أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جورج لوغيلت - ستون عاما من (حظر) نشر الاسلحة النووية















المزيد.....


ستون عاما من (حظر) نشر الاسلحة النووية


جورج لوغيلت

الحوار المتمدن-العدد: 1437 - 2006 / 1 / 21 - 08:21
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


ان المسؤولين الرئيسيين عن فشل مؤتمر معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية في ايار/مايو 2005، أي الولايات المتحدة وايضا بريطانيا وفرنسا، يستعدون لتصنيع جيل جديد من الاسلحة النووية. من جهة أخرى، وبحسب وثائق وزارة الدفاع الاميركية، فان واشنطن تنوي استخدام هذه الاسلحة بصورة وقائية في احوال الأزمة حتى اذا كان العدو لا يمتلك قنابل ذرية. ان هذه الوضعية العدائية لا تحول دون قيام ادارة بوش بمضاعفة الضغوط لطرح قضية ايران أمام مجلس الأمن الدولي بسبب خرقها بنود معاهدة حظر انتشار الاسلحة. ترفض ايران الاتهامات وتؤكد حقها في تطوير طاقتها النووية بما فيها تخصيب اليورانيوم.

كلما زاد عدد الدول التي تمتلك أسلحة نووية، كلما زاد خطر تقصّد استخدامها ليس من أجل الردع وإنما من أجل التدمير، أو خطر نشوب نزاع عن طريق الخطأ، او أن تقصف إحدى الدول احترازياً منشآت عدوها، أو أيضاً أن تقع أسلحة او مواد انشطارية بين أيدي مجموعات إجرامية.

إذن إن انتشار الأسلحة النووية هو أحد أشد الأخطار على مستقبل البشرية، ومع ذلك لم يكن هذا الهم الشاغل الأول الذي استوحته أولى الاجراءات المتخذة لتفاديه. فالولايات المتحدة، ومنذ أن أطلقت برنامجها النووي العسكري في العام 1942، كانت قد حظرت نشر أي معلومات تتعلق بالطاقة الذرية وذلك خوفاً من ان تكون ألمانيا النازية هي السباقة الى امتلاك القنبلة الذرية. وقد استمر فرض هذا القيد بعد العام 1945 من أجل تأخير أعمال السوفيات. وفي العام 1954، وبعد أن اجرى الاتحاد السوفياتي اول تجربة له على سلاحه النووي تمّ التخلي عن هذا السر لصالح السياسة المعروفة بسياسة "الذرة من أجل السلام"، فبات بامكان الدول الراغبة في تطوير أعمالها في مجال الذرة الحصول على مساعدة الولايات المتحدة شرط أن تتعهد استخدامه لأهداف سلمية فقط مع ترك الحرية لها في تطوير برنامجها العسكري إن استطاعت تحقيقه بنفسها. وقد استغلت دول عديدة عدم وجود قوانين دولية ضابطة في الاجمال من اجل تلبية طموحاتها العسكرية، وهكذا كان هناك، في العام 1960 سبع من الدول الثماني التي تمتلك اليوم ترسانة نووية قد أمنت العناصر الضرورية لانجازها [1].

لكن أزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962 هي التي ادت على الأخص الى اعتماد سياسة عالمية لحظر نشر الأسلحة النووية، إذ اكتشفت كل من واشنطن وموسكو في حينه أنه إذا ما دخلت قوة تمتلك أسلحة نووية على خط المواجهة معهما فإنهما لن تكونا ربما قادرتين على السيطرة على مجرى الأزمة. وفي الأساس كان إذن الهدف الرئيسي من معاهدة حظر نشر الأسلحة النووية بالنسبة الى القوتين العظميين هو إحكام السيطرة على الدول المنتمية الى معسكرهما. فمعاهدة حظر نشر الأسلحة النووية التي أبرمت في الاول من تموز/يوليو في العام 1968، قسمت العالم قسمين، فمن جهة هناك الدول "النووية"، وهي التي جربت قنبلتها الأولى ما قبل الأول من كانون الثاني/ يناير عام 1967، والتي طلب إليها عدم مساعدة دولة أخرى في الحصول على هذا السلاح [2]، وفي الجهة الأخرى كل الدول الأخرى التي كان عليها التعهد بعدم محاولة امتلاكه، وبإخضاع كل منشآتها النووية لرقابة "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"(AIEA) المكلفة التأكد من أنها تلتزم تعهداتها.

وبالرغم من نواقصها ونقاط الضعف فيها، فان معاهدة حظر نشر الأسلحة النووية تشتمل على العناصر الضرورية لمنع انتشار هذه الأسلحة، لو انها طبقت بالكامل لكن هناك فقط خمس دول ما تزال تمتلك ترسانة نووية. فقد كان نجاحها يتطلب تطبيقاً شاملاً لها، أي ان تنضم اليها كل الدول وأن تتوفر آلية تحقق فعالة تماماً، وفي حال خرق المعاهدة أن تتخذ إجراءات صارمة من أجل وضع حدٍ للمخالفات ولردع الدول الأخرى عن التمثل بالمخالف.

في البداية كثير من الدول رأى في المعاهدة انتهاكاً مرفوضاً لسيادتها، فالمانيا واليابان وإيطاليا وهي الدول الأولى المستهدفة رفضت أولاً الموافقة عليها. وإذا ما دخلت حيّز التنفيذ في العام 1970 [3]، فذلك بفضل توقيعها من جانب إيرلندا أو الدانمارك أو كندا أو السويد أو المكسيك التي رأت فيها وسيلة للحد من مخاطر الانتحار الجماعي، أو من جانب دول مقربة سياسياً جداً من الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفياتي، أو أيضاً من جانب دول أخرى اعتقدت أنها لن تملك يوماً وسائل صناعة القنابل الذرية. وهكذا كان بين الموقعين الأوائل دول مثل العراق وإيران وسوريا.

وقد حدث المنعطف الأول في أواسط السبعينات مع تصاعد الحركات المناهضة للسلاح النووي في الولايات المتحدة ثم في اوروبا، خصوصاً عندما اجرت الهند تجربتها الأولى في العام 1974. فقد تنبه الرأي العام الى المخاطر التي يمكن أن يتسبب بها انتشار هذه الأسلحة على الأمن في العالم، وقد اعتبرت دول عديدة أن أمنها سيكون مضموناً بشكل افضل إذا لم يكن جيرانها يمتلكون أسلحة نووية. وأيضاَ بفضل الضغوط التي مارستها في آنٍ معاً الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، ساعدت هذه الحركة في تزايد متسارع في عدد الموقعين، وقد انضمت اليها الدول الصناعية الكبرى، مثل ألمانيا واليابان وإيطاليا وسويسرا وهولندا، وفي نهاية العام 1979 تجاوز عدد الدول الموقعة المائة. وقد تواصلت موجة الانضمام في السنوات التالية، وبالرغم من انقسام الاتحاد السوفياتي، فإنها زادت مع نهاية الحرب الباردة. وفي العام 1995 كان عدد الدول التي قررت الاستمرار في تطبيق المعاهدة لمدة غير محدودة قد بلغ 178 دولة.

إلا ان الدول العظمى، ولأسباب مختلفة، لم تبذل جهداً كافياً في سبيل إقناع الهند واسرائيل وباكستان بالانضمام اليها. وهكذا فان هذه الدول الثلاث، التي رفضت على الدوام الانضمام الى المعاهدة، تمكنت من بناء ترسانتها بدون الاخلال بالتزاماتها. وهذا ما لم يعد ممكناً اليوم، فقد باتت المعاهدة تضم 189 عضواً [4] ما يعني مجمل الدول تقريباً ولم يعد يحق لأي دولة أن تصنع قنبلة بدون خرق الالتزامات الدولية.

وبين الأعضاء الـ189 هناك الأرجنتين والبرازيل اللتان كانتا أطلقتا في السبعينات والثمانينات، برامج أبحاث من الواضح أنها كانت لأهداف عسكرية. وبما أنها لم تكن في حينه من موقعي معاهدة حظر نشر الأسلحة النووية فان أعمالهما لم تكن متناقضة مع التزاماتهما الدولية. ثم تخلت الأرجنتين والبرازيل عن مشاريعهما العسكرية في أواخر التسعينات، ثم انضمتا الى المعاهدة، الأولى في العام 1995، والثانية في العام 1998. وقد تخلت عن هذه البرامج ليس لأنها ضمنت أمنها الخارجي أكثر مما كان عليه من قبل، بل لأن نظاماً ديموقراطياً قد حل مكان الديكتاتوريات العسكرية الحاكمة.

وهذا ما ينطبق على افريقيا الجنوبية التي كانت قد صنعت حوالى ست قنابل في السبعينات والثمانينات بدون أن تنتهك المعاهدة وبدون أن تتمكن وكالة الطاقة الذرية من التدخل. وقد فككت بريتوريا أسلحتها النووية تماماً قبل أن تلغي نظام التمييز العنصري وتنضم الى معاهدة حظر الأسلحة النووية في العام 1991.

وفي أواسط التسعينات أرادت الولايات المتحدة أن تستكمل معاهدة حظر نشر الأسلحة النووية باتفاق لمنع كلّي للتجارب النووية، ووضع معاهدة تحظّر تخصيب اليورانيوم او البلوتونيوم لأغراض عسكرية. وهاتان الاتفاقيتان كانتا تستهدفان فقط الهند وباكستان، إلا ان الأميركيين رأوا أن هاتين الدولتين سوف تنضمان بشكل أسهل الى معاهدة عالمية.

وفي الواقع أن هذين الاتفاقين لم يعنيا شيئاً بالنسبة الى سائر الدول، فقد التزمت 184 دولة بعدم العمل على حيازة هذه الأسلحة، اما بالنسبة الى التعهد بعدم إجراء تفجيرات تجريبية على الأسلحة التي لم تصنعها بعد فإنه لم يشكل على الأخص تطوراً مهماً! فقد أوقفت الدول النووية الخمس تجاربها وفككت فرنسا حقل التجارب في المحيط الباسيفيكي ولم يعد باستطاعتها استعادته. اما الدول المعنية، أي الهند وباكستان، فقد أجرت تفجيرات تجريبية على قنابلها في العام 1998، وهما مستمرتان في إنتاج المواد الانشطارية العسكرية وترفضان الانضمام الى وكالة الطاقة الذرية الدولية أو الى المعاهدة. وإلى ذلك يجب أن يضاف أن عدم إمكانية إجراء التجارب لم يمنع بعض الدول من حيازة هذه الأسلحة، فإسرائيل لم تجرب أبداً أي قنبلة لكن يجري امداد ترسانتها النووية بمختلف الاختصاصيين. وافريقيا الجنوبية لم تجرِ رسمياً أي تجربة ومع ذلك فانها كانت تمتلك ست قنابل، ولم يكن هناك أي شك في العديد من القنابل النووية في باكستان حتى قبل العام 1998. وفي الاجمال فان مشروع المعاهدة، الذي ترفض الولايات المتحدة الموافقة عليه، لم يكن له أي فائدة أبداً الاّ اللهم الاهتمام الرمزي الذي يوليه إياه الرأي العام.

الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي التي كلفت التحقق من احترام الدول للالتزامات التي تعاقدت عليها، وقد اضطرت من الأساس الى القيام بذلك في ظل ظروف بالغة التعقيد. فلا يمكن للمفتشين إلا زيارة الدول الأعضاء في المعاهدة الموقعة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وصادقت على اتفاق خاص يحدد حقوقها وواجباتها. ولذلك مثلاً هم لم يتمكنوا من دخول كوريا الشمالية قبل شهر نيسان/أبريل عام 1992 فيما كان من المعلوم منذ العام 1990 وجود المفاعل ومنشآت التخصيب التي أنتجت البلوتونيوم الكوري الشمالي.

كما أن وصول المفتشين الى مختلف المنشآت تعوقه بالتالي إجراءات إدارية عديدة، فمثلاً عليهم الحصول أولاً على تأشيرة دخول يمكن أن يستغرق الحصول عليها وقتاً طويلاً الى حدٍ ما، كما أنه لا يسمح لهم بتفتيش بعض المصانع إلا في أوقات محسوبة بدقة بحسب طبيعة الأعمال وكمية اليورانيوم أو البلوتونيوم الموجودة فيها.

وقد حددت كل القواعد التي يفترض بالمفتشين الخضوع لها في العام 1971، لكن ليس من جانب موظفي الوكالة الذين كان بامكانهم تحديد ما يحتاجونه لإنجاز مهمتهم، وإنما من جانب ممثلي الدول، وبخاصة ممثلو الدول التي كانت في تلك الحقبة الأكثر تقدماً في الميدان النووي. وقد حرصت الى حدٍ كبير على الحد قدر الامكان من الالتزامات التي ستفرضها اعمال التفتيش عليها وخصوصاً على أوساطهم الصناعية. وهكذا فإن آلية الرقابة قد أسست على مقولة أن أي برنامج نووي لا يمكن تنفيذه سراً على أساس أن عملية الخداع الوحيدة الممكنة تكمن في تحويل اليورانيوم والبلوتونيوم الى استخدامات عسكرية في حين يفترض إبقاء استخدامهما في المجال المدني. يمكن للمفتشين إذن الوصول الى المنشآت التي تعلن عنها كل دولة، وتقوم مهمتهم على التأكد من أن جميع المواد الانشطارية المستخدمة فيها توظف لأغراض سلمية. وليس عليهم التأكد مما إذا كان في البلاد منشآت لم يتم إبلاغهم بوجودها.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تقنيات ذاك العصر فان أشكال حصر مهمتهم هذه لم تكن تفتقر كلياً المنطق. فهذه التقنيات، وخصوصاً في مجال انتاج اليورانيوم المخصب، كانت تتطلب مصانع ذات احجام ضخمة، ذات أشكال متميزة، وتستهلك كميات هائلة من الطاقة، ويمكن بالتأكيد اكتشاف بنائها وعملها. ويضاف الى ذلك انه في مطلع سبعينات القرن الماضي كان بامكان الدول المتقدمة صناعياً أن تخطط لنشاطات نووية مهمة.

والحال أن الأمر كان يتعلق بدول ديموقراطية حيث تنتقل المعلومة بحرية وحيث لا يمكن التكتم على قرار امتلاك ترسانة نووية. وهكذا فان نظام الرقابة، وحتى ضمن الحدود المرسومة له، قد عمل بالشكل الملائم، إذ منذ العام 1945 لم تضنع أي قنبلة نووية في المنشآت التي خضعت لرقابة وكالة الطاقة الذرية. وليس أن أعمال الرقابة كانت ناجعة تماماً، بل لأنه، حتى ذلك الوقت، كانت من الفعالية لدرجة ان المخادعين فضلوا عدم المجازفة بأن يضبطهم المراقبون بالجرم المشهود.

لكن بعد حرب الخليج الأولى، أي في العامين 1990-1991، اكتشفت في العراق منشآت كان من شأنها ان تسمح للبلاد بأن تمتلك، بعد سنوات، ترسانة نووية فعلية. فقد برهن السيد صدام حسين أنه يمكن على الأقل في دولة خاضعة لنظام ديكتاتوري شرس أن تمارس نشاطات نووية سرية. ومن أجل ذلك اعتمد العراقيون مسار تخصيب اليورانيوم عب توزيع المراكز، وهي التقنية التي اعتمدت في اوروبا في اواسط سبعينات القران الماضي، وهو ما يسمح بلإقامة منشآت أصغر حجماً بكثير، يكنها أن تخفي مباني بسيطة المظهرن تستهلك كمية أقل من الطاقة ويصعب على أجهزة الاستخبارات اكتشافها إلا إذا كانلها مخبروها على الأرض.

وفي محاولة منها لتكييف آليات الرقابة مع هذا النوع الجديد من التحايل، اعتمدت وكالة الطاقة الذرية، في العام 1997، بروتوكولاً إضافياً [5] يعطي بشكل ملموس المفتشين صلاحيات تحقيق أوسع لكن هو بدوره يحتاج توقيعاً ومصادقة من جانب كل دولة يطبق فيها [6]. والوسائل المتزايدة التي تأمنت بذلك لوكالة الطاقة الذرية قد اعطت نتائج طيبة [7] ويمكن أن توفر للمفتشين وسائل اكتشاف قيام نشاطات طي الكتمان في أحد البلدان. ومع ذلك ليس هذا هو الدواء الناجع، ويبقى الاحتمال ضئيلاً، إلا إذا حالفهم الحظ، في أن يتمكن المفتشون من اكتشاف مكان بناء إحدى المنشآت السرية، اللهم إلا إذا أبلغهم بذلك أحد أجهزة الاستخبارات.

ومنظمة دولية من نوع وكالة الطاقة الذرية ليست دائرة تجسس ولا تمتلك أي وسيلة للحصول على معلومات سرية، كما أنه يفترض بها احترام الاتفاقات المعقودة مع الدولة الخاضعة للرقابة. أما تحديد مكان وجود المعامل بدقة فانه يبقى من مسؤولية أجهزة الاستخبارات وإليها يعود توفير العناصر التي تحتاجها المنظمة.

ثم أن أيا من الدول النووية الخمس ليست مدعوة الى توقيع هذا البروتوكول الاضافي، فإذا توصل المفتشون مثلاً الى التأكد من وجود منشآت نووية عسكرية في مواقع معروفة تماماً في الأساس في الولايات المتحدة أو في فرنسا، فإن هذا لا يعتبر اكتشافاً مهماً. ومع ذلك فان فرنسا وقعت رمزياً نسخة مخففة منه بغية معالجة حساسية سائر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الحساسة جداً بالنسبة الى التمييز في المعاملة بين هاتين الفئتين من الدول.

وفي السياق ذاته ليس هناك أي معاهدة تحظر على أي من الدول النووية الخمس تصنيع أنواع جديدة من الأسلحة، وهذا ما يصبح بالتأكيد منافياً لروحية المادة السادسة من معاهدة حظر نشر الأسلحة الخاص بنزع الأسلحة النووية. وهذا ما لا يتناقض كلياً مع حرفية المعاهدة التي وبكل خبث تربط بشكل معين بين نزع الأسلحة النووية ونزع السلاح بشكل عام وتام. فبالعودة أربعين عاماً الى الوراء تتفادى الدول النووية الخمس، وهي المصدرة الأولى عالمياً للأسلحة التقليدية التشجيع على نزع السلاح بشكل عام وتتذرع بعدم التقدم في هذا الملف لكي تتجاهل بكل صلف ما التزمت به حول نزع الأسلحة النووية.

تتحدث الولايات المتحدة بانتظام عن تصنيع قنابل نووية جديدة. وفي هذا هاجس مصنعي الأسلحة الذين، ومنذ عقود، يفتشون عن مختلف الذرائع الممكنة من أجل زيادة نشاطاتهم الانتاجية. وليس لهذه المشاريع أي بعد عملاني واقعي، لكنها استأثرت باهتمام الرأي العام وعتمت كلياً على التحولات الأكثر أهمية بكثير التي وردت في "إعادة النظر في الوضع النووي" الصادرة في كانون الثاني/يناير عام 2002، وعلى الأخص ان الأسلحة النووية لم تعد تشكل صنفاً مستقلاً في الترسانة الأميركية، بل أصبحت عنصراً أساسياً في مجمل الأسلحة الهجومية التي يمكن للرئيس في النتيجة استخدامها كما يشاء، كما يستخدم أي سلاح آخر بحسب طبيعة المهمة المطلوب إنجازها.

والوثيقة نفسها تنص على توظيف جيل جديد من أخصائيي الأسلحة لكي يكملوا مهمة اولئك الذين سيحالون على التقاعد، وعلى استبدال الصواريخ العابرة للقارات في العام 2020، والغواصات في العام 2030، والطائات الهجومية في العام 2040. ما يعني أن التسلح النووي الأميركي متوقع لفترة غير محدودة وفي مطلق الأحوال حتى نهاية القرن.

وإذا تبينت وكالة الطاقة الذرية أن إحدى الدول لم تحترم التزاماتها فانها تلجأ الى مجلس الأمن، وهو المرجعية الوحيدة القادرة على اتخاذ الاجراءات الضرورية من أجل وضع حدٍ للمخالفات. وقد عالج مجلس الأمن مرتين حالة خرق لتعهدات عدم نشر الأسلحة وقد تم التقليل من أهمية الخبرات التي تحصّلت من هاتين التجربتين. ففي حالة العراق الذي لم تكتشف نشاطاته السرية إلا بعد حرب الخليج في العام 1991، وفيما كان البلد مهزوماً عسكرياً ومضطراً الى الموافقة على الشروط التي وضعها مجلس الأمن، تمكنت وكالة الطاقة الذرية من تفكيك كل المنشآت التي بنيت في الخفاء.

كما ان جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية (كوريا الشمالية) قد اقتنعت من جهتها في العام 1992 بأنها قد أخلت بالتعهدات التي وقعت عليها في المعاهدة. وهذا ما جعلها تسارع الى الاعلان عن اعتبارها أي عقوبة تتخذ بحقها كإعلان حرب، واستعجلت الصين إبلاغ من يهمه الأمر أنه يجب حل الأزمة عبر المفاوضات. وكان من شأن موقف بيجينغ والخشية من الحرب، في شبه الجزيرة، التي كانت ستؤدي الى سقوط عدد كبير من الضحايا في كوريا الجنوبية، أن أفضت في العام 1994 الى توقيع اتفاق بين بيونغ يانغ وواشنطن، بموجبه تبني كوريا الجنوبية في الشمال مفاعلين ضخمين جداً لانتاج الطاقة الكهربائية مقابل وقف النشاطات النووية في كوريا الشمالية. وقد صمد هذا الاتفاق الى أن قررت الولايات المتحدة أن توقف العمل به في نهاية العام 2002. وعندها انسحب الكوريون الشماليون من معاهدة حظر نشر الأسلحة النووية وطردوا مفتشي الوكالة وعزلت كميات من البلوتونيوم اللازمة لتصنيع حوالى ست قنابل، لتعلن بعد أشهر أنها باتت تمتلك أسلحة نووية.

ولم يثر أي من هذه القرارات أي ردة فعل من جانب مجلس الأمن أوسائر الدول باستثناء التهديدات المهولة العديمة الجدوى التي أطلقها رئيس الولايات المتحدة. واثر ذلك، وتجاوباً مع رغبات الصين، جرت مفاوضات شاركت فيها الكوريتين والولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا [8]. وبعد إعلان مشترك وقع في 19 أيلول/سبتمبر عام 2005، تعهدت كوريا الشمالية التخلي عن برامجها النووية مقابل تعهد الدول المذكورة بان تقدم لها مساعدة في مجال الطاقة وضمانات في مجال الأمن. إلا ان كوريا الشمالية، الموافقة على مضض، أعادت النظر، في غداة ذلك، في هذا الاتفاق مطالبة بأن تمنح حق استخدام الطاقة الذرية لأغراض سلمية قبل أن تلطف فيما بعد من موقفها. وبناءاً عليه حيّت وطالة الطاقة الذرية، في قرار تم تبنيه بإجماع الدول الـ139 الأعضاء إعلان كوريا الشمالية عن نيتها في التخلي عن السلاح النووي.

وفيما يتعلق بإيران حيث لم يتم تسجيل أي مخالفة، يمكن الاكتفاء، كما على وكالة الطاقة الذرية أن تفعل، بتفسير حرفي للمعاهدة. لكن إذا لم تتوصل المباحثات الجارية مع المانيا وفرنسا وبريطانيا الى نتيجة، فقد تلجأ الدول الأعضاء الى مجلس الأمن، لكن ليس استناداً الى تفسير قضائي لنص المعاهدة، وإنما على أساس حكم سياسي.

وقد تضاءلت الى حدٍ كبير سياسة حظر نشر الأسلحة النووية منذ مؤتمر العام 1995 في وقت بدا فيه أن الهدف المطلوب قد تحقق الى حدٍ ما. وقد كانت ضرورة وقف نشر الأسلحة موضع هجوم في الولايات المتحدة من جانب المحافظين الجدد الذين رفضوا أن يخضع بلدهم لبعض الالتزامات الدولية أياً كان نوعها، ثم من جانب آخرين رأوا أن حظر نشر الأسلحة يعود الى منطق الحرب الباردة ولم يعد هناك من داعٍ لوجوده بعد أن انتهت تلك الحرب. ويرى هؤلاء أن الرد على مخاطر نشر الأسلحة النووية يكمن في إنشاء أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ التي يفترض بجميع الدول أن تشتريها من الولايات المتحدة. كما أن هناك آخرين أكبر عدداً وأكثر نفوذاً ربما يعتبرون أن نشر الأسلحة النووية ليس موضوع إدانة إذا قامت به دول حليفة للولايات المتحدة.

كما أن معاهدة حظر نشر الأسلحة النووية كانت هي بدورها موضوع انتقادات أكثر حدة. فمنذ زمن بعيد ارتفعت بعض الأصوات ضد نظام يسمح لخمس دول بامتلاك الأسلحة الأكثر قوة ويظر على الآخرين امتلاكها. وهذا الاجحاف في التعامل، وبعد أن اعتبر غالباً أمراً حتمياً خلال الحرب الباردة، لم يعد محتملاً كثيراً منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، خصوصاً وأن المعاهدة تشتمل على احكام تنص على نزع الأسلحة النووية وأن الدول النووية تتجاهلها بكل صلف. وهذه الدول الخمس، باحتفاظها اليوم بترسانات بهذا الحجم الكبير كما في أواسط سبعينات القرن الماضي، رمزاً لقوتها ولهيبتها، ليس من شأنها إلا ان تدفع بذلك الدول الأخرى الى أن تحذو حذوها.

وقد تجلى بشكل صارخ هذا الاهمال لفكرة حظر نشر الأسلحة النووية خلال مؤتمر البحث في المعاهدة في شهر حزيران/يونيو عام 2005، فالدول المشاركة، وبدلاً من أن تتخذ بالاجماع موقفاً متنكراً للمتحايلين، قد انفرط عقدها دون أن تتفق ولو على أمرٍ واحد وهو ما يعكس عالماً منقسماً متقززاً مضطرباً. لكن هذا النظام المنتقد، والذي لم يتم أبداً اقتراح أي حلٍ بديل منه، ما يزال ساري المفعول وربما أن مآل الأزمتين الكورية الشمالية والايرانية هو الذي سيقرر مستقبله.

فإذا تخلت كل من كوريا الشمالية وإيران عن طموحاتها العسكرية، كما فعل العديد من الدول قبلهما، فإن الدول التي قد تسير على خطاهما ستتردد على الأرجح في الخوض في مشروع مكلف ومحكوم مسبقاً بالفشل. وبالعكس، إذا ما حققتا أهدافهما فمن الممكن أن تقرر دول عديدة انتاج الأسلحة الخاصة بها.






--------------------------------------------------------------------------------

* مدير أبحاث في مؤسسة العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)، باريس.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] . أجرى الاتحاد السوفياتي التجربة الأولى على قنبلته الذرية في العام 1949، وعلى قنبلته الهيدروجينية في العام 1953، أما بريطانيا فقد فجرت قنبلتها الانشطارية الأولى في العام 1952 وقنبلتها الانصهارية الأولى في العام 1957، اما فرنسا فكان موعدها في العامين 1960 و1968، والصين في العامين 1964 و1967. ومن جهة أخرى فان فرنسا قد سلمت اسرائيل، في العام 1956 مفاعل ومصنع ديمونا لعزل الذرة، حيث استخرجت البلوتونيوم لأسلحتها النووية الأولى، كما امنت كندا للهند في العام 1955 مفاعل المياه الثقيلة الذي انتجت به البلوتونيوم لقناباها الذرية الأولى.

[2] . الترتيب الزمني للتفجير الأول أتى على الشكل التالي: الولايات المتحدة، الاتحاد السوفياتي (وقد ورثته روسيا اليوم)، بريطانيا فرنسا ثم الصين. وبعكس الفكرة السائدة بشكل واسع ليس هناك أي رابط بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والدول النووية. فالأولى هي الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية والتي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة الموقع في 26/6/1945، ولم تكن أي دولة، حتى الولايات المتحدة، تمتلك حتى ذاك التاريخ قنبلة نووية. أما الدول "النووية" فهي تلك التي كانت تمتلك هذا السلاح عند توقيع المعاهدة.

[3] . نصت المعاهدة على انها تدخل حيز التنفيذ عندما توقع عليها وتقرها 40 دولة.

[4] . يمكن خفض هذا العدد الى 188 إذا أخذنا بعين الاعتبار القرار الذي اتخذته كوريا الشمالية في كانون الثاني يناير عام 2003 بالانسحاب من المعاهدة. إلا أن الدول الأخرى تعتبر أن هذا الانسحاب مرفوض لأنه لا يتلاءم مع الشرزط الموضوعة في المعاهدة لكي تمارس إحدى الدول هذا الحق.

[5] . العنوان الكامل هو التالي: بروتوكول إضافي بين دولة كذا ووكالة الطاقة الذرية، والمتعلق بتطبيق الضمانات".

[6] . وقد وقعت عليه إيران لكنها لم تصادق عليه، وبالتأكيد ان البرلمان الجديد بيس مستعداً للموافقة على هذه الوثيقة. وأحياناً يؤكد المسؤولون الإيرانيون خضوعهم لهم طوعاً، لكنهم لا يفعلون ذلك إلا جزئياً ومع الكثير من التحفظات.

[7] . وبذلك أثبت المفتشون في العام 2004 أن كوريا الجنوبية وتايوان قد قامتا من قبل بتجارب سرية على تقنيات تخصيب الورانيوم وعزل البلوتونيوم. وقد ظلت هذه الأعمال خفية طالما أن هاتين الدولتين لم ينضما الى البروتوكول الاضافي.

[8] . وفي هذا الإطار وافقت الولايات المتحدةعلى إجراء مفاوضات ثنائية مع بيونغ يانغ، بعد أن كانت ترفض ذلك.



#جورج_لوغيلت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جورج لوغيلت - ستون عاما من (حظر) نشر الاسلحة النووية