|
قراءة في كتاب : النظام المعرفي عند مشال فوكو
كمال طيرشي
الحوار المتمدن-العدد: 5213 - 2016 / 7 / 4 - 21:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مراجعة كتاب : النظام المعرفي للعلوم الإنسانية عند ميشال فوكو كمال طيرشي*
الكتاب : النظام المعرفي للعلوم الإنسانية عند ميشال فوكو. الكاتب : رايس زواوي. مكان النشر : دمشق ، سوريا تاريخ النشر : 2015. الناشر : دار صفحات . عدد الصفحات : 143.
يروم هذا الكتاب الصادر حديثا عن دار صفحات بدمشق إلى التعريف بمنحى النظام المعرفي للعلوم الإنسانية لدى ميشال فوكو ، خصوصا و أن العلوم الإنسانية لها منزلة عميقة في مخيال الفلسفة الفرنسية المعاصرة ، بدرجة أوفى ، باعتبارها تبحث في الكائن البشري في جوانبه الوصفية و الكمية ، و علاقتها بالاطروحات العلمية و الفلسفية و الخطابية ، و حقيق بنا الإعتراف فإن النزعة الإنسانية تعود بجذورها إلى اعماق التاريخ العتيق ، إذ تمتد إلى اليونان ، لكن ماهية هاته النزعة و تبلورها الكامل تجسد في القرنين السابع عشر و الثامن عشر ، و كانت معه هاته الأخيرة القاعدة الصلبة المسيطرة على أدبيات الخطاب و هذا بغية فهم و حذق ممارسات القرن الراهن علميا و فلسفيا ، و لنا أن نؤكد بأن سيرورة هذا العمل عرف النور مع الفيلسوف ميشال فوكو ، وهذا ما جعل حذاق السوسيولوجيا و الأنتروبولوجيا يهتمون بدراساته و مطارحاته الرصينة ، ومعه بدأ الحديث عن قضايا جوهرية مثل القول بميلاد الإنسان و موته كموضوع و ذات بعد أن اصبح الإنسان المعاصر ينظر إليه كشيء من الأشياء و هذا بسبب انتصار الآلية على العقل البشري و بالتالي غاب الإنسان من الوجود و الفكر ، و لكن و بحصافة مثيرة اقتدر زمرة من الباحثين و علماء الاجتماع دراسة موضوع الإنسان و همومه و مصيره ، أحال عن الإحباط الذي كان يتخلل العلوم الإنسانية ، بفرضها للتحدي ، و بذلك أخذت هذه العلوم على عاتقها دراسة تجارب و خبرات و أنشطة الكائن الأناسي ، و عملت على تفسيرها ، و تتطلب هاته الدراسة العمل على تقييم الخبرة الإناسية التاريخية و السعي لتفسيرها ، و كذا تحليل النشاط البشري بغية حذق الظواهر الإنسانية ووضع الملامح الجوهرية للتطور البشري ، و ملمح اختصاص العلوم الانسانية هو النقد العلمي الموضوعي للوجود الإناسي و معرفة مدى ارتباطه بالحقيقة ، و لإخضاع الظواهر الإناسية للدراسة بنمطية صالحة و صحيحة ، من اللزوم استعمال نظم متعددة من البحث ، التجريبانية و السيكولوجية و التاريخانية و الفلسفية و الروحية للبحث في العلوم الإنسانية ، و بهذا تصبح العلوم الإنسانية مشروعا وضعيا يعمل على التخلص من الخطاب التأملي الميتافيزيقي ، حول الإنسان و السعي إلى دراسة الظواهر الإنسانية دراسة موضوعية عن طريق تطبيق البراديغمات الإمبريقية التي نجحت في العلوم الطبيعية على الإنسان و على مجال أفعاله و حوادثه ، ووقع اختيار الباحث رايس زواوي على النظام المعرفي للعلوم الإنسانية لدى ميشال فوكو ، هذا الأخير الذي تلاحمت في منهجه تطبيقات منهجية كثيرة كالاركيولوجيا و الجينيالوجيا ، و أحيانا أخرى البنيوية و عمل فوكو جاهدا على التجديد تاريخانيا و عمليا و ذلك بالعودة إلى جوهر الإنسان انطلاقا من المقاومة التي انبجست عنها العلوم الإنسانية و التفكير داخل الخطاب و النهوض على مشروع يبني العلوم الإنسانية في علائقياتها بالعلوم الأخرى ، و يمكن اعتبار ميشال فوكو من الفلاسفة الأفذاذ الذين تأثروا بالبنيوية و درسوا تاريخ الجنون و كذا معالجته لمواضيع شتى من صميم الجريمة و العقاب و الممارسات السوسيولوجية في عالم السجون ليبتكر لنا مصطلح آركيولوجيا المعرفة ، كما أرّخ للجنس من حب الغلمان عند الإغريق وصولا إلى مطارحات الجنس الجدية في التاريخ الراهن ، و حقيق بنا الإعتراف بأن ميشال فوكو من الباحثين الذين اقتدرو بحق مواكبة عصر الأنوار ، و كذا عايشوا الفلسفة البنيوية التي بلغت أوجها في الستينات . الإشكالية المركزية للكتاب : يطرح الباحث رايس زواوي إشكالية مركزية في كتابه هذا ألا وهي ماطبيعة الدراسة الإبستمولوجية للعلوم الإنسانية عند فوكو ؟، و ماهي مبررات لتأصيل إشكالية السؤال الفلسفي .؟ ، و ماهي المفارقات الفاصلة بين الدراسة الإبستمولوجية للعصر الحديث ، بالمقارنة مع مثيلاتها عند فوكو ، و هل يريد الفيلسوف بهذا العمل الفلسفي أن يجعل من علوم الإنسان علوما وضعية فقط ؟ ، و ماهي الحقيقة التي يبتغيها في استقصائه لثلاثية السلطة و المقاومة و الحقيقة ؟ ، و ما مدى تجليات الخطاب العلمي و الفلسفي داخل المجتمع .؟ عمد صاحب الكتاب إلى تقسيم بحثه إلى ثلاث فصول كبيرة تسبقها مقدمة ، جاء الفصل الأول بعنوان الفضاء السوسيولوجي للعلوم الإنسانية فوكويا ، حيث مضح الكاتب في هذا الفصل ماهية السلطة و المعرفة و ناقش مكمن هذه التواشجية فلسفيا ، و كذا عمد إلى مطارحة الدلالة المفاهيمية للمعرفة ، و آلياتها ثم الولوج في دهاليز السلطة و ممارساتها داخل شبكة العلاقات السوسيولوجية واضعا مكامن ال الإختلاف و التباينات بين الفلاسفة مع تحبيذه لثنائية السلطة و المعرفة كإزدواجية غير منفصمة العروة ، و الظاهر جليا أن هذا الفصل طغى عليه المنحى الوصفي اكثر و هذا لسبب سعيه لتحليل المقاومة ، بالإضافة إلى ما سلف ذكره نجد الكاتب رايس زواوي ، يعرج على العلاقة بين الذات و الحقيقة بغية تحرير الذات و هذا العمل كله بغية طمس الحجب عن كيفية انتاج الخطاب و الحقيقة ، هذا باعتبارها المسألة الأكثر محايثة للتحليل السيكولوجي و الطبي و الباثولوجي ، أما الفصل الثاني جاء بعنوان طبيعة العلوم الإنسانية عند ميشال فوكو ، تطرق فيه الكاتب إلى مفهومية العلوم الإنسانية عند فوكو ، و تحليلها ماهويا من حيث الإشتقاق و الدلالة و المعنى ، كما وقف على المطارحات الفوكوية لعلوم الإنسان و حمولتها الإبستمية المعرفية من خلال ما تضمنته من مضامين حياتية و عملية و لغوية مع الوقوف على شتى المقاربات مع الفلسفة البنيوية و التحليل النفسي و علوم اللسانيات ، كما عرج الباحث رايس زواوي في هذا الفصل على الاصول المرجعية لعلوم الإنسان ، فالبحث في تفاصيل الفكر الإناسي و ما خلفه من فضاءات معرفية عميقة و حدود المعطيات ذات دلالة إنسانية ، تثبت أن فوكو بعد امتداد متجذرا للفلسفات السالفة خاصة مدرسة الحوليات و بدرجة أولى الفلسفة الألمانية مع نيتشه و كانط ، إلا أن تأصيله المرجعي لا يعني بالضرروة أن تحليلاته و اطروحاته لم تكن مميزة عن مصدرها المرجعي ، فيبقى الفيلسوف المتميز باسلوبه و طريقته في الدراسة و البحث إلى حد الإقتحام لمجالات فلسفية كانت تمثل أرضا بورا ، من خلال تفنيد الميتافيزيقا و هذا بإدخاله لإشكاليات أكثر حداثة ، و كذا لدراسته مفاهيم و فضاءات معرفية و لكن بصيغة مغايرة ، و الإهتمام بميادين خارج المجال الفلسفي كالسلوك الجنسي ، العقوبة ، التعذيب ، السجن ، علم النفس الإكلينيكي ، و عليه يتضح لنا أن دراسة الفضاءات و المعطيات ذات الطبيعة و الدلالة الإنسانية ترجع في أصولها إلى كل هذا الزخم النيتشوي و الكانطي و إلى تاريخ القطائع عند باشلار ، و جورج كونجليام.
#كمال_طيرشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تطاير الشرر.. شاهد ما حدث لحظة تعرض خطوط الكهرباء لإعصار بال
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: الاستعدادات لعملية رفح مستمرة حتى لو ت
...
-
طبيب أمريكي يصف معاناة الأسر في شمال غزة
-
بالفيديو: -اتركوهم يصلون-.. سلسلة بشرية من طلاب جامعة ولاية
...
-
الدوري الألماني: شبح الهبوط يلاحق كولن وماينز بعد تعادلهما
-
بايدن ونتنياهو يبحثان هاتفيا المفاوضات مع حماس والعملية العس
...
-
القسام تستدرج قوة إسرائيلية إلى كمين ألغام وسط غزة وإعلام عب
...
-
بعد أن نشره إيلون ماسك..الشيخ عبد الله بن زايد ينشر فيديو قد
...
-
مسؤول في حماس: لا قضايا كبيرة في ملاحظات الحركة على مقترح ال
...
-
خبير عسكري: المطالب بسحب قوات الاحتلال من محور نتساريم سببها
...
المزيد.....
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
-
أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم
...
/ سعيد زيوش
المزيد.....
|