أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيكان تشيتيريان - النخب القديمة تورث بعضها السلطة - الثورات المخادعة في الشرق















المزيد.....


النخب القديمة تورث بعضها السلطة - الثورات المخادعة في الشرق


فيكان تشيتيريان

الحوار المتمدن-العدد: 1422 - 2006 / 1 / 6 - 11:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد أقل من العام على "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا، يتواجه قادتها على خلفية صراع الفصائل والفساد مما دفع بالرئيس فكتور يوتشكو في 8 أيلول/سبتمبر إلى إقالة رئيسة وزرائه يوليا تيموتشنكو. إنها مناسبة لإعادة تقييم الظاهرة التي طالت صربيا (2000) وجورجيا (2003) وأوكرانيا (2004) وقرغيزيا (2005) ويمكن أن تصل إلى روسيا البيضاء وتى كازاخستان.

ليس السيد فيكتور يوشتشينكو ثورياً عادياً. فهو لا يرتدي بزّة القتال العسكرية ولا صورة له بلحية أو بالكلاشينكوف. فهذا الرجل، ذو المظهر اللافت، قبل أن يتشوّه وجهه إثر عملية تسميم إجرامية، قد شغل منصب مدير البنك المركزي ثمّ منصب رئيس وزراء أوكرانيا [1]. كما أنه ترشّح للانتخابات الرئاسية في العام 2004، غير أنّ الرئيس المنتهية ولايته، ليونيد كوتشما، كان قد قرّر التخلّي عن منصبه لرئيس وزرائه في حينها السيد فيكتور يانوكوفيتش الذي يكاد لا يتكلّم اللغة الوطنية.

وعندما أعلنت اللجنة الانتخابية، بعد الدورة الثانية، فوز المرشّح الرسمي، ندّدت المعارضة بالفضيحة ودعت إلى مظاهرات صاخبة. فتحرّك آلاف الأشخاص خلال أشهر الجليد الشتائية، في ما سُمّي "الثورة البرتقالية [2]". وهكذا تجري "الثورات الملوّنة"، فإثر عملية تزوير في الانتخابات، تنتظم الاحتجاجات الشعبية بقيادة قسم من النخبة تقف في وجه قسم آخر، ما يؤدّي إلى عملية تغيير سلمية في الحكم دون إراقة دماء.

فبعد صربيا (في العام 2000) وجورجيا وثورتها الوردية (2003) وأوكرانيا (2004)، قامت ثورة "الزنابق" في قرغيزستان، في ربيع العام 2005، لتُسقط أول رئيس دولة في آسيا الوسطى وصل إلى الحكم منذ انتهاء العصر السوفياتي. فقد هاجم متظاهرون، محتجّون على نتائج الانتخابات التشريعية، مفوّضيات الشرطة وبعض المباني الإدارية في مدينتي جالا-اباد واوك، في جنوب البلاد. وغداة الاضطرابات التي انفجرت في العاصمة بيتشكك، كانت مكاتب قصر الرئاسة عرضة للنهب والرئيس عسكر أكاييفيتش أكاييف يُجبَر على الفرار إلى الخارج. ففي دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، ينزع قادة الدول إلى التمسّك بالسلطة حتى ولو اضطرّهم الأمر للّجوء بقوّة إلى تزوير الانتخابات. أما السكان فإنهم، من جهتهم، يريدون التغيير، وعندما لا يحقّقونه عبر صناديق الاقتراع لا يتردّدون في النزول إلى الشارع.

فبعد مرور عقد من الزمن تقريباً على سقوط جدار برلين (1989) وانهيار الاتحاد السوفياتي (1991)، تهبّ رياح ثورية من نمط جديد على شرق أوروبا. وأوجه الشبه بين هذه الثورات (تسلسل الأحداث، والرموز المستخدمة)، يبدو أنها تدلّ على اشتراكها في المسار ذاته. وعلى كلٍّ، قد تظهر "مفاجآت" أخرى من هذا النوع، كما مثلاً في الانتخابات التشريعية التي جرت في أذربجيان في تشرين الثاني/نوفمبر أو في الانتخابات الرئاسية في قازاخستان في كانون الأول/ديسمبر. وليس فقط أنّ هذه الحركات قد أسقطت وحسب أنظمة فاسدة وغير شعبية في صربيا وجورجيا، بل أنها تولّد واقعاً سياسياً جديداً يتخطّى تأثيره آخر الأنظمة الاستبدادية في دول أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى.

إنّ ثورات من هذا النوع الذي لا يعتمد العنف لا يمكن أن تحدث إلاّ في دول ضعيفة. وفي الدول التي انفجرت فيها، يخسر رئيس الدولة دعم الشعب وقطاعات واسعة في الإدارة، ويضعف موقعه بسبب الفضائح المتكررة نتيجة الفساد. ويفقد القادة القدرة على فرض القانون أو على ضمان استقرار النظام، وتنهض في وجههم حركات معارضة تتمتّع بأشكال واسعة من الدعم. في صربيا وجورجيا مثلاً، استفادت الأحزاب المعارضة من دعم كبير في أوساط الرأي العام ومن تجربة في تعبئة الجماهير، فيما وسائل الإعلام التي تتفلّت من رقابة الحكومة تبثّ أخباراً بديلة، كما أنّ بعض الجمعيات بدت قادرة على تعبئة الشعب وأقامت صلات مع شبكات في الخارج. وحتى الآن، لم تكن بيلاروسيا وتركمانستان، حيث الدولة أكثر قمعاً والمعارضة أكثر ضعفاً وتفكّكاً، مسرحاً لهذا النوع من "الثورات الملوّنة".

فالسادة إدوار تشيفاردنادزي وكوتشما ويانوكوفيتش وأكاييف، واجهوا جميعاً المشكلة نفسها: فكيف التصدّي للأوضاع في حين أنّ شعبيتهم هي في أدنى المستويات، وجهاز الدولة ضعيف ومحبط، وحلفاؤهم الرئيسيّون يتخلّون عنهم والمتظاهرون يحتشدون عند أبواب القصر الرئاسي؟ ولم يصدر أيّ منهم أوامره إلى الشرطة أو إلى الجيش بفتح النار على الجماهير، وجميعهم تنازلوا عن حكم غير شرعيّ بعد التفاوض مع المعارضة.

لكن من هم هؤلاء "الثوريّون" الجدد؟ هنا أيضاً تتكرّر الترسيمة ذاتها. في جورجيا كان السيد ميخائيل ساكاشفيلي، وزير العدل في عهد تشفاردنادزي، وبدعم من السيد زوراب زفانيا [3]، الرئيس السابق للبرلمان الجورجي، والسيد نينو بوردجانادزي، رئيس البرلمان في حينه، هما اللّذان قادا الحركة. وهؤلاء جميعاً، بعد أن كانوا يتولّون الجناح الإصلاحي في جهاز السيد تشيفادنادزي المدني، قد ابتعدوا، في وقت معيّن، عن سياسة رئيس بات منقطعاً أكثر فأكثر عن واقع الأمور.

وفي أوكرانيا، كان السيد يوتشتشينكو قد تولّى رئاسة حكومة السيد كوتشما، والسيدة إيولا تيموشينكو كانت نائبة رئيس الوزراء ومسؤولة عن قطاع الطاقة المربح جداً. وفي قرغيزستان، كان السيد كورمانكييف باكييف بدوره قد تولّى رئاسة الوزراء في عهد أكاييف. وفي الحقيقة، إنّ تباطؤ عمليات الإصلاح والفساد المستشري وأعمال الخصخصة التي لا تقلّ كثافة قد دفعت مسؤولين سابقين، كما جناح "الشباب" في أوساط النخبة، إلى الانضمام إلى المعارضة.

وقد أُزيح البعض عبر المناورات السياسية، على غرار السيد كورمانكييف باكييف الذي تمّت التضحية به بعد أن أطلقت القوات الحكومية النار على المتظاهرين. فهؤلاء المسؤولون، وبمجرّد أن يصبحوا في المعارضة، يدركون أنه لا يمكن اعتماد الطرق القانونية كون نتائج الانتخابات ملفّقة، فلا يبقى أمامهم عندها سوى اللجوء إلى الشارع.

والطابع اللاّعنفي لهذه التغييرات يحتلّ موقعاً أولياً، ذاك أنه ساعد الدول المعنية في تفادي الحرب الأهلية وجنّبها حالات التفكّك المحتملة. فجورجيا قد شهدت مرّتين هول الحرب الأهلية في الأشهر الأولى من استقلالها، أولاً عندما أطاح أحد التحالفات، في كانون الثاني/يناير عام 1992، بالسيد زفياد غامساخورديا، الرئيس الأول الذي فاز في انتخابات حرّة، ثم عندما حاول مناصرو هذا الرئيس الزّحف على العاصمة تبيليسي. وفي أوكرانيا، كادت القوات المناهضة ليوتشتشينكو، المتحدّرة من المقاطعات الشرقية، أن تتسبّب بانقسام هذه الدولة الشاسعة والضعيفة. وكذلك كان يمكن للانتفاضة في قرغيزستان، التي تواجه فيها رئيس آتٍ من الشمال مع زعيم آتٍ من الجنوب، أن تؤدّي إلى انقسامات قبليّة جديدة وتقضي حتى على وجود هذه الجمهورية في آسيا الوسطى.

"كلّ الدول التي كانت تدور في الفلك السوفياتي سابقاً تجتاحها موجة ثانية من التغيير الثوري"، هذا ما يراه السيد فاسكان مانوكيان، الزعيم السابق للحركة الوطنية الأرمينية، إحدى أوائل الحركات الجماهيرية في الاتحاد السوفياتي. وهو لا يشكّ في رغبة الشعوب في التغيير، ولا في تمنّيها الإطاحة بجيل من الزعماء الذي غضّوا الطرف عن الفساد الذي شاب أعمال الخصخصة. والسيد مانوكيان يعرف عما هو يتكلم، فيوم كان رئيس وزراء في أرمينيا الجديدة المستقلة انتهى به الأمر إلى الانضمام إلى المعارضة، وإثر الانتخابات الرئاسية المشكوك في نزاهتها في العام 1996، حاول أن يشرك البرلمان على رأس آلاف المتظاهرين. لكنّ تدخّل الجيش أجهض هذه الحركة السلمية. ويرى السيد مانوكيان ضرورة قيام تحالف بين قوى أربع هي: الأحزاب الداعية إلى الديموقراطية، والقطاعات الإصلاحية في أجهزة الدولة وأوساط رجال الأعمال التي تحترم الشرعية والحركات الشبابية.

فإلى أيّ حد يمكن مقارنة "الثورات الملوّنة" بالنماذج التي تمثّلها الثورة الفرنسية أو الثورة الروسية؟ يرى السيد اندري ليبيتش، أستاذ التاريخ والسياسة الدولية في مؤسّسة "غراديووايت إنستتيوت فور انترناشيونال ستاديز (Graduate Institute for International Studies) في جنيف، أنّ هذه الحركات هي بالأحرى أقرب إلى الحركات الثورية التي اجتاحت فرنسا وبلجيكا وبولونيا وإيطاليا في العام 1830 أكثر منها إلى شبيهتيْها الكبرتيْن في العامين 1789 أو 1917. وهي تُعتبر نسخة عن ثورات الأعوام 1989-1991. وهو يقول: "إذا ما قارنّا ثلاثينات القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نستنتج أنه، بعد مرور خمسة عشر عاماً على الصدمة الرئيسية، تحدث بعض الانتفاضات الثانوية. وليس في الأمر عملية ثورية جوهرية، إنما عملية تصويب للنظام السياسي." ويضيف أندري ليبيتش أنّ الثورات من نوع تلك التي حدثت في العام 1989 "لم تأتِ بأفكار جديدة، بل أنها استخدمت العدّة الإيديولوجية التي يمتلكها الجميع". وهي لا ترمي إلى إحلال نظام جديد جذرياً مكان النظام القائم، بل إنها تعمل على "جعل الأنظمة تتلاءم مع أدبيّاتها الخاصّة".

وحتى الآن، لم تولِ الصحافة الروسية أو الأوروبية أو الأميركية أهمّية لطبيعة هذه الثورات والقوى التي تنهض بها، بقدر ما أولتْها للتدخّلات الخارجية أو للتغييرات الجيوسياسية التي تحدث في نهاية الأمر. وأوّل عامل تتمّ ملاحظته، وخصوصاً في وسائل الإعلام الروسية والفرنسية، هو الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة التي غالباً ما تُصوَّر على أنها هي التي "فجّرت" هذا الثورات. وقد أيّد العديد من الصحافيين أيضاً هذه الفكرة، مُوحين الطرح القائل بأنّ سياسة الرئيس جورج دبليو بوش تشجّع الديموقراطية من الشرق الأوسط إلى أوروبا الشرقية [4].

إلاّ أنّ هاتيْن المنطقتيْن هما على تباين واسع سياسياً واجتماعياً، لدرجة أنه يمكن اعتبار الرّبط بينهما نوعاً من التبسيط للأمور.

كما أنّ "الثورات الملوّنة" قد زادت من نفوذ المنظمات غير الحكومية التي تتدخّل في "الدول المتحوّلة". فمنذ انهيار الاتحاد السوفياتي، غالباً ما كانت المنظمات الحكومية تحظى بتوكيل المموّلين الدوليّين من أجل إقامة اقتصاد السوق والديموقراطية. إلاّ أنّ أهدافها الاستراتيجية، المرتبطة بعرّابيها في الغرب، كانت عرضةً للنقد، إضافة إلى ميلها إلى التزام نمط نشاطات أوساط رجال الأعمال [5].

وقد أدّت الأحداث السياسية، في جورجيا وفي أوكرانيا، إلى إسكات هذه الانتقادات المتنامية، وغيّرت صورة المنظمات غير الحكومية التي تحوّلت، من ثقافة ثانوية مُرتهنة للخارج ومعزولة ضمن مجتمعاتها الخاصة، إلى أداة للتغيير الثوريّ.

وقد وصفها أحد الصحافيين على أنها "الكتائب الديموقراطية الدولية، مُمتدحاً "خبرتها الفريدة التي هي مزيج دقيق من اللاّعنف والتسويق والقدرة على جمع الأموال [6]".

وهي تقع على خطّ تماس ما بين حضارتيْن، حضارة الانشقاق في دول الشرق وحضارة المجتمع الاستهلاكي الغربي. وما تثيره من إعجاب ومن خوف لا حدّ له. وإذا ما أخذنا برأي رئيس جهاز المخابرات الروسية السيد نيقولاي باتروتشيف، فإنّ المنظمات غير الحكومية الأجنبية تضمّ جواسيس، وهي تحضّر لقيام ثورة في بيلاروسيا وفي سائر دول مجموعة الدول المستقلة [7]، وقد باتت نشاطاتها خاضعة أكثر فأكثر لرقابة الحكومات المحلية.

وصحيح أنّ بعض الحركات الشبابية، مثل حركتي "كمارا"( Kmara) في جورجيا و"بورا"( Pora) في أوكرانيا [8]، تتلقّى مساعدات مالية من بعض المنظمات الأميركية مثل "أوبن سوسايتس انستتيوت" (المعروفة أيضاً تحت اسم صندوق سوروس) أو "ناشيونال ديموقراتيك انستتيوت"، إلاّ أنّ دورها في التغييرات السياسية كان ثانوياً، إذ إنّ عمل أحزاب المعارضة، الجيّدة التنظيم والمدعومة من قسم من جهاز الدولة، هو الذي كان حاسماً وخصوصاً في نجاح الخيار السلمي.

وأخيراً فإنّ النتائج الجيوسياسية للثورات الملوّنة قد أثارت بدورها نقاشاً واسعاً. فمؤيّدو الطرح القائل، بأنها شكّلت قبل كلّ شيء جزءاً من استراتيجية واشنطن، يرون أنّ هدف هذه الحركات هو زيادة النفوذ الأميركي في أوراسيا على حساب النفوذ الروسي. وفي الواقع أنّ الولايات المتحدة أصبحت أكثر تواجداً في جورجيا واوكرانيا من موسكو التي فقدت سيطرتها على "جوارها الأجنبي". وما يُزكّي هذه النظرة هي المحاولات التي بذلها الكرملين مؤخراً من أجل توجيه الانتخابات في جورجيا وأوكرانيا.

وفي أيّة حال، يجب عدم المبالغة في تقدير هذه "الثورة الجيوسياسية" ووضعها في إطار إعادة تصويب بسيطة. فجورجيا مثلاً، تتلقّى مساعدات عسكرية أميركية منذ العام 1997، وفي العام 2001 كان هناك 200 خبير يعملون على إعادة بناء الجيش الوطني، حين كان لا يزال السيد تشيفاردنادزي في الحكم. وفي عهد السيد كوتشما، أرسل بعض الجنود الأوكرانيين إلى العراق، ثمّ تمّت إعادتهم في عهد يوتشتشنكو. أما القرار الأوكراني الأخير، بإنشاء خطّ لأنابيب الغاز لاستيراد الغاز الطبيعي من إيران، وهو بالتأكيد لا يريح لا موسكو ولا واشنطن، من شأنه أن يُذكِّر بالضغوطات الجيوستراتيجية التي تحاصر سياسة البلاد.

وإذا كانت "الثورات الملوّنة" تتمّ تحت راية "الديموقراطية"، فإنها لا تُفضي حكماً إلى نشر الديموقراطية ولا إلى مزيد من الحرّية للمواطنين. ففي جورجيا، وبعد مضيّ سنتيْن على تغيير السلطة، لا تبدو المحصّلة إيجابية. فأوّلاً إنّ "الثورة الوردية" قد انطلقت عبر الاحتجاج على نتائج الانتخابات البرلمانية، لكنها انتهت بالإطاحة بالرئيس [9]. والانتخابات الرئاسية التي جرت بعد شهريْن قد أعطت فوزاً كاسحاً للسيد ساكاشفيلي (96 في المئة من الأصوات)، وأعقبها فوز لا يقلّ قوة لحزبه في الانتخابات التشريعية (فاز بـ135 مقعداً من 150). وهذه النتائج تجعل من جورجيا، ما بعد الثورة، جمهورية خاضعة لحكم الحزب الواحد...

ومن جهة أخرى فإنّ منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان تشكو من أنّ الشرطة ما تزال تمارس التعذيب في حالات التوقيف الاحترازي [10]، وقد عاد الصحافيّون مجدّداً إلى لوم الحكومة الجديدة على أنها حدت بشكل غريب من استقلالية وتعدّدية الصحافة. وقد تعرّض عدد من الزعماء ورجال الأعمال، المقرَّبين غالباً من السلطة السابقة، للاتّهام باختلاس الأموال وتمّ توقيفهم، ثم أُطلق سراحهم بعد أن دفعوا مبالغ مالية ضخمة وُضعت في خزينة الدولة. ويرى بعض المراقبين النقاد أنّ هذه الممارسات، التي لا يتدخّل فيها الجهاز القضائي، هي أقرب إلى السياسات القوقازية في احتجاز الرهائن منها إلى سياسة دولة القانون الحديثة.

لكنّ "الثورة الوردية" قد حقّقت أيضاً بعض التغييرات الايجابية. فشرطة المرور التي يعيث فيها الفساد قد خضعت لعملية إصلاحية جذرية بعد حركة إقالات مكثّفة. كما زادت المداخيل من الضرائب. وقد تمكّنت تبيليسي من الاتفاق مع موسكو على برنامج زمنيّ لإخلاء آخر قاعدتيْن عسكريتيْن من العصر السوفياتي، على أن تُسلَّما إلى البلاد في العام 2008. أمّا النجاح اللاّفت الذي حقّقه النظام الجديد فهو إعادة إحكام سيطرتها على جمهورية أدجاريا ذات الحكم الذاتي وعلى مرفئها المزدهر، باتومي، وحملها زعيمها الانفصالي ادجر أصلان أباشيدزي على الفرار. لكن في المقابل، فشلت تبيليسي في محاولتها العسكرية لإعادة إخضاع منطقة أوسيتيا الجنوبية المقاطعة للسلطة المركزية، إذ إنّ هذه المغامرة قد تسبّبت بسقوط عشرات الضحايا، وكادت أن تُغرق جورجيا مجدّداً في دورة من العنف "الإتني". ففي الإجمال، إنّ "الثورة الوردية" قد اهتّمت أكثر بتعزيز موقع الدولة بدلاً من إيلاء الأهمية لقضية الديموقراطية.

وفي أوكرانيا، كان من شأن "الثورة البرتقالية" أن جعلت خيار الشعب ينتصر في مواجهة نظام فاسد. كما أنها غيّرت من صورة البلاد في الخارج وأدخلتها في اللعبة السياسية الأوروبية. لكن من الصعب التحدّث عن فضائل أخرى لها. فالفضائح التي لطّخت مؤخّراً سمعة الرئيس الأوكراني، قد أخمدت حماس الشعب، حتى قبل أن يتمكّن القادة الجدد من التباهي بأنهم غيّروا حياة المواطنين. ويرى رونالد سوني، أستاذ التاريخ المتخصّص في شؤون الاتحاد السوفياتي في جامعة شيكاغو، أنه "من الواضح أنه ليس في الأمر ثورات اجتماعية وإنما عملية تغيير سياسية". فالآمال في عمليات تحوّل جذرية سوف تُمنى على الأرجح بالخيبة.






--------------------------------------------------------------------------------

* صحافيّ، جنيف.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] . اقرأ : Jean-Marie Chauvier, “ Les multiples pièces de l’échiquier ukrainien ”, Le monde diplomatique, janvier 2005.

[2] .اقرأ :Régis Genté et Laurent Rouy, “ Dans l’ombre des révolutions spontanées ”, Le Monde diplomatique, janvier 2005.

[3] . بعد الثورة تولى زوراب رفانيا منصب رئيس الوزراء وبات الرجل الثاني في جورجيا. وقد توفي في شباط/فبراير عام 2005 في حادث تسمم بالغاز بحسب المعلومات الرسمية.

[4] . حول ثورة الأرز في لبنان اقرأ:Alain Gresh, "Les vieux parrains du nouveau Liban", Le Monde diplomatique, juin 2005.وحول صعوبات نشر الديموقراطية في الدول العربية راجع:Gilbert Achcar, "Chances et aléas du printemps arabe", Le Monde diplomatique, juillet 2005.

[5] . راجع: Thomas Carothers, “ The End of the Transition Paradigm ”, Journal of Democracy, Johon Hopkins University Press, Baltimore, janvier 2002. Alexander Cooley et James Ron, “ The NGO Scramble ”, International Security, The MIT Press, Cambridge, été 2002.

[6] . راجع : Vincent Jauvret, “ Les faiseurs de révolutions ”, Le Nouvel Observateur, Paris, 25 mai 2005.

[7] . راجع: Serge Saradzhyan et Carl Schreck, “ FSM Chief: NGOs a Cover for Spying ”, Moscow Times, 13 mai 2005.

[8] . في اللغة الجورجية "كمارا" تعني "كفاية" بينما "بورا" تعني "آن الأوان" في اللغة الأوكرانية. وعلى غرارها اتخذت إحدى الحركات الشبابية اسم "كفاية" في اللغة العربية.

[9] . والمر نفسه حدث في قرغيزستان في آذار/مارس عام 2005. وحدها أوكرانيا شهدت ثورة قامت في ظروف الانتخابات الرئاسية.

[10] . راجع: Human Rights Watch, “ Torture Still Goes Unpunished ”, New York, 13 avril 2005.



#فيكان_تشيتيريان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيكان تشيتيريان - النخب القديمة تورث بعضها السلطة - الثورات المخادعة في الشرق