركة الطلابية من "الوحش البيروقراطي" هذا! كلما قالوه جماهيريا هو: أن الشروط الذاتية والموضوعية لا تتوفر للهيكلة! وهذه الجماهير الطلابية بمدها النضالي، ألم تدخل في اعتبارهم؟ ألا يعطونها حيزا ولو ضئيلا في تحليلهم؟ ألا تشكل الجماهير هذه الشروط الذاتية والموضوعية الذين يبحثون عنها منذ سنين؟.
ثانيا: وحتى وإن جاريناهم فيما يدعونه، وقلنا معهم مثلا أن هذه اللجن ناقصة ديمقراطيا لأنها لا تنبثق عن انتخابات ديمقراطية عن طريق الاقتراع السري المباشر التي يتضمنه النظام الانتخابي لا.و.ط.م (القانون الداخلي)، فإن مشكلتهم مع "الهيكلة" لا تحل. لماذا؟ الجواب بسيط وهو أن أصحاب مبادرة اللجن الانتقالية يدعون بوضوح إلى تنظيم هذه الانتخابات عن طريق الاقتراع السري المباشر (كما ورد أعلاه في النقطة 2 من خطة عمل اللجن الانتقالية) وأن دور اللجن الانتقالية هو الإشراف على التهيء الأدبي والمادي لإجراء هذه الانتخابات وفرز التعاضديات ومجالس القاطنين ولجان الأقسام والطلبة. فهل كانوا مرافقين على ذلك؟ لا طبعا لأنهم كانوا يرفضون حق الطلبة في التنظيم بدعوى أن الشروط لا تتوفر للهيكلة.
فمن إذن – أيها الرفيق – يمارس الوصاية على الحركة الطلابية، وبالتالي يرهن ويحتجز مبدأ استقلالية المنظمة الطلابية؟ ومن أيها الرفيق يعصف بمبدأ ديمقراطية المنظمة؟ ومن أيها الرفيق يتلاعب، بديماغوجية قل نظيرها، بمبدأ جماهيرية المنظمة؟.
إن قاعديو البرنامج المرحلي آنذاك كانوا يطالبون لأنفسهم بحق الفيتو، حيث الكلمة الفصل لهم وحدهم وليس لغيرهم من الطلاب سواء كانوا منظمين في تيارات أم لا، كان لسان حالهم يقول: نحن من يقرر هل تستحقون التنظيم أم أن شروطهم الذاتية والموضوعية متخلقة ويجب أن تبقوا أيها الطلاب تحت وصايتنا، محرومين من سلاح التنظيم حتى نقرر نحن! ولا يزال هذا اليوم الموعود الذي سيسمحون فيه للحركة الطلابية بتقرير مصيرها لم يحن بعد...!
6- في عام 89/90، انضمت كل التيارات الطلابية إلى فكرة اللجن الانتقالية، ماعدا المجموعات الصغيرة المتبقية من قاعديي البرنامج المرحلي. وانطلق مسلسل تشكيل اللجان الانتقالية على صعيد جميع المواقع الجامعية.
وقد خاضت الحركة الطلابية تحت قيادة اللجن الانتقالية معارك نقابية هامة انتزعت خلالها مكاسب على الصعيدين المادي والديمقراطي. كما نظمت أنشطة جماهيرية ثقافية حاشدة (أسابيع، ندوات، معارض...). هكذا أصبحت النقلة النوعية للحركة الطلابية على طريق هيكلتها وعقد مؤتمرها الاستثنائي على مرأى العين. لكن ما الذي دفع هذه التجربة بكل عنفوانها إلى الانتكاس؟.
هذا سؤال جوهري أيها الرفيق، ويتحتم علينا جميعا الإجابة عنه بوضوح كامل وبمسؤولية نضالية عالية، لأن في ذلك مفتاح العمل المستقبلي من أجل هدفنا المشترك المتمثل في هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة. ومدخل الجواب الصحيح هو اعتماد –دائما وأبدا – التحليل الملموس للواقع الملموس، أي الانطلاق من الدينامية الطلابية وتناقضاتها ودور الفاعلين الرئيسيين فيها.
سبق الذكر أن المعركة النضالية لتشكيل اللجن الانتقالية عرفت بروز ثلاثة آراء. الأول جسدته التيارات التي تبنت هذه المبادرة، والثاني جسده المعارضين مبدئيا لها، وهم البرنامج المرحلي، أما الثالث فشكلته تيارات الإسلاميين، الذين دشنوا ظهورهم آنئذ بالمطالبة بإشراكهم في اللجن الانتقالية كفصائل طلابية.
ومنذ ذلك الحين (89/90) وإلى حدود عام 94/95، عرفت الحركة الطلابية تقاطبات حادة، إلى أن انتصرت في هذه المعركة تيارات الإسلام السياسي بينما حصد أنصار البرنامج المرحلي فتات النصر.
هل كان الرفاق يعون الوضعية الجديدة التي أصبحت فيها الحركة الطلابية بعدما اندفع الإسلاميون إلى الساحة الطلابية كتنظيمات سياسية منظمة؟ هل كانوا يعون (وهل هم على استعداد الآن لوعي ذلك)، أنهم إذا كانوا قد حصلوا على فئات النصر، فإن المنتصر الأساسي في تلك المعركة كانوا هم الظلاميون؟ ألم يكونوا يسمعون صخب أصوات الإسلاميين المرددة لشعاراتهم ومواقفهم من اللجن الانتقالية: اللجن البيروقراطية! الوصاية الحزبية ... إلخ؟ وهي شعارات تضليلية لا يمكن أن تنطلي على أحد، كما بينا أعلاه!.

7- ولقد تنبه، مبكرا، الطلبة القاعديون إلى هذه المعادلة الجديدة، وهي في طورها التأسيسي الأول، ودعوا إلى التنسيق الوطني بين اللجن الانتقالية بمعية القاعديون التقدميون وذلك في عام 90/91. وكان مقررا أن ينعقد التنسيق الوطني في شهر مارس 91 بالموازاة مع الأسبوع الثقافي المنظم من طرف اللجنة الانتقالية الجامعية بفاس. وكان جدول أعماله المقترح من القاعديين أنصار الهيكلة هو التالي:
أ- توحيد الموقف من الممارسات التقسيمية التي دشنتها تيارات الإسلام السياسي بتشكيلها لجن انتقالية موازية، واتخاذ الموقف التنديدي الحازم من هجوماتها الفاشية على المناضلين واللجن في عدد من المواقع.
ب- فتح الحوار مع طلبة البرنامج المرحلي لإيجاد أوسع اصطفاف في وجه الخطر الداهم. هذا كان رأي القاعديين أنصار الهيكلة (الكراس) رغم أنه كان هناك المعارضين لهذا الرأي من الأطراف الأخرى نتيجة رد فعلهم على توجهات وممارسات البرنامج المرحلي، وبسبب استخفافهم ورؤيتهم الضيقة.
ج- النقطة الثالثة في جدول الأعمال كانت هي إعطاء دفعة قوية للحركة الطلابية نقابيا وتنظيميا من خلال:
 بلورة ملف مطلبي وطني مستعجل (تعليمي وديمقراطي)، والنضال من أجله ضمن خطة وطنية.
 فرز لجنة وطنية للتنسيق كقيادة جماعية لمتابعة النضال المطلبي الوطني.
د- إخراج القيادة عن صمتها واندماجها في مسلسل بناء ا.و.ط.م وصيانته واتخاذ الموقف الواضح والحازم من المسلسل التقسيمي الذي دشنته تيارات الإسلام السياسي في الساحة الطلابية بالعنف والإرهاب المعروفين.
لقد كان نجاح التنسيق الوطني للجن الانتقالية، يعني تصليب الحركة الطلابية ومدها بدم جديد وإمكانيات هائلة من أجل خوض المعركة ضد التقسيم والعنف والإرهاب في شروط ذاتية صلبة. لكن، وكما تعلم أيها الرفيق، فشل التنسيق الوطني نظرا للاستحفاف المخجل الذي أبدته التيارات الأخرى بخطورة الوضعية، ونظرا أيضا لحساباتها السياسوية الضيقة والفجة التي جعلت معاقل الحركة الطلابية تتهاوى تحت ضربات العنف والإرهاب والتقسيم الممارس من طرف الإسلاميين ورأس رمحهم العدل والإحسان.
وأمام تهرب الأطراف من عقد التنسيق الوطني – رغم حضور اللجن الانتقالية – ودعوتهم إلى تأجيله، اشترط القاعديون أنصار الهيكلة ما يلي:
أ- يجب تحديد تاريخ واضح وعاجل لعقد التنسيق الوطني. وبالفعل تم الاتفاق على عقده في مطلع سنة 91/92 بفاس.
ب‌- تحديد جدول أعماله بوضوح. و قد تم طرح جدول الأعمال السالف الذكر.
ج‌- التهيء لإنجاحه بعقد لقاءات بين الفصائل قبل ذلك لبلورة مواقف موحدة.
وأمام التناقضات في المواقف بين القاعديين أنصار الهيكلة والقاعديون التقدميون بخصوص التنسيق، تم الاتفاق بينهما على عقد لقاء لتوحيد المواقف والخطة لإنجاحه. وتم تحديد صيف 91 تاريخا له. إلا أن الرفاق القاعديون التقدميون لم يحضروا واكتفوا بإرسال مندوب عنهم للاعتذار وطلب تأجيل اللقاء. فحملهم القاعديون أنصار الهيكلة مسؤولية ما سيقع نتيجة التطورات الخطيرة التي تعرفها الساحة الطلابية. وتم تحديد لقاء آخر في مطلع السنة 91/92، الذي انعقد بعد الهجوم / الفتح الفاشي للظلاميين.
ما هو الموقع الذي اختاره قاعديو البرنامج المرحلي في هذا الصراع؟ موقع المتفرج؟ لا. موقع المحايد؟ طبعا لا. لقد اختاروا موقف العمل الموازي الذي جعل من مهمة الهجوم على اللجن الانتقالية وتطويقها هدفا مركزيا لا يعلو عليه هدف. هكذا طلع أنصار البرنامج المرحلي بفاس ببيان حدد عدوه في اللجن الانتقالية، والتنسيق الوطني، والبيروقراطية والعمل الوحدوي والأحزاب... وما إلى ذلك... وصدرت نشرة "الشرارة الطلابية" للتأطير "الاديولوجي" لهذه المواقف وهذا التوجه الذي جعل من فضح ومواجهة الإصلاحية والإصلاحيين الجدد والتحريفيون والكاوتسكيون... معركته "العظمى"!.
وعلى الصعيد الميداني جسدوا خيارهم هذا من خلال تعميق التقسيم للحركة الطلابية رافضين أي تعامل أو عمل مع اللجن الانتقالية، وكيفما كان هذا العمل. فاستقلوا هم أيضا ب "حركتهم الطلابية" متشكلين بذلك قطبا تقسيميا جديدا.
هذا ما وقع أيها الرفيق في الميدان! أما نتيجة ذلك فهي اختناق تجربة اللجان الانتقالية ودخولها مرحلة الانكماش والتكلس تحت ضربات مطرقة البرنامج المرحلي وسندان الإسلاميين. ولكن أيضا بسبب تفجير اللجن الانتقالية من الداخل من طرف أغلبية مكوناتها التي ستدشن هي الأخرى محاولة تقسيم جديدة.

IV- النضال من أجل هيكلة ا.و.ط.م في ظل المعادلة الجديدة (92...95)

1- دخلت مهمة هيكلة ا.و.ط.م مرحلة جديدة وخطيرة بعد فشل التنسيق الوطني في مارس 91، وعلى الخصوص بعد الهجوم الفاشي على الحركة الطلابية ومعاقلها المتقدمة في أكتوبر 91، فلقد اتخذت بعدا جديدا في ظل معادلة / وضعية جديدة لم تعرف الحركة الطلابية مثيلا لها في السابق. ونعني بالوضعية / المعادلة الجديدة، التقاطب المركزي الحاد بين الهياكل / اللجن الانتقالية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الشرعية وبين الهياكل التقسيمية المشبوهة للقوى الأصولية.
ونؤكد من جديد أنه إذا كانت الهياكل الانتقالية لا.و.ط.م قد انبثقت من النضالات المريرة للحركة الطلابية فإن هياكل الإسلاميين شيدت على دماء الطلبة بالعنف والإرهاب وتشكلت كحركة للتقسيم ولوقف المد التنظيمي الجماهيري ممثلا في اللجن الانتقالية لا.و.ط.م.
إن هذه المعادلة هي التي ستحدد مضمون أي نقاش للهيكلة وأي نضال من أجل الهيكلة. فنقاش هيكلة ا.و.ط.م ليس نقاشا مجردا. والنضال من أجلها يجري في أوضاع ملموسة وليس في الأذهان. لذلك – بالطبع – فإن المواقف والممارسات تتحدد انطلاقا من التحديات التي تطرحها الوضعية الجديدة للحركة الطلابية.
هكذا فإن أهم سؤال كان يطرح نفسه بحدة آنذاك هو التالي: هل نعتبر اللجن الانتقالية الأوطمية مكسبا نضاليا للحركة الطلابية وجب العمل على تعميقه وتطويره لإقبار المشروع التقسيمي للأصوليين؟ أم نعتبر هذه اللجن عدوا للحركة الطلابية وجبت مواجهته بأفق اجتثاته؟ وبالملموس ما الموقف الذي وجب اتخاذه وما الموقع الذي وجب التموقع فيه أمام التقاطب الحاد بين مشروعين متصارعين في الساحة الطلابية: مشروع الهيكلة التي تطرحه اللجن الانتقالية لأ.و.ط.م أم مشروع الهيكلة التقسيمية للأصولين؟.
الجواب واضح في مقال الرفيق لما اعتبر "اللجن الانتقالية" الأوطمية – ضمنيا – من بين الأشكال البيروقراطية المقيتة وعندما دافع وثمن موقف قاعديي البرنامج المرحلي لما تصدوا لها بحزم! الجواب أوضح في الممارسة لما جعل طلبة البرنامج المرحلي من مواجهة هذه اللجن أولوية عملهم طيلة سنين. وقد تم التنظير لهذا الخط بشعار: "لا عودة إلى البيروقراطية ولا عودة عن مواجهة البيروقراطية". وهذا عنوان إحدى مقالاتهم.
وليس هناك من سبيل لإقناعهم بالخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبوه آنذاك إلا باعتماد التجربة والممارسة حكما.
أولا: ما الموقف الذي اتخذه التوجه الديمقراطي من رفع الحظر عن ا.و.ط.م سنة 1978؟ لقد اعتبر - كما هو معلوم – رفع الحظر عن ا.و.ط.م مكسبا للجماهير الطلابية يجب تعميقه رغم انتقاده له باعتباره ناقصا على الخصوص مع استمرار اعتقال قيادة المنظمة والنفي القسري لرئيسها. وحتى القليل من مناضلي التوجه الديمقراطي الذي كان رد فعله الأولي آنئذ خاطئا – حيث اعتبروا رفع الحظر القانوني عن ا.و.ط.م هدية مسمومة وجب رفضها – حتى هؤلاء الرفاق سرعان ما تداركوا خطأهم واندمجوا في العمل مع باقي رفاقهم على أساس الموقف السديد "رفع الحظر مكسب للحركة الطلابية وجب تعميقه". ما الموقف الذي اتخذه الطلبة القاعديون من المؤتمر 16؟ فكما سبقت الإشارة إلى ذلك، رغم انتقادهم للشروط التي عقد فيها (فرض توقيته) والظروف والملابسات التي أحاطت به، ورغم انتقادهم لمقرراته السياسية والتنظيمية (البيروقراطية) كان موقفهم واضحا لا لبس فيه وهو معروف: المؤتمر 16 مكسب للحركة الطلابية يجب تعميقه في أفق تمكين الحركة الطلابية من مقررات وتوجيهات ديمقراطية.
ثانيا: قد يواجهنا الرفاق بسؤال: ما الداعي إلى إسقاط مواقف أملتها شروطها الخاصة على أوضاع جديدة؟ دعونا مما وقع الأمس وتحدثوا عن شروط المرحلة التي نحن بصدد مناقشة المواقف الذي طرحت فيها.
طيب فليكن! ولنعط مثالا حيا ومعروفا يكشف بالملموس مدى مصداقية الخطابات حول "الديمقراطية" و"الجماهيرية" و"البيروقراطية" وغيرها. والمثال من جامعة وجدة، أما تاريخه فهو عام 92/1993.
بعد نقاش ماراطوني وصاخب حول المشاكل النقابية للطلبة وحول آفاق العمل النضالية، أكد الرفاق قاعديو البرنامج المرحلي مواقفهم الرافضة لأي عمل مع اللجنة الانتقالية الجامعية. ورفضوا طبعا الالتحاق بها وهددوا بنسق المعركة النضالية إن هي حاورت – اللجنة الانتقالية – باسم الطلبة مع الإدارة. طبعا طيلة الحوار معهم ظلوا يرددون مبررهم الجاهز: بيروقراطيتها وعدم جماهيرتها .. إلخ. أما بديلهم فهو حل اللجنة الانتقالية الجامعية (لعدم توفر شروط الهيكلة) والاكتفاء بلجنة مؤقتة للمعركة فقط.
أمام هذا اقترح الطلبة القاعديون أنصار الهيكلة مخرجا ديمقراطيا جماهيريا... لتوحيد صفوف الحركة الطلابية وإنهاء الصراع الذي يضعف نضالها فدعوهم إلى الاحتكام إلى الجماهير الطلابية بطرح البرامج النضالية (المطلبية والتنظيمية) على تجمع جماهيري عام والحسم فيها بالتصويت والأصوات، على أساس أن تكون قرارات الجمع العام ملزمة للجميع طيلة السنة مهما كانت نتائجها. فماذا كان رد أصحاب البرنامج المرحلي؟.
بعد أخذ ورد ومشاورات بين مناضلي البرنامج المرحلي – لأن التحدي كان واضحا ومحرجا لشعاراتهم– لاذوا بالصمت... وتهربوا من إعطاء جواب واضح.
وتمت الدعوة للجمع العام وأعطيت مهلة للتعبئة وتهييء البرامج. فماذا كان رد فعل أصحاب البرنامج المرحلي؟ لقد تجندوا للتعبئة ضد عقد الجمع العام ودعوا لمقاطعته. وكان الطلبة الإسلاميون يعبئون لنفس الموقف...!.
وانعقد الجمع العام وتم تقديم البرنامج الذي دعا إلى تجديد الثقة في اللجنة الجامعية الانتقالية وتشكيل لجن انتقالية على صعيد الكليات (العلوم والحقوق والآداب) وعلى صعيد الحي الجامعي، وإلى تشكيل مجالس النضال على صعيد كل كلية كما على صعيد الحي الجامعي من أجل ضمان انخراط أوسع الطاقات الطلابية في قيادة النضال النقابي وتحصين هياكل ا.و.ط.م من الزحف الأصولي. وعلى الصعيد الوطني تم التأكيد على ضرورة عقد التنسيق الوطني وفرز قيادة وطنية لتوحيد المعارك النقابية والسير نحو عقد المؤتمر الاستثنائي للمنظمة.
وبعد تشكيل لجنة جماعية (من الطلبة والمناضلين) لفرز الأصوات حازالبرنامج علىأغلبية ساحقة، بينما صوت ضده تيار البرنامج المرحلي والإسلاميين معا...
فماذا كان رد أصحاب البرنامج المرحلي على حكم الجماهير؟ هل التزموا بالقرار الجماهيري الديمقراطي للطلبة؟ طبعا لا ! فمباشرة بعد التجمع العام انصرفوا لترديد مزاعمهم: مواجهة البيروقراطية (= مواجهة قرار الجمع العام) مواجهة وفضح التحريفية (= مواجهة الخيار الديمقراطي للطلبة).. واستمروا بعد ذلك في عرقلة النضال الطلابي في الحلقات المركزية والمعارك والاضرابات... وكان طلبة "الإصلاح والتوحيد" وطلبة "العدل والإحسان" يواجهون هم أيضا وفي نفس الوقت معركة الطلبة وقرارات الجمع العام...!!!.
فهل بعد كل هذا يمكن الاستمرار في ادعاء "الديمقراطية" و "الجماهيرية"؟، وهل بعد كل هذا يستمر الرفيق في ترويج الجمل الجاهزة التي لا تصمد أمام حقائق التجربة؟.
وفي اعتقادنا أن الرفاق كان موقفهم الطبيعي هو النضال إلى جانب اللجن الانتقالية كمكسب نضالي للحركة الطلابية وجب تعميقه وتطويره بما تتطلبه الوضعية / المعادلة الجديدة في الساحة الطلابية. وفي رأينا أيضا أن رص صفوف المناضلين بجميع تياراتهم كان سيرجح كفة هياكل ا.و.ط.م على حساب الهياكل المشبوهة والتقسيمية للإسلاميين. لكن ما وقع هو العكس تماما.
لكن مسؤولية انتكاس تجربة اللجن الانتقالية لا يتحملها فقط قاعديو البرنامج المرحلي، بل تتقاسم المسؤولية معهم الأطراف الأخرى، وفي مقدمتهم الرفاق القاعديون التقدميون الذين فجروا اللجن الانتقالية من الداخل بتحالف مع الفصائل الأخرى التي كانت مشاركة في اللجن الانتقالية. وهذا ما يجب التوقف عنده.
لكن قبل ذلك سنعرض لعناصر البرنامج الاستعجالي الذي تم طرحه من طرف القاعديين أنصار الهيكلة لمواجهة الوضعية الجديدة، وبأفق هيكلة ا.و.ط.م وعقد مؤتمره الاستثنائي.
2- كانت المهمة المركزية للحركة الطلابية سنة 91/92 هي عقد التنسيق الوطني للجان الانتقالية. ورأينا سابقا كيف تم تأجيل التنسيق من مارس 91 إلى بداية الموسم الجامعي 91/92، ورأينا أيضا كيف تم تأجيل اللقاء المقرر صيف 91 بين القاعديين التقدميين والقاعديين إلى مطلع السنة. ولما كانت أحداث مؤامرة أكتوبر قد غطت على كل شيء، انعقد اللقاء بين الطرفين في دحنبر 1991.
وبعد نقاش أبعاد الهجوم الفاشي لأكتوبر 91، أكد القاعديون أنصار الهيكلة على ما يلي:
إن الرد الصحيح والمطلوب بل والوحيد أمام الحركة الطلابية هو التفافها حول اللجان الانتقالية والإسراع بعقد التنسيق الوطني. ولإعطاء دفعة جديدة لنضالها النقابي وجب العمل على تطويرها وتقوية وجودها وهياكلها التنظيمية على صعيد المواقف الجامعية. واعتبروا أن أي تراجع عن ذلك وأي تماطل سيؤدي لا محالة إلى ترجيح كفة الهياكل المشبوهة والتقسيمية الأصوليين.
بعد ذلك طرحوا البرنامج الاستعجالي التالي الذي اعتبروه مشروع جدول أعمال التنسيق الوطني الواجب الدفاع عنه بشكل مشترك:
أ- العمل على الخروج بموقف واضح لا لبس فيه من العمل التقسيمي للحركات الأصولية، ومن العنف السياسي والإرهاب والهجومات المسلحة على الحركة الطلابية مع العمل على كسب الرأي العام لصالح هذه المواقف. وهذا يتطلب منا إصدار موقف حازم من العنف داخل الجامعة كيفما كان وأيا كان من مارسه أو دعا إلى ممارسته.
ب- العمل على توحيد الصفوف التقدمية والديمقراطية داخل الجامعة، وتحديد الصراع الرئيسي ضد الإسلاميين بتحديد الحلقة المركزية الراهنة في ممارساتهم التقسيمية والإرهابية. ولأجل ذلك لابد من فتح حوارات مع القاعديين أنصار البرنامج المرحلي ليتحملوا مسؤولية الدفاع عن ا.و.ط.م إلى جانبنا، ومع تشجيع واقتراح كافة اشكال العمل الممكنة لمساعدتهم على الانضمام إلى صفوف جبهتنا بدل أن يبقوا في مواقعهم ومواقفهم العدائية للجن الانتقالية والتي يستفيد منها الإسلاميون ويستخدمونها.
ج- عقد التنسيق الوطني في شهر مارس 1992 لبلورة المطالب المستعجلة الوطنية، وفرز قيادة جماعية (لجنة وطنية).
د- عقد لقاء مستعجل بين اللجنة الوطنية وما تبقى من قيادة المنظمة لدعم عمل اللجنة الوطنية واتخاذ موقف حازم من العمل التقسيمي للأصوليين وعنفهم وإرهابهم في أفق وضع خطة وطنية للتهيء المادي والأدبي للمؤتمر الاستثنائي لا.و.ط.م.
هـ- إعطاء دينامية وانطلاقة جديدتين للهياكل التنظيمية الانتقالية على صعيد جميع المواقع الجامعية، وذلك ب:
 عقد جموعات عامة على صعيد كل المؤسسات والأحياء الجامعية لتجديد أو تشكيل لجان انتقالية (وعدم الاكتفاء باللجن الجامعية في بعض المواقع كفاس ووجدة...).
 عقد المجلس الطلابي الجامعي وفرز لجنة جامعية انتقالية تقوم بالوظيفة التنفيذية لتوجهات وقرارات المجلس.
 تشكيل مجالس النضال في كل المؤسسات والأحياء الجامعية مفتوحة لكل الطاقات الطلابية تشرف على انعقادها وتعمل على تفعيل دورها اللجن الانتقالية بالمؤسسات والأحياء الجامعية.
و- ولتفعيل كل ذلك لابد من:
 عقد تجمعات مشتركة على صعيد كل المواقع الجامعية بين القاعديين أنصار الهيكلة والقاعديين التقدميين لتدارس البرنامج الاستعجالي واستيعاب الوضعية الجديدة للحركة الطلابية وبلورة الخطة المشتركة لتنفيذه محليا.
 تعيين 4 مناضلين من الطرفين (2 عن كل طرف) لمباشرة حوار وطني مستجعل مع التيارات الطلابية المشاركة في اللجن الانتقالية، وطرح هذا البرنامج الاستعجالي عليها.
 بدأ الحوار على صعيد المواقع مع القاعديين أنصار البرنامج المرحلي إما بشكل مباشر أو بشكل جماهيري إذا ما ستمروا في رفض الحوار المباشر.
وقد تم الاتفاق على كل هذه النقط، بل تطرق اللقاء إلى التدقيقات مثل:
 تشكيلة اللجنة الوطنية المنبثقة عن التنسيق الوطني، حيث تم الاتفاق على أن تتشكل من 15 عضوا، 3 من القاعديين التقدميين، و3 من القاعديين أنصار الهيكلة و3 للاتحاد الاشتراكي و3 لطلبة اللجنة الإدارية (الطليعة حاليا) و3 لمنظمة العمل و2 لطلبة حزب التقدم والاشتراكية.
 عقد اللقاء مع ما تبقى من القيادة بالمقر المركزي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
 تم الاتفاق أيضا على توسيع تشكيلة اللجنة الوطنية إذا ما استجاب قاعديو البرنامج المرحلي للحوار والمشاركة.
وقد طلب الرفاق القاعديون التقدميون مهلة للتشاور مع رفاقهم، وهي مسالة عادية وطبيعية. وتم الاتفاق على عقد لقاء الحسم نهاية يناير 92، لكن اللقاء لم ينعقد أبدا رغم النداءات المتكررة من الطلبة القاعديين أنصار الهيكلة. وقد تأكد فيما بعد أن الرفاق القاعديين التقدميين انغمسوا في مسلسل جديد سيضعف الحركة الطلابية وسيسرع بانهيار اللجن الانتقالية كيف ذلك؟ هذا ما وجب شرحه.
3- انطلاقا من 1992 وحتى سنة 94 تبلورت لدى الطلبة القاعديين التقدميين مواقف خاطئة شكلت ضربة قوية وحاسمة لمسلسل النضال من أجل إعادة هيكلة ا.و.ط.م.
أ- الموقف الخاطئ الأول تمثل في تملصهم وضربهم للعمل الوحدوي المشترك الذي جمعهم بالطلبة القاعديين أنصار الهيكلة منذ نهاية 1989، والذي شكل عماد تأسيس اللجنة الانتقالية. فالطرفان كانا يشكلان القوة الرئيسية داخل الحركة الطلابية آنذاك. وعملها الوحدوي شكل صمام أمان الوحدة الطلابية المتبلورة في اللجان الانتقالية. وتبعا لذلك فإن أي تصدع لهذا العمل الوحدوي كان يعني بالواضح انهيار الوحدة الطلابية مع باقي التيارات العاملة داخل اللجن الانتقالية، وهو ما حصل فعلا.
ب- الموقف الخاطئ الثاني هو اتجاههم وعملهم على شق العمل الوحدوي بين التيارات العاملة في اللجن الانتقالية عن طريق تشكيل قطب جديد يضم الرفاق القاعديين التقدميين والاتحاد الاشتراكي وطلبة حزب الطليعة وطلبة حزب التقدم والاشتراكية وطلبة العمل الديمقراطي الشعبي، في مواجهة الطلبة القاعديين أنصار الهيكلة. وهذا ما بدأت تظهر تباشيره الأولى منذ 92 / 93 لكنه سيتضح أكثر ويأخذ شكله النهائي فيما عرف بالحوار الفصائلي الذي انطلق سنة 93/94 والذي دعا إليه الطلبة القاعديون التقدميون وضم – بالإضافة إليهم – التيارات الأخرى العاملة داخل اللجن الانتقالية، بينما تم إبعاد ورفض الطلبة القاعديين أنصار الهيكلة. وكان الطلبة القاعديون التقدميون قد أصروا على رفض مشاركة القاعديين أنصار الهيكلة في هذا الحوار الفصائلي وهددوا بنسفه والانسحاب منه إذا ما تم قبول حضور رفاقهم "القدامى"!!!...
ففي الوقت الذي كان القاعديون أنصار الهيكلة يعملون ويراهنون – كما سبق الذكر- على تعزيز وتوسيع الوحدة الطلابية بفتح الحوار مع القاعديين أنصار البرنامج المرحلي لضمان كل إمكانيات النصر على المشروع التقسيمي للأصوليين، نرى كيف أن القاعديين التقدميين اتجهوا نحو ضرب ما كان في حكم الإنجاز وأضعاف الصف الطلابي بتناقضات جديدة.
ج- الموقف الخاطئ الثالث هو اتجاههم نحو العمل خارج اللجن الانتقالية. فبدل التشبث بهذه اللجن والعمل على تطويرها وضخها بنفس جماهيري جديد، اختار القاعديون التقدميون تهميشها والعمل خارجها حتى وإن حافظوا على تواجدهم الشكلي بها. هكذا ففي عام 92/93 طلع بيان للطلبة القاعديين التقدميين يدعو إلى إضراب وطني احتجاجا على الضربة الجديدة التي تعرض لها حق المنحة (بشكل منفرد وخارج اللجن الانتقالية) وهو ما شكل ضربة قوية لهذه اللجن. وسيستكمل مسلسل إقبار اللجن الانتقالية في الحوار الفصائلي. فلقد وضع هذا الحوار هياكل موازية بديلة للجن الانتقالية، حيث تم تشكيل لجنة وطنية من الأطراف المشاركة في الحوار الفضائلي من بين مهامها اتخاذ المبادرات النضالية النقابية (مكان اللجن الانتقالية). كما تم الشروع (في مطلع 94/95) في تشكيل لجن محلية على صعيد المواقع الجامعية، طبعا من الأطراف المشاركة في الحوار. وسيأتي قرار الدعوة إلى إضراب وطني لمدة ساعتين من طرف اللجنة الوطنية يوم 16 نونبر 1994 ليوضح المنزلق التقسيمي الخطير لأصحابه.
هكذا أصبحت الحركة الطلابية وصفوفها الديمقراطية في وضعية انقسام وتقاطب جديدين:
 من جهة تيار البرنامج المرحلي الرافض للجن الانتقالية والرافع لشعار "مواجهة البيروقراطية" أي اللجن.
 من جهة ثانية تيار القاعديين التقدميين وكافة التيارات المشاركة في مبادرة الحوار الفصائلي، والذين فجروا اللجن الانتقالية من الداخل، وشرعوا في التأسيس لبديل عنها مشكل من لجانهم المشتركة المحلية والوطنية.
 من جهة ثالثة تيار الطلبة القاعديون (أنصار الهيكلة) الذي رفضوا تشكيل ما سموه آنذاك "بقيادة في الظل" ودعوا إلى التشبث باللجن الانتقالية وتطوير عملها كمكسب نضالي للحركة الطلابية، وبقوا الوحيدين المتشبتين بها والمدافعين عنها. وكانت آخر دعوة لهم لاستدراك الوضع، هو نداءهم إلى عقد ملتقى وطني للجن الانتقالية وذلك في تصريح نشرته جريدة "النهج الديمقراطي" في عددها الخاص بذكرى 24 يناير 1996. لكن لا أحد استجاب.
هكذا تم إقبار وإنهاء اللجن الانتقالية، بتفجيرها من الداخل من أغلبية الممثلين فيها بقيادة القاعديين التقدميين، وبتطويقها من الخارج من طرف قاعديي البرنامج المرحلي، وكان المستفيد من ذلك كله تيارات الإسلام السياسي حيث أعطى انهيار تجربة اللجن الانتقالية دفعة قوية لهياكلها التقسيمية فخطت نحو إرساء وتعميم هياكل "عبر الانتخاب" (تعاضديات مجالس القاطنين..) وأسست اللجنة الوطنية للتنسيق سنة 98، وكتابة وطنية.

V- أي برنامج لهيكلة أية منظمة؟
(نقابة جماهيرية للطلاب أم منظمة حزبية شبه جماهيرية ؟)
في محور "مهام القاعديين" التنظيمية، جاء في مقال الرفيق "... على رأس هذه المهام تأتي مهمة إعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كإطار تقدمي مكافح على أسس ديمقراطية (من القاعدة إلى القمة) ..." ويضيف "... في أفق إنجاز هذه المهمة ولكي تصبح إمكانية إنجازها واردة يتوجب على القاعديين، الحرص على تنظيم لجان المعارك المؤقتة المنتخبة ديمقراطيا...".
ولأن هيكلة ا.و.ط.م مهمة مباشرة يؤكد الرفيق أن نقاشها لا يجب أن يظل "... نقاشا مؤجلا إلى أجل غير مسمى، خاصة وأن مجمل الشروط الموضوعية (النهوض الطلابي، ارتفاع درجة التسيس بين الطلاب.. إلخ) للقيام بهذه المهمة ... قد نضجت، أو هي في طريقها للنضج، وسيكون من الخطأ انتظار توفر كل الشروط بطريقة صوفية للبدأ في عملية البناء".
ومن الواضح للقراء – وللرفيق نفسه وبشكل مؤكد – أن اللجن المؤقتة التي يقترحها لا تجيب عن السؤال المركزي: أية استراتيجية تنظيمية لهيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة؟ فالرفيق نفسه لا يعتبرها إلا مدخلا أو مقدمة لفتح هذا الأفق.
لكن هل حقا تشكل اللجن المؤقتة قنطرة العبور (المدخل) لبناء ا.و.ط.م كمنظمة جماهيرية للطلاب أم أن الأفق الذي يطرحه الرفيق هو بناء منظمة حزبية شبه جماهيرية لا علاقة لها بالمنظمة الطلابية ا.و.ط.م حتى وإن ظلت تحمل هذا الاسم تعسفا؟ هذا ما سنحاول متابعته.
حول اللجن المؤقتة للمعارك النقابية
1- بادئ ذي بدء لابد من التأكيد على أن اللجن المؤقتة للمعارك ليست جديدة فعمرها الآن يناهز 18 سنة أيها الرفيق! فلقد ظهرت إلى الوجود النضالي الطلابي قبل اللحن الانتقالية، وشكلت معبرا – قنطرة عبور – للجن الانتقالية نفسها. ثم اختفت - لما استنفدت وأدت أدوارها – بعد قيام اللجن الانتقالية. وعادت للظهور من جديد في الواقع النضالي الطلابي مع اندثار وانتكاس تجربة اللجن الانتقالية، وهكذا بدأ العمل بها من جديد –خاصة بعد 94/1995. والخلاصات التي تفرض نفسها من خلال هذا الرصد المركز لمسارات "اللجن المؤقتة"، على كل تحليل عقلاني، فبالأحرى مادي تاريخي، تتركز فيما يلي:
أ- أن عودة ظهورها – بعد استنفاذ أدوارها – يشكل مظهرا من مظاهر التراجع في نضال الحركة الطلابية، وليس مظهرا للتقدم كما يمكن أن يتصور ذلك معارض منهجي لتجربة اللجن الانتقالية. والتقدم والتراجع يقاس هنا بمدى الاقتراب أو الابتعاد عن هدف إعادة هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة. كيف ذلك؟.
ب- أن عمرها وتجربة العمل بها الآن تناهز حوالي 10 سنوات – إذا احتسبنا فقط مرحلة ما بعد انتكاسة اللجن الانتقالية 94 – ومع ذلك لم تشكل – اللجن المؤقتة للمعارك – مدخلا ولا قنطرة عبور نحو فتح أفق إعادة هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمةوعكس ذلك لم تعمر منذ ظهورها وتعميم العمل بها سنة 88، إلا سنة واحدة لتفسح المجال لظهور اللجن الانتقالية سنة 89/1990. لماذا؟.
ج- الخلاصة الثالثة والأخيرة (والتي تشكل امتدادا للخلاصتين السابقتين) هي أن هذه اللجن "اللجن المؤقتة" ليست إيجابية أو سلبية في حد ذاتها بالنسبة لمهمة إعادة الهيكلة، بل إن الاستراتيجية التي تحكمها وتقف وراء طرحها هي التي تجعلها إما مدخلا وقنطرة عبور نحو الهيكلة أو تضعها في موقع المعارض والمناهض للهيكلة بدعوى غياب وعدم توفر شروط الهيكلة. ولن نلمس هذا إلا باعتماد التحليل الملموس للواقع الملموس.
إن الرفيق يعرف جيدا كيف أن الرفاق الذين يتوجه لهم – بالأساس – بمقاله، ظلوا يرفضون ويعارضون إعادة بناء ا.و.ط.م وجعل ذلك من مهامهم المباشرة. وأنهم لم يربطوا أبدا تشكيل هذه اللجن بمهمة إعادة الهيكلة. بل الأخطر من ذلك أنهم لم يلجأوا إلى تبنيها والدعوة لها والعمل بها إلا لمواجهة اللجن الانتقالية. فالهدف التكتيكي للرفاق من وراء ذلك كان واضحا ومعلنا (وليس بمستطاع أي تبرير أن يحجبه) وهو إقبار المد التنظيمي لإعادة البناء الذي مثلته اللجن الانتقالية، وأصبح مع تشكيل هذه الأخيرة، هدفا ملموسا أكثر من أية مرحلة.
هذا هو الواقع الذي لا ينبغي التستر عليه إذا كنا حقا نأمل فتح آفاقا جديدة لإنجاح مهمة إعادة هيكلة ا.و.ط.م.
2- ولكي تتوضح ازدواجية تعامل الرفاق مع "اللجن المؤقتة للمعارك" علينا أن نعود –مرغمين – لتوضيح ظروف نشأتها ومآلاتها أي وضعها في سياقاتها التاريخية الملموسة والمتسلسلة وتغير مواقف الرفاق منها.
فبعد انتكاسة التجربة الأولى لإعادة الهيكلة (84-86) بسبب معارضة ورفض التشبت والتفعيل لما تبقى من الأجهزة التحتية والوطنية، وأمام الفراغ التنظيمي الذي كانت تحت وطأته الحركة الطلابية، دعا القاعديون أنصار الهيكلة إلى خوض معارك نقابية وتشكيل لجان المعارك والحوار المرتبطة بهذه المعارك، وكان هدفهم من وراء ذلك العمل على بلورة الأدنى من الحد الأدنى في شروط التراجع التنظيمي الشامل وفي ظروف الرفض القاطع للهيكلة÷، وذلك في أفق نهوض جماهيري طلابي جديد يعيد قضية إعادة الهيكلة في شموليتها إلى الواجهة. لكن الرفاق – في البرنامج المرحلي – رفضوا آنئذ حتى هذا الأدنى من الحد الأدنى، أي عارضوا بشدة وبشكل قاطع اللجن المؤقتة للمعارك، ولا تنقصنا الأمثلة عن ذلك:
 فهل نذكر الرفيق مثلا بمعركة مقاطعة المطعم في جامعة وجدة سنة 87/1988 والتي دامت – المعركة – شهورا، وكيف ظل الرفاق يعارضون بشكل قاطع وقطعي تشكيل لجنة مؤقتة لهذه المعركة، ولم يقبلوا بها إلا في آخر لحظة تحت ضغط الاعتصام الطلابي – ليل نهار – واشترطوا أن تكون لجنة للحوار والحوار فقط حول هذه النقطة؟. لكن التوجه العام الطلابي فرض الحوار أيضا حول حرية النشاط النقابي والثقافي. ونظمت بعد ذلك أياما ثقافية الأولى من نوعها منذ سنة 83.
 هل نذكر الرفيق أيضا بمعارك إرجاع الطلبة المطرودين التي اندلعت في أكثر من موقع جامعي عام 88/1989، حيث عارض الرفاق بقوة تشكيل اللجن المؤقتة لهذه المعارك. (بل عارضوا في البداية بنفس القوة هذه المعارك نفسها، ولم يلتحقوا بهذه المعارك، إلا بعد أن حققت الحركة الطلابية انتصاراتها الأولية). وقد تم تشكيل اللجن المؤقتة للمعارك بضغط من الاندفاعة الطلابية الجماهيرية؟.
 وها نحن نجد أنفسنا مضطرين لنذكر الرفيق أيضا برفض تشكيل لجنة مؤقتة لتنظيم معركة إرجاع المطرودين التي طرحت في 88/89 من طرف أنصار الهيكلة في الرباط (بكليتي الآداب والحقوق)، وقد طلع على النقاش الجماهيري أحد أعضاء جهاز التعاضدية بعد غياب طويل (وهو بالمناسبة مناضل من البرنامج المرحلي ومن أصحاب مقولة: فليذهب المؤتمر 16 إلى الجحيم) ليخبر الحاضرين أن التعاضدية هي الممثلة الوحيدة للطلبة وأن تشكيل لجنة يعد اعتداء على المشروعية (كذا...). فلما رحب الرفاق به ودعوه إلى الإشراف على العملية النضالية أجابهم: أن الشروط الذاتية والموضوعية لا تتوفر لخوض معركة إرجاع المطرودين، وذهب لحال سبيله وبدون رجعة!!!. هكذا وكما يرى الرفيق حتى الجهاز "المؤتمر 16" تم توظيفه واستخدامه لمعارضة تشكيل لجنة مؤقتة لمعركة المطرود..! وفي الرباط أيضا وبكلية العلوم رفض الرفاق تشكيل لجنة مؤقتة لمعركة من نوع آخر (حتى لا يعتقد الرفاق أنهم عارضوا فقط اللجن المؤقتة الخاصة بمعارك المطرودين) أي معركة تأجيل توقيت امتحانات نهاية السنة. ولم يتم تشكيلها ودخولها الحوار إلا بعد جهود مضنية لإقناع الرفاق، ولكن بالأساس بسبب قوة التظاهرات وضغط الجماهير الطلابية.
 أما عن معارضة وإفشال تأسيس اللجان المؤقتة للمعارك والحوار على صعيد الأقسام والشعب، فتعد أمثلتها بالعشرات في جميع المواقع الجامعية تقريبا... وسنكتفي فقط بتجربة واحدة من جامعة الرباط.
في عام 88/89، وبعد صراع مرير مع الرفاق، استطاع طلبة شعبة الاقتصاد بكلية الحقوق تشكيل لجان نقابية على صعيد كل أقسام الشعبة، رغم معارضة الرفاق لها ورغم محاولاتهم المتعددة لعرقلة تأسيسيها واجتماعاتها. بعد ذلك انتقل عمل هذه اللجان إلى تشكيل مجلس طلبة الشعبة بهدف توحيد أشكال النضال لفرض حلول لمشاكل مشتركة وأخرى ظلت عالقة ولم تستجب لها إدارة الكلية. ورغم كل المجهودات التي بذلها الطلبة القاعديون أنصار الهيكلة والاتفاقات التي توصلوا إليها مع طلبة البرنامج المرحلي لضمان نجاح هذا الجمع وتشكيل مجلس الطلبة، فإنهم عملوا على تكسير الجمع بإغراقهم في الصراعات الجانبية والفوضى المتعمدة رافضين تشكيل مجلس طلبة الشعبة. ولقد نجحوا في ذلك.
لن نزيد في سرد الأمثلة التي تؤكد نفس الوقائع من تطوان والقنيطرة ومكناس ومراكش.. ولكن سنكون مضطرين لذلك مستقبلا إذا ما استمر التعويم والتعتيم!.
إذن، تشكلت اللجن المؤقتة للمعارك وتم العمل بها منذ 87/88، وخاصة سنة 88/89. وفي هذا الموسم الجامعي بالذات انطلق النقاش الجماهيري – من وجدة أولا – حول آفاق الهيكلة في شروط النهوض الجماهيري الطلابي الجديد، وطرحت فكرة تطوير العمل التنظيمي بالانتقال من لجن المعارك المؤقتة إلى لجن قارة لها برنامج ومسؤوليات أوسع وهدف مركزي هو إعادة هيكلة ا.و.ط.م، وهي اللجن الانتقالية.
ولعل الرفيق يرى معنا كيف كانت اللجن المؤقتة للمعارك مدخلا وقنطرة عبور نحو مهمة الهيكلة من القاعدة إلى القمة. ويرى معنا أيضا كيف أن الرفاق الذين عارضوا تشكيل اللجن المؤقتة للمعارك هم الذين عارضوا تشكيل اللجان الانتقالية كامتداد للأولى، وهم الذين سيعودون لتوظيفها التكتيكي بعد تشكيل اللجن الانتقالية (89/90 – 94/95) لمواجهة هذه الأخيرة.
وأخيرا، وبعد أن انتكست تجربة اللجن الانتقالية عملوا بها إلى جانب كل التيارات الطلابية المناضلة، إذ في كل المعارك تنشأ وتتشكل لجن مؤقتة قد تحصر مهمتها في الحوار وقد تمنح لها بعض المهام الأخرى (الإعلام..).
واليوم حين يدعونا الرفيق إلى اعتماد العمل باللجن المؤقتة للمعارك لا يضيف شيئا جديدا ذلك أن العمل بها ساريا ومنذ سنين دون أن يعني ذلك بالضرورة أن هذا العمل يندرج في استراتيجية نضالية لفتح آفاق إعادة هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة. وهكذا فإن القضية الكبرى لا تزال تراوح مكانها، ولم نتقدم قيد أنملة.

أي أفق؟
1- إن بلورة استراتيجية تنظيمية لهيكلة ا.و.ط.م ليست مطلقا مسألة تقنية يكفي حلها وبلورتها بوضع خطاطات للهياكل المقررة والمسيرة وغيرها، ذلك أن كل التنظيمات –كيفما كانت طبيعتها- تتوفر على هياكل مختلفة ومتنوعة مقررة ومسيرة..إلخ. بل يتوقف بلورة الاستراتيجية التنظيمية على طبيعة التنظيم الذي نريد بناءه (حزب، نقابة.. أو غيرهما).
هذه هي الإشكالية المركزية المطروحة والتي لو تم الحسم فيها لسهل حل كل الإشكالات الفرعية والصغيرة الأخرى. والحال أن الرفاق لم يحسموا أو على الأقل لازالوا في تخبطهم وخلطهم بين العمل النقابي والعمل الحزبي، بين منظمة نقابية جماهيرية وبين منظمة سياسية.
ولتسهيل الحوار نركز الإشكالية أو أهم القضايا في ما يلي: ما المطروح هيكلته؟ ولاشك أن الرفيق سيجيبنا: الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ثم نستمر في التدقيق: منظمة نقابية للجماهير الطلابية أم منظمة سياسية شبه جماهيرية؟ يجيبنا الرفيق في مقاله عن هذا السؤال بما يلي: "..إن (الحركة الطلابية) سوف تظل عاجزة عن تحقيق الانتصار مادام ينقصها وجود قيادة صحيحة تمتلك برنامجا وسياسة وتكتيكات واستراتيجية واضحة ومادام ينقصها التنظيم. من هنا تنبع الحاجة إلى عنصري الوعي والتنظيم، ومن هنا الحاجة إلى المناضلين الماركسيين اللينيين، الذين هم داخل الحركة الطلابية: القاعديون وليس غيرهم"..
قد يرى الرفيق – وهذا حقه المطلق – أننا بصدد تحريف ما جاء في مقاله، وربما أن صياغة الفكرة لم تكن موفقة ولا واضحة، وأن المطروح، من وجهة نظره، هو بناء ا.و.ط.م كمنظمة نقابية للجماهير الطلابية، وأن دور القاعديين هو العمل في هذا الاتجاه، ...إلخ.
ومن جهتنا نأمل صادقين أن نكون بصدد ارتكاب خطيئة تحريف محتوى ما قاله الرفيق.
لكن المعطيات والمؤشرات والتجربة تؤكد على أن ما نذهب إليه فيه كثير من الصحة، أو على أقل تقدير، تؤكد حالة التشوش والغموض والتخبط والحيرة أيضا في الاختيار بين بناء ا.و.ط.م منظمة نقابية جماهيرية للطلبة وبين هيكلتها كمنظمة حزبية شبه جماهيرية تعتمد العمل النقابي واجهة فقط للدعاية والتحريض السياسي والاديولوجي.
فإضافة إلى ما أوردناه سابقا، فإن مقال الرفيق يعج بهذا النوع من التنظيرات التي توحي على أنه يدفع في اتجاه إعادة بناء ا.و.ط.م كمنظمة حزبية. هكذا ففي محور مهام القاعديين النظرية والبرنامجية يقول الرفيق ما يلي: "يجب على الطلبة القاعديين أن يحرصوا على تعميق معرفتهم بالنظرية الماركسية (وهذا من حقهم المطلق ماداموا قد اختاروا التحول من تيار ديموقراطي نقابي إلى تنظيم عمالي داخل الحركة الطلابية، كما أشهرت ذلك نشرة "الشرارة" الطلابية في عددها الأول منذ أزيد من 14 سنة) وأن يحرصوا على نشرها (الماركسية) بين صفوف الطلاب وأن يخوضوا الصراع ضد اللامبالاة الايديولوجية والميوعة الفكرية"، ومن أجل ذلك يوصي الرفيق بما يلي: "إن توسيع أفق الجماهير وتعليمها لا يمكنه أن يتم بالطريقة الماركسية اللينينية الحقة، إلا بتطبيق التكتيكات المناسبة القادرة على جعل المناضلين أكثر ارتباطا بحركة الجماهير الطلابية كما هي في الواقع وتخصيصها بالوعي الثوري".
هذا هو العمل الأساسي المطروح تجسيده وبثه في الحركة الطلابية. فما هو البرنامج السياسي؟ يقول الرفيق: "لابد للقاعديين أن يرفعوا برنامج مطالب انتقالية (مشتق من البرنامج الانتقالي للشيوعيين كما طرح تروتسكي) مضمونها الاتجاه بشكل أكثر علانية وحزما ضد أسس النظام البرجوازي بالذات".
2- ولتكتمل الصورة سنعرض لما ورد في مقال نشر هو الآخر في موقع الحوار المتمدن على الانترنت عدد 1174 بتاريخ 21/04/2005 تحت عنوان "التوجه القاعدي: موضوعات حول الجامعة" والموقع باسم التوجه القاعدي، لما له من تقارب لحد التطابق مع ما جاء في مقال الرفيق. ولأن التوجه القاعدي، الذي هو أحد تيارات البرنامج المرحلي، يدعو أيضا للهيكلة ولغيرها من المواقف الواردة في مقال الرفيق.
ففي مقال: "التوجه القاعدي: موضوعات حول الجامعة" نقرأ ما يلي: "الموضوعة التاسعة: من المستحيل على الحركة الطلابية في نضالها ضد الجامعة البرجوازية والمخططات البرجوازية أن تنتج "بديلها الخاص بها" باستقلال عن البديل البروليتاري الشامل للنظام البرجوازي. ومن تم فإن تمثل الطلاب (والحركة الطلابية عموما) للمشروع البروليتاري ليس خيارا من بين خيارات أخرى، بل هو الخيار الوحيد الممكن لإعطاء النضال الطلابي استراتيجية حقيقية وأفقا واقعيا".
ولأن كاتبي المقال يدركون استحالة تمثل كافة الطلبة للمشروع البروليتاري وتبنيهم له "باعتباره الخيار الوحيد الممكن"، سيستدركون في الحواشي – الحاشية رقم 5– ليقولوا "دون أن يعني هذا، أن الانتماء إلى الماركسية اللينينية شرط للانتماء إلى الحركة الطلابية" فجاء الاستدراك ليؤكد القاعدة (ضرورة تمثل الحركة الطلابية للخيار الماركسي اللينيني) ويتسامح مع الاستثناءات التي لا تخل بالقاعدة (التسامح مع من لا يتبنى خيارهم البروليتاري والسماح له بالانتماء للحركة الطلابية) أما ترجمة حدود هذا التسامح في معايير مضبوطة ووضع شروطه القانونية، فسننتظر ترجمة هذه التنظيرات في قواعد العضوية التنظيمية، وبعد صياغة قوانين المنظمة التي يريدون بناءها وهيكلتها كمنظمة حزبية شبه جماهيرية لا علاقة لها بالمنظمة النقابية ا.و.ط.م من بعيد أو قريب.
هكذا نرى جيدا كيف أن "أفق الهيكلة" الذي يدعو الرفاق لها، هو أفق بناء منظمة سياسية شبه جماهيرية، وإن هذه المنظمة الحزبية ستستعمل في نشاطها، من بين ما ستستعمله، النضال "الأكاديمي" على حد تعبيرهم. أما يافطة ا.و.ط.م فسيحتفظ بها لرمزيتها من جهة ولأنها ستوفر التغطية الضرورية لهذا العمل "البروليتاري" من جهة ثانية.
وندفع الحوار إلى مداه الملموس ونقول: مادام للعدل والإحسان منظمتها الحزبية الطلابية التي تستخدم العمل النقابي لمشروعها السياسي، وتحت يافطة ا.و.ط.م، فالقاعديون هم أيضا يجب أن يبنوا منظمتهم الحزبية – تحت يافطة ا.و.ط.م – لتطبيق خيارهم البروليتاري، وعلى الاتجاهات الأخرى أن تعمل نفس الشيء... وهذا يعني بالملموس سياسة "الوزيعة" للحركة الطلابية في كانطونات حزبية ليس لها من النقابة إلا الاسم والواجهة.
3- وتؤكد الممارسة والتجربة هذا الاتجاه الذي يميل إليه الرفاق. فجدر الخلاف الذي ظل قائما ومحركا لكل التناقضات والصراعات بين القاعديين أنصار الهيكلة وبين المعارضين لها من القاعديين، لم يكن أبدا خلافا تنظيميا صرفا، بل سياسي، أي خلاف حول طبيعة المنظمة الطلابية ووظيفتها من جهة وانطلاقا أيضا من موقع هذه الفئة ودروها في النضال العام من جهة ثانية، وأخيرا انطلاقا من المكونات الاجتماعية والسياسية لهذه الفئة...
فالتيار الأول – أنصار الهيكلة – يطرح الآن كما ظل بالأمس، العمل بأفق إعادة هيكلة ا.و.ط.م منظمة نقابية للجماهير، مهمتها المركزية الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للجماهير الطلابية، ولا تناقض مطلقا بين أن تؤدي ا.و.ط.م وظيفتها النقابية كوظيفة مركزية وبين ربط نضالها النقابي ذاك بالنضال العام للجماهير الشعبية. فهذا الربط أو الارتباط موجود موضوعيا بحكم انتماء هذه الفئة التي تمثلها ا.و.ط.م – الطلبة – إلى مجموع الطبقات والفئات الشعبية، وباعتبارها أيضا فئة اجتماعية ديموقراطية بحكم موقعها الاجتماعي.
أما الرفيق والرفاق الذين يتوجه إليهم بمقاله، فلم تكن الأمور واضحة بالنسبة إليهم أبدا، إذ ابتدأوا مشوارهم برفض الهيكلة ورفض العمل مع التيارات الأخرى وأنهوه الآن بالدعوة إلى هيكلة "منظمة حزبية للطلبة تحت قيادة "الماركسيين اللينيين: القاعديون وليس غيرهم" حسب تعبير الرفيق. أي باللغة التنظيمية اللينينية، يهدف الرفاق إلى بناء منظمة حزبية شبه جماهيرية بدل ا.و.ط.م.
إن الشكل الملموس الذي سيتخذه الخلاف التنظيمي (السياسي في عمقه) في المرحلة الراهنة هو الخلاف حول وحدة الحركة الطلابية ووحدة المنظمة الممثلة لها ا.و.ط.م ووظيفتها الأساسية، وهو خلاف يشق ويفصل بين الداعين إلى التقسيم النقابي وإنشاء منظمات حزبية تستعمل العمل النقابي فقط، وبين الداعين إلى إعادة هيكلة ا.و.ط.م كمنظمة نقابية ممثلا شرعيا ووحيدا لكافة الطلبة مهما اختلفت جذورهم الاجتماعية التي ينحدرون منها، وآراءهم السياسية على قاعدة مبادئ العمل النقابي الأصيل: الجماهيرية، الاستقلالية، الديموقراطية والتقدمية.
ونحن ندرك جيدا أن المسألة ليست سهلة، وأن الدفاع عن خيار العمل النقابي الأصيل وتسييده لخدمة المصالح الفعلية للحركة الطلابية، ليس نزهة، بل معركة نضالية كبرى ومصيرية لازال يؤمن بها ويتمسك بها ثلة من المناضلين، وتستحق منا كل التضحيات المطلوبة.
وهذا ما يفرض علينا الآن، ويوصلنا، إلى عرض أهم الأفكار التي نراها – من وجهة نظرنا – تخدم هذا الخيار النضالي، خيار إعادة بناء ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة كمنظمة نقابية للجماهير الطلابية.
VI- آفاق العمل من أجل هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة

بدأ شعار إعادة هيكلة ا.و.ط.م، من القاعدة إلى القمة، يطرح من جديد كمهمة مركزية مباشرة للحركة الطلابية في الفترة الأخيرة. وحتى الرفاق الذين يعارضونه أصبحوا يواجهون سؤاله الصعب من جديد في خضم النضالات الحالية، وإن كانوا لا يعبرون – في معظمهم – عن ذلك بشكل علني وجماهيري. فسؤال إعادة هيكلة ا.و.ط.م يخترق الجميع ويضغط بتحدياته على الكل. ولقد أدى سابقا كما سيؤدي في المرحلة الراهنة من تطور الحركة الطلابية، إلى خلافات وتعارضات ينبغي مناقشتها والعمل على حلها بالطرق والوسائل الرفاقية السليمة، المستندة طبعا إلى وضع مصلحة الحركة الطلابية فوق أي اعتبار.
وشكل عودة هذا الشعار إلى الواجهة، شيئا فشيئا، مظهرا من مظاهر النهوض الطلابي الجنيني الذي بدأ يشق طريقه في السنوات الأخيرة، بصعوبة ولكن بثبات. لهذا فإن عودته مسألة موضوعية، وكلما تقدم هذا النهوض واستقطب مناضلين جدد وفئات جديدة من الطلاب ومواقع جامعية جديدة، كلما تصدر الواجهة أكثر فأكثر.
لكن طرح شعار إعادة الهيكلة – رغم ما يشكله من تقدم في حد ذاته – لا يكفي، بل المطلوب تحديد المضمون الملموس لهذا الهدف المركزي المباشر أولا، للتقدم بوضوح نحو بلورة الخطة الكفيلة بإنجاحه ثانيا.
أولا: ما المضمون الذي نعطيه لإعادة هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة كهدف مركزي مباشر للحركة الطلابية؟
إننا نؤكد على إعادة بناء ا.و.ط.م كمنظمة نقابية للجماهير الطلابية، أي المنظمة القائمة على مبادئها الأربعة، جماهيرية ديمقراطية تقدمية ومستقلة. ولسنا مطلقا مع أي اتجاه، وتحت أي مبررات "يمينية" أو يسارية" لبناء منظمة حزبية لا يشكل العمل النقابي إلا واجهة تكميلية وتحريضية لعملها المركزي الاديولوجي والسياسي. وهذا يعني بوضوح تام أننا ضد التقسيم النقابي وضد "موضة" التعددية النقابية المزعومة التي تستعمل مفهوم التعددية يافطة لتمرير مخطط تمزيق الوحدة النقابية للطلبة وتوزيع أشلائها قطعا قطعا على الأحزاب والتيارات السياسية والاديولوجية بمختلف تلاوينها.
وينطلق رفضنا المبدئي للتقسيم من الاعتبارات التالية:
1- نعتبر أن الطريق الأقرب إلى إقبار ا.و.ط.م كمنظمة نقابية للجماهير الطلابية هو خيار التقسيم. وهذا خطر داهم ومحدق بالحركة الطلابية، رغم أن ما يظهر على السطح هو أن الكل يتشبث با.و.ط.م. لكن في العمق، تنظيرا وممارسة، فإن هناك اتجاهات قوية لتمزيق الحركة الطلابية، وإقبار الوحدة النقابية.
ففضلا عن العدل والإحسان، هناك الاتحاد الاشتراكي الذي – بعد مؤامرة أكتوبر 91 – بدأ يتجه للتنظير "المحتشم" للتعددية النقابية، وإذا لم يتخذ المبادرة لطرحها بوضوح وتجسيدها في الواقع الطلابي فهذا فقط راجع لضعفه وعجزه. أيضا سبق أن رأينا كيف أن التنظيرات والممارسات لدى الرفاق في البرنامج المرحلي تدعم عمليا هذا الاتجاه برفضها العمل مع كافة التيارات الأخرى، من التحريفية إلى الأصولية مرورا بالإصلاحية القديمة والإصلاحيين الجدد والاشتراكيون الديمقراطيون...إلخ. وهذا يعني عمليا فليذهب كل إلى بناء منظمته. فماداموا يرفضون التعددية والاختلاف في إطار واحد فليس أمامهم من خيار – عاجلا أم آجلا إذا استمروا على ذلك النهج – سوى التعايش والاعتراف بتعددية الإطارات على أساس حزبي.
2- إن من النتائج المنتظرة للتقسيم والتعددية النقابية المزعومة بلقنة الساحة الطلابية بظهور عشرات التنظيمات الحزبية بواجهة نقابية تكميلية، قد يفوق عددها عدد التنظيمات السياسية الموجودة في المغرب. من منها سيحتفظ بالاسم الشكلي لا.و.ط.م؟. هذا لا يهم مطلقا مادام ا.و.ط.م يكون قد انتهى وتم إقباره كممثل شرعي ووحيد لجميع الطلبة بمختلف انتماءاتهم الاجتماعية والجنسية وأرائهم.
وحتى الاتحاد العام لطلبة المغرب التابع لحزب الاستقلال سيعود، وكذا التنظيم الطلابي "النقابي" الذي صنعته بعض أحزاب البصري سنة 83، وها هي جماعة الإصلاح والتجديد قد صنعت منظمتها التجديد الطلابي..إلخ.
3- إن الوحدة النقابية هي التجسيد الفعلي للمصلحة العليا للحركة الطلابية، أما التعددية "النقابية" المزعومة فخيار رجعي تصفوي. وإذا كان هناك من لا يزال يشك في ذلك أو يتردد في الاقتناع والدفاع عن الوحدة النقابية في إطار ا.و.ط.م، فلينظر من حوله كيف أضعفت وخرجت العمل النقابي العمالي تجربة "التعددية النقابية". أو فليتصور معنا استفتاء طلابيا ديمقراطيا ونزيها تعبر من خلاله الجماهير الطلابية عبر الاقتراع عن خيارها من خلال الإجابة عن سؤال: هل أنت مع تعدد النقابات الطلابية أم مع الوحدة النقابية للطلبة ضامنة للتعدد؟ فالنتيجة ستكون وبدون تردد، ساحقة لصالح الوحدة النقابية. ولنتصور أيضا للحظة أننا دخلنا قسما وسألنا طلبته: هل أنتم مع لجنة قسم نقابية واحدة لتمثيلكم وحل مشاكلكم والدفاع عن مطالبكم، أم مع لجن نقابية متعددة في القسم الواحد كلها تقوم بنفس الدور؟، فلاشك أن إجابة الطلبة ستكون الاستهزاء من طرح هذا السؤال أصلا. إذ كيف سيقبل طلبة قسم واحد (لهم نفس المشاكل ولهم مطالب موحدة تجمعهم) التقسم النقابي؟ وحتى إن كان لهم الوقت والصبر لمجاراتنا في هذه المهزلة، فسيطرحون علينا السؤال: ولماذا ترون أصلا ضرورة التقسيم النقابي؟. سنجيبهم مثلا: لأننا نختلف ونتعارض ايديولوجيا وسياسيا. آنذاك سيجيبوننا بغضب شديد: وهل نحن قطيع حتى توزعوننا حسب انتماءاتكم وآرائكم؟ فاذهبوا لحال سبيلكم فالنقابة لجميع الطلاب مهما كانت اختلافاتهم.
4- إن المنظمة بلا مبادئها الأربع (الجماهيرية والديموقراطية والتقدمية والاستقلالية) ليست ا.و.ط.م حتى وإن بقت تحمل هذا الاسم، فستصبح اسما بلا مسمى، أي ستصبح أي شيء إلا الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، منظمة الجماهير الطلابية. كما أن هذه المبادئ مترابطة وحمايتها وصيانتها لا تتم عبر عزل بعضها عن البعض. كما أن انتصار هذه المبادئ وتسييدها يجد سلاحه الأقوى والوحيد في الدفاع عن الوحدة النقابية. فمن يسقط الوحدة النقابية يسقط مباشرة مبادئ المنظمة الأربع وهي مبادئ كل عمل نقابي أصيل ومناضل.
هناك من يركز نضاله للدفاع عن ا.و.ط.م في شعار صيانة الهوية التقدمية. ونحن نرى أن معركة صيانة هذا المبدأ تمر عبر صيانة المبادئ الأربع في شموليتها وترابطها. وأن قنطرة العبور الوحيدة نحو ذلك هي الوحدة النقابية.
5- ثم لننظر إلى تجارب التقسيم والاعتداء على الحركة الطلابية وما هي مآلاتها. فلقد عمل حزب الاستقلال منذ مطلع الستينات على تقسيم الحركة الطلابية (ضمن خطة لتقسيم الحركة النقابية عموما) فماذا حصد؟ لقد أسس الاتحاد العام لطلبة المغرب وظل الطلبة يسمونه الاتحاد العام لطلبة "والو" لأنه بقي هكذا رغم ما بذله الحزب وما كان له من قاعدة واسعة في بدايات الستينات. ولقد واجهه الطلبة بالتمسك بالوحدة النقابية في إطار ا.و.ط.م. أما التجربة الثانية للتقسيم، والتي جاءت هذه المرة باسم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، فهي التجربة التي بدأتها تنظيمات الإسلام السياسي في مطلع التسعينات بتأسيس "لجن انتقالية" بديلة وفي مواجهة اللجن الانتقالية لا.و.ط.م، وعبروا عبرها إلى هيكلة تقسيمهم بالاستناد على مقررات ا.و.ط.م (تعاضديات مجالس القاطنين، لجن الأقسام ومجالس الطلبة، مكاتب الفروع، لجنة التنسيق الوطني بل أسسوا كتابة وطنية) فما هو مآلها الآن؟ إنه الفشل والعجز الذي بلغته في انتظار الاندحار والانتكاس التام.
6- وبقدر تمسكنا بالوحدة النقابية في إطار ا.و.ط.م بقدر ما نؤكد أن الوحدة النقابية لا تنفي أبدا الصراع على واجهتين أساسيتين يجب إتقان النضال فيهما: الواجهة النقابية التنظيمية والواجهة الفكرية والسياسية.
1- فعلى الواجهة النقابية والتنظيمية: يجب على خط النضال الديمقراطي الجماهيري أن يجسد في تصوراته وفي عمله اليومي مبدأ التنظيم الذاتي للجماهير، أي اعتبار ا.و.ط.م تنظيما ذاتيا للجماهير الطلابية تعبر من خلاله وتدافع عبره وبواسطته عن مطالبها وتطلعاتها من أجل تحسين شروطها المادية والمعنوية. وذلك لن يتأتى إلا عبر دفاعه الحازم عن الاحترام الكامل لحقها في تسيير شؤون هياكل منظمتها النقابية والتقرير والمشاركة الواسعة في رسم قراراتها وتوجهاتها النضالية. ووفقا لذلك، فإن المطروح على المناضلين النقابيين لخط النضال الديمقراطي الجماهيري أن يكونوا دوما في طليعة المناضلين الذين يخدمون الطلبة أن شعارنا في هذا المجال هو "خدمة الطلبة لاستخدامهم". وخط الجماهير هذا يتطلب عملا يوميا ودؤوبا في أبسط وحدة (بالقسم) إلى أعلاها على صعيد الهياكل التنظيمية الوطنية. كما يعني بالضرورة الدفاع عن تحصين الهياكل من التمزق وضمان الوحدة التنظيمية والنضالية للعمل النقابي في جميع وحدات المنظمة.
هذا هو الخط النقابي الديموقراطي الجماهيري الأصيل والذي يشكل إحدى المكتسبات العظمى لتجربة القاعديين، وهو ما ميزهم حقا وحقيقة، وهو ما جعلهم القوة الكبرى داخل الحركة الطلابية، بل هو الذي حماهم وكان مظلة لهم طيلة سنوات القمع والإرهاب.
ولاشك أن خط الجماهير هذا سيصطدم بالتوجهات "الاستخدامية" للحركة الطلابية بمختلف ألوانها وأشكال تعبيرها. لكن إذا ما تم اعتماد خط الجماهير فإن النصر لا محالة سيكون لصالح التوجه الطلابي الديمقراطي الجماهيري، لأنه خط يستجيب للمصالح والتطلعات الفعلية للجماهير الطلابية ويعكس ويجسد العمل النقابي الديمقراطي الجماهيري الأصيل والمناضل.
2- وعلى الواجهة الفكرية والاديولوجية: إن الوحدة النقابية في إطار ا.و.ط.م لا تنفي أيضا خوض الصراع الفكري والاديولوجي، بل إن هذه المهمة هي من أضخم مهامنا النضالية. ولا حاجة للتذكير بأن الجامعة نفسها مؤسسة ايديولوجية، والصراع الفكري داخلها مسألة موضوعية وطبيعية. إن الجامعة تعرف امتدادا للفكر الأصولي الهادف إلى استقطاب أوسع الشباب والطلبة وإخراطهم في مشاريع قروسطوية، ستشكل انتكاسة لكل مكتسبات الجماهير الشعبية منذ عشرات العقود. وإلى جانب ذلك هناك المد الرجعي أيضا للاديولوجيا الليبرالية المتوحشة التي تريد إقناع الناس بأن لا بديل عن عالمها الحالي ولا بديل عن سياساتها الاقتصادية والاجتماعية.. ولا بديل عن عولمتها النيوليبرالية. إن خوض الصراع ضد هذه الاديولوجيات يعتبر أولوية مركزية للنضال الطلابي في هذه المرحلة. وهي مرحلة ستطول أو تقصر حسب موازين القوى ليس داخل الجامعة بل في الساحة الجماهيرية عموما، ومهمتنا هي العمل من أجل رص صفوف أوسع القواعد الطلابية لخوض هذا النضال.
ومن الواضح أن واجب الماركسيين هو العمل إلى جانب كل الديموقراطيين على رص جبهة النضال الفكري والاديولوجي هاته، وأن يكونوا جزءا منها. بل أن واجبهم المستعجل أن يكونوا السباقين والمبادرين إلى بناء صرحها في إطار الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين.

ثانيا: لماذا نعتبر الظرفية الحالية مناسبة لشن الهجوم الديمقراطي الشامل من أجل إطلاق
دينامية جماهيرية لإنجاز مهمة هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة؟

سبق لنا أن سجلنا اتفاقنا مع ما جاء في مقال الرفيق حول نضج شروط إنجاز مهمة هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة. وعلينا الآن تدقيق هذه الشروط انطلاقا من تحليل وإبراز السمات الأساسية التي تطبع نضالات الحركة الطلابية في الظرف الراهن.
1- تعرف الحركة الطلابية في السنوات الأخيرة نهوضا جديدا تجسد في المعارك النضالية التي تم خوضها ولا تزال تخاض من أجل المطالب الحيوية للطلبة في السكن والنقل والمنح وشروط الدراسة والامتحانات...إلخ. كما شكل تطبيق "ميثاق التربية والتكوين (بما يحمله من أخطار تستهدف تحويل حق التعليم إلى سلعة) مناسبة لحشد الطلاب وشحذ عزائمهم للتقدم إلى ساحة النضال لقول كلمتهم القوية بعد أن تم تغييبها وتجاهلها.
وإلى جانب المعارك النقابية – الدفاعية – فإن الجامعة بدأت تعرف عودة تنظيم الأنشطة الثقافية والفكرية ذات الطابع الجماهيري في أكثر من موقع جامعي.
وارتباطا بذلك، عاد العمل الطلابي الجماهيري المنظم يشق طريقه إلى الواجهة من جديد، حيث في كل المعارك والأنشطة الثقافية تتشكل اللجن المختلفة باختلاف المجالات النضالية.
2- والأهم في ذلك كله هو أن هذا النهوض (معارك نقابية وأنشطة ثقافية وفكرية) تتحمل عبأه تيارات التوجه الديمقراطي والتقدمي بالجامعة، وتلعب فيه الدور المركزي تعبئة وتنظيما (تيارات القاعديين أنصار "البرنامج المرحلي"، تيار الطلبة القاعديون أنصار هيكلة ا.و.ط.م، تيار القاعديون التقدميون، تيار الطلبة الثوريون، وبشكل أقل، الطلبة الطليعيون، طلبة الحزب الاشتراكي الموحد).
3- في مقابل ذلك، هناك العجز الواضح للقوى الأصولية على متابعة هذا النهوض فبالأحرى وقفه أو الانقضاض والالتفاف عليه وقيادته. ويرجع ذلك لأسباب عديدة، لكن الأهم في تلك الأسباب هو الفشل الذي منيت به العدل والإحسان – رأس رمح الحركة الأصولية في الجامعة – في محاولتها الانقضاض على ا.و.ط.م وتحويله جهازا من أجهزتها الدعائية للمشروع القروسطوي الانتكاسي الذي تبشر به. ولقد ظهر جليا وساطعا هذا العجز من خلال الفشل الذي منيت به "معركتها الوطنية" التي دعت لها في بداية الموسم الجامعي الحالي 2005/2006، والتي لم يكن لها وقع حقيقي ولا أثر وتأثير وازنين على مجرى النضال الطلابي الراهن. ونتلمس عمق أزمتها إذا استحضرنا أنها، أولا، تتوفر على أجهزة بالمؤسسات والأحياء الجامعية (تعاضديات ومجالس القاطنين) وبالفروع الجامعية (مكاتب الفروع) وكذا وطنية (لجنة التنسيق الوطنية وكذا كتابة وطنية)، وإذا استحضرنا ثانيا أن الدعوة لهذه المعركة تأتي في خضم حملتها السياسية الصاخبة حول الرؤى الخرافية، التي تتحدث عن سنة 2006 كسنة حاسمة للقومة على طريق بناء نظام الخلافة..
4- نجاح الحركة الطلابية في إفشال محاولة الدولة لإبعادها عن العمل النقابي المستقل (ا.و.ط.م) واستيعابها وإدماجها في الهياكل الرسمية التي أقامتها بمقتضى القانون رقم 01-00 كأحد تطبيقات "ميثاق التربية والتكوين" (المجالس الشكلية للمؤسسات الجامعية). فقط طلبة الاتحاد الاشتراكي هم الذين أنجروا إلى ذلك.
5- يضاف إلى هذا ظهور حركة حقوقية ديموقراطية تتسع يوما بعد يوم داخل صفوف الشبيبة التعليمية. ولاشك أن اتساع وتعمق هذه الحركة سيلعب دورا مهما في ضخ الحركة الطلابية بأجيال ديموقراطية جديدة وفي توسيع قاعدة الطلبة المناهضين للمشروع القروسطوي ولسياسة القمع والليبرالية الموحشة داخل الجامعة، بل –وكما بدأت المؤشرات الأولى لذلك – ستفرز مناضلين ديموقراطيين يتموقعون إلى جانب رفاقهم في قيادة النضال النقابي الجماهيري على أسس ديموقراطية.
6- ظهور مؤشرات إيجابية داخل صفوف القاعديين الملتفين سابقا حول "البرنامج المرحلي" والذين كانوا يعارضون مبدئيا أي عمل من أجل هيكلة ا.و.ط.م، وذلك باقتناع العديد منهم بضرورة وضع هذه المهمة في جدول أعمال نضالات الحركة الطلابية الراهنة. وإذا كان التوجه القاعدي - أحد التيارات المنحدرة من البرنامج المرحلي – يعبر عن ذلك بوضوح، فإن مجموعات أخرى تحاول شق طريقها بصعوبة بالغة نحو ذلك. يبقى من الضروري الإشارة إلى أن طرفا هاما داخلهم، لازال على معارضته القوية، وقد يذهب إلى حد إغراق الحركة الطلابية في الصراعات الجانبية الخطيرة، وهو ما يشكل تحديا كبيرا للحركة الطلابية عموما وبالأخص لتيارات "البرنامج المرحلي" التي من مهامها وضع حد لممارساته العنيفة لما تلحقه من أضرار خطيرة بمصداقيتها النضالية.
7- لكن كل هذه المؤشرات الإيجابية، وجميع تلك المكاسب الأولية التي يجب تعميقها، لا ينبغي أبدا أن تنسينا ولا أن تدفعنا إلى تجاهل عدد من الثغرات الأساسية التي لازالت تعاني منها الحركة الطلابية الناهضة. ومن ثمة بات من الضروري العمل على معالجتها بالفعالية والسرعة (وليس التسرع) المطلوبتين حتى لا يتم وأد وإقبار النهوض الطلابي الجديد في مهده، وحتى نضمن اتساع وتجذر هذا النهوض على طريق هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة. ونجمل تلك الثغرات فيما يلي:
أ- غياب خطة نضالية وطنية موحدة توجه وتصهر تلك النضالات وتفتح الطريق نحو إشعاعها وتعميمها ورسوخها فانتصارها.
ب- عدم انخراط كل الطاقات الطلابية الديمقراطية الكامنة في هذا النهوض والمساهمة فيه. فإضافة إلى استمرار عدد من القوى في موقع المتابع للأحداث، فإن أعدادا مهمة من الطلبة ذوو النفس والتوجه الديمقراطيين لا يزالون مبتعدين عن معركة النضال من أجل الديمقراطية في الجامعة، بسبب غياب الفضاءات التنظيمية التي تمكنهم من الإسهام في ذلك.
ج- غياب تصور واضح للعمل الوحدوي الديمقراطي الجماهيري كما تتطلبه المرحلة الحالية من نضال الحركة الطلابية، وذلك رغم أن أغلب الأطراف تدعو للعمل الوحدوي، وترى في إعادة هيكلة ا.و.ط.م مهمة مركزية، وبالرغم أيضا من المبادرات الوحدوية في بعض المواقع الجامعية، والتي يجب تثمينها ودعمها بأفق تعميمها. في مقابل ذلك لازالت أساليب افتعال الصراعات الجانبية وتفجير الخلافات الثانوية مستمرة. كما لازالت ظاهرة اعتماد العنف في بعض المواقع الجامعية حاضرا، مما يتطلب اتخاذ موقف جماهيري حازم منها، والعمل على تطويقها باعتبارها ظاهرة رجعية وممارسة تخريبية.
ولنكن واضحين كما يتطلب النضال ذلك! إن عدم تجاوز هذه الثغرات يشكل تهديدا حقيقيا للنهوض الطلابي بل وسلاحا لذبح هذا النهوض.

ثالثا: بناء الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين لقيادة مسلسل النضال الطلابي الانتقالي نحو هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة: لماذا وكيف؟.

1- لماذا الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين؟
أ- لا برنامج ولا خطة ولا هدف قابل للإنجاز والتحقيق بدون أداة النضال القائدة لها. هذه أبسط قواعد النضال والتنظيم! فلنا أن نسطر وأن ندبج ما نشاء من برامج ومهام..إلخ، لكن تحقيقها يتوقف على من سينجزها أي من سيحولها من أفكار إلى واقع مادي راسخ في الميدان.
ب- إن بناء الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين ضرورة ملحة ومهمة استعجالية لحماية النهوض الطلابي الراهن، والسير قدما بمهامه النضالية الأساسية على طريق إعطاء هذا النهوض زخما وطنيا وجعله راسخا، والتقدم به بثبات نحو إنجاز مهمة إعادة هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة.
ج- إن بناء الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين مهمة نضالية ملحة من أجل إعطاء دفعة نوعية لصفوف القوى والتيارات الديمقراطية المختلفة لفائدة هذا النهوض وتوحيد عملها وخطتها، ورص صفوفها بدل التشرذم الحالي الذي تعاني منه والذي يشكل أحد نقاط ضعفها المركزية.
د- إن بناء الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين هو التعبير والتجسيد الملموسين عن وضوح ورسوخ الإرادة لإنجاز مهمة إعادة هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة، لدى جميع الأطراف التي تعتبر المهمة مهمة مباشرة للحركة الطلابية.
هـ- إن بناء الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين هو أيضا تعبير واستعداد لخلق الفضاء الديمقراطي الواسع الذي يجد فيه جميع الطلبة الديمقراطيين، منتمين أم غير منتمين، موقعهم للإسهام في هذا النهوض الطلابي الراهن والمضي به نحو هدفه المركزي: هيكلة ا.و.ط.م.
و- إن بناء الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين يعني تنظيم هذا القطب الوازن والمتراص والموحد لقيادة المعركة النضالية التي تربط بين النضال ضد الليبرالية المتوحشة وامتداداتها داخل التعليم العالي (الميثاق، تفكيك الحقوق الاجتماعية للطلبة..) وضد خطط الأصوليين لتحريف الحركة الطلابية عن أهدافها الديمقراطية وتقسيمها وجعل الجامعة مركزا لبث وتخريج الأطر الظلامية وتصديرها "لقيادة" مشروعها المجتمعي القروسطوي.
2- كيف نبني الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين؟
أ- إن الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين ليست شبكة للتنسيق الفوقي للمواقف، بل قائد ميداني لحركة النضال الطلابي. لهذا فإن العمل الوحدوي الذي تجسده الجبهة هو عمل وحدوي ديمقراطي جماهيري لجميع الطلبة الديمقراطيين بمختلف مشاربهم.
ب- إن الصيغة التنظيمية المثلى لتجسيد هذا العمل الوحدوي الجماهيري والديمقراطي هي مجالس النضال التي يجب بناءها في كل المؤسسات والأحياء الجامعية... إن مجالس المناضلين بالمؤسسة أو الحي هي الوحدة الأساسية للجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين، وعلى المستوى الوطني يطرح تأسيس المجلس الوطني للتنسيق بين مجالس النضال، كهيئة لتوحيد الخطط والتوجهات واتخاذ المواقف والتفاعل مع المستجدات.
ج- إن مجالس النضال داخل المؤسسات – التي نعتبرها الوحدة الأساسية للجبهة على صعيد المؤسسات والأحياء الجامعية – هي صيغة تنظيمية ابتدعها مناضلو ا.و.ط.م منذ حوالي أربعة عقود وعملوا بها في فترة الحظر القانوني كأداة لتجميع المناضلين وتوحيد عملهم النقابي. كما تم العمل بها بشكل متعثر في بعض المواقع إبان النهوض الطلابي في نهاية الثمانينات – وبداية التسعينات. واليوم هناك بعض المواقع التي تعمل على تجسيدها أو الدعاية لها كصيغة تنظيمية لجمع المناضلين الديمقراطيين والتقدميين على اختلاف مشاربهم لتفعيل وتأطير العمل النقابي.
د- إن مجالس النضال يجب أن تكون مفتوحة لجميع الطلبة المنتمين منهم وغير المنتمين للتيارات الديمقراطية والتقدمية. بل إن هذا الانفتاح يعد أساس وجودها وتوجهها.
هـ - إن عضويتها – المجالس – فردية بمعنى أنه يجب بناؤها على أساس الالتزام الفردي بالنضال والتواجد في الساحة النضالية. فلا حاجة لنا بمجالس تنسيق المواقف في المناسبات. ووفقا لذلك طبعا، فإنه على التيارات الديمقراطية والتقدمية أن تدفع بكامل طلابها إلى الانخراط في المجالس وبالتالي الانخراط في النضال النقابي. فالقرارات والخطط النضالية يتم التداول فيها وبلورتها داخل المجلس بأعضاءه. وبكلمة مركزة نؤكد أن الحركة الطلابية في حاجة إلى تواجد كل المناضلات والمناضلين في الميدان.
و- ومن أجل امتداد عمل الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين واتساعه وخلق أوسع قاعدة طلابية متشبعة بالتوجه الديمقراطي، سيكون على مجالس النضال بناء وخلق فضاءات موازية للفكر والثقافة.. إلخ، والإبداع في وسائل العمل اللازمة لتطوير ذلك، لجن أندية حقوق الإنسان إلخ.
فإذا كان مجلس المناضلين الذراع النقابي للجبهة على صعيد المؤسسة والحي الجامعي.. إلخ، فإنها – الجبهة – أيضا بحاجة إلى ذراع ثقافي وفكري متنوع لتفجير الطاقات الإبداعية والفكرية للطلبة ولفهم حول مهمة استعادة ا.و.ط.م وهيكلتها على أسس المبادئ الأربعة.
ز- من الضروري أن تتوفر الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين على صوتها الإعلامي، لتعميم التجارب والنضالات وتحليل الأحداث، والتعريف ببرنامجها، فضلا عن التعريف با.و.ط.م وتجربته النضالية ومواقفه ... إلخ.

رابعا: النضال من أجل إقبار الهياكل التقسيمية للعدل والإحسان.
1- إن المدخل لهيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة وفرض الوحدة النقابية في إطاره ممثلا شرعيا وحيدا للطلبة، يقتضي النضال من أجل فرض الحل الشامل لهياكل التقسيم التي بنتها الحركات الإسلاموية وانفردت بها جماعة العدل والإحسان بعد ذلك. إن هذه الهياكل –وكما سبق الذكر- تم تشييدها بشكل تقسيمي موازي للهياكل المناضلة – اللجن الانتقالية لا.و.ط.م – بهدف تطويقها والإجهاز عليها.
وما كان لهياكل التقسيم المشبوهة هاته أن تبقى وتتعمم وتأخذ شكلها الراهن، لولا العنف والإرهاب الذي انتهجته هذه القوى ضد الجماهير الطلابية وهياكلها الانتقالية الشرعية، ولولا الدعم المكشوف والمفضوح أحيانا والضمني أخرى، لنظام الحكم الاستبدادي الذي وظفها – أبشع توظيف – لوقف ووأد المد الجماهيري الديمقراطي للحركة الطلابية في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات.
أيضا يجب الاعتراف – والاعتراف بالخطأ فضيلة نضالية – أنه ما كان لهذه الهياكل التقسيمية أن تبقى وتتطور لو أن التيارات الطلابية الديمقراطية والتقدمية تمسكت بهياكلها الشرعية – اللجن الانتقالية – وعملت على تطويرها في إطار وحدوي جماهيري (للوقوف سدا منيعا في وجه مؤامرة التقسيم) بدل "النضال" ضدها وتطويقها من الخارج، و"النضال" لتفجيرها من الداخل.
ب- إن المقاومة الطلابية لهذه الهياكل التقسيمية بدأت تعطي بعض ثمارها الأولية حاليا، حيث تزداد عزلتها ويتعمق عجزها يوما بعد يوم. لكن هذه المقاومة الطلابية الديمقراطية يجب أن تنتقل اليوم إلى مرحلة جديدة، أي يجب أن تمر من مقاومة ذات طابع دفاعي إلى مرحلة هجومية تضع على رأس جدول أعمالها حل هذه الهياكل التقسيمية كقنطرة عبور نحو إعادة هيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة وضمان الوحدة النقابية للجماهير الطلابية.
فمعروف – وهذا مكسب هام – أن كافة التيارات الطلابية الديمقراطية ترفض هياكل التقسيم لجماعة العدل والإحسان وتعتبرها غير شرعية ولا مشروعة. ويتجسد هذا الموقف في مقاطعتها لها. واليوم يتطلب نهوض الحركة الطلابية انتقالها إلى النضال المباشر من أجل فرض حل شامل لهذه الهياكل.
ج- ومما يزيد من عزلتها مقاطعة حليف العدل والإحسان لها، ونقصد بذلك طلبة "الإصلاح والتجديد" الذين انسحبوا من هذه الأجهزة ورفضوا الاستمرار في العمل داخلها، رغم أن موقفهم هذا لم تمليه أبدا مصلحة الطلبة في وحدتهم النقابية كما يدعون، بل لأن صديقهم الأقوى – العدل والإحسان – فرض هيمنة مطلقة على تلك الأجهزة بهدف تصريف خياراته السياسية الخاصة والتي لم تكن تلتقي مع خيارات "الإصلاح والتجديد" السياسية في هذه المرحلة.
فخيارات العدل والإحسان كانت هي الضغط على الحكم من الخارج لضمان موقع أقوى. أما خيار "الإصلاح والتجديد" فكان الاندماج في اللعبة السياسية والعمل على تحويلها من الداخل. فانسحاب "الإصلاح والتجديد" من هياكل التقسيم جاء في إطار خطة سياسية أشمل ارتبطت بتشكيل حزب العدالة والتنمية ومشاركتها في الانتخابات ... إلخ.
د- لكن مهمة فرض حل أجهزة التقسيم ليست سهلة رغم توفر الشروط الموضوعية لذلك ونضجها. فجماعة العدل والإحسان لن تحل هذه الهياكل من تلقاء نفسها. فهي أول من يعرف أن حل هذه الهياكل سيرجع طلبتها إلى صورتهم الحقيقية والواقعية باعتبارهم أقلية قليلة من الطلاب، وليسوا القوة المهيمنة كما تدعيه هي ومعها صحافة وسياسة التسطيح. بل إن حل هذه الأجهزة يعني خسارة سياسية كبرى لأنها ستفتقد إلى مركز لخوض دعايتها السياسية والظهور بمظهر القوي في الصراع السياسي العام. وقد تلجأ العدل والإحسان، حفاظا على ذلك، إلى افتعال مختلف الأكاذيب المعروفة وإلى جر الحركة الطلابية من جديد إلى دوامة العنف. ومن واجب حركة النضال الجماهيري الديمقراطي الطلابي أن لا تنجر إلى أفخاخها وأن تعرف كيف تحول ممارساتها التضليلية أو العنيفة مناسبة لحشد أوسع الطلاب والرأي العام ضدها والتسريع بانهيار هياكلها التقسيمية المرفوضة طلابيا.
هـ- وماذا عن الأفق؟ إن أي طالب (ة) سيسألنا مباشرة: وماذا عن الأفق الذي تطرحونه بديلا؟ وجوابنا لابد أن يكون واضحا منسجما قادرا على رص الصفوف الطلابية وتوحيدها.
إننا نطرح الحل الديمقراطي الجماهيري المتمثل في: تنظيم انتخابات ديمقراطية عامة وموحدة على الصعيد الوطني تشرف عليها هيئة وطنية تضم، إلى جانب، آخر قيادة وطنية للمنظمة، رؤساء سابقين ومسؤولي من القيادات المحلية بالمواقع الجامعية (التعاضديات ومجالس القاطنين...) ويمكن تدعيمهم بأطر من مؤتمري المؤتمر 17. كما يمكن تدعيم هذه الهيئة بشخصيات حقوقية مناضلة ومشهود لها بالنزاهة والاستقامة. وتشرف الهيئة الوطنية على كل أطوار الانتخابات (التهيء الأدبي والمادي – الحملة الانتخابية – الاقتراع – تلقي الطعونات والبث فيها – إعلان النتائج النهائية).
و- وسيكون على الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين أن تعمل، ليس فقط على تهيء كل شروط النصر لهذه المعركة النضالية، بل هي مطالبة بأن تضع حدا نهائيا لإقحام واستغلال الدين في العمل النقابي، وتطرح بذلك وبوضوح علمانية العمل النقابي. وهذا ما يتطلب بلورة ميثاق ديمقراطي وعرضه على الجماهير الطلابية يتضمن المبادئ الأساسية للعمل النقابي (الاستقلالية الديمقراطية الجماهيرية والتقدمية) وكذا وضع حد فاصل بين العمل النقابي والدعاية الدينية، وأخيرا تسطير الأهداف الكبرى للحركة الطلابية (تعليميا وديمقراطيا).
إن تهييء هذا الميثاق في أقرب الآجال مسألة ملحة لتنظيم حملة واسعة داخل صفوف الحركة الطلابية.

خامسا: النضال من أجل فرض حل الهياكل التقسيمية بأفق انتخابات ديمقراطية، والنضال من أجل بناء لجن المعارك والحوار والتثقيف الجماهيري، مسلسل واحد ومسيرة واحدة.
إن دعايتنا وعملنا من أجل حل هياكل التقسيم بأفق تنظيم انتخابات ديمقراطية لفرز الهياكل الشرعية لا.و.ط.م، يجب أن يترافق مع عملنا النضالي من أجل حشد أوسع الطلاب لمواجهة المشاكل النقابية (التعليمية والديمقراطية...) وفرز الهياكل الانتقالية القادرة على لف أوسع الطلاب. وفي هذا الشأن فإن مهماتنا النضالية المباشرة هي:
أ- تعميم وتوسيع العمل باللجان المؤقتة للحوار والمعارك في كل المواقع الجامعية، وعلى صعيد الأقسام والوحدات والشعب للتصدي للمشاكل المطروحة وذلك تحت شعار: النضال من أجل تحسين شروط الدراسة والإقامة... للجماهير الطلابية.
ومن الضروري أن تكون هذه اللجن مفتوحة أمام الطلبة وموجهة أساسا لحل المشاكل الطلابية، وأن يكون انتخابها وفرزها ديمقراطيا من طرف الطلبة أنفسهم (سواء خلال التجمعات العامة بالأقسام أو الوحدات... أو خلال الاعتصامات والتظاهرات الجماهيرية، أو خلال الحلقات النقابية المركزية...) وعلى أساس فردي تطوعي وبدون اعتبار للانتماء السياسي...
ومتى رأى الطلبة ممكنا وضروريا أن تستمر هذه اللجن، التي انتخبت مؤقتة، في مزاولة مهام جديدة، أو تطعيمها أو استبدالها، فيجب دعم ذلك. لكن دائما على أساس مصادقة الطلاب المعنيين مباشرة باللجنة (قسم أو وحدة أو شعبة أو كلية أو حي جامعي...).
ب- وأينما نضجت الشروط الملموسة لذلك، فإنه من الواجب على المناضلين اتخاذ مبادرات جريئة وحاسمة لإنهاء التمثيلية المزعومة لهياكل العدل والإحسان المسماة زورا بهياكل ا.و.ط.م، وذلك بالإقدام على تشكيل المجلس النقابي الطلابي الموسع يشارك فيه طلبة من كافة الوحدات والأقسام و/ أو لجن الحوار والمعارك... ويعين من بين أعضاءه لجنة تمثيلية تقوم بتنفيذ قراراته وتوجهاته، قابلة للعزل والمراقبة من طرفه. ويصدق الأمر هنا أيضا على المواقع الجامعية (خاصة الحديثة النشأة) التي ليست بها تمثيلية لأجهزة التقسيم لجماعة العدل والإحسان.
ويجب الحرص هنا أيضا على تمثيل الطلبة ومشاركتهم دون اعتبار لانتماءاتهم السياسية... كما يجب التأكيد على ضرورة التمييز بين مجالس النضال (القاعدة التنظيمية للجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين ) والمجالس النقابية الطلابية الموسعة.
ج- يجب الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المعاهد والمدارس العليا وتجربتها. وهو ما يطرح على مناضلي الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين، من جهة بناء وتعميم نظام الجمعيات التي تدمج بين تمثيلية الدراسة والسكن الجامعي، ومن جهة ثانية، الحفاظ على الوحدة النقابية داخل الجمعيات، ومن جهة ثالثة، رفض أي تعامل لأجهزة الجمعيات مع هياكل التقسيم الوطنية لجماعة العدل والإحسان.

 عاشت الوحدة النقابية للحركة الطلابية في إطار ا.و.ط.م جماهيرية ديمقراطية تقدمية ومستقلة.

 لنبن الجبهة الديمقراطية للطلبة التقدميين قائد مسلسل النضال الانتقالي لهيكلة ا.و.ط.م من القاعدة إلى القمة



#أحمد_زايان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بين الماضي و الحاضر


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - أحمد زايان - إعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب: دروس التجربة وآفاق العمل