هادي فريد التكريتي
الحوار المتمدن-العدد: 1407 - 2005 / 12 / 22 - 11:20
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
! انتهت الانتخابات ، بعد أن وقعت الكثير من المخالفات والانتهاكات ، وبعد أن تبادلت القوائم الانتخابية ، الكثير من الاتهامات أيضا ، وعلى الرغم من عدم قيام أجهزة السلطة الحكومية ، بواجبها بحيادية ونزاهة ، تجاه المرشحين وممثلي القوائم ، حيث سقط العديد من القتلى كما في العمارة ، والكثير من حوادث العنف وقعت ، في الناصرية ، بتوجيه من مسؤولي بعض القوائم الطائفية ، وبمشاركة الميلشيات التابعة لها ، انتهت بحرق مقرات لأحزاب وطنية ، غير طائفية ، ونهب محتوياتها ، حصل هذا تحت علم وسمع ، إن لم يمكن بمشاركة ومساهمة أجهزة الدولة الأمنية ، من شرطة وحرس وطني وجيش . انتهت الانتخابات ، وقد أكد سياق العملية الانتخابية ، أن المفوضية العليا للانتخابات ، كانت عديمة الجدوى ، إن لم تكن عاملا إضافيا في المساعدة على التزوير والتستر عليه ، وعدم قدرتها على إدارة العملية بشفافية وكفاءة ، ناهيك عن عدم نزاهة بعض أعضائها ، وانعدام استقلالية الرأي والقرار المتخذ في معالجة الانتهاكات والخروقات ، حيث كانت منحازة بالكامل لجهة دون أخرى ، وهي ترى وتسمع وتقرأ ، كل ما يحصل من تجاوزات على القوائم ، دون القدرة على الردع ، أو اتخاذ التدابير التي تحد من غلواء التزوير . فالضغط قد حصل على الناخبين والتأثير عليهم بمختلف الأشكال والصور ، وهذا ما أيدته تقارير المراقبين ، وقامت هذه المفوضية بأدوار ليس من مهامها ، وليس لها من مصلحة فيما أقدمت عليه ، إلا من جهة تبرئة المتورطين في تزوير العملية الانتخابية ، عندما أخذت على عاتقها ، نفي ما أعلنت عنه الشرطة من إلقاء القبض على سيارة ، ودخول سيارات أخرى ، محملة بأطنان من الاستمارات الانتخابية ، إضافة على سكوتها عن كل حالات التزوير التي حصلت في مناطق كثيرة وموثقة ، أقول بغض النظر عن كل هذا ، فالفائزون ، أغلبيتهم هم حصيلة هذا الواقع ، إن كان عن طريق نزيه وشريف ، أم عن طريق التزوير والتزييف ، فكلهم سيدخلون المجلس النيابي الجديد ، ويتحدثون باسم الشعب ، الذي ما استطاع أن يمارس حقه في حرية اختيار ممثليه ، أو يدلي بصوته بحرية كاملة وتامة ، بعيدا عن الضغط والخوف من الاغتيال أو التهديد بالقتل . الحكومة ستتشكل من الجهة التي حازت على أكثرية المقاعد إلى قبة البرلمان ، وكل ما نتمناه ، على نواب الأكثرية المطلقة ، أن تمارس أساليب نظيفة وشريفة ، في إدارة الحكم ، غير تلك التي مارستها وأوصلتها إلى موقع المسؤولية واتخاذ القرار .الحكومة الجديدة وبغض النظر عن القوى التي تدخل في قوام تحالفاتها ، وبغض النظر عن دعاوى التزوير ، فهي ستمثل الشعب العراقي بأجمعه ، وتتكلم باسمه ، بكل أطيافه وملله ، والمفروض بقراراتها أن تصدر لمصلحة كل الشعب العراقي ، وليس باسم من صوت لها وأتى بها إلى موقع المسؤولية فقط ، ومن هذا المنطلق ، منطلق المصلحة الوطنية العليا ، ستكون مساهمة ممثلي القوائم والكيانات السياسية ، التي لم يحالفها الحظ لأن تكون في موقع اتخاذ القرار ، مساهمة فاعلة في التوصل إلى القرارات التي تحقق رغبات وأهداف كل الشعب ، ومعارضة ما تراه غير ذلك ، فاللعبة الديموقراطية هي أن يسعى الفائز ، أيا كان ، لأن يحقق المصلحة الوطنية لكل الشعب ، من خلال مفاهيمه ومنطلقاته الفكرية ، وبرنامجه الذي طرحه قبل أن يصير في الحكم . تمرير القرارات أو عدم الموافقة عليها ، من قبل المعارضة ، يعتمد على مدى صواب هذه القرارات ، ومدى ما تحظى به من تأييد شعبي ، ويقظة النواب الذين هم في موقع المعارضة ، تلعب دورا مهما في المجلس النيابي الجديد . فالحكومة الجديدة ، أية حكومة كانت ، ومهما تمتعت بنفوذ سياسي وشعبي أوصلها لموقع إصدار القرار ، تبقى خاضعة لرقابة المعارضة في المجلس ، ويبقى الشعب ومنظمات المجتمع المدني يراقب أداءها ونهجها في خدمة البلد والشعب ، ككل وليس لفئة دون أخرى ، والتأشير على الخلل ، ومحاولة درأه قبل وقوعه واستفحال ضرره . من خلال تجارب شعبنا العراقي ، وتجارب الشعوب غير العربية ، التي تمارس الديموقراطية في المجيء إلى السلطة ، لم نر حكما لحزب أو زعيم يدوم ، مهما كان تاريخ وعراقة هذا الحزب أو ذاك الزعيم الذي يقوده ، إن حاد عن طريق الإصلاح ، وتجاهل رغبات وتطلعات شعبه في حياة أفضل ، أو أصبح غير قادر على تقديم شروط أفضل لحياة شعبه أو أكثريتهم ، أو ما عاد يمثل ضرورة تاريخية للمرحلة التي هو فيها ، ومن يريد معرفة المزيد ، فتاريخ الكثير من الشعوب بين أيدينا ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، في بريطانيا حزب المحافظين ، تشرشل و تتاشر ، وفي ألمانيا الحزب الديموقراطي المسيحي ، هلمت كول ، وفي فرنسا الجنرال ديغول والإشتراكي متيران ، وأمريكا كلينتون الديموقراطي وبوش الجمهوري ، وغيرهم كثيرون ، فعلى الرغم من أن قادة هذه البلدان وأحزابها حققت الكثير من المكاسب والانتصارات لشعوبها ، على مختلف المراحل الزمنية التي حكمت فيها ، إلا إنها تبقى محكومة بفترة زمنية محددة ، معتمدة على ما لديهم من قدرة لتحقيق المزيد من الرخاء والرفاه ، وارتهنت فترتهم بتقديم الأفضل والأحسن لشعوبهم ، لتغادر مسرح الحكم ، محترمة إرادة الشعب ورغبته ، بانتخاب الحزب البديل ، الأكثر إقناعا للشعب في المعالجة وقدرة على تحقيق مطالبه ، وما لديه من حلول للمشاكل التي يعاني منها ، حتى وإن كان البديل ، هو النقيض لمن سبقه ، في الفكر والتوجه ، فالشعوب تنظر لمصلحتها ولمصلحة أوطانها وأجيالها القادمة ، وليس هناك ما هو مقدس عندها غير الوطن والشعب ، وهذا ما سيحصل عندنا لاحقا ، إن تمسكنا بخياراتنا الديموقراطية ، وآمنا بقدسية وطننا ، واحترمنا إرادة شعبنا . إلا أن ما يجب الاهتمام به حاليا ومراقبته عن كثب ، أداء الحكومة القادمة وأولويات أهتماماتها ، نتيجة لظروف شعبنا الصعبة ، والتباس الأمور واختلاط أسبابها بمسبباتها على الكثيرين منا ، لأننا نعيش في مرحلة انتقالية صعبة ، لا يمكن الفرز والتمييز بسهولة ويسر ، بين صالح وطالح ، نتيجة بداياتنا في بناء دولة تنحو منحى ديموقراطيا غير واضحة معالمها ، على أنقاض دولة تعاون على هدها ودمار مؤسساتها النظام الفاشي والاحتلال الأمريكي ، تتجاذبها قوى مختلفة الرؤى والتوجهات . فالنظام السياسي القديم ، كان قد أوجد وضعا مأساويا في سياساته الشوفينية ، اتسم بدكتاتورية ـ فاشية ، أوجدت عدم ثقة بين مكونات الشعب العراقي ، الدينية والقومية ، الطائفية والأثنية ، أصابت المجتمع بضرر بالغ ، خربت بنيته الوطنية وأتلفت نسيجه الاجتماعي ، وهذا ما استغلته تيارات الإسلام ـ الطائفي ، والقومي ـ العنصري بعد سقوط النظام ، في نبش خلافات دينية ـ طائفية و عرقية ـ عنصرية تاريخية ، وأعادت إنتاج نتائجها وفق رؤى ظلامية موغلة في الحقد والكراهية ، بين سنة وشيعة ، طوائف وأعراق أخرى ، تحاول توظيفها في إحتراب أهلي مفتعل ، ضحاياه هم كل الأبرياء من كافة طوائف المجتمع ، على اختلاف أعمارهم من الرجال ونساء ، لمصلحة سياسية ـ طائفية لا تخدم الشعب العراقي . من حيث المبدأ ، لا خوف من أن تتسلم السلطة حكومة ( منتخبة ) ذات أفكار دينية ـ طائفية ضمن استحقاق انتخابي لفترة زمنية ، ُتحترم فيها إرادتها ورغبتها لتنفيذ برنامجها السياسي والاجتماعي ، من أجل إيجاد حلول جذرية لمشاكل حقيقية يعاني منها الشعب ، إنما الخوف والخطورة تكمنان في توظيف الديموقراطية للوصول إلى السلطة ، ثم عدم تكرار التجربة مرة أخرى ، لتتم مصادرة كافة الحريات التي أقرها الشعب في الدستور ، وفرض البديل الديني ـ الطائفي ، المتمثل في حكم ولاية الفقيه ، والسير على النهج الإيراني . هذا ما يرفضه الشعب ، ومن هنا تنهض مهمة القوى السياسية الوطنية والديموقراطية ، من داخل المجلس النيابي الجديد ، متعاونة مع مؤسسات المجتمع المدني ، ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان ، في مقاومة هذا النهج ، وشحذ يقظة جماهير الشعب واستنفار حذره ، لمجابهة أية خطوة تشكل خطورة على الوطن ووحدة الشعب العراقي ، فتفعيل القوى الشعبية وزجها في أعمال وفعاليات جماهيرية ، للدفاع عن حريتها ومصالحها الوطنية والقومية ، هو الأسلوب الأمثل لفضح كل الأساليب والمناورات الهادفة لتمزيق العراق ، وفرض توجهات وسياسات تجهض خيارات الشعب الديموقراطية ، وتسلبه حقوقه وحريته من العيش في وطن آمن ومستقر .
إن تحقيق مطالب الشعب الآنية وحماية مصالحه الحيوية ، هو المعيار الحقيقي في وطنية الحكومة ونزاهة رجالها ، فإن كانت حكومات الفترة التي أعقبت سقوط النظام ، اتسمت بكونها حكومات مؤقته ، أو انتقالية ، غير كاملة الصلاحية ومنقوصة السيادة ، لم تستطع أن تحقق للشعب العراقي الأمن والسلم والعمل ، علاوة على ما يعانيه من نقص وعوز ، في الخدمات الضرورية لحياة الإنسان ، فليس لكونها غير قادرة على ذلك ، لقلة في الرجال أو المال ، بل لكون هذه الحكومات كانت تنقص أغلب رجالها الوطنية والنزاهة ، فانشغلت بالنهب والتهريب . فسرقة المال المخصص للبطاقة التموينية ، وما خصص لتجهيز المشاريع الخدمية والأمنية ، تم تحويله لأرصدة وحسابات هؤلاء المسؤولين في الخارج ، والبعض من هذا المال المسروق تم إنفاقه على بناء الفضائيات التلفزيونية ، وشراء الذمم ، فالفساد قد استشرى في كل المجالات ، وهذا ما لا يجب أن يغيب عن اهتمامات القوى الوطنية والديموقراطية ، مهما كان عددها ، في المجلس النيابي الجديد ، فالمطالبة بفتح ملفات الفساد وفضح الحرامية وسراق أمنه وخبزه.ضرورة وطنية وملحة .
20 كانون أول 2005
#هادي_فريد_التكريتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟