أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رحيم العراقي - . .. العلمانية...وكيف نشأت...؟














المزيد.....

. .. العلمانية...وكيف نشأت...؟


رحيم العراقي

الحوار المتمدن-العدد: 1416 - 2005 / 12 / 31 - 10:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يعبر شعار: “اللائكية/ العلمانية” عن أحد الإشكالات الفكرية والسياسية المطروحة بقوة داخل واقعنا الثقافي والسياسي المعاصر. وثمة رؤية شائعة سواء عند المدافعين عنها أو عند المناهضين لها تختزلها في كونها فصلا للدين عن السياسة، بينما هي في حقيقتها تتجاوز هذا المستوى الإجرائي الشكلي، حيث إنها فكرة شاملة ومشروع يحدد “رؤية إلى العالم” بكل ما يحمله الاصطلاح من بعد عقدي وفلسفي شامل. وككل الأنساق الثقافية الغربية فإنها تستلزم منا الوقوف موقفا منهجياً، يبدأ أولا بدراسة السياق التاريخي لنشأتها قبل البث في مدى صلاحيتها كمشروع مجتمعي.فهي إيديولوجية نشأت في سياق تاريخي خاص، وارتبطت بالميراث الفكري للغرب وإشكالاته الواقعية.ومن هنا تغدو مقاربتها بالمنظور التاريخي ليس من باب الترف بل أمر واجب لفهمها أولا وتصحيح الرؤية إليها ثانيا. وأرى أن تشغيل هذا المنظور المنهجي التاريخي يؤدي،في تقديري، إلى الاقتناع بكونها نتاج صيرورة تاريخية خاصة، ومن ثم فهي ليست بالضرورة معالجة قابلة للنقل والاستنساخ.
كان جورج هوليوك كان أول من سك لفظ العلمانية كمصطلح ذي مدلول محدد، وذلك في منتصف القرن التاسع عشر، وبالضبط سنة ،1851 وقد لخص محدداتها في: “العلم كدليل حقيقي للإنسان، والقيم كمصدر دنيوي وأرضي لا ديني، والبرهان المنطقي كسلطة وحيدة، وحرية الفكر والرأي كأساس للعيش، توجه وتصوب جهودنا للحياة التي نعيشها فقط”.
واضح من خلال هذا التعريف الطابع الرؤيوي الأيديولوجي الشامل للفكرة العلمانية. وهذا الشمول في الطرح يختزل مجموعة من التراكمات الثقافية التي شهدها سياق التاريخ الأوروبي. لهذا يغدو التوقف عند سؤال النشأة والصيرورة ضرورياً.
فكيف نشأت العلمانية؟ وما الشروط الثقافية والمجتمعية التي أدت إلى بروزها؟
ليست العلمانية فكرة طارئة أو نتاج حدس انبجس فجأة في ذهن فيلسوف؛ وما سك جورج هوليوك للمفهوم سوى وصف لظاهرة ثقافية ومجتمعية كانت آخذة في الهيمنة على بنيات المجتمع، وليس تنظيرا يعبر عن مطلب، بل إن الكيان الثقافي والحضاري الغربي، في تقديري، هو من حيث طبيعته كان مهيئا لانبثاق وتشكل الايديولوجية العلمانية قبل عصر الحداثة. ولهذا نجد عديدا من الباحثين، ينتمون إلى تيارات فكرية متباينة مثل الجابري وحسن حنفي والشيخ القرضاوي وعماد الدين خليل... وغيرهم يؤكدون على كون العلمانية نتاجاً خاصاً بالتجربة الغربية وإفرازاً لصيرورتها التاريخية. لكنني لاحظت أن الجابري وكذا الشيخ القرضاوي... مثلهما مثل العديد من الدارسين والكتاب يرجعان شروط انبثاق العلمانية إلى الدين المسيحي وتجربته الكنسية، معتمدين على كون المرجعية الدينية التي هيمنت على التاريخ الغربي كانت هي المرجعية المسيحية التي فصلت بين الروحي والدنيوي، حيث جعلت “ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، بحسب التعبير الشائع المنسوب للمسيح عليه السلام. بل وصل الأمر ببعض الباحثين إلى اعتبار السيد المسيح أول من زرع بذور العلمانية، بحسب هذه المقولة، مع أن سياق ورودها لا يفيد العلمنة، لأنها كانت تعقيباً للخروج من مأزق مع الحاكم الروماني أراد اليهود أن يوقعوه فيه، حيث نقرأ في سفر متى: “حينئذ ذهب الفريسيون وتشاوروا لكي يصطادوه بكلمة. فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين يا معلم، أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا؟ فعلم يسوع خبثهم وقال لماذا تجربونني يا مراؤون أروني معاملة الجزية. فقدموا له ديناراً، فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة؟، قالوا له لقيصر. فقال لهم أعطوا إذا ما لقيصر لقيصر وما لله لله فلما سمعوا تعجبوا وتركوه ومضوا”.
إن النسق الثقافي الأوربي يرتكز، ما قبل القرون الوسطى، على محددين رئيسيين هما المحدد اليوناني والمحدد الروماني. وفي هذين المحددين ينبغي البحث عن مكانة الدين وموقعه من الحياة. حيث ستتضح الجذور الاعتقادية والفلسفية للعلمانية، على نحو لن نستغرب معه ما ستؤول إليه التجربة الحضارية الغربية لاحقا، لأنها مجرد نتاج منسجم مع المقومات والأصول الثقافية المحددة للهوية الأوروبية. بمعنى أن الوعي الغربي في أصوله القديمة هذه كان وعيا مهيئا للتأسيس للعلمانية واقتبالها. إن الأطروحة التي أدافع عنها هي أن النسق الثقافي الغربي في أصوله الإغريقية والرومانية، فضلاً عن صيرورته خلال القرون الوسطى، هو نسق يقوم على تضاد بين الدين ومقومات المعرفة والحياة. ويكفي لإدراك ذلك دراسة مفهوم الألوهية داخل التراث الإغريقي، فلو رجعنا إلى الفكر الأسطوري سنلاحظ أن مفهوم الإله مفهوم ضامر القيمة، ليس له مقام الأولوية والإجلال. ولو تأملنا جيداً كتاب “التيوغونيا” لهزيود سنلاحظ أن الألوهية ليست مبدأ الكون، بل ظهرت لاحقا، فهي حسب هذا التصور الوثني اليوناني الساذج لم تخلق لا الإنسان ولا الكون!
ثم لو انتقلنا إلى دراسة مفهوم المعرفة وعلاقتها بالدين في الهوية الفكرية لأوروبا سنلاحظ أن حصول الإنسان على المعرفة يقترن بالصراع مع الآلهة، وضدا على إرادتها. وهذا ما تجسده البرومثيوسية. فلو رجعت إلى أسطورة برومثيوس، ستلاحظ أن زوس رفض إعطاء الإنسان المعرفة، فقام برومثيوس بسرقة قبس منها وأعطاه الإنسان. بمعنى أن الحصول على المقدرة على المعرفة كان مخالفة للإرادة الإلهية واحتيالاً عليها!
ولاشك أن هذا التصور كان له تأثير سلبي في معنى الدين في الوعي والوجدان الغربي، ومهيئاً إياه لاحقاً أي بدءا من القرن الثامن عشر لاقتبال وتجسيد المشروع العلماني في أقصى صور تطرفه. بمعنى أن علاقة الدين بالمعرفة والعلم لم تكن علاقة تضاد في نهاية القرون الوسطى كما يعتقد البعض، بل كان هذا التضاد موجودا وثاويا داخل الرؤية الدينية الأوروبية قبل ظهور السيد المسيح نفسه.
وبناء على ما سبق أقول: إن العلمانية بما تعنيه من فصل للدين عن المعرفة وبنيات الاجتماع، أمر لا يجد حوافزه وبدايته في التجربة الأوروبية خلال القرون الوسطى، بل ثمة ما يحفز على ذلك في الأصول القديمة المحددة للهوية الثقافية لأوروبا، وما كانت تجربة الكنيسة خلال العصر الوسيط إلا عاملاً أضيف إلى سبق.



#رحيم_العراقي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأديان الكبرى ..
- محاكم التفتيش..
- حياة موليير..
- كاركترات ح1..- الخال عوده
- مدينة الثورة..أُختطفت.. .. !


المزيد.....




- هل سيلعب لوبي ترامب دورًا في انتخاب بابا الفاتيكان الجديد؟
- جدل في مصر حول من يحق له الإفتاء.. والأزهر يحسم الأمر
- الكرادلة ينتقلون إلى الفاتيكان عشية بدء التصويت لاختيار حبر ...
- حدثها الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سات وعرب سات ل ...
- الفاتيكان يلغي رمزين من رموز سلطة البابا فرنسيس
- بنعبد الله يستقبل وفدًا روسيًا والمتحدث باسم جماعة “ناتوري ك ...
- الاحتلال يعتدي على أحد المعالم التاريخية الملاصقة لأسوار الم ...
- المسجد التذكاري.. رمز لبطولات المسلمين
- الكرادلة ينتقلون إلى الفاتيكان عشية بدء التصويت لاختيار حبر ...
- طريقة تنزيل تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات والعر ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رحيم العراقي - . .. العلمانية...وكيف نشأت...؟