أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - آلان وودز - أوروبّا, أمريكا و الإمبرياليّة















المزيد.....



أوروبّا, أمريكا و الإمبرياليّة


آلان وودز
(Alan Woods)


الحوار المتمدن-العدد: 383 - 2003 / 1 / 31 - 04:46
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


 

خطاب القاه آلان وودز في ندوة روزا لوكسمبورغ بجامعة هامبولدت في برلين, السّبت, 11 يناير, 2003 .

 

هناك فترات في التّاريخ تمثّل تغييرا جوهرياّ في الوضع العالمي.  و نحن الآن نعيش مثل هذه الفترة . فلم تمر الا عشر سنوات على انهيار الاتّحاد السّوفياتيّ - عشر سنوات قد تبدو مئة سنةً !- في غضون هذه المساحة القصيرة جدًّا من الزمن شهد العالم تحولا جوهرياّ. و انه من المفيد اليوم بدرجة كبيرة إعادة قراءة ما كتبه استراتيجيّو العالم قبل عشر سنوات. كانوا مبتهجين. فتكلّموا عن نهاية الشّيوعيّة و نهاية الاشتراكيّة. و قد كتب أحد هؤلاء "الافذاذ" -  فرنسيس فوكوياما- عن نهاية التاريخ !

 

وضعت البرجوازيّة امامنا في ذلك الوقت مستقبلا يملؤه السلام الدائم, والرّخاء و بالطّبع الدّيمقراطيّة, في ظل نظام السّوق الحرّة (من المفروض انه لم نعد نستخدم كلمة رأسماليّة - فهي لا تُعْتَبَر عبارة لطيفة … ).

 

في ذلك الوقت تكلّموا عن سلام مشترك, و نظام عالميّ جديد. لكنّ و لم يجف الحبر بعد  فشنوا حربًا مدمرة ضد العراق. حربا افتتحها جورج بوش الاب. على انه يوجد اختلاف بين جورج بوش الاب و ابنه.  فلقد كان الأبٍ يملك قليلا من الفهم ( ليس كثيرا جدًّا … ) في حين ان جورج بوش الحالي لا يملك الا دماغا فارغة!

 

بعد عشرة سنوات نقف الآن على حافّة حرب أخرى في الخليج  و التي سيكون لها نتائج  خطيرة في العالم باكمله. و هكذا ينكشف ان ما يسمّى بالنظام العالميّ الجديد  ليس الا فوضى عالم جديد. و تظهر العولمة  كأزمة  للرأسماليّة العالميّة. تلك هي الحصيلة الحقيقيّة للسنوات العشر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

 

اينما ننظر الآن هناك عدم استقرار أكبر على جميع المستويات: الاجتماعيّ و العسكريّ و السّياسيّ و الاقتصاديّ. إنّها سمة مميزة جدا للوضع العالميّ في الوقت الحاضر.

 

فنحن نعيش ازمة تلوى الاخرى: البوسنة, كوسوفو, فلسطين, أفغانستان, العراق, كوريا الشّماليّة. و بدلاً من سلام مشترك, هناك ميل عامّ باتّجاه العسكرة و الانفاق المتزايد على التسليح. فنفقات الإمبرياليّة الأمريكيّة وحدها تجعل برنامج إعادة تسليح الذي قام به هتلر يبدو متواضعا جدا. 

 

 وبدلاً من عالم أكثر سلاما, نعيش حربا تلو الاخرى. و بدلاً من عالم آمن,  نعيش وضعية من عدم الامان و وعدم الاستقرار.

 

 

 قوة الإمبرياليّة الأمريكيّة

ان الوضع العالميّ الحاليّ لم يسبق له مثيل في التّاريخ. فلم يحدث أبدًا فيما مضى ان تركزت قوة هائلة  تحت سيطرة دولة واحدة. فبعد الحرب العالميّة الثّانية, وجد الى حدّ كبير توازن بين الولايات المتّحدة الأمريكيّة و الاتحاد السوفياتي. و لمدة نصف قرن كان هناك نوع من توازن نسبيّ على صعيد عالميّ. ولذلك امكن تجنب حرب عالميّة بالرّغم من أنّ الحروب الصّغيرة ظلت مستمرة, مثل الحرب الكوريةّ و الحرب الفيتنامية.

 

حتى في ذلك الوقت لم يكن  بامكان  الأمريكيّين أن يتصرّفوا مثلما يتصرّفون الآن. لم يكنّ ممكنا ان يتدخّلوا عسكريًّا في البلقان أو العراق, لأنّ ذلك يعني اصطدامهم مع روسيا. و لكنّ الآن تغيّر الامر.

 

فهيمنة الإمبرياليّة الأمريكيّة لم يسبق لها مثيل. فحتّى روما في ذروتها لم تتمتّع بهذه "السّيادة" العظيمة. انه خلال الثلاث مائة سنة الماضية لم يشهد العالم قط  قوّة واحدة ضاربة. فدائمًا كانت هناك اثنان أو ثلاثة قوى عظمى على الأقلّ, تتنافس على سّيادة العالم - بريطانيا, ألمانيا, فرنسا, أسبانيا وهكذا .

 

ان القوة العظيمة تجلب معها عجرفة عظيمة. اذ يعتقد بوش و الزمرة الحاكمة في واشنطن أنهم بمقدورهم التدخّل في أيّ مكان في العالم بلا قيود. إنّها عودة إلى دبلوماسيّة التّهديد القديمة التي اتبعتها الإمبرياليّة البريطانيّة في الماضي.

 

ب 4 في المئة فقط من سكّان العالم, تمتلك الولايات المتّحدة الأمريكيّة  أكثر من ربع ثروة العالم. كما يمثل الإنفاق العسكريّ الامريكي 37 في المئة من الإنفاق العسكريّ العالميّ وتنتج الولايات المتحدة 40 في المئة من الانتاج العالميّ للأسلحة – بما فيها أحدث أسلحة الدمار الشامل.

 

ولا توجد قوة أخرى في العالم منافسة لهذه السّلطة العسكريّة. فلا تمثل ألمانيا و بريطانيا و فرنسا الا 5 في المئة من الانفاق العالمي على التسليح, و روسيا مجرد 6 في المئة. وهذا يفسر الى حد ما سبب مرافقة بوتين الحقيرة لبوش. ما ذلك الا انعكاس للعلاقة الحقيقيّة التي تربط بين هذه القوى.

 

11 سبتمبر
أمدّ الحادي عشر لسبتمبر بوش و الدوائر الأكثر رجعيّة في واشنطن بالتعلة المرجوة للبدء في برنامج كبير للإنفاق على التسليح, بالرّغم أنّ في حقيقة الامر كان قد تم اعداد هذا البرنامج مسبقا. و هكذا شهد الانفاق الامريكي على الأسلحة أكبر زيادة  منذ 20 سنة.

 

فتم منح البنتاجون 250 مليار دولار  لبناء 2,800 طائرة مقاتلة جديدة متعدّدة المهامّ. وستكون الميزانيّة الكاملة للبنتاجون طوال السنوات الخمس القادمة حوالي 1.6 مليار مليار دولار!. هذه المبالغ الخرافيّة لو استثمرت في الأغراض المنتجة, يمكن أن تغير حياة البشر ليس في الولايات المتّحدة الأمريكيّة فحسب و لكن في العالم باسره. ولكنّ شعار الإمبرياليّة هو "السلاح قبل الخبز."

 

في هذا السّياق لمضحك قراءة الإدانات المنافقة المصرح بها من قبل بوش ضدّ العراق  القائلة بحيازة الاخير لاسلحة الدمار الشامل. في الحقيقة, ان الولايات المتّحدة الأمريكيّة تمسك حاليًّا باكبر ترسانة من هذه الأسلحة, بما في ذلك 22827 راسا نوويا و كذلك عددا مجهولا من الأسلحة الكيميائيّة و البكتيريّة المخزنة.

 

في عام 1990 كان لدى الولايات المتّحدة الأمريكيّة عذرا لشنّ حرب على العراق - غزو الكويت. الآن ليس لديها مثل هذا العذر. فهي تتدعي أن العراق يمثل تهديدا لامنها! - أمن الولايات المتّحدة الأمريكيّة ! العراق الجائع المحطّم والفقير يمثل تهديدا للولايات المتّحدة الأمريكيّة! اليست هذه نكتة!

 

المعنًى الحقيقيّ لأفعال للولايات المتّحدة الأمريكيّة بخصوص العراق هو أنّ أمريكا اليوم تمنح لنفسها حقّ التّدخّل عسكريًّا في أيّ مكان تختاره, للتّدخّل في الشّؤون الدّاخليّة لأيّ دولة و للإطاحة بأيّ حكومة لا تروق لها. و لسان حالها يقول: اعمل بما نقول او ندمرك !افعل ما نريده, أو نغزوك !"

 

و هكذا مزّقت الولايات المتّحدة الأمريكيّة ما بقي من قميص نظام العلاقات الدّبلوماسيّة الدولية الذي اقيم منذ معاهدة ويستفاليا في القرن السّابع عشر.

يستنكر بعض السذج هذا السّلوك, الذي يعتبرونه غير قانونيّ و لا أخلاقي. في حين كان سولون أثينا قد أجاب منذ وقت طويل على مثل هذه النّقاشات عندما قال : القانون مثل نسيج العنكبوت : يقع فيه الصغار و يضرب به عرض الحائط الكبار."

 

إنّه غير مفيد الاصغاء الى دروس المستعمرين في الأخلاقيّات و القانون . إنّه كمن لو انك تعلم الاسد ان ياكل العشب. لي اصدقاء نباتيون اكن لهم كل الاحترام. و لكنّ و للأسف إذا حاولت تعليم الاسد ان يكتفي باكل الخسّ مثلا, فلن تفلح في ذلك  بل و من المرجح  ان تنتهي في فم الاسد.

 

عملاق بسيقان من صلصال

 

برغم قوتها الكبرى, فان الإمبرياليّة الأمريكيّة تمثال ضخم من صلصال. فيوميًّا تنشب نزاعات جديدة و تظهر مشاكل عديدة في العالم. و تبدوا الولايات المتحدة الامريكية عاجزة عن التعامل معها.

 

و يتمظهر حدود قوّة الإمبرياليّة في أفغانستان, حيث بالرّغم من الاطاحة بطالبان و غزو البلد, فان لا شيء قد حُلَّ بعد. و لم يحققوا الى حد الآن هدفا واحدا من أهدافهم المعلنة. لم يقتلوا أو يقبضوا على بن لادن أو الملاء عمر. لم يدمّروا القاعدة التي لا تزال تشارك باستمرار في هجمات إرهابيّة جديدة ( بالي و مومباسامثلا) . ان خطر الإرهاب لم يقل و لكنّه أكبر من ذي قبل.

 

بالنّسبة إلى أفغانستان, فان الوضع أسوأ مما كان عليه في الماضي. اذ توجد هناك حكومة صوريّة ضعيفة في كابول تعتمد كلّيّا على الجيش الأمريكيّ و لن يدوم حكمها اكثر من 24 ساعة بدون هذا الجيش. علاوة على ذلك فانهم لا يتحكّمون في باقي البلد الذي يعيش حالة فوضى لا توصف. وليس بمقدورهم الانسحاب من أفغانستان بدون ان يثير ذلك انهيارا عاجلا.

 

و بدلاً من تثبيت الوضع في المنطقة, فانهم خلقوا حالة جديدة من الفوضى تمتد من أفغانستان إلى باكستان, و تباعًا ذلك و بدرجة كبيرة احتدت التّوتّرات بين الهند و باكستان: قوتين نوويّتين.

 

قبل أقلّ من سنة, وعد بوش في خطاب وجهه الى الشعب الامريكي بجعل مسالة الانتشار النوويّ  في سلم أولويّاته. فتكلّم عن محور الشرّ و خص بالذكر كل من العراق, وإيران و كوريا الشّماليّة, و قال ان "الولايات المتّحدة الأمريكيّة لن تسمح لأخطر الانظمة في العالم أن تهدّدنا بأسلحة هي الأكثر تدميرًا في العالم."

 

في الحقيقة, ان أخطر نظام في العالم هو امريكا جورج دبليو بوش المصمّم على الحرب في كلّ مكان. فمفتّشو الأسلحة التّابعون للأمم المتّحدة الذين أُرْسِلُوا إلى العراق بغرض العثور على حجّة للحرب, لم يجدوا شيئا. ولكنّ هذا غير مهم. فالأمريكيّون و بيادقهم البريطانيّة كانوا قد شرعوا في ارسال أعداد كبيرة من قواتهم إلى الخليج. اذ توجد رغبة في الرحب لا يمكن كبحها.

 

ستكون للحرب في العراق عواقب وخيمة في أوروبّا. مع ان أوروبّا لم تُسْتَشَار في الحرب, و لكنهاّ تجر لها جرا.

 

أوروبّا و أمريكا

ان السيطرة الضاربة للإمبرياليّة الأمريكيّة تسبّب قلقا كبيرا للاتّحاد الأوروبّيّ. و قد اتضح ذلك شديد الوضوح بالنسبة لحكّام أوروبّا أثناء الحرب في كوسوفو, عندما استعرض الأمريكيّون أسلحتهم الأكثر تقدّمًا. وقادوا العمليّات بالكامل, تاركين الأوربّيّين مجرد مشاهدين في عقر ديارهم.

 

طّبعا لم يكن جميع الأوربّيّين غير راضين عن ذلك. اذ كانت الإمبرياليّة الأمريكيّة الأسد العظيم و كانت الإمبرياليّة الفرنسيّة ذلك الذئب الجائع, في حين لعبت الإمبرياليّة البريطانيّة دور الكلب الصّغير الحقير. و كمايعرف الجميع, فان الكلاب الصغيرة تعوي كثيرا, و لكنّ لا أحد يخافها.

 

فمنذ وقت طويل فقدت بريطانيا سيادتها العسكريّة و الصّناعيّة و تقلص دورها إلى وضعية قمر صناعيّ يدور في فلك الإمبرياليّة الأمريكيّة. لذا يشوب وضعها الغموض بساق في أوروبّا و اخرى في المحيط الأطلسيّ.

 

و قد صُدِمُ الأوربّيّين الآخرين, وخاصّة فرنسا التي كان لديها دائما طموحات في لعب دور عالميّ و أيضًا للسيطرة في أوروبّا. اذ يريدون جعل أوروبّا قوة توازي قوة الولايات المتّحدة الأمريكيّة.

 

و بالفعل فقد قطع مسار الاندماج الأوروبّيّ اشواطا كبيرة - ابعد مما توقّعنا. و بدون شكّ فان ادراج عملة موحدة- اليورو- يمثل خطوة مهمّة باتّجاه التّكامل الاقتصاديّ, بالرّغم من أنّ بريطانيا و بعض الدول الاخرى لا تزال خارج الاندماج. كما توجد محادثات حول دستور اوروبي, و اخيرا و ليس اخرا تجري ترتيبات لتشكيل قوّة دفاع أوربّيّة .

 

في الواقع, تكشف جميع هذه الاجراءات ان الامم-الدّول القديمة في أوروبّا قد أصبحت بدون تاثير. و اضحت ضيّقة جدًّا لاحتواء قوى الانتاج. فالدّول القديمة صغيرة جدًّا للتّنافس ندا للند مع الإمبرياليّة الأمريكيّة. لذلك يجب أن يتشاركوا بطريقة ما من اجل البقاء.

 

لكنّ بالرّغم من التّحرّكات باتّجاه الاتّحاد, فان التّناقضات القديمة مازالت تعبر عن نفسها, و العداءات القوميّة القديمة لم تدحر بعد. إنّه من الاساسيّ أن ناخذ ذلك بعين الاعتبار.

 

نظريًّا, جميع الدّول الأوروبّيّة أصدقاء و شركاء. و لكنّ في واقع الامر الحال ليس كما يبدو لنا. اذ توجد تناقضات حادّة جدًّا بين فرنسا, وألمانيا و بريطانيا, و كلّ الدّول الأخرى. وما يوحدهم الى حد الآن هو خوفهم المشترك من الولايات المتّحدة الأمريكيّة.

 

نظريًّا كذلك, تبدو أوروبّا و أمريكا حليفتان - عائلة كبيرة سعيدة  من الدّول الدّيمقراطيّة المتحدة, لها اهتمام مشترك  وهو الدّفاع عن "الحضارة الغربيّة". اما عمليًّا, فان العداء بين أوروبّا و أمريكا في نمو مستمر. فالصّراع على الأسواق التي هي في حالة تقلص على صعيد عالميّ أدّى إلى زيادة حادّة في نزعات الحماية, ويظهر ذلك في اجراءات إدارة بوش حول تجارة الصّلب, و الأنسجة و في الزّراعة.

 

لقد تعطّلت محادثات سياتل, ليس بسبب المظاهرات, لكنّ بسبب التضارب الشّديد للمصالح بين أوروبّا و أمريكا. ومنذ ذلك الوقت, فان هذه النّزاعات لم تهفت و لكنهاّ في ازدياد مستمر. ان التحرك باتجاه اقتصاد اعظم و حتى من اجل وحدة سياسية  في أوروبّا ما هو الا تاكيد لهذه الحقيقة. الا انه في ظل الراسمالية فان هذا التحرك سيكون محدودا و سيولد تناقضات جديدة.

 

بريطانيا, فرنسا و ألمانيا

ما الدافع من وراء الاقتراح بتكوين قوّة عسكريّة أوربّيّة ؟

 

تحتاج البرجوازيّة الأوروبّيّة بناء قوّة عسكريّة خاصّة بها لانها لا تثق في الأمريكيّين للدفاع عن المصالح الأوروبّيّة. ولكنّ هناك تناقضات كثيرة بين الطّبقات الحاكمة  للقوى الأوربّيّة الرّئيسيّة. وهذا يعني أن سياسة عسكريّة و خارجية مشتركة و فاعلة مستحيلة الإدراك.

 

وعند تحليلنا للنزعات المختلفة المعنية يجب أن نكون دائمًا حذرين وأن نميّز بين الدّعاية العامّة لما يسمّى بالمثال الاوروبّيّ و الاهتمامات و المناورات للطّبقات الرّأسماليّة المحلية المختلفة التي تحاول باستمرار تحقيق مكسب على حساب الآخرين .

 

إنّه ضروريّ أن نتذكّر أن الاتّحاد الأوربّيّ كان أصلاً نتيجة محاولات فرنسا لبسط هيمنتها على أوروبّا بالاشتراك مع ألمانيا . وبامتلاكها خبرة في حربين عالميّتين, اعتقدت فرنسا أنّها يمكن أن تربط ألمانيا في علاقة  تكون فرنسا فيها المسيطرة.

 

ولكنّ الامور لم تسر كذلك. فقد تعافت ألمانيا من الحرب و بنت بسرعة قاعدةً صناعيّةً قويّةً. في الواقع, تحولت ألمانيا الى قوّة اقتصاديّة رّئيسيّة في أوروبّا منذ وقت طويل بينما تحتل فرنسا المرتبة الثّانية .

 

وقبلت البرجوازيّة الفرنسيّة بهذا الوضع على مضض, لكنّها لا تزال تطمح إلى الهيمنة السّياسيّة و العسكريّة . الا ان هذا لا يمكن أن يستمرّ للأبد . فآجلاً أو عاجلاً, ستعبر القوّة الاقتصاديّة الالمانيا عن نفسها بالاشكال العسكريّة و السّياسيّة.

 

وبالتّأكيد كان لتوحيد ألمانيا نقطة تحوّل كبرى بتكوين دولة قويّة ب80 مليون شخص و ذات قاعدة صناعيّة هائلة في قلب أوروبّا. و صفّق الفرنسيونّ و البريطانيونّ مرحبين, ولكنهمّ في الواقع هم قلقون كثيرا.

 

فلدى البرجوازيّة الألمانيّة, الأقوى في أوروبّا, طموحاتها الخاصّة. و قد تمظهر ذلك في تفكك يوغسلافيا و تشيكوسلوفاكيا, الّذي شجعت على حدوثه ألمانيا التي كانت قد أنشأت نفوذًا كبيرًا في شرقيّ أوروبّا.

 

تملك ألمانيا جيشا قوياّ و لكنّ يمنع الدّستور خوض اي قتال في الخارج. و هذا ايضا سيتغيّر حتمًا. وهكذا رأينا سلسلةً من المناورات من قبل بريطانيا و فرنسا ضد ألمانيا. ففي حرب كوسوفو, على سبيل المثال, اُُبْعِدَتْ ألمانيا من كلّ القرارات المهمّة  وهو ما أدى إلى احتكاكات جدية بين فرنسا و بريطانيا.

 

حدود التّوحد

السّؤال المسكوت عنه في خضم سيرورة التّوحد الأوربّيّ هو: من سيسيطر على أوروبّا ؟ طبعًا, لا أحد يطرح مثل هذا السّؤال علنيا. فنحن الأوربّيّين من المفترض اننا جميعًا جزء من عائلة واحدة كبيرة و سعيدة. ودليل هذا هو اليورو و حقيقة أن العمل قد بدأ بالفعل من اجل الدّستور الأوربّيّ المفترض أن يعدّ الطّريق نحو دولة فدراليّة أوربّيّة مستقبليّة.

 

ولكنّ الدّستور, كما ادرك سولون جيّدا, ليس سوى ورقة. وهو في حد ذاته, وحتّى لو تم كتابته, لايحلّ شيئا. فبمجرّد أنّ نتحول إلى المسائل الملموسة تبدا كافة الثغرات في البروز. و على سبيل الذكر لا الحصر: الضّريبة , السياسة الخارجيّة, الدّعم ,السّياسة الزّراعيّة... و عندها يتضح أن العداءات العميقة تستمرّ في الابقاء على انقسام الدول الاوروبية.

 

تتمتّع أمريكا بالهيمنة الكاملة, ليس فقط عسكريًّا و لكن اقتصاديًّا أيضًا. وكان لدى هذا العملاق الاقتصاديّ خلال السّنوات العشرة الاخيرة معدّل نموّ متوسّط ب3 في المئة وهو ما يعني ان  الفجوة بين أمريكا و أوروبّا قد اتسعت. و كان ردّ فعل الرّأسماليّين الأوربّيّين هو محاولة تقليد الولايات المتّحدة الأمريكيّة بإدخال طرق أمريكيّة في أوروبّا, بدئا ببريطانيا.

 

وافقت قمّة لشبونه ل2002 على قرار يدافع عن اقتصاد عالمي يقوم على المعرفة و التنافس بحلول 2010. و هذا يعني عمليًّا  المزيد من إجراءات الخصخصة التي تؤدي الى التخفيض في العمالة, التقليص في الانفاق الاجتماعيّ, العمل الجزئي, و المقاييس الأخرى المرتبطة ب"التّحرّر الاقتصادي", أي, قانون الغاب. لذلك بدات في كامل أوروبّا موجة من الاعتداءات على الأجور, ومستوى المعيشة, و الشغل, و الصّحّة و المعاشات وهو ما بدا في اثارة هجوم مضادّ  من طرف العمّال في أسبانيا, اليونان, إيطاليا, البرتغال, فرنسا, ألمانيا و بريطانيا.

 

ان معاهدة ماستريخت ما هي الا محاولة لتنفيذ سياسةً تقشّف و تقليص دائم تحت لواء "الاندماج الاقتصاديّ". و في ظل ظروف الأزمة الاقتصاديّة العالميّة, سيكون هناك صراع أكبر على الأسواق صراع اخر أكثر ضراوة  بين الطّبقات لتقسيم فائض القيمة.

 

في الوقت الذي تتعمق فيه الأزمة الاقتصاديّة, ستحتدم التناقضات اكثر فاكثر: توازن هش بين الدول الكبيرة و الصّغيرة, مصالح فرنسا الزّراعيّة, تورط بريطانيا مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة, عجز في ميزانيّة إيطاليا, اهتمامات ألمانيا في شرقيّ أوروبّا - سيُوضَعُ كلّ ذلك تحت الاختبار.

 

دعنا نأخذ ألمانيا كمثال. إنّها الأقوى بين الاقتصاديات الأوربّيّة و لوقت قريب كانت تمثل القوّة الدافعة للاقتصاد الأوربّيّ. ولكنّها تتخبط الآن في أزمة عميقة. ومن وجهة نظر اصحاب رؤوس الاموال الألمان فان الإجابة بسيطة : التقليص في النفقات و الاجور و المعاشات. بعبارة أخرى, الإجابة هي وضع المسؤوليّة على اكتاف الطبقة العاملة. لكنّ العمّال الألمان لن يقبلوا بهذا بدون رد فعل. لذلك, ستدخل ألمانيا في نزاع مع الرأسماليين الأوربّيّين الآخرين. و نفس الشيء بالنسبة للاخرين.

 

مبدئيا, الجميع  يدافع عن أوروبّا قوية. ولكن السّؤال المطروح: من سيدفع فواتير ذلك؟

 

قوّة الدّفاع الأوروبّيّ ؟

اخر القول: فكرة ان أوروبّا يمكنها أن تنافس الولايات المتّحدة الأمريكيّة على أسس رأسماليةّ هي فكرة حمقاء. لقد أُعْطِيَتْ الإجابة مسبقا من قبل هنري كيسنجر, عندما قال : حين أريد التّكلّم مع أوروبّا, بمن علي ان أتّصل؟"

 

هذه الحقيقة قد اتضحت مرة اخرى بالقرار الأحاديّ الجانب للولايات المتّحدة الأمريكيّة لمهاجمة العراق. و بخصوص هذه القضيّة, نرى مرة اخرى, انه لا توجد سياسة موحدة في الاتحاد الاوروبي . فبريطانيا, وكالعادة, تدعّم الولايات المتّحدة الأمريكيّة في حين تبدي فرنسا معارضتها, ولكن تغيّر رأيها عندما تواجه بالامر الواقع. لا تزال ألمانيا على  معارضتها و لكننا سنرى ماذا يحدث عندما تجد نفسها معزولة بموقفها. اذ يمكن أن نتخيّل خطاب شرودر على الشاشة الصغيرة: "لا يوجد من كان أكثر معارضة لهذه الحرب منّي, ولكنّ الآن نرى الدّليل ان…"

 

في الواقع, أجبرت الولايات المتّحدة الأمريكيّة أوروبّا أن تقبل بأوامرها, كما فعلت في الحرب في كوسوفو, وبدون ادنى احترام لحلفائها الأوربّيّين. و بالفعل, ليس من الصعوبة بمكان أن تحصل على موافقة  بلير على كل شيء, بما ان الدمية المتحركة لا تملك حس التّجادل. اما فرنسا التي تتمنّى اتباع مصالحها الخاصّة في الشّرق الأوسط, هي  الشريك الاكثر ترددا وقد وافقت على المشاركة فقط لأنّ رفضها يعني - كما اوضح بوش - استبعادها من المشاركة في قسمة الغنيمة بعد ذلك.

 

بالنّسبة إلى ألمانيا, فان الشعب الالماني قد عانى ويلات حروب كثيرة و لا يتمنّى أن يُجَرّ اليها من جديد .و لكنّ من ناحية أخرى, إذا أراد الراسماليون الألمان ان يلعبوا دورا في "النظام العالمي الجديد"  فانهم سيُجْبَرُونَ على ذلك اي التقيد بالتزاماتهم الدّوليّة بالشكل الذي سيضعه الأمريكيّون .

 

وإنّه في صالح واشنطن أن يرسل الأوروبّيّون مزيدا من قوّات حفظ السّلام إلى مقدونيا و البوسنة بحيث  يتمكن الجنود الأمريكيّون "المقيدين" هناك من الالتحاق برفاقهم للمساعدة في العراق. هذا بالرّغم من ان في يوغسلافيا نفسها لم يُوجَد أيّ حلّ حاسم و الهدنة بين الطّوائف المتعاركة في مقدونيا هشّة جدًّا و قد تتفجر الاحداث من جديد في أيّ وقت .

 

و بما ان الرّأسماليّون الأوربّيّون سيُجْبَرون على المشاركة في المغامرات العسكريّة في الخارج, فانه من الافضل ان يكون ذلك تحت راياتهم الخاصة بدلاً من الاستمرار في سياسة الابتزاز و الترهيب التي تمارسها واشنطن ؟ هذا هو الأساس من وراء فكرة قوّة دفاع أوربّيّة.

 

لمن تكون السيطرة ؟

لا يقع أبدًا التُصريح بالأسئلة الحاسمة التي تتعلّق بقوّة دفاع أوربّيّة . أوّلاً, ما هو الغرض الذي ستستخدم من اجله؟ و ثانيا : من سيتحكّم في هذه القوة ؟ انه من الضروري طرح هذه الاسالة.

 

وفيما يبدو فقد ذهب البعض الى القول من وجهة نظر يسارية أن قوّة دفاع أوربّيّة ستكون تقدّميّة بما اننا نحن الأوربّيّون أكثر تحضّرا من المستعمرين الأمريكيّين و سنستخدم القوّة العسكريّة لارساء السّلام و الدّيمقراطيّة, و اشياء اخرى من هذا القبيل.

 

لقد كان كلاوسفيتز مفكّرا سديدا أُعْجِبَ به لينين كثيرًا. وهو الذي أشار أن الحرب ما الا هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى. ان البرجوازيّة تشنّ الحرب على أيّ بلد فقط من اجل مصالحها الأنانيّة, سواء كان بالنسبة لامريكا او ألمانيا أو أيّ بلد اخر.

 

إنّه غريب  أن نقول أننا الأوربّيّون أكثر تحضّرا من الأمريكيّين. فهذا يجعل سلوك الامبرياليات البريطانيةّ, و الفرنسية و الألمانية و الهولندية و البلجيكيّة في الماضي خارج النّقاش. فالتّاريخ  يقدم لنا كثيرا من الادلة على سلوكنا المتحضّر المفترض! الاختلاف الوحيد اليوم هو أنّ المستعمر الأوربّيّ ضعيف جدًّا للتكشير عن أنيابه كما كان يفعل في الماضي.

 

في الواقع, كان احد اهداف انشاء الاتّحاد الأوروبّيّ هو الاستغلال المشترك للمستعمرات السّابقة في إفريقيا و الشّرق الأوسط و الكارييب. وقوّة الدّفاع الأوروبّيّ ستُسْتَخْدَم بالتّأكيد بغرض تدعيم هذه الهيمنة, و ليس على الإطلاق من اجل حفظ السّلام. و سيكون ذلك مجرد تقليد للسّياسة المتبعة من طرف الولايات المتّحدة الأمريكيّة و لكنّ بغرض الدّفاع عن المصالح الأوروبّيّة بدلاً من الأمريكيّة.

 

هذه القوّة نفسها ماتزال مشروعا في مرحلة جنينية. وإنّه من المفترض أن تتكوّن من 60,000 جنديّ  تساهم فيه كل من بريطانيا و ألمانيا ب15 في المئة, و فرنسا باكثر من ذلك بقليل. و من المفترض ان يقتصر دور هذه القوات في حفظ السّلام, حل الأزمات و العمليّات الإنسانيّة. في زمننا هذا من المفترض ان الجيوش تشارك في مثل هذه الأنشطة, الا انه و مثلما تعبر عنه رواية جورج أوروال  1984, فانه يطلق على وزارة الحرب وزارة السلام. و كما راينا في كوسوفو, كانت مهمّة حفظ السّلام الانسانية وسيلة فعالة جدًّا للقصف و الاحتلال.

 

هنا نصل إلى تناقض اخر.  فمفهوم المصالح الأوربّيّة هو نفسه فكرة مجرّدة. اذ ان مصالح ااراسماليين الألمان و الفرنسيين و البريطانيّين لا تلتقي بالضرورة ونرى ذلك جليا في ان فرنسا, و بالرّغم من تاريخها الاستعماريّ الطّويل في غرب أفريقيا, لم تقدّم ادنى مساعدة لبريطانيا أو لمهمّة حفظ السّلام التّابعة للأمم المتّحدة في فريتاون-سيراليون.

 

و بما انه ليس هناك مشروع لجيش ثابت, و لكنّ يتم ذلك بناء على طلبات هذا البلد او ذاك من القوّات التي يحتاجها, فان ذلك يدع المجال مفتوحا امام الكثير من الخلافات المستقبليّة. و قد عبروا عن ذلك ضمنًيا بانه لن يقع اجبار بلد للمشاركة بجنوده في مهمة لا يساند اهدافها! وهذا لا يفتح الطريق جيّدًا لمستقبل القوّة كعمليّة قتال ناجعة.

 

تغيّر في ميزان القوى

أشار تروتسكي منذ وقت طويل أن مركز التّاريخ العالميّ قد انتقل من البحر المتوسّط إلى المحيط الأطلسي, و من الأطلسي سينتقل إلى المحيط الهادئ. و لقد ثبتت صحة هذا التّنبّؤ. اذ بالتّأكيد سوف يكون حوض المحيط الهادئ أهمّ منطقة على الكرة الأرضيّة خلال العقود القليلة القادمة, باحالة اوروبّا على احتلال موقع ثان أو ثالث.

 

اخذة هذه الحقيقة بعين الاعتبار, فان شريحة متنامية في الطبقة الحاكمة الأمريكيّة تريد التقليل من وجودها العسكريّ في أوروبّا و التّركيز على آسيا و الشرق الاوسط. و يشتكي ممثلوا هذه الفئة من أن الأوربّيّين "لا يضعون كامل ثقلهم" (و هم يعنون بذلك ان على الأوربّيّين أن يدفعوا اموالا أكثر للناتو-الحلف الاطلسي. ومن ناحية أخرى, و كلّما يطرح الأوربّيّون مسالة  لعب دور مستقلّ,  يرفع الامريكيون اصواتهم عاليا ضد "الجحود الأوربّيّ".

 

في الحقيقة, مع ان أنّ أوروبّا لم تعد تشغل المكان المركزيّ في حسابات أمريكا العولميّة, ماتزال لديها أهمّيّة استراتيجيّة عظيمة و ستستمرّ هذه الاهمية لمدّة من الزمن. يريد الأمريكيّون السّيطرة على أوروبّا و لكن هذه الاخيرة تقاوم ذلك. الا بريطانيا تبقى حليفا يعتمد عليه  الا ان هذه العلاقة مرشحة للفتور في الفترة القادمة اذا ما اشتدت المعارضة للحرب في العراق و لموالاة  بلير و شركائه الذليلة لامريكا.

 

بالرّغم من أنهم يصفّقون علانيةً لبوش ولحربه على الإرهاب فان الرّأسماليّين الأوربّيّين يدركون أن القوة الضّخمة للإمبرياليّة الأمريكيّة هي تهديد محتمل لهم. لذلك يبدون استيائهم من سياسة العصى الغليظة التي بها تقرّر واشنطن شنّ حرب ثمّ تجرّهم اليها في الاتّجاه الذي ترسمه. فبرنامج الأسلحة الأمريكيّ المذهل معد لتحقيق تفوّق أكبر على بقية العالم. ضدّ من تتسلّح أمريكا و ما الغرض من ذلك ؟ هذه هي الأسئلة المطروحة في باريس و لندن.

 

ان التّحرّك نحو انشاء قوّة دفاع أوربّيّة هو تعبير عن التّوتّرات و المنافسة المتنامية بين أوروبّا و أمريكا التي بلغت الذروة بعد حرب كوسوفو. و هذا يحيلنا منطقيًّا إلى التناقض الموالي. فإذا وضعت قوّة الدفاع الأوربّيّة اقدامها على الارض, أيّ دور سيُتْرَك  للحلف الاطلسي المهيمنة عليه امريكا؟

الأمريكيّون الذين يخشون فقدان هذه السّيطرة, يصرّون على أن القوّة الجديدة يجب أن تُسْتَخْدَم فقط في الحالات التي لا يريد الحلف ( أي, الولايات المتّحدة الأمريكيّة ) الاشتراك فيها. هم أيضًا قلقون من المضاعفات الحتمية للاستعلام و التخطيط. لكنّ الأوربّيّون مصمّمون على اتباع مصالحهم الخاصّة. وبالفعل, يبدو ان اللّورد روبرتسون قد حذّر توني بلير من أن القوّة الجديدة يمكن أن تشعل فتيل أزمةً عبر الأطلسيّ .

 

اما الفرنسيينّ الذين يتبعون مصالحهم القديمة, يريدون تقليص نفوذ أمريكا في أوروبّا. و قد قاومت بريطانيا, و إلى حدّ ما ألمانيا, هذا في الماضي, اما الآن فقد يتغيّر كل ذلك. فإذا ما ظهرت القوّة الجديدة فعليا فان ذلك سيؤدّي حتمًا إلى أزمة, و ربما انشقاق في الحلف الاطلسي في مرحلة معيّنة. ما هذا الا تعبير عن التّوتّرات المتنامية بين أوروبّا و أمريكا .

 

من اجل سياسة أممية!

هل علينا أن نرحّب بهذه التطورات؟ نعتقد انه لا يوجد ما هو تقدّميّ لا من طرف الناتو و لا من طرف قوّة الدفاع الأوربّيّة المقترحة. من وجهة نظر الطبقة العاملة الأوربّيّة, ما تعنيه محاولة البرجوازيّة الأوربّيّة في جعل قواها العسكرية تضاهي تلك التي لدى الولايات المتّحدة الأمريكيّة الا شيئًا واحدًا: المزيد من الاعتداء على مستوى العيش. ستكون هذه السّياسة مكلفة بصورة مدمّرة و في اطار الأزمة الاقتصاديّة العالميّة يعني ذلك هجومات جديدة على الإنفاق الاجتماعيّ.

 

المسالة الأولى هي أنّ قوّة دفاع أوروبّيّة, إذا ما اريد لها ان تكون مجدية, يجب أن تسَلَّح و تُجَهَّز بشكل مناسب و على الأقلّ بنفس المستوى الأمريكيّ. و لكن من سيدفع من اجل ذلك؟  ففي حين يقال للطبقة العاملة انه لا توجد اموال من اجل المدارس و المستشفيات و المعاشات يقال لنا كذلك أنه هناك حاجة لمزيد من القنابل والدّبّابات و الأقمار الصّناعيّة و الطّائرات الحربيّة. و من الواضح أن المجال الثاني يقصي الاول.

 

 على الطبقة العاملة معارضة اهدار الاموال في التسليح, و بالمقابل تطرح برنامج الاشغال العامّة المفيدة و ذلك يعني: لا نريد مزيدا من البنادق و الدبابات نريد مستشفيات و مساكن و مدارس و دور حضانة... الخ.

 

يجب أن تكون سياستنا سياسة كارل ليبنخت و روزا لوكسمبورغ, الزعماء و الشهداء العظام للطبقة العاملة الألمانيّة و العالمية, أي سياسة طبقية, سياسة معادية للعسكرة و للإمبرياليّة. ولكنّ لا يمكن لهذه السياسة ان تنجح الا اذا ما ارتبطت و بإحكام بالسّياسة المعادية للرّأسماليّة ذات الافق الاشتراكيّ القوميًّ و الاممي.

 

ان الاشتراكيّة اممية او لا تكون. انها ليست حلما طوباويا ولكنّها تنبثق حتمًا من التطور الرأسماليّ نفسه. لقد تم تبيان ذلك مسبقا في صفحات البيان الشّيوعيّ. ان تشكل الاتّحاد الأوروبّيّ, كماذكرنا انفا, هو اعتراف ضمنيّ من البرجوازيّة ان الدول القوميّة القديمة قد فقدت جدواها و أصبحت تمثل عوائق رجعيّة امام التطوّر الحر لقوى الانتاج.

 

مثل لكسمبورغ و ليبنخت نقف بثبات من اجل سياسة الاممية البروليتاريّة. نحن ندعم وحدة أوروبّا, لكننا نعتقد أن على أسس رأسماليّة, مثلما  بين لينين, فان أوروبّا الموحّدة  ما هي الا يوطوبيا رجعيّة. نحن نعارض أوروبّا البنوك الكبيرة و الاحتكارات التي تعني مستقبلاً من البطالة, وتقليص النفقات الاجتماعية و بؤس الملايين.

 

البديل لأوروبّا عن البنوك و الاحتكارات هو الدول المتّحدة الاشتراكيّة لاوروبا. على أساس التخطّيط المشترك للانتاج و تاميم البنوك و الاحتكارات و وضعها تحت إدارة و رقابة الديمقراطية العمالية, وهو ما يمكن فعلاً من توحيد قوى الإنتاج في كامل اوروبّا, و من ثمة حشد قوّة انتاج هائلة.

 

يبلغ سكّان الاتّحاد الأوروبّيّ حاليًّا 370 مليون نسمة, مقارنة ب270 مليون نسمة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة و لكنّ يمثل الانتاج المحلي الخام المشترك لأوروبّا 7.9 الاف بليون دولار, في حين يبلغ الانتاج المحلي الامريكي 10.1 الاف بليون و بالتوسيع المقترح للاتحاد الاوروبي سيفوق تعداد السكّان 460 مليونا و يصل إلى حدود روسيا. ان الطاقة الانتاجية المشتركة لأوروبّا ستفوق نظيرتها الأمريكيّة.

 

ان الإمكانيّة الانتاجية الهائلة لأوروبّا معرقلة بسبب محدودية النظام الرّأسماليّ. في ألمانيا فقط هناك أربعة ملايين عاطل عن العمل وهو ما يمثل عبئا ثقيلا على الاقتصاد. سيقضي الاقتصاد الاشتراكيّ الموجّه على هذا التبديد المريع و يضع الأساس لنموّ سريع لقوى الإنتاج و زيادة فريدة في مستويات المعيشة. و بدلاً من مناقشة التقليص في المعاشات و الأجور, سنكون في وضع يسمح بادراج برنامج إصلاحات اجتماعيّة تضع كلّ مكاسب الماضي على ارض الواقع.

 

على أساس اقتصاد موجّه مسير بشكل ديمقراطيّ, تصبح البطالة كابوسا من الماضي. كما يتم التخفيض في ساعات العمل  إلى 30 ساعة في الأسبوع بدون التخفيض في الاجور. هذا ما يرسي الأساس لازدهار كبير في الفنّ و العلم و الثّقافة, مستعينا بكلّ الميراث الثّقافيّ الغنيّ لشعوب أوروبّا. و لن يكون للدّيمقراطيّة مفهومها المحدود الحالي بل ستكون معبرا  عن التسيير الدّيمقراطيّ للمجتمع من قبل جميع متساكنيه.

هل يبدو هذا صعب المنال ؟ لن يكون الامر صعبًا إذا ما أقنعنا الأغلبيّة أنه من الضروريّ أن تناضل من أجل مصالحها الخاصّة. و في جميع الاحوال ليس الامر باصعب من القبول بالوضع الحاليّ المتسم بالبطالة والتقليص في النفقات الاجتماعية و الحروب و المجاعات و الأهوال الأخرى التي تنتجها الرّأسماليّة لشعوب العالم؟

 

و من اجل بلوغ ذلك النصر العظيم علينا ن نجدد العهد مع انفسنا بمواصلة النضال الذي بداه ماركس و إنجلز و لوكسمبورغ و ليبنخت إلى النّهاية.

 

ان انتصارالاشتراكيّة في أوروبّا سيغير العالم باكمله, ويضع الأساس لفدرالية اشتراكية عالمية. ذلك هو الافق الوحيد  الذي يستحقّ الكفاح من اجله في العقد الأوّل من القرن الواحد و العشرين: افق أوروبّا الاشتراكيّة و نظام اشتراكيّ عالميّ جديد.

 



#آلان_وودز (هاشتاغ)       Alan_Woods#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسرائيل وفلسطين: المخرج الوحيد


المزيد.....




- فعل فاضح لطباخ بأطباق الطعام يثير صدمة بأمريكا.. وهاتفه يكشف ...
- كلفته 35 مليار دولار.. حاكم دبي يكشف عن تصميم مبنى المسافرين ...
- السعودية.. 6 وزراء عرب يبحثون في الرياض -الحرب الإسرائيلية ف ...
- هل يهدد حراك الجامعات الأمريكية علاقات إسرائيل مع واشنطن في ...
- السودان يدعو مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة الاثنين لبحث -عدوان ...
- شاهد: قصف روسي لميكولايف بطائرات مسيرة يُلحق أضرارا بفندقين ...
- عباس: أخشى أن تتجه إسرائيل بعد غزة إلى الضفة الغربية لترحيل ...
- بيسكوف: الذعر ينتاب الجيش الأوكراني وعلينا المواصلة بنفس الو ...
- تركيا.. إصابة شخص بشجار مسلح في مركز تجاري
- وزير الخارجية البحريني يزور دمشق اليوم للمرة الأولى منذ اندل ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - آلان وودز - أوروبّا, أمريكا و الإمبرياليّة