سجاد طعمه حمود
الحوار المتمدن-العدد: 5370 - 2016 / 12 / 13 - 18:19
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
برنارد هنري ليفي فرنسي الجنسية و لكنه جزائري الأصل ، ولد سنة 1949 م في مدينة بني ساف من عائلة جزائرية يهودية . انتقل الأب سريعاً من فقر مدقع إلى ثراء فاحش قبل أن يستقر في باريس سنة 1954 م ، على نحو يذكر بكيفية تصنيع مئات من أصحاب المليارات اليهود في روسيا بسرعة صاروخية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي و هيمنة مافيات و شبكات تم إعدادها مسبقا لنهب القطاع العام المتداعي هناك ، و السيطرة على الإعلام و أكثر أجهزة الدولة أثناء رئاسة يلتسين .
ظهرتْ عبارة " الفلاسفة الجدد " لأول مرة سنة 1976 م عنواناً لغلاف عدد خصّصته مجلة " الأخبار الأدبية " لتحقيق عنهم . ثمّ جرى تعزيز التسمية و إطلاقها للتداول في البرنامج التلفزيوني الثقافي الجماهيري " آبوستروف " ، فكان موضوع الحلقة : هل الفلاسفة الجدد من اليسار أم من اليمين ؟
أصرّ زملاء " ليفي " و تلامذته و مريدوه آنذاك على يساريتهم و حرصهم على تجديد البيت اليساري من خلال مقاطعة الحلف القديم و دعم اليسار الديمقراطي ضد اليسار الستاليني .
كان المدعوون لتلك الحلقة من البرنامج التلفزيوني باسم الفلاسفة الجدد خمسة . لكن برنار هنري ليفي و جليكسمان فقط ظلا في الواجهة أثناء المقابلة ، و إلى اليوم . جليكسمان بدوره يهودي بولندي الأصل بدأ حياته السياسية و الفلسفية عضواً في الحزب الشيوعي الفرنسي ثم انتمى إلى اليسار الماوي ، و عاد فتراجع قبل ثلاثين سنة إلى مواقف امتزج اليسار فيها بالليبرالية .
و قد ظل ليفي و جليكسمان يزحفان خلال العقود الثلاثة الماضية في نسيج اليمين الصهيوني الليكودي و يتحدان معه . و وظفا جهودهما على نحو نشط و مركز لافتعال و تضخيم نزوع أوروبي - أمريكي مرضي متخوف من الإسلام " الإسلاموفوبيا " ، لحشد تيار أوروبي – أمريكي قوي يحارب الإسلام ، ثم تحويله إلى تيار عالمي جارف فعال ، كما أفصحا مراراً .
و هكذا ظهرت " الفلسفة الجديدة " دعائية ، في جوهرها تماثل السفسطائية في تفضيل البلاغة على المنطق . هدمت اليسار باسم اليسارية ثم لم تلبث أن جاهرت بانتمائها اليميني . و هي لا تتردد في توجيه انتقادات بسيطة عابرة لرئيس أو سياسي أمريكي للتغطية على دفاع لاحق عنه و عن السياسة الأمريكية ، و على تمجيد الولايات المتحدة التي يسمونها " قلعة الديمقراطية " .
و هنا يجدر التمعن جيداً بمؤسسات أمريكية جرى إنشاؤها و أخرى قائمة جرى تعزيزها بذريعة نشر الحرية و الديمقراطية في العالم الإسلامي ، مثل " بيت الحرية " و " المجلس الأمريكي للسلام " و " بيت الديمقراطية " . و فيها جميعاً وجود صهيوني فعّال جداً .
لكي يتمايز و يعمل خلف قناع ، تظاهر برنار هنري ليفي أنه يرفض مفهوم صدام الحضارات أو ما اصطلح على اعتباره صدام الغرب مع بقية الأمم ، معتبراً أن الصدام واقع ، و لكن ليس مع البقية ، و إنما داخل البقية التي يحصرها بالإسلام و المسلمين ، صدام بين المسلمين المعتدلين و المسلمين المتطرفين . المسلمون المعتدلون عند ليفي هم أمثال سلمان رشدي و تسليمة نسرين و أيان هيرسي علي . و قد جدّد ليفي جوهر " الهنغتنتونية " و " البرنارد لويسية " بتكثيف الإسلاموفوبيا فيها و زيادة الغلو في تطرفها . و قد لخص الفلسفة الجديدة بقوله أنها " كانت تقاوم الكليانية الحمراء و باتت تقاوم الكليانية الخضراء " .
لقد برز دور صهاينة فرنسيين في العقود الأخيرة ، أشدّهم التزاماً بغزاة فلسطين الصهاينة برنار هنري ليفي ، العدو الشرس للإسلام و العرب ، صاحب التأثير القوي على نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا السابق الذي لم ينكر صهيونيته هو الآخر ، و لوران فابيوس ـ وزير الخارجية و رئيس الحكومة و رئيس البرلمان سابقاً ـ الذي كرر القول مراراً بأن " الله لم يخلق الكون بأسره إلا من أجل اليهود و ليكون في خدمتهم ، و أن على باقي المخلوقات الخضوع لهذا الناموس الأبدي" !
و برنار كوشنير الذي لعب دوراً رئيساً مع زوجة الرئيس الفرنسي الأسبق ميتران في التمهيد لغزو العراق و احتلاله ، و بيرتراند دولانويه رئيس بلدية باريس الأسبق ، و أندريه كلوكسمان و سواهم . كما انضم إليهم قادة بارزون من غير الصهاينة ، كرئيس الوزراء السابق ميشال روكار و الرئيس الحالي فرانسوا هولاند .
ظلَ ليفي أشد هؤلاء نشاطاً ، حتى اعتبرته أوساط كثيرة مثلاً مهندس الحراك الشعبي ضد القذافي في ليبيا ، بينما أعتبر من ناحيتي أنه استطاع استغلال هذا الحراك و التسلل إلى مواقع مؤثرة في قيادته لتوجيهه .
لقد حضر ليفي دون أي صفة رسمية له " اللهم سوى المخفي من ارتباطاته المخابراتية " اجتماعات وفود المجلس الانتقالي الليبي مع ساركوزي و سواه من مسؤولين فرنسيين ، و نشط في ترتيب نقل أسلحة إلى طبرق و تدخل قوات حلف شمال الأطلسي في ليبيا ، و قيل أنه نقل رسالة من أحد أبرز قادة الحراك الليبي إلى بنيامين نتنياهو ، ورد نتنياهو عليها ، كما أعدّ اتفاقية خطية بينهما تضمنت تعهدات .
أدعو الجميع إلى التمعن جيداً في أقوال الصهيوني برنارد هنري ليفي في مقابلته مع الاعلامي الشهير حسن معوض عبر برنامج " نقطة نظام " التي بثتها قناة العربية السعودية صيف العالم 2012 م ، و التي تباهى في نهايتها بأن قدوته هو الجاسوس البريطاني لورنس الذي لعب قبل مائة سنة دوراً خطيراً في صياغة أوضاع العرب الحالية و دولهم و حكامهم .
باهى ليفي بدوره في التأثير على التحولات العربية و بعلاقته المباشرة مع رموز معارضة في عدة أقطار عربية ، بموازاة ما هو معروف و مفضوح عن الهيمنة المخابراتية الخارجية المباشرة المستقرة منذ عقود على الأوساط الحاكمة ، سواء التي " انتهت مدة صلاحيتها " أو التي تنتظر إلى حين .
لم يجاهر برنارد هنري ليفي ، الذي انتقل من الالتزام الشيوعي إلى التبشير بحرب كونية ضد الإسلام ، بولائه لجورج بوش كما فعل محافظو الولايات المتحدة الصهاينة الجدد الذين جعلوا بوش واجهة لسيطرتهم المحكمة ، كما تحاشى ليفي إعلان تبنيه لفلسفة صراع الحضارات ، فهو بارع في المراوغة و المناورة ليجرّع الآخرين الأفكار المدمرة و الملتبسة ، جرعة في إثر أخرى .
انتبه الفيلسوف " جيل دليز " إلى هذا فتحدث في مقابلة هامةْ سنة 1977 م عن " الصيغ المتعددة لنفس المنتَج أو الكتاب " معقباً على صدور أول مؤلفات ليفي و أشهرها : " البربرية بوجه إنساني" .
قال دليز في تلك المقابلة عن الفلاسفة الجدد : " أعتقد أن فكرهم عديم القيمة . و لكنهم أدخلوا في فرنسا التسويق الأدبي أو الفلسفي ، فكرة التسويق في الكتاب الفلسفي أمر جديد فعلاً . الفلاسفة الجدد يعيدون إنشاء وظيفة المؤلف الفارغ و يعتمدون مفاهيم ضخمة عديمة المحتوى ،غارقة في الثنائيات " .
لقد جرى تقديم برنارد هنري ليفي في الصحافة الأنغلوساكسونية الشعبية و العديد من وسائل الإعلام العربية ككبير فلاسفة فرنسا المعاصرين ، و معلّم الفلاسفة الجدد ، و لم يبحث أكثر المتابعين عن خفايا خلفيته و ارتباطاته الاستخباراتية .
عندما نشرت صحف فرنسية إعلاناً مدفوع الأجر دعا فيه ليفي و بعض الصهاينة الذين ذكرناهم أعلاه إلى اجتماع شعبي في حزيران 2012 م في سينما سان جيرمان دوبريه في باريس لنجدة الشعب السوري ، على الرغم من أن ضيف الشرف و أحد منظمي اللقاء كان ألكسندر غولدفارب عضو الكنيست و الوزير الإسرائيلي السابق عن حركت تسوميت العنصرية ، و مساعد وزير دفاع العدو الصهيوني مرتكب المجازر إيهود بارك و مستشاره للصناعات الأمنية و العسكرية !
عرض ليفي في مهرجان كان فيلماً وثائقياً أنتجه عن ثورة الشعب الليبي و دوره فيها حرص على إهدائه إلى " ثورة الشعب السوري " و اصطحاب اثنين ملثمين إلى افتتاح المهرجان قال أنهما ضابطين سوريين منشقين ، إضافة إلى اصطحابه بعض رموز الحراك الشعبي الليبي ! أكثر من هذا ، لقد تحدّث ليفي كثيرا عن " معادلة محكمة أعدّها لسوريا " ، و ألمح إلى أن دور أقطار عربية أخرى قادم .
أنا لم أتردد يوماً في انتقاد فردية القذافي و تخريبه و مزاجيته و تقلباته ، كما جاهرت بمحاربة تسلطه الدكتاتوري ، و تسلط سائر العقليات الفردية العربية المتحكمة المتخلفة و السياسات البائسة التي قمعت حركة الجماهير و كبلتها و ألغت فعاليتها - بل و استعبدتها - على امتداد الوطن العربي المستباح ، فكرّست تجزئته و تخلفه ، و أفسدت العلاقات و القيم ، و تاجرت بأهداف الأمة و حقوقها و مصيرها ، و مرّرت نهج الاستسلام للقوى الاستكبار ، في مقابل بقاء تسلط هذا الحاكم أو ذاك و لو كان الثمن خسارة أرض الوطن و ثروة الشعب أو دمار المجتمع .
لكن يصعب عليّ كثيرا رؤية برنارد ليفي و هو أخطر المتسللين و أشدّهم تخريباً ، يظهر علانية في العراق و سوريا و ليببا و السودان و غيرها من البلدان و محاط بعراقيين او سوريين او ليبيين او سودانيين " بغض النظر أكانوا مع ام ضد النظام القائم في بلدهم " . لا بدّ من يقظة وعي عاجلة لمن تورطوا و وقعوا في حبائله تدفعهم إلى التبرؤ منه علناً و فضح ما قد ورطهم فيه ، أما من يصرون على ارتباطهم به ، أو لا يمكنهم التحلل من هذا الارتباط لتكبيلهم أو تهديدهم بفضائح معينة ، فإن نبذهم و إبعادهم أمر ملح جدا .
إن توقنا إلى نهوض عربي يعيد للشعب دوره المغيب و حقوقه المصادرة و يحرر إرادته المكبلة لا يحجب عنا ضرورة اليقظة لحماية هذا النهوض من تسلل أعداء الأمة و تخريبهم متسترين خلف أقنعة و شعارات خادعة .
أما كان إنذاراً كافياً أن يبعث برنار ليفي برسالة إلى مجلس الأمن الدولي طالباً اعتماد قرار حاسم بشأن سوريا ، وقع هذه الرسالة معه سلمان رشدي و الروائي الإسرائيلي عاموس عوز! كانت هذه الرسالة وحدها كافية لتحذير كل الوطنيين المطالبين بالإصلاح و التغيير في أي بلد عربي بحيث يتجنبون أي اتصال أو علاقة بليفي و أمثاله .
كان الصهيوني برنارد لويس قد رسم خرائط جديدة لتفتيت الأقطار العربية و ضم أجزاء منها إلى دول أخرى غير عربية ، و تحويل كل قبيلة في شبه الجزيرة العربية و ما حولها إلى دولة ، كما قال هو حرفياً ، ضمن خطة اعتمدتها وزارة الدفاع الأمريكية و صادق الكونغرس عليها قبل ثلاثين سنة .
و جاهر لويس مراراً بعد الغزو الأمريكي للعراق بضرورة سحب كلمة عرب و عروبة من التداول نهائياً و استبدال القيم و العقائد و الأهداف الجمعية الراهنة ، بما يؤدي إلى إخضاع المنطقة نهائياً و علناً للكيان الصهيوني ، و لو بقوة الغزو الأمريكي .
لقد وجد لويس من المثقفين العرب من انساقوا خلفه و باتوا من مريديه و روجوا لسمومه .. و سرعان ما انتشرت دعوات مشابهة متأثرة ببرنامج لويس أطلقها بعض من هاجروا من بلدانهم العربية هرباً من قمع أو فقر ، فالتقطتهم شبكات استخباراتية صهيونية أو أمريكية أو أوروبية .
كانت هذه الظاهرة كفيلة بإيقاظ وعي الأمة و بالتالي قطع الطريق على تكرار هذه الظاهرة و تجددها ببرنارد ليفي بعد موت برنارد لويس .. و ربما كان ما خفي أعظم .
فلينتبه الجميع في كل البلدان العربية لكي لا تدفع الأمة مجدداً ثمناً باهظاً نتيجة تمرير أدوار تجدد عبر ليفي و سواه ما قد فعله لورنس و فيليبي و كوكس و مكماهون و هربرت صمويل و بلفور و سايكس و بيكو و سواهم .. أما آن أوان تحصين أمتنا تجاه شعارات و أقنعة خادعة لأعداء حاقدين ؟
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟